قبل الشتاء الأوكراني.. تدخل غربي مباشر أو تسوية؟

تضيق الخيارات الأميركية والأوروبية في أوكرانيا. ماذا إذا لم تنجح خطة تحديد سقف لأسعار الطاقة الروسية في خنق الإقتصاد الروسي؟ وماذا إذا لم ينجح الهجوم الأوكراني المضاد في طرد القوات الروسية من الجنوب والشمال الشرقي؟ هل يصعّد حلف شمال الأطلسي دعمه العسكري لكييف ليقترب من التدخل المباشر؟ وكيف سترد روسيا؟ 
تخوض إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن سباقاً مع روسيا لإحراز تقدم في الحرب قبل الإنتخابات النصفية في الولايات المتحدة وإحتمال خسارة الديموقراطيين للكونغرس في تشرين الثاني/نوفمبر وتالياً عرقلة المزيد من المساعدات لأوكرانيا.
كما يمكن ان يُعزى الإستعجال الأميركي إلى إقتراب الشتاء وإحتمال تشقق الجبهة الأوروبية تحت تأثير الحاجة إلى الغاز الروسي. وكما كان الشتاء حليفاً للروس في حروبهم الماضية، فإن الأمر قد يتكرر مع فلاديمير بوتين. وأخذاً في الإعتبار هذه المسألة، كان قرار أميركا والإتحاد الأوروبي فرض سقف لأسعار النفط والغاز الروسيين في الأسواق العالمية بحلول 5 كانون الأول/ديسمبر المقبل.
لكن هذه الخطوة تبقى ناقصة إن لم تنضم الصين والهند إليها. وهذا إحتمال مستبعد في ضوء التوتر الذي يسود العلاقات الأميركية-الصينية، عقب زيارة رئيس مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان في أواخر تموز/يوليو الماضي، في حين أن الهند تقوم الآن بدور الوسيط في شراء النفط الروسي وإعادة بيعه للأوروبيين، وليس من مصلحة نيودلهي التضحية بعلاقاتها مع موسكو لتراهن على المجهول.
ورقة تحديد سقف لأسعار الطاقة الروسية، أتت أيضاً عقب فشل موجات العقوبات المتتالية في التأثير تاثيراً فعلياً على الإقتصاد الروسي خلال الأشهر الستة الماضية. ولم يتأخر الرد الروسي عليها، إذ عمدت موسكو إلى وقف أولي لإمدادات الغاز إلى أوروبا. وأعلن الرئيس فلاديمير بوتين بوضوح أن روسيا لن تُصدر النفط والغاز إلى الدول التي تنضم إلى الخطوة الغربية.
من المقرر أن يلتقي الرئيس الصيني شي جين بينغ مع بوتين على هامش إجتماع منظمة شنغهاي للأمن في أوزبكستان في 15 أيلول/سبتمبر الجاري. ولهذا اللقاء أهمية بالغة، كونه الأول منذ الحرب الروسية-الأوكرانية، ويبعث برسالة واضحة إلى الولايات المتحدة، عن حجم الإستياء الصيني من العبث الأميركي في المسألة التايوانية
وبينما كان وزراء المال لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في بروكسيل قبل أيام، يضعون اللمسات الأخيرة على خطة تحديد سقف لأسعار النفط والغاز الروسيين، كانت روسيا تعلن من منتدى الشرق الإقتصادي في مدينة فلاديفستوك في أقصى الشرق الروسي عن مشروع لمد أنبوب للطاقة إلى الصين عبر منغوليا، بينما من المقرر أن يلتقي الرئيس الصيني شي جين بينغ مع بوتين على هامش إجتماع منظمة شنغهاي للأمن في أوزبكستان في 15 أيلول/سبتمبر الجاري. ولهذا اللقاء أهمية بالغة، كونه الأول منذ الحرب الروسية-الأوكرانية، ويبعث برسالة واضحة إلى الولايات المتحدة، عن حجم الإستياء الصيني من العبث الأميركي في المسألة التايوانية.
مسألة أخرى تعوّل عليها الولايات المتحدة وهي الهجوم الذي بدأته القوات الأوكرانية في جنوب أوكرانيا وفي شمالها الشرقي، مترافقاً مع إعلان الولايات المتحدة عن حزمة مساعدات عسكرية وإقتصادية لأوكرانيا ودول الجوار بملياري دولار، ومع زيارة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى كييف ليعلن بنفسه عن تحقيق الجيش الأوكراني “تقدماً واضحاً وفعلياً” في الهجوم المضاد. وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، في الوقت نفسه، يترأس إجتماعاً في قاعدة رامشتاين الأميركية في ألمانيا لممثلي خمسين دولة، بهدف تعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا. وبذلك أقامت واشنطن رابطاً بين مساعداتها السخية وإنتقال كييف إلى مرحلة الهجوم، علماً أنه لا يزال من المبكر الذهاب بعيداً في الرهان على تغيير ميداني يُمكّن أوكرانيا من إمتلاك اليد العليا عسكرياً.
لكن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي يُفضّل التروي في إطلاق تقويمات سريعة حول مدى نجاح الهجمات الأوكرانية المضادة قائلاً إن روسيا “بلد كبير. ولديه طموحات جدية جداً بالنسبة إلى أوكرانيا”.
يؤشر إستهداف الإقتصاد الروسي بعصبه النفطي، ودعم الهجوم الأوكراني المضاد، إلى إستعجال تحقيق نتائج على الأرض مغايرة لتلك التي وعد بها الغرب قبل ستة أشهر، وهي أن العقوبات غير المسبوقة من شأنها إنهاك روسيا، إقتصادياً ومالياً، وإجبارها على إنهاء عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
كل الدلائل تشير إلى أن العقوبات الغربية فشلت في تحقيق المتوخى منها، والروبل أقوى مما كان عليه قبل الحرب. وقرار تحالف “أوبيك بلاس” الذي قضى بخفض الإنتاج بواقع مئة ألف برميل في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، كان غنياً بالدلالات في وقت تبحث فيه أميركا وأوروبا عن مصادر بديلة لواردات الطاقة الروسية. ووقت تتعثر التسوية التي تُتيح إحياء الإتفاق النووي بين طهران والقوى العالمية، فإن العقوبات ستبقى عائقاً أمام إحتمال الإستفادة من النفط والغاز الإيرانيين، لتعويض النقص الروسي في الأسواق الأوروبية.
وعلى رغم كل الإجراءات الطارئة التي يتخذها الأوروبيون لملء مستودعاتهم بالغاز قبل الشتاء والبحث على المدى الطويل عن بدائل لواردات الطاقة الروسية، فإن ذلك لم يوقف موجات التضخم التي تدفع بالإقتصاد الأوروبي نحو الركود، وفق ما يُحذّر المصرف المركزي الأوروبي، الذي إضطر للمرة الأولى إلى رفع الفائدة بنسبة 0.75 في المئة، بينما اليورو في أدنى مستوياته في مقابل الدولار بفعل أزمة الغاز.
وتعبيراً عن إستفحال أزمة الطاقة في أوروبا، كان القرار الأول الذي إتخذته رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة ليز تراس في اليوم الأول من تسلمها منصبها هو قرار بتجميد أسعار الطاقة لمدة عامين كي توفر على المواطنين الذين يشكون من إرتفاع الأسعار، بينما 6 شركات بريطانية من أصل عشر شركات مهددة بالإقفال بسبب إرتفاع أسعار الطاقة، وسط تحذيرات يطلقها بنك إنكلترا من إقتراب المملكة المتحدة من الدخول في فترة ركود إقتصادي.
موقع “ذا هيل”: أميركا أمام خيارين لا ثالث لهما في أوكرانيا: إما الجنوح إلى تسوية سلمية تأخذ في الإعتبار الإقتراح الذي قدّمته كييف نفسها في أول الحرب حول ضمان نوع من الحياد العسكري لأوكرانيا، أو تصعيد التدخل العسكري والإنخراط في صراع مديد يصب في مصلحة بوتين
ووفق استطلاع للرأي أجري مؤخراً، فإنّ 68 في المئة من الفرنسيين أعربوا عن استعدادهم للتظاهر “ضد الحرب، من أجل السلام”. وتظاهر 70 ألف شخص في براغ قبل ثمانية أيام، متّهمين الحكومة بإيلاء اهتمام لأوكرانيا التي مزّقتها الحرب أكثر من الاهتمام بمواطنيها. وأكثر من 47 في المئة من الألمان يؤيدون حلاً سلمياً في أوكرانيا ووقف الحرب.
وواشنطن التي تقرأ بقلق هذه النتائج، تزيد من صفقات الأسلحة لأوكرانيا التي بلغت نحو 15 مليار دولار منذ بدء الحرب. علّ ذلك يحدث إنقلاباً على الأرض، يقنع الرأي العام الأميركي والأوروبي، بسلامة قرار دعم أوكرانيا بالسلاح والمال.
يمكن تلخيص الوضع الحالي على الشكل الاتي: الغرب يمضي في سياسة تغليظ العقوبات على روسيا، ومساعدة أوكرانيا من أجل قلب موازين القوى على الجبهة، وإتخاذ ما يلزم من إحتياطات لتمرير فصل الشتاء بأقل خسائر ومعالجة التضخم وملامح الركود، على أمل أن يؤدي ذلك إلى إلحاق الهزيمة بروسيا وإقناعها بسحب قواتها من أوكرانيا والإنكفاء إلى داخل حدودها وحفاظ الغرب على النظام الآحادي القطب.
ويصل موقع “ذا هيل” الأميركي إلى إستنتاج مفاده أن أميركا أمام خيارين لا ثالث لهما في أوكرانيا: إما الجنوح إلى تسوية سلمية تأخذ في الإعتبار الإقتراح الذي قدّمته كييف نفسها في أول الحرب حول ضمان نوع من الحياد العسكري لأوكرانيا، أو تصعيد التدخل العسكري والإنخراط في صراع مديد يصب في مصلحة بوتين.. وأي الخيارين لن يفضي إلى نهاية سعيدة بالنسبة لأوكرانيا أو أميركا.
Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  هذا مرفأ يُدمّرنا وبحرٌ يبتلعنا.. وهذه أحلامنا ضدنا!
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  أجراس الأزمة الأوكرانية.. هل تُوقظ اليسار الأردني؟