بايدن وترامب 2024.. صداع وصراع متجدد؟

جرت انتخابات 2020 الرئاسية بين رجلين فى السبعينيات من العمر، أحدهما الرئيس السابق دونالد ترامب (يبلغ اليوم 76 عاما) والآخر الرئيس الحالى جو بايدن (يبلغ 80 عاما بعد شهرين)، ويبدو أن انتخابات 2024 ستجرى بينهما إلا إذا توفى أحدهما أو كلاهما، وهكذا وكأن أمريكا والعالم لا ينقصهما إلا تكرار مشاهد انتخابات 2020 مرة أخرى.

عند حلول موعد انتخابات 2024، سيبلغ جو بايدن من العمر 82 عاما ودونالد ترامب 78 عاما، وهو ما يجعلهما أكبر مرشحين فى التاريخ الأمريكى، وهو ما يقبله الأمريكيون على مضض خاصة، مع هيمنة ترامب القوية على الحزب الجمهورى، وعدم تجرؤ أى قيادة ديمقراطية على إعلان تحديها لبايدن كونه سبق وهزم ترامب.
استعر الخلاف بين بايدن وترامب خلال الأيام القليلة الماضية، وهاجم كلاهما الآخر بعبارات غير لائقة وبعبارات حادة، ساهم فيها سنوات من الانقسامات والاستقطاعات الحادة التى لم تشهد لها أمريكا مثيلا على مدار تاريخها الممتد لقرنين ونصف القرن.

***

قبل انتخابات 2016، قدمت المرشحة الديمقراطية آنذاك هيلارى كلينتون هدية انتخابية كبيرة لمنافسها ترامب، إذ وصفت أنصار خصمها من الحزب الجمهورى بأنهم «مجموعة من البائسين»، وأضافت أنهم «عنصريون، ومنحازون ضد المرأة وضد المثليين ويكرهون الأجانب والإسلام، وغير ذلك. وللأسف يوجد أشخاص مثل هؤلاء. وأبرزهم ترامب نفسه».
واعتذرت كلينتون لاحقا وأرفقت اعتذارها بالتأكيد على أنها لن تكف عن انتقاد «التعصب الأعمى والعنصرية».
تذكرت خطأ كلينتون عندما استمعت للرئيس بايدن يتحدث فى مدينة فيلادلفيا الأسبوع الماضى واصفا مؤيدى ترامب بأنهم “يشكلون تهديدا للبلاد”. وقبل ذلك بيومين وصف بايدن أنصار ترامب بـ”الفاشيين المتعصبين”. ومن المعروف أن بايدن يكره ترامب، ومن الممكن أن يتمكن بايدن من هزيمة ترامب لمرة ثانية، إلا أنه وفى الوقت ذاته لا يمكن لبايدن التنافس فى انتخابات 2024 إلا أمام ترامب معتمدا على شرعية انتصاره السابق عليه. وإذا اختفى ترامب من المشهد السياسى، أو قرر مفاجأة العالم بعدم ترشحه، فسيضر ذلك بحظوظ بايدن فى الترشح مرة ثانية، خاصة أن البطاقة الجمهورية لسباق 2024 قد تذهب لحاكم ولاية فلوريدا رون دى سانتيس أو السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكى هيلى، وكلاهما فى الأربعينيات من العمر.

استعر الخلاف بين بايدن وترامب خلال الأيام القليلة الماضية، وهاجم كلاهما الآخر بعبارات غير لائقة وبعبارات حادة، ساهم فيها سنوات من الانقسامات والاستقطاعات الحادة التى لم تشهد لها أمريكا مثيلا على مدار تاريخها الممتد لقرنين ونصف القرن

***

تحدث بايدن عن ترامب وأنصاره بصيغ هجومية عنيفة من أمام القاعة التى كُتب فيها الدستور الأمريكى عام 1787 فى قلب مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا. واختار بايدن التركيز فى خطابه، والذى جاء قبل 9 أسابيع من انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، على التهديدات التى تواجه الديمقراطية الأمريكية وخص بها ترامب وأنصاره.
اختار بايدن تجاهل الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسب التضخم التى يعتبرها 90% من الناخبين الأمريكيين القضية الأهم لديهم.
خسر ترامب انتخابات 2020 لكنه حصل على أصوات أكثر من 70 مليون أمريكى، الكثير منهم جمهوريون تقليديون ومحافظون يصوتون للحزب المعادى للإجهاض، أو لا يحبذون زواج المثليين، وينتصرون لحق حمل السلاح، وللتشدد مع المهاجرين غير الشرعيين، فليس كل الجمهوريين من أنصار ترامب من المتطرفين اليمينيين.
ومن المؤكد أن أغلبية الجمهوريين ليسوا من أنصار ترامب المتطرفين ممن دعموا وهللوا لاقتحام الكونجرس لتعطيل التصديق على نتائج انتخابات 2020. وعلينا تذكر أن الجمهوريين هم من أنقذوا الديمقراطية الأمريكية بعد انتخابات عام 2020، فهم كانوا حكام بعض الولايات ومسئولين عن الانتخابات، ورفضوا ضغوط وطلبات الرئيس ترامب بتغيير قوائم الناخبين، أو تقديم نتائج مغايرة إلى المجمع الانتخابى. كذلك لعب الكثير من القضاء الجمهوريين ممن عينهم ترامب أثناء رئاسته دورا هاما فى الحفاظ على الديمقراطية الأمريكية عن طريق التزامهم بسيادة القانون والأدلة فى تقييم ادعاءات تزوير الانتخابات من جانب ترامب. وكان هؤلاء المحامون الجمهوريون ممن عملوا داخل البيت الأبيض ووزارة العدل ودحضوا مزاعم الفريق القانونى لترامب حول الانتخابات.
ولا ننسى نائب الرئيس الجمهورى مايك بينس، الذى اتبع الدستور فى رفضه ضغوط السيد ترامب الخاصة والعلنية لوقف فرز الأصوات الانتخابية التى صدقت على فوز بايدن. ولم يتطرق بايدن إلى هؤلاء الجمهوريين فى خطابه الذى كان عنوانه «إنقاذ الديمقراطية الأمريكية».
وبعد يومين من خطاب بايدن، تحدث ترامب فى مؤتمر حاشد فى ولاية بنسلفانيا بصخب أكثر من المعتاد منه ردا على بايدن، وهو بالضبط ما يريده الديمقراطيون. وقال ترامب متحدثا عن بايدن أمام الآلاف من أنصاره «إنه هو عدو الدولة»، واعتبر ترامب أن «خطابه كان مجرد خطاب كراهية وغضب».

***

وبعد عام ونصف من حكم بايدن، تُلقى المسئولية كاملة على دونالد ترامب فى استمرار اعتقاد نصف الناخبين الجمهوريين أن الانتخابات الرئاسية سرقت منه. وعلى الرغم من عدم توافر أى دلائل على ذلك، لا يزال يكرر ترامب هذه الادعاءات.
لم تنجح محاولات مقاضاة ترامب بسبب دوره فى محاولة الانقلاب السياسى فى 6 كانون الثاني/يناير 2021، وغالبا لن تنجح محاولات وزارة العدل، معه خاصة بعد تفتيش منزله بولاية فلوريدا بسبب احتفاظه بوثائق وسجلات حكومية سرية، فى القضاء على مستقبله السياسى.
ومن المرجح أن تصب التحقيقات الجنائية والمدنية الفيدرالية، والتحقيقات التى تقوم بها ولاية نيويورك فى مصلحة ترامب، الذى سيخوض انتخابات عام 2024 ضد رئيس تخطى الثمانين، ولم تتخط شعبيته 45% بين الأمريكيين. وليصبح قدر أمريكا والعالم على موعد مع شخصين لا يريدهما أغلب الأمريكيين.

إقرأ على موقع 180  خطّة "لازار" المالية: التوصيف الفج والحل المنقوص

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
محمد المنشاوي

كاتب متخصص في الشؤون الأميركية، مقيم في واشنطن

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  "الشراكة" الروسية - التركية عند منعطف.. القوقاز