“عاد الرئيس إيمانويل ماكرون إلى فرنسا وهو يشعر بالرضا الشديد بعد زيارتيْه إلى الإمارات والسعودية. إذ وقّع مع قادة الإمارات “عقداً تاريخياً” يقضي بتزويدهم بـ80 طائرة حربية من طراز “رافال”، بالإضافة إلى عشرات الطوافات الهجومية وطائرات Airbus جديدة للمسافرين، أي بما يساوي نحو 20 مليار دولار.
بدأت المحادثات بشأن الصفقة قبل 15 عاماً في أيام رئاسة نيكولا ساركوزي، لكن اليوم فقط استطاعت شركة “داسو” للطائرات توقيع “صفقة القرن”. بذلك يكون ماكرون قد نجح في التغلب على قضية إلغاء أستراليا شراء 12 غواصة نووية من فرنسا، وفي المقابل، منح العمال في الصناعة الجوية الفرنسية فرص عمل جديدة في ذروة المعركة الانتخابية الرئاسية.
تجدر الإشارة إلى أن فرنسا لديها قاعدة عسكرية في أبو ظبي منذ سنة 2009، وكذلك علاقات ثقافية واقتصادية وثيقة جداً مع الإمارات والبحرين.
في ضوء الصفقة الفرنسية الجديدة، يُطرح السؤال: ما هو مصير طائرات الـ”أف -35″ التي لها علاقة بالعقد الذي وقّعته إدارة دونالد ترامب مع الإماراتيين في أثناء مفاوضات “اتفاقات أبراهام” والتطبيع مع إسرائيل؟
عودة الرياض إلى لبنان؟
أحزاب اليسار الفرنسية وجهت انتقادات إلى زيارة الرئيس ماكرون. وبحسب كلامهم، “هو يقدم سلاحاً متطوراً إلى أنظمة توتاليتارية تنتهك حقوق الإنسان”. ويتساءل المعلقون (الفرنسيون): “لماذا يحتاج الإماراتيون إلى هذا الكمّ من السلاح، بينما الحرب في اليمن لا تزال مستمرة”؟
خلال اجتماعه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، طرح ماكرون مسألة الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران. وفي الواقع، ماكرون هو الزعيم الأوروبي الوحيد الذي التقى بن سلمان منذ قضية مقتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي في تشرين الأول/أكتوبر 2018 في إستانبول. كما طُرح خلال الاجتماع أيضاً الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان، فطلب ماكرون من بن سلمان وقف الحظر المفروض على هذا البلد والعودة إلى تقديم المال والمساعدة له. وكانت السعودية وجهت إنذاراً إلى لبنان وطالبته باستقالة الوزير جورج قرداحي بسبب انتقاده تورُّط السعودية في اليمن وتأييده الحوثيين، واستدعت سفيرها في لبنان، وجمّدت أرصدة لها علاقة بحزب الله.
يعتقد ماكرون أن هناك فرصاً كبيرة في عودة الرياض إلى تأييد الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي. ففي رأي الفرنسيين، تأييد السعودية للبنان يساعد في وقف تدخُّل إيران، وينعكس سلباً على حزب الله
ماكرون الذي يعمل من أجل استقرار لبنان تحرك من وراء الكواليس ونجح في الحصول على استقالة الوزير اللبناني جورج قرداحي. وفي ضوء لقائه بن سلمان والضغوط التي يستخدمها في بيروت، يعتقد ماكرون أن هناك فرصاً كبيرة في عودة الرياض إلى تأييد الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي. ففي رأي الفرنسيين، تأييد السعودية للبنان يساعد في وقف تدخُّل إيران، وينعكس سلباً على حزب الله.
مستقبل العلاقات مع سوريا
بعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد إلى دمشق، يعتقد الفرنسيون أن الطريق فُتحت أمام استئناف دول أُخرى علاقاتها مع سوريا، بعد قطعها منذ نشوب الحرب الأهلية هناك في العام 2011.
حتى الآن، اشترطت فرنسا استئناف علاقاتها الدبلوماسية الكاملة مع سوريا برحيل الرئيس بشار الأسد من السلطة ومحاكمته، وطرد كل القوات الأجنبية، وإجراء “انتخابات ديموقراطية” رئاسية.
وبعد استمرار الأسد في الحكم، خلافاً لكل التوقعات، يسعى ماكرون الآن لاستئناف العلاقات، وخصوصاً المساعدة في إعادة إعمار الدولة المدمرة.
تجدر الإشارة إلى أن فرنسا أغلقت سفارتها في دمشق في آذار/مارس 2012، لكنها لم تطرد السفير السوري من باريس. وقبل أيام قرر ماكرون فتح السفارة الفرنسية وعيّن بريجيت كورمي، التي كانت سفيرة في ليبيا ومالطا، “سفيرة شخصية” له في دمشق.
ولاية ماكرون الثانية للخارج
بعد خمسة أشهر، تجري الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية وثمة حظوظ كبيرة في إعادة انتخاب ماكرون لخمسة أعوام جديدة. وإذا فاز في الانتخابات (الدورة الثانية في أيار/مايو 2022) فإن ولايته الثانية سيخصصها للعلاقات الخارجية.
في 30 تشرين الثاني/نوفمبر اجتمع وزير الخارجية الإسرائيلي (يائير لابيد) بماكرون وطلب منه تشديد العقوبات على إيران وتهديدها بخيار عسكري حقيقي، لأن هذا فقط سيمنعها من السير نحو السلاح النووي.
مع ضعف الولايات المتحدة، وخصوصاً بعد انسحابها من أفغانستان، تتقرب فرنسا من السعودية ومن دول الخليج وتحاول أن تملأ الفراغ الناشىء” (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).