كيف تتصرف إيران.. و”محورها” إذا استمرت الحرب؟

فاجأ الفلسطينيون العالم. أتت عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 من خارج السياق السياسي للأحداث في المنطقة والعالم. قادة حماس أفادوا أنّ التخطيط لهذه المعركة قد استغرق نحو عامين، وأن التوقيت "صُنع في غزة".

بعد الانتصار الذي حقّقته “كتائب القسّام”، بدا أن تكلفة العملية ستكون قاسية على غزة، وهذا ما بان سريعاً إذ سارعت القوات الإسرائيلية لإعلان حرب إبادة جماعية ضدّ قطاع غزة المحاصر منذ 17 عاماً. بات من الواضح أن قيادة حماس العسكرية حافظت على سرية العملية وتوقيتها، وشكّل هذا الأمر عنصراً أساسياً من عناصر نجاح هذه المعركة. ومنذ اليوم الأول لـ”طوفان الأقصى”، يستمر السؤال نفسه: هل يدخل حلفاء حماس في محور المقاومة معركة “طوفان الأقصى”؟ متى وأين وكيف؟ ماذا سيفعل حزب الله؟ وما هي حدود تدخل إيران؟

خلال الشهر الماضي، تمّ التوصل إلى صفقة أميركية – إيرانية بوساطة قطرية تمّ بموجبها الافراج عن ستة مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدّة، مقابل الإفراج عن خمسة أميركيين كانوا محتجزين في طهران. أتت هذه الصفقة تتويجاً لمسار تفاوضي طويل بين الجانبين وقيل إنّ تفاهمات أخرى سيتم إبرامها بين الجانبين في العام المقبل. وتتوجس طهران من عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة في انتخابات خريف العام 2024؛ لذا، تريد انتزاع ما يُمكن من مكتسبات من الإدارة الأميركية الحالية. بحسب إيران، تجربتها مع ترامب سيئة جداً إذ عمد إلى الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018، ما يعني أن التفاوض أسهل مع الإدارة الديمقراطية التي كانت قد أبرمت اتفاق العام 2015.

لنفترض أن الأفرقاء الإقليميين المنخرطين في هذه المعركة لا مصلحة سياسية راهنة لديهم في التدخل المباشر فيها، يصبح السؤال التالي: إذا توسعت الحرب وأصبحت حرباً إقليمية، هل لدى بعض الأطراف الدولية (الصين وروسيا) مصلحة في الإنخراط فيها أم إخمادها أم ضبطها وفق إيقاع معين؟

يقود هذا التقديم للقول إن أي خيار تصعيدي إقليمي تفرضه معركة “طوفان الأقصى”، سيُعقّد المسار التفاوضي بين الجانبين، خصوصاً وأن نواباً جمهوريين يضغطون في الكونغرس من أجل تجميد صفقة الستة مليارات دولار الموجودة في بنوك قطر وتشديد خناق العقوبات على إيران، في ضوء “طوفان الأقصى”. بناءً عليه، يصبح الاستنتاج أنه ليس من مصلحة إيران الدخول في معركة غزة على ضوء الإنجازات السياسية (والمالية) التي حقّقتها الدولة الإيرانية والمرشحّة لأن تزيد في الأشهر المقبلة.

هذا في حسابات إيران. ولكن ماذا عن حسابات حزب الله؟

صحيح أن انضمام حزب الله ـ على طريقته ـ إلى المعركة حصل في اليوم الثاني لـ”طوفان الأقصى”، إلا أنه أضفى بعداً جديداً إلى مشهدية الإشتباك. وبرغم التسخين الذي تشهده الجبهة الجنوبية اللبنانية، إلا أنه لا يزال يخضع لقواعد الاشتباك المعقودة بين الطرفين منذ العام 2006. حسابات حزب الله في هذا الإطار تلتقي مع حسابات طهران – كون الحزب هو الحليف الأقوى لإيران في المنطقة – ولكن مع لحظ عوامل عديدة أبرزها الوضع الاقتصادي السيء الذي يرزح تحته معظم الشعب اللبناني بعد أن أصبح عمر الانهيار الاقتصادي أربعة أعوام، من دون حلول جدّية لغاية الآن.. وأي حرب مع إسرائيل في الوقت الحالي، ستُسبّب نتائج سلبية على اقتصاد هو أصلاً منهار. زدْ على ذلك أن لبنان منقسم سياسياً إزاء المشهد الفلسطيني، وهو إنقسام تاريخي وليس جديداً، كما أن هناك عوامل أخرى تصب في خانة اللجم مثل النزوح السوري المليوني للبنان والهواجس الأمنية ووجود حكومة محسوبة إلى حد كبير على المحور الذي يُمثله حزب الله في لبنان.

ماذا عن علاقة الأطراف الثلاثة ببعضها البعض: إيران، حماس، وحزب الله؟

تعتبر حماس هذه المعركة، معركتها كونها هي التي أطلقتها واختارت توقيتها من دون أدنى تنسيق مع حلفائها. تدخل إيران فيها سواء اتخذ شكلاً مباشراً أو غير مباشر (عبر حزب الله وباقي حلفاء المحور)، من شأنه أن يكون تدخلاً حاسماً لصالح الفلسطينيين في المعركة، وإلاّ لن يكون لهذا التدخل أي أثر إيجابي سواء للفلسطينيين أو للدولة الإيرانية. هنا يتعقّد المشهد. فإذا كان الجناح العسكري لحماس مقرباً من طهران، فإنّ حزب الله ورقة استراتيجية مهمة بيد طهران أيضاً. لذلك، أن يدخل الحزب المعركة ويخسر فيها، فهذا يعني خسارة طهران، لورقتين استراتيجيتين في الوقت نفسه، وهذا بالطبع ما لا ترغب به طهران ولن يفيد غزة في جميع الأحوال.

في الحسابات العسكرية، طالما أنّ حماس لا تزال قادرة على صدّ العدوان، فإنّ ما يقوم به محور المقاومة، هو دور مساعد من بعيد ومُشتّت للقدرات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، بدليل وجود حوالي ثلاث فرق للجيش الإسرائيلي (أي نصف قوة الجيش) على امتداد مئة كيلومتر من الحدود الشمالية مع لبنان. كما أن حزب الله ينخرط في المعركة، عبر خطوط نار مشتبكة مع العدو في جنوب لبنان، من شأنها أن تساهم في تخفيف الضغط على غزّة.

إقرأ على موقع 180  الشعر والشاعرات والمنابر.. هل إنتهى الفكر الذكوري؟

وماذا عن باقي الحلفاء وتحديداً سوريا والحشد الشعبي في العراق وجماعة الحوثيين في اليمن؟

ثمة فرضية بأن سوريا تم تحييدها في معركة غزة لأسباب سورية ـ خليجية، فضلاً عن عدم إلتئام الجرح بين القيادة السورية وحركة حماس. وكان لافتاً للإنتباه أن تبادر الحكومة السورية في هذا التوقيت إلى طرد سفير الحوثيين في دمشق وتثبيت التمثيل الدبلوماسي للحكومة الشرعية المحسوبة على السعودية والإمارات. وبطبيعة الحال، يستفيد حلفاء إيران من وجودهم على أرض شمال وشرق سوريا لشن هجمات بالمسيرات والصواريخ على عدد من القواعد والأهداف العسكرية الأميركية في شرق وشمال سوريا. هجمات تتقاطع مع جهد مماثل يقوم به الحشد الشعبي العراقي ضد قواعد وأهداف أميركية على الأراضي العراقية أو في منطقة الحدود السورية ـ العراقية.

هذا الإشغال يمتد من جنوب لبنان إلى سوريا والعراق وصولاً إلى شمال اليمن، بدليل الهجمة الكبيرة المزدوجة بالمُسيرات والصواريخ في التاسع عشر من هذا الشهر والتي قال الأميركيون إن الحوثيين نفذوها لكن ليس معروفاً ما إذا كان الهجوم يستهدف المدمرة “يو إس إس كارني” الأميركية، أو أنها كانت موجهة ضد أهداف في إسرائيل، قبل أن تحسم مصادر أميركية وإسرائيلية في وقت لاحق أن إسرائيل نفسها كانت هي الهدف.

حتى الآن يتحرك المحور الحليف لحركة حماس في الإقليم وفق ايقاع مدروس ومضبوط، لكن ماذا لو لم تتوقف الحرب خاصةً أن قادة العدو باتوا يقولون إنّ الحرب البرية ستستغرق وقتاً طويلاً؟

طالما أنّ حماس لا تزال قادرة على صدّ العدوان، فإنّ ما يقوم به محور المقاومة، هو دور مساعد من بعيد ومُشتّت للقدرات العسكرية والأمنية الإسرائيلية

مأزق هذه المعركة بالتحديد يكمن في أنّ الأطراف الثالثة المنخرطة فيها بشكل أو بآخر: حماس، حزب الله، وإيران لديهم أجندات وحسابات سياسية، تختلف فيما بينهم. فكيف سيستطيع “المحور” من مواءمة ظروف وحيثيات كل طرف فيه؟

لنفترض أن الأفرقاء الإقليميين المنخرطين في هذه المعركة لا مصلحة سياسية راهنة لديهم في التدخل المباشر فيها، يصبح السؤال التالي: إذا توسعت الحرب وأصبحت حرباً إقليمية، هل لدى بعض الأطراف الدولية (الصين وروسيا) مصلحة في الإنخراط فيها أم إخمادها أم ضبطها وفق إيقاع معين؟

Print Friendly, PDF & Email
عطالله السليم

كاتب وباحث سياسي

Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  "الأزمات الدولية" عن اليمن وليبيا والسودان وفلسطين والصومال: حروب وإنتخابات!