يروي ديبلوماسي متمرس في العلاقات الفرنسية – الإيرانية أنه في أكثر من مرة كانت باريس تثير موضوع لبنان مع طهران، كانت الأخيرة تعيد إلى الذاكرة حقبة “تفاهم نيسان/ابريل)” عام 1996 والذي شكل محطة مفصلية في رسم مرحلة جديدة من المعادلات الاقليمية تم من خلالها الاعتراف الدولي (برعاية أميركية – فرنسية)، بدور إيران الشرق أوسطي، وإن كان بشكل غير مباشر عبر حليفها “حزب الله” اللبناني، بما يُشكّل من إمتداد لنفوذ إيران الإقليمي حتى أبواب فلسطين وشواطىء ساحل المتوسط. فهل يتكرر هذا “الإنجاز” بعد أكثر من ربع قرن بمناسبة الإستحقاق الرئاسي اللبناني؟
يتردد أن ثمة محاولة لوضع الموضوع اللبناني، بعد ادراج بندي اليمن وسوريا في أولوية البحث، على طاولة التفاوض السعودي – الإيراني لا بل هناك من يجزم أن لبنان سيكون الملف الثاني بعد اليمن، بسبب حاجة الملف السوري إلى سنوات من العمل في حال وجود ضوء أخضر لإطلاق تسوية سياسية داخلية بموافقة عربية ودولية.
وثمة قناعة فرنسية بوجوب أن تندرج مفاعيل اتفاق بكين الايجابية بين طهران والرياض على الوضع اللبناني عبر استحداث صيغة “تفاهم نيسان جديد”، برعاية فرنسية ظاهرة وعلنية وبرضى اميركي ضمني وغير معلن، على أن تكون السعودية جزءاً لا يتجزأ من هذا التفاهم، وتكون النتيجة تأمين ظروف انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، عبر صيغة يتشارك فيها الجانبان السعودي والايراني في ضمان مصالحهما في لبنان.
هذا السيناريو المزدوج على الخطين السعودي والمسيحي اللبناني مرتبط بمرحلة زمنية ضاغطة ومحكوم بظروف إقليمية متسارعة، تجعل، على حد قول مصدر متابع، “المحاولة صعبة وإن كانت غير مستحيلة ولكنها تبقي كل الاحتمالات واردة والخيارات الأخرى مفتوحة”
هذا الضوء الأخضر السعودي في حال حصوله سيضمن لفرنجية أصوات الأغلبية النيابية السنية، ما يعطيه دفعأ سنياً يكون مُكملاً للتأييد الشيعي الذي يضمن أصوات 27 نائباً شيعياً. ويسري ذلك على التصويت الدرزي بما يضمن أقله ست أصوات من أصل ثمانية، بالإضافة إلى النائبين العلويين في مجلس النواب، فيكون هناك رصيد إسلامي لا يقل عن ستين نائباً من أصل 64، لكن السؤال هل أن صدور إشارة سعودية إيجابية لمصلحة فرنجية، يمكن أن “يُحرج” حلفاء المملكة والمقصود هنا نواب “القوات اللبنانية” وبالتالي يقرر هؤلاء المشاركة في جلسة انتخاب الرئيس وتوفير النصاب الدستوري لها (86 نائباً) ولكن من دون التصويت لفرنجية؟
يطرح هذا السؤال كيفية العمل على إحداث خرق في جدار الرفض المسيحي لفرنجية، عبر اكثر من وسيلة. واللافت للإنتباه أن فرنجية نفسه قرّر أن يتولى الجزء الأساس من هذه المهمة. وأولى الخطوات كانت زيارة بكركي ولقاء البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي واطلاق دعوة اليد المدودة والتحاور مع الفرقاء المسيحيين كافة وصولاً إلى ملامسة هواجسهم وتقديم التطمينات المطلوبة.
وفيما كان فرنجية الأب يتوجه إلى بكركي، كان نجله النائب طوني فرنجية يتوجه الى غزير القريبة من الصرح البطريركي، وذلك للقاء الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الأباتي هادي محفوظ في مقره في دير مار انطونيوس (نظراً للثقل الديني والمعنوي والفكري لأبرز رهبانية مارونية وحضورها داخل المجتمع المسيحي من خلال مؤسساتها المتعددة التربوية والصحية والانمائية). ومن هناك، أشاد فرنجية الابن بالدور “الريادي” للرهبانية، مشدداً على “ضرورة انجاز الإنتخابات الرئاسية في أسرع وقت”، وأن تشكل بداية الحلول السياسية والإقتصادية الممكنة.
وتوقف المراقبون عند تعليق لأحد المتابعين لفرنجية الابن على وسائل التواصل الإجتماعي حيث كتب مُعلّقاً على هذه الزيارة: “الرهبانية المارونية غير البطريركية. هي لن تغدر بأحد، هم يستقبلونك عن حب واحترام لا ليسوقوا جهاد أزعور أو غيره من تحت الطاولة”.
ويبدو أن الهدف من تحرك زعيم تيار المردة ونجله على الخط الكنسي البطريركي والرهباني هو الالتفاف على محاولة البعض عزله عن بيئته المسيحية. إضافة إلى أنه يقوم مع فريق عمله على خط مواز باجراء الاتصالات بعيداً عن الأضواء بعدد من النواب المسيحيين المستقلين وأيضاً الحزبيين بحيث يتمكن من سحب عدد من أصوات هؤلاء النواب بشكل لا يضمن فقط تأمين الأكثرية العددية الضرورية لانتخابه بل أيضاً حشد دعم مسيحي وازن له.
ولا تستبعد أوساط سياسية أن يتمكن فرنجية من النجاح في محاولته لكسب عدد من هذه الأصوات المسيحية. وفي هذا الاطار، قال رئيس حزب مسيحي في أحد مجالسه الخاصة: “لا أستطيع ضمان أحد إلا نفسي” (الإستمرار بمعارضته لفرنجية) في إشارة إلى أن بعض النواب من الأحزاب المسيحية الأخرى قد يذهبون إلى خيارات بمعزل عن توجهات أحزابهم، وبالتالي يتمكن فرنجية من إحداث “خرق جزئي” في الجدار المسيحي.
هذا السيناريو المزدوج على الخطين السعودي والمسيحي اللبناني مرتبط بمرحلة زمنية ضاغطة ومحكوم بظروف إقليمية متسارعة، تجعل، على حد قول مصدر متابع، “المحاولة صعبة وإن كانت غير مستحيلة ولكنها تبقي كل الاحتمالات واردة والخيارات الأخرى مفتوحة”، وأشار المصدر إلى أن كل ما يُقال عن إجتماع خماسي (أميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) في العاصمة السعودية قريباً، لمناقشة الملف الرئاسي، “ليس دقيقاً، بل تم التفاهم بين باريس والرياض على تولي خبراء ديبلوماسيين من الجانبين مهمة تحضير المناخ المرتبط بتبني ترشيح فرنجية، معطوفاً على تكليف رئيس حكومة يتبنى العناوين الإصلاحية، وأولها الإتفاق مع صندوق النقد”.
هل أن صدور إشارة سعودية إيجابية لمصلحة فرنجية، يمكن أن “يُحرج” حلفاء المملكة والمقصود هنا نواب “القوات اللبنانية” وبالتالي يقرر هؤلاء المشاركة في جلسة انتخاب الرئيس وتوفير النصاب الدستوري لها (86 نائباً) ولكن من دون التصويت لفرنجية؟
هذه الأجواء “الإيجابية” لمصلحة ترشيح فرنجية لا تزال تُقابل بكثير من التحفظ عند مصدر متابع للملف اللبناني لا يُقلّل من أهمية النافذة المفتوحة، لكنه يستبعد حتى الآن تجاوز كل المعارضات والعقبات (لم تتوضح بعد بصورة جلية ونهائية مواقف الجانبين الأميركي والسعودي) بوجه ترشيح فرنجية.
المصدر نفسه يتحدث عن مخاوف من أنه في حال سلوك خيار فرنجية طريقه من مجلس النواب إلى بعبدا، “ثمة انعكاسات سلبية ستطال الشارع المسيحي وتزيد في احباطه لأنه يعتبر أن مثل هذه التسوية ستتم على حسابه، وبالتالي ستُعزّز القناعة بأن دوره أصبح مُهمشاً واستمرار وجوده مرتبط بالخضوع لإرادة مفروضة عليه ولا تُعبّر عن تطلعاته ولا تأخذ بهواجسه وتُهدّد مستقبله”. ويضيف المصدر أن هذه الأجواء “مبنية على استطلاعات وعمليات جس نبض للبيئة المسيحية المتعددة تمت في الأسابيع والأشهر الأخيرة بمعزل عن طبيعة مواقف القيادات المسيحية”.