في الواقع؛ أن رئيسا للولايات المتحدة إنسحب من اتفاق تم التوصل اليه عبر مجموعة دولية ضمت اعضاء مجلس الامن الدولي بالاضافة الى المانيا للجمّ الطموحات الايرانية النووية مقابل إلغاء عقوبات اقتصادية، وتنصّل بالتالي من تنفيذ القرار الاممي 2231 الذي احتضن هذا الاتفاق الذي لم تنفذه ايٌ من الدول المعنية ما عدا ايران التي قامت بإعادة صياغة برنامجها النووي علی قاعدة القرار 2231.
اعتقد الرئيس دونالد ترامب ان التوقيع علی بيان الانسحاب من الاتفاق النووي “امرٌ هينٌ” وأنه “وفی بعهده”، كما قال حتى يضع البرنامج النووي الايراني “علی كف عفريت”، بعدما قررت ايران اتخاذ خطوات تصعيدية في نسب تخصيب اليورانيوم رداً على انسحاب الولايات المتحدة وتملص الدول الاوروبية من تنفيذ الاتفاق النووي وبنود القرار 2231.
اطراف متعددة دخلت علی خط هذه العقدة التي سببها الرئيس الامريكي السابق. كُلٌ يريد استغلالها لتفصيلها علی مقاساته تحقيقاً لاهداف عصيّة عليه بعدما اعتقدت هذه الاطراف ان الوقت قد حان لمحاصرة ايران في حلبة المصارعة.
ربما يكون الكيان “الاسرائيلي” اكثر نشاطا من غيره لاستغلال مثل هذه العقد. والحق يقال انه متمرس بذلك بدرجة عالية من الخباثة لإحكام الطوق علی إيران. شخصيات هذا الكيان ذهبت الی العواصم الاوروبية والامريكية وروسيا رافعة الخطط البديلة والخيارات الاخری ناهيك عن المحيط الاقليمي من اجل حصر الايراني في زاوية الحلبة لتقديم تنازلات علی مستوی تفكيك صداقاته مع الاقليم وتأمين “الامن الاسرائيلي” مقابل مغريات يسيل لها اللعاب!
المصارع الايراني موجود في حلبة النزاع لكنه يتحرك بسرعة وحذر وفق قواعد اللعبة التي يتقن فنونها؛ لكن الصحيح ايضا ان الامريكي لا يريد الاستسلام للشروط الايرانية التي تعتبر صادمة له ولحلفائه. هناك حالة ثالثة وهي (رابح/ رابح). هل هذا ممكن؟
“الاسرائيلي” الذي كشّر عن أنيابه ظناً منه انه يُخيف، عاد للحديث عن شهر وشهرين واسبوع واسبوعين امام ايران للحصول علی القنبلة الذرية. نتذكر عندما وقف “الاسرائيلي” بنيامين نتنياهو عام 2018 امام الامم المتحدة ليشير علی رسم توضيحي من ان ايران ستصبح صاحبة قنبلة نووية خلال عام. التاريخ ثبت كذب هذا الرجل الذي يصفه الاوروبيون بأنه “كذّاب”؛ مقابل المصداقية الايرانية التي قالت انها ليست بوارد الحصول علی السلاح النووي.
نحن نتحدث الان قبل ايام من الاجتماع المرتقب الذي يعقد في بروكسل بين ايران والمجموعة الغربية. هذا الاجتماع وصف انه “تمهيدي” قبل استئناف مسار فيينا.
المبعوث الامريكي للشأن الايراني روبرت مالي التقی مندوبين عن الترويكا الاوروبية في باريس نهاية الاسبوع الفائت بعد جولة قام بها لعدد من دول المنطقة.
التحرك الامريكي اراد تعزيز موقفه بعد مشاورات اجراها في المنطقة وفي اوروبا؛ فيما سارت ايران بمسارين. الاول؛ التأكيد علی علاقاتها الاقليمية علی خلفية زيارة وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان لكل من لبنان وسوريا وقبلهما العراق. الثاني؛ التشاور مع الصديقين الروسي والصيني قبل الاعلان عن جهوزيتها لاسئناف مسار فيينا.
لم يرشح الكثير عن لقاء روبرت مالي مع المندوبين الغربيين في باريس؛ لكن اجتماع بروكسل سيضع الكثير من النقاط علی حروف عاصمة “الانس” فيينا!
ايران قالت انها مستعدة للعودة عن خطواتها التصعيدية النووية في حال تم إحياء الاتفاق النووي بعد إلغاء العقوبات والإبقاء علی نسبة تخصيب 3.76.
الولايات المتحدة مستعجلة للعودة إلى المفاوضات لانها تعلم ان خيار ايران القادم هو التخصيب بنسبة 90 بالمائة. امريكا تعلم و”اسرائيل” معها ان ايران لا تريد انتاج السلاح النووي حتی وان امتلكت يورانيوم عالي التخصيب؛ لكنها تعلم ان وجود مثل هذا الوقود بيد ايران هو تهديد جيو إستراتيجي لـ”إسرائيل”؛ وهذا وحده يعتبر عامل تهديد للأمن القومي “الاسرائيلي” لا يقل خطورة عن تهديد صواريخها البالستية.
صحيح ان المصارع الايراني موجود في حلبة النزاع لكنه يتحرك بسرعة وحذر وفق قواعد اللعبة التي يتقن فنونها؛ لكن الصحيح ايضا ان الامريكي لا يريد الاستسلام للشروط الايرانية التي تعتبر صادمة له ولحلفائه. هناك حالة ثالثة وهي (رابح/ رابح). هل هذا ممكن؟ اعتقد نعم عندما تصاغ مباحثات فيينا علی هذه القاعدة بالشكل الذي تتحقق فيه مصالح جميع الاطراف المعنية بالاتفاق النووي.