محمود عباس.. باقٍ باقٍ!

لا يختلف رئيس سلطة رام الله الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) عن غيره من الزعماء والرؤساء والقادة العرب المتمسكين بحكمهم وسلطتهم (لا يمكن ان يتركوا كرسي الحكم الا بالموت)، سوى انه "عميدهم" الأكبر سناً بينهم، وهو قد بلغ السابعة والثمانين من عمره.

حين شاهدته يفتتح اعمال المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله، الاحد الماضي، بدا محمود عباس بصحة جيدة وما زال متماسكاً، ولا يريد ان يترك الحياة او السلطة قريباً، برغم ما بلغه من هوان سياسي وتخاذل وطني، يجعل العدو الاسرائيلي متمسكاً به، ولكن بلا حرص على حفظ حد أدنى من كرامته الانسانية او الوطنية، وهذا ما يؤكده رفض رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت الالتقاء به.

ولا زلت أذكر أنه حين قام محمود عباس بأول زيارة للعاصمة السعودية بعد ان اصبح رئيساً للسلطة في مطلع عام 2005، إستقبلني في مقر اقامته وحسدته على صحته وشبابه وكيف تجاوز مرضه فردّ عليَّ ضاحكاً “السلطة بترد الروح يا سليمان”.

وابو مازن مثل العديد من الرؤساء العرب الذين يعرفون كيف يستخدمون بالمال مَنْ حولهم مِن مستشارين (بإختصاصات متعددة) كأحذية في أقدامهم، منها البالية والقذرة ومنها الجديدة، وهو بذلك يقتدي بياسر عرفات الذي لطالما إعتمد مبدأ “من يملك المال يملك القرار”.

ومحمود عباس كأي زعيم عربي إنعقدت له السلطة بفعل تحالفات وصفقات مع مراكز القوى التي كانت حول الرئيس الراحل ياسر عرفات، فأمّن له ذلك أن تؤول إليه السلطة، فكانت الخطوة التالية هي التخلي عن كل من ساعدوه بتحقيق هدفه وصولاً إلى طردهم من السلطة ومن حركة فتح ومن منظمة التحرير.

خرج عزام الاحمد من القاعة وأسرّ في أذني “حين صافح بوش أعضاء الوفد الفلسطيني، تعمد أن يبقى مُمسِكاً بيد الدحلان قائلاً له امام ابو مازن وأمامنا “تنتظرك مهام صعبة قادمة ولكننا واثقون انك ستكون قادراً عليها ونحن سنقدم لك مساعدتنا”. ويبدو ان بوش كان يقصد الـ 84 مليون دولار المساعدة الامنية الاميركية

مثلاً، كان أبومازن قد تحالف مع محمد دحلان لأنه كان المسؤول عن الامن الوقائي الفلسطيني في عهد عرفات، ومع صديقه السابق ياسر عبد ربه عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الذي كان مقرباً من الرئيس ابو عمار، وشكل معهما تحالفاً ثلاثياً لضمان وراثة عرفات، بدعم اميركي ـ اسرائيلي وبموافقة عربية.

وسرعان ما إستخدم أبو مازن العقلية الأمنية والذكاء التآمري للدحلان وعلاقات الاخير بالعديد من اجهزة الامن الاسرائيلية والاميركية وبعض الأجهزة العربية لكي يحصل على دعم دول هذه الاجهزة لتولي السلطة بعد الاغتيال البطيء للرئيس عرفات ومحاصرته في مقر رئاسة السلطة برام الله (المقاطعة).

كما استخدم عباس الذكاء السياسي لصديقه السابق ياسر عبد ربه لمساعدته في ابعاد قادة تاريخيين من فتح كانوا احق منه في رئاسة الحركة والمنظمة والسلطة، ويجب ان لا ننسى ان مساعده السياسي حسن عصفور – شريكه في مفاوضات أوسلو – كان احد اركان هذا التحالف الثلاثي الهادف إلى وراثة ابوعمار والذي كان له الدور الاهم في وصول ابو مازن إلى السطة خلفاً لعرفات. أيضاً كان الدحلان هو الممسك بأجهزة الأمن الوقائي وبموازنة تصل إلى 84 مليون دولار كانت الولايات المتحدة قد خصصتها كمساعدات أمنية لأجهزة الامن الوقائي، وكان الدحلان بمثابة “الطفل المدلل” عند مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جورج تينيت، بل كانت ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن تراهن عليه للوصول الى رأس السلطة، واذكر تماماً في مؤتمر قمة شرم الشيخ عام 2003 (وهي القمة التي ترأس الوفد الفلسطيني فيها ابو مازن – حيث كان ابوعمار محاصرا في رام الله) كيف خرج عزام الاحمد ونبيل شعت ممتعضين من السلام الحار الذي “حظي” به الدحلان من قبل بوش حين سلم الاخير على ابو مازن وبقية اعضاء الوفد الفلسطيني. حينذاك، خرج عزام الاحمد من القاعة وأسرّ في أذني “حين صافح بوش أعضاء الوفد الفلسطيني، تعمد أن يبقى مُمسِكاً بيد الدحلان قائلاً له امام ابو مازن وأمامنا “تنتظرك مهام صعبة قادمة ولكننا واثقون انك ستكون قادراً عليها ونحن سنقدم لك مساعدتنا”. ويبدو ان بوش كان يقصد الـ 84 مليون دولار المساعدة الامنية الاميركية.

وحين ورث ابو مازن السلطة، عيّن حليفه ياسر عبد ربه اميناً عاماً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والدحلان مستشاراً للأمن القومي ومسؤولا عن كل اجهزة الامن الفلسطيني عام 2005.

ولكن الدحلان – الذي كان نفوذه وازناً في قطاع غزة – تعرض لهزيمة عسكرية وسياسية قوية حين استولت حركة حماس على قطاع غزة عام 2007 وهروب جميع قيادات الامن  الوقائي الفلسطيني الموالين لمحمد دحلان الى مصر، وفقدت حركة فتح سيطرتها على القطاع، وتمت اقالة او استقالة الدحلان من منصبه كمستشار للامن القومي بعد ذلك.

واعتقد ان ابو مازن كان مغتبطاً لهزيمة الدحلان في غزة لانه كان بدأ يخشى من الدحلان ونفوذه، ولا أذيع سراً إن قلت إن أبو مازن – الذي جمعتني به صداقة شخصية وليست سياسية لأسباب هو وانا نعرفها – قال لي في الرياض بعد يوم من انتهاء مؤتمر المصالحة الفلسطينية الذي جمع قادة حركتي فتح وحماس في 7 فبراير/شباط 2007 “هل تُصدّق أن هذا (…) الدحلان اخدنا ليلة امس لنتعشى عند الامير بندر بن سلطان (مدير المخابرات السعودية) في قصره بجدة، فعلا هدا الرجل لازم الواحد يخاف منو”، فقلت له “إذاً لماذا تتمسك به اذا خايف منو”، فرد الرئيس ابو مازن “لأنو عندو 84 مليون دولار فلوس مساعدات اميركا للسلطة وانا بحاجة اليها”.

تدريجياً، راح عباس يتفرد بالسلطة وبحركة فتح وبمنظمة التحرير ولجنتها التنفيذية، فأقال صديقه وحليفه ياسر عبد ربه من منصب الأمين العام للجنة التنفيذية ومن عضوية اللجنة عام 2015، كما طرد مستشاره حسن عصفور، وكل ذلك على خلفية “تحالف عبد ربه وحسن عصفور مع الدحلان”

وبرغم هزيمة الدحلان في غزة وفقدانه منصبه الامني بقي في رام الله، راح يشتري بفلوسه ولاءات قيادات جهاز الامن الوقائي وبعض قيادات الصف الثاني في حركة فتح، الامر الذي جعله يفوز بعضوية اللجنة المركزية للحركة في مؤتمرها السادس عام 2009، واستمر الدحلان يشكل هاجس خوف عند محمود عباس الذي بالغ في إسترضاء وإرضاء اسرائيل حتى لا تطيح به ومن ثم تأتي بالدحلان بديلاً له!

إقرأ على موقع 180  وداعاً روسو. عفواً بيكون. ماذا أصابك يا ماركس؟

احتدم الخلاف بين الرجلين الى ان قام عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ عام 2011 بتسريب شريط صوتي للدحلان يقول فيه انه هو الذي عمل على المجيء بعباس وريثاً لعرفات، فكان أن جُنّ جنون ابو مازن فاصدر قرارا باسم اللجنة المركزية لحركة فتح باقالة الدحلان – الذي كان خارج رام الله – من عضوية اللجنة المركزية وتحويله للمحاكمة بتهم الفساد وشراء النفوذ.

تدريجياً، راح عباس يتفرد بالسلطة وبحركة فتح وبمنظمة التحرير ولجنتها التنفيذية، فأقال صديقه وحليفه ياسر عبد ربه من منصب الأمين العام للجنة التنفيذية ومن عضوية اللجنة عام 2015، كما طرد مستشاره حسن عصفور، وكل ذلك على خلفية “تحالف عبد ربه وحسن عصفور مع الدحلان”.

بعدها غادر عبد ربه الى ابو ظبي ليعيش هناك حيث سبقه إلى الإقامة هناك محمد الدحلان الذي صار أحد أبرز مستشاري ولي عهد ابو ظبي الشيخ محمد بن زايد، في حين لجأ حسن عصفور الى مصر يعيش فيها برعاية الدحلان الذي انشأ في مصر ادواته الاعلامية المناهضة لعباس من دون أن يغادره حلم وراثة أبو مازن!

وهكذا يبدو رئيس سلطة رام الله مثله مثل العديد من الرؤساء العرب: عندما يتمكنون من السلطة يبادرون أولاً إلى الاطاحة بكل من ساعدهم في رحلة وصولهم إلى الحكم.

ويشيع البعض من قيادات حركة فتح بان عباس يعمل حاليا على ترتيب اوضاع حركة فتح ومنظمة التحرير وسلطة رام الله من اجل ان يستقيل ويرتاح ولكن اعتقد ان هذا امر لن يحدث. الممكن أن ابو مازن يُرتّب الاوضاع لمن سيرث السلطة بعد وفاته.

Print Friendly, PDF & Email
سليمان نمر

كاتب عربي متخصص بالشؤون الخليجية

Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  "من الآخر".. من يجمع باسيل بالحريري؟