بن سلمان يكرر “السيناريو القطري” في لبنان.. فهل ينجح؟

تتدحرج الأزمة الخليجية اللبنانية من سيء إلى أسوأ إلى حد إرتسام سيناريو محاصرة قطر. الفارق أن لبنان في أزمة مالية ـ اقتصادية خانقة لا تسعفه على الصمود لأشهر وليس لسنوات ثلاث كحال قطر التي عاندت وصمدت لأنها غنية وقادرة على شراء الولاءات الداعمة لموقفها، ولا سيما في قلب المؤسسة الأميركية.

حتى الآن لم تتدخل أي دولة عربية وازنة، مثل مصر، في الأزمة المندلعة بين السعودية والإمارات والبحرين والكويت من جهة، ولبنان من جهة أخرى. لذا يلجأ لبنان الرسمي الى فرنسا والولايات المتحدة علهما يفعلان شيئاً لوقف التدحرج السلبي في الموقف السعودي.. ولسان حال الرياض عبر “الأصدقاء المشتركين” حتى الآن، أن إستقالة جورج قرداحي وحدها يمكن أن توقف التدحرج الذي لا سقف له حتى الآن.

السيناريو مع قطر بدأ باتهامات بدعم الإرهاب والتواطؤ مع إيران وشق الصف الخليجي. قُطعت العلاقات الدبلوماسية وأُقفلت الحدود وتوقف الاستيراد والتصدير والرحلات الجوية، وكان السيناريو الأمني حاضراً قاب قوسين أو أدنى (جرى التحشيد عسكرياً) لولا تدخل أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي باع واشترى واستثمر في تلك الأزمة، مُبتزاً جميع من تورط فيها حتى الجنون!

مات الأمير صباح، وباتت الكويت اليوم متماهية تماماً مع ما يريده ويقرره ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تقديراً لـ”الأخ الأكبر” أو خوفاً منه (ولا فرق بين الإثنين كما كان الحال سابقاً بين سوريا ولبنان)، بينما تتمايز دولة قطر وسلطنة عُمان في موقفهما ولا تذهبان بعيداً في القاء كامل اللوم على لبنان، ولا تقفان في الوقت عينه، حجر عثرة أمام “البلدوزر” السعودي. وهما أعجز من أن يلعبا دور الوسيط الساعي لتهدئة الأوضاع لمنع انزلاقها أكثر نحو الحصار الكامل للبنان وصولاً الى طرح فكرة طرده من جامعة الدول العربية، كما يرغب المحمدان (بن سلمان وبن زايد).

وفي الفوارق أيضاً بين أزمتي قطر ولبنان أن الدوحة قرارها المركزي واحدٌ، وأن قطر غنية وفيها قاعدة أميركية (العديد) ولديها ظهير تركي قوي ساعدها على الصمود، كما ساعدتها ايران التي فتحت فضاءها للطيران القطري وزادت طهران صادراتها الى الدوحة منعا لحصول أزمة غذائية كما فعلت أنقرة ذلك أيضاً.

أما لبنان فمشتتٌ كالهباء المنثور بين متنازعين شرسين على قراره السيادي (الأرجحية المقررة حالياً لحزب الله)، وغارقٌ في أزمة اقتصادية مالية هي الأسوأ في العالم منذ العام 1850، كما يؤكد البنك الدولي، ولا نصير عربياً وازناً له، ولديه مشكلة مع جارته سوريا لأن فريقاً لا يريد عودة العلاقات معها كما يجب، لأسباب سياسية وأخرى متعلقة بالعقوبات الأميركية.

حتى الآن، أحد عناصر قوة حكومة ميقاتي هو وقوف الأميركيين حاجز صد بوجه كل من يريد إسقاطها سواء بإستقالة رئيسها أو أكثر من الثلث من أعضائها، لكنهم أعطوا إشارة واضحة لمن يهمه الأمر: المطلوب رأس جورج قرداحي حتى يتوقف تدحرج الإجراءات السعودية

إقليمياً، ثمة دولة بحجم تركيا ليست بوارد الإنتصار مجاناً للبنان وهي في طور تحسين علاقاتها مع السعودية والامارات وحجم مصالحها هناك يفوق بكثير حجم مصالحها مع لبنان. بدورها، “تفرك” اسرائيل يديها من فرط السعادة في رؤية حزب الله أسير واقع سياسي وإقتصادي ومالي معقد في ووحول سياسية آسنة. أما عين فرنسا فبصيرة ويدها قصيرة بفعل ضيق الهامش المتاح لها أميركياً. لقد حاول إيمانويل ماكرون بالتضامن مع رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي قرع أبواب الرياض لعلها تفتح أمام نجيب ميقاتي، غير أن محمد بن سلمان أجاب بأنه لا يثق كفاية برئيس وزراء لبنان الحالي، وبالتالي لن يستقبله ولن يسهل له مهمة الانقاذ الاقتصادي التي يتولاها وهو المدرك أنها بحاجة إلى دعم دولي وخليجي لكي تنجح. حتى أن رواية أحد الدبلوماسيين الخليجيين في بيروت تفيد بأن ميقاتي حاول جس نبض المملكة عما إذا كانت إستقالته تفيد، فكان الجواب “سؤالك متأخر”!

إذاً، لا بد من واشنطن مهما طال السفر. بيد أن الولايات المتحدة سعيدة نسبياً أيضاً في محاصرة لبنان اذا استطاعت الى إضعاف حزب الله سبيلاً، وتنظر الى محمد بن سلمان كمقايض بين خنق “لبنان حزب الله” وبين التطبيع مع اسرائيل علناً. اذا حصلت المقايضة ترجح الكفة لجهة ترك لبنان الى مصيره المحتوم الى حين نضوج الطبخ التطبيعي. لكن حتى الآن، أحد عناصر قوة حكومة ميقاتي هو وقوف الأميركيين حاجز صد بوجه كل من يريد إسقاطها سواء بإستقالة رئيسها أو أكثر من الثلث من أعضائها، لكنهم أعطوا إشارة واضحة لمن يهمه الأمر: المطلوب رأس جورج قرداحي حتى يتوقف تدحرج الإجراءات السعودية والخليجية!

الكرة الآن بالنسبة لمحمد بن سلمان هي في ملعب حزب الله، فهل يقبل بالتضحية بقرداحي ويتراجع خطوة الى الوراء لافساح المجال أمام جهود التهدئة وبالتالي فرملة باقي الأجندة السعودية، وذلك عشية انتخابات نيابية ورئاسية لبنانية ستُحدد مستقبل التعامل العربي والدولي مع لبنان لسنوات ست قادمة؟

إقرأ على موقع 180  حتى يأتي ذاك اليوم يا شيرين

وفي الأجندة السعودية أيضاً ما يتصل بالأمن القومي السعودي. فقضية اليمن استراتيجية جداً بالنسبة للمملكة. هي تخسر هناك ميدانياً وسياسياً وتتهم حزب الله بالتدخل لمصلحة الحوثيين. فيما الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لا يتردد في القول “إن أجمل وأنبل شيء فعلته في حياتي هو نصرة أهل اليمن المظلومين”.

السيناريو المستحيل الذي قد يرضي السعوديين ـ عدا عن إقالة قرداحي ـ هو اعلان حزب الله علناً عدم تدخله في اليمن ووقوفه على الحياد في تلك المعركة ربطاً بكلفتها العالية سعودياً.

ربما في جعبة بن سلمان ما يشبه الانقلاب في لبنان لاعادة تمكين رئيس وزراء موال للمملكة مائة في المائة، فهل سيمضي بالضغط أكثر ـ برغم رفض الأميركيين لهكذا سيناريو ـ لفرض إستقالة الحكومة الميقاتية وتمهيد الطريق لترشيح أمين سلام (إحفظوا هذا الإسم جيداً)، على سبيل المثال لا الحصر، بالتفاهم مع الاميركيين بشرط احياء فكرة “حكومة المهمة” بوزراء غير سياسيين، او وزراء لا تتدخل الأحزاب في تسميتهم لا سيما من جانب حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر والمردة والحزب القومي إلخ..

لحزب الله حسابات مختلفة عن حسابات السعودية. بات هذا التنظيم يتقن لعبة الإنتظار (الصبر الإستراتيجي) ليستطيع حصد نتائج في مصلحته مثل حسم معركة مأرب في اليمن، وحصول تقدم في المفاوضات النووية مع ايران، وترقب خرق في العلاقات السعودية ـ الايرانية. الحزب يعتقد ان المحور الذي هو فيه فائز لا محالة، فلماذا يقدم تنازلات للسعوديين، وهو المُراكم لـ”الإنتصارات” في كل تاريخه كما يعتقد أو يتهيأ له؟

إذا أكمل الأميركيون بالإتجاه نفسه ووفروا مظلة الحماية للحكومة الميقاتية، حتماً سيتراجع السعوديون.. ولو أن الكلفة على لبنان ستكون مرتفعة للغاية من الآن وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً

لا يجوز إهمال سوريا في سياق سياسي إقليمي. جورج قرداحي ليس هو القضية أبداً. صحيح أن الفضل بتسميته أولاً للقيادة السورية، إلا أن ممر تلك التسمية إقتضى أن يكون متعرجاً بين بنشعي وبعبدا والضاحية.. لذلك لن يكون مفاجئاً أن يكون تفاعله مع أي طلب سوري بالإستقالة أو عكسها، مختلفاً كلياً عن حسابات الإستقالة لبنانياً. الأمر يرتبط بحسابات تتعدى الأزمة المفتعلة بين الرياض وبيروت.

في الأثناء، لبنان يختنق، واقتصاده ينهار أكثر وسكانه يغرقون في الفقر والبؤس. وكبريت أعواد ثقابه السياسية يلامس اللهيب الأمني لو تكرر ما حصل في الطيونة على نطاق أوسع.. هنا، لا بد من إستعادة ما كان ردده محمد بن سلمان قبل سنتين بالتمام أمام خلية الأزمة المعنية بالملف اللبناني في المملكة: إتركوا لبنان يحتضر ويحترق. في النهاية سيأتي إلينا اللبنانيون وهم يتوسلون أن ننقذهم.

لن يكون مفاجئاً أن يلي قرار سحب السفراء ووقف الإستيراد، خطوات متصاعدة من نوع وقف رحلات الطيران إلى وقف منح سمات الدخول وصولاً إلى فرض عقوبات على أشخاص وكيانات والتضييق على بعض الجاليات.. وثمة من يتحدث عن لوائح جاهزة تقضي بإبعاد عشرات اللبنانيين في الأسابيع القليلة المقبلة!

لبنان الرسمي ضعيف ولا حول له ولا قوة، أما “لبنان حزب الله” فيخوض معركة يراها “تاريخية” تؤسس لوطن يخطّط ليكون فيه أقوى مما هو عليه اليوم، متناسياً أن كثيراً من الانتصارات في التاريخ كانت بطعم الهزيمة.

وبرغم سوداوية المشهد، يمكن الإستنتاج أن من فشل مع قطر لن ينجح مع لبنان. الأمر لا يتصل بعضلات اللبنانيين بقدر ما يُضمر الأميركيون للبنان. هم رفضوا المازوت الإيراني وإستنفروا لأجل منع إنهيار لبنان وسقوطه بالكامل في الحضن الإيراني. إذا أكمل الأميركيون بالإتجاه نفسه ووفروا مظلة الحماية للحكومة الميقاتية، حتماً سيتراجع السعوديون.. ولو أن الكلفة على لبنان ستكون مرتفعة للغاية من الآن وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

Print Friendly, PDF & Email
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  "يديعوت أحرونوت": اغتيال خدياري "ضربة إستباقية"!