عن شهور غزة الستة.. و”تفاهم نيسان الجديد”!

أشهر ستة مرت على الحرب فى غزة. ويبدو أن التعثر فى الوصول إلى "هدنة إنسانية" تحت عنوان وقف مؤقت لإطلاق النار، كان يجب أن ينجز خلال شهر رمضان، لكنه ما زال متعثرًا فى حرب الشروط والشروط المضادة والسقوف المرتفعة لتلك الشروط. هدنة إذا تم التوصل إليها ستكون هشة وقصيرة فى عمرها.

إسرائيل تستمر فى تكرار أهدافها فى القضاء كليًا على حماس وفى إخضاع القطاع عسكريًا وأمنيًا لإشرافها مع “تكليف” قوة دولية عربية لإدارة القطاع على أن يبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، وهذا أمر بالطبع غير قابل للتحقيق كليًا فلا يوجد طرف لجملة من الأسباب يرضى بأن يكون بمثابة شرطى يخدم استراتيجية إحكام السيطرة الإسرائيلية على غزة فيما لو حققت أهدافها.

لقد صارت الأهداف الإسرائيلية المعلنة مجرد عنوان لحرب تبدو أنها ستكون مفتوحة فى الزمان. لكن لا بد من رصد ما ظهر من بداية تغيير ولو تدرجى بالاستراتيجية القتالية الإسرائيلية دون التراجع على الأقل على مستوى الخطاب عن الأهداف المعلنة للحرب: إعلان إسرائيل العمل على إقامة منطقة عازلة بين شمال القطاع وجنوبه لمنع أهل القطاع من العودة إلى المنطقة الشمالية باعتبار أنها تشكل مصدر الخطر الرئيسى بموقعها الجغرافى بالنسبة إسرائيل.

ثمة ملاحظة أخرى لا بد منها فى هذا السياق، دون إسقاط هدف إخضاع و”تنظيف” رفح، تتمثل ببداية تغير تعتبره إسرائيل “مؤقتًا” فى اللجوء إلى ما يعرف بـ”الضربات الجراحية” ضد أهداف استراتيجية فى رفح وغيرها فى القطاع لضرب حماس والقضاء عليها. يأتى ذلك فى ظل تصاعد الانتقادات والتحذيرات من أطراف صديقة ومؤيدة للعملية الإسرائيلية فى غزة، لكنها متحفظة بشكل متكرر ومتصاعد على حرب الإبادة التى تقوم بها إسرائيل، فى ظل تصاعد صوت الرأى العام الدولى والكثيرين ممن هم فى مواقع السلطة فى دول مؤيدة لإسرائيل ضد السياسة الإسرائيلية.

غير أن هذه المعارضة “الرسمية” ما زالت خافتة وخجولة الصوت خاصة من طرف واشنطن القادرة أن تفرض على إسرائيل تغيير استراتيجية القتل العشوائى التى تتبعها منذ اليوم الأول ضد السكان ثم وقف العدوان. استمرار هذا الوضع يندرج فى ولوج سيناريو الحرب الممتدة والمفتوحة فى الزمان، والتى قد تشهد تخفيضا وتصعيدا فى القتال طالما أن إسرائيل لم يفرض عليها التراجع عن الأهداف المعلنة منذ اليوم الأول للحرب، والقبول بالوقف الكلى لإطلاق النار وإنهاء العدوان. الأهداف الإسرائيلية هى ذاتها، ولو أن هنالك بداية تغيير فى المقاربة العسكرية لتحقيق تلك الأهداف غير القابلة للتحقيق أساسا لأسباب موضوعية وواقعية لا تخفى على أحد.

أيًا كانت الأهداف الصعبة التحقيق التى ترفعها إسرائيل، وهذا جزء من استراتيجية التفاوض، فإن استمرار هذه الحرب على الجبهة اللبنانية واحتمال انزلاقها إلى “نموذج ٢٠٠٦” يبقى أمرًا قائمًا برغم الضغوطات الدولية على إسرائيل من طرف أصدقائها الفاعلين والمؤثرين لتلافى ذلك

وعلى صعيد آخر، تبدو استراتيجية إيران وحلفائها التى تندرج تحت عنوان “وحدة الساحات” إحدى العوامل الرئيسية فى مسار الحرب الدائرة. وتنشط إسرائيل فى تصعيد حربها فى الجغرافيا والقوة النارية والنوعية ضد الساحة الخلفية الأساسية فى وحدة الساحات التى هى الساحة السورية من حيث أنها تحتضن القدرات العسكرية الاحتياطية والداعمة عمليًا لتلك الحرب، وأيضًا القدرات البشرية النوعية بشكل خاص. وتمتد الأهداف الإسرائيلية من الجنوب السورى مروراً بدمشق وحتى حلب كما شاهدنا أخيرًا.
وتبقى “الساحة” اللبنانية الأكثر ارتباطًا وبشكل مباشر وعضوى ومعلن، أيًا كانت عناوين ذلك الارتباط، على الصعيد القتالى والأكثر فعالية فى استراتيجية وحدة الساحات.
ويبدو أن التركيز الإسرائيلى آخذ فى التطور والازدياد فيما يتعلق بالجبهة الشمالية مع لبنان. وإذا كانت استراتيجية “وحدة الساحات” تعتبر أن وقف القتال فى الجنوب اللبنانى يرتبط مباشرة بوقف العدوان على غزة، فإن إسرائيل “تفصل” بين الجبهتين فى هذا الخصوص. وتصر إسرائيل على أن حربها القائمة والمتصاعدة هذه، غير مرتبطة بمسار حرب غزة وتوقفها.
والجدير بالذكر أن الحرب ليست بالضرورة اجتياحاً فى الجغرافيا، دون النفى القطعى لهذا الاحتمال، بل تصعيد وتوسع فى الأهداف، وفى القوة النارية وفى طبيعة وكثافة حجم العمليات دون أى قيود فى جغرافية العمليات كما نشهد كل يوم فى لبنان. وتُكرّر إسرائيل أن هدفها الأساسى هو عدم العودة إلى الوضع الذى كان سائدا حتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول على الجبهة اللبنانية، الأمر الذى يعنى إسقاط القواعد التى كانت ناظمة للوضع القائم منذ اليوم التالى لحرب ٢٠٠٦.

وأيًا كانت الأهداف الصعبة التحقيق التى ترفعها إسرائيل، وهذا جزء من استراتيجية التفاوض، فإن استمرار هذه الحرب على الجبهة اللبنانية واحتمال انزلاقها إلى “نموذج ٢٠٠٦” يبقى أمرًا قائمًا برغم الضغوطات الدولية على إسرائيل من طرف أصدقائها الفاعلين والمؤثرين لتلافى ذلك.
فهل تعود الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة، والتى لا تريد هذه الحرب ولأسباب مختلفة عند كل منها، إلى التفاهم، برغم صعوبة ذلك فى ظل تشابك التطورات والمواجهات المختلفة بين بعض هذه الأطراف، إلى وضع التنفيذ التدريجى والفعلى للقرار ١٧٠١ على الطاولة. ويكون ذلك بشكل متقدم وفاعل عما كان قائما منذ ٢٠٠٦ غداة صدور القرار الدولى المشار إليه. الأمر الذى قد يسمح بالتوصل إلى صيغة قد تكون شبيهة ـ برغم اختلاف الظروف على الأرض، وازدياد التعقيدات مع الحرب فى غزة ـ “بتفاهم نيسان ١٩٩٦” غداة العدوان الإسرائيلى ومجزرة قانا، وذلك فى سياق العمل على التنفيذ الكلى للقرار المشار إليه، أم أن لبنان سيبقى فى عين العاصفة وعلى طريق المجهول والذى لا يجوز تجاهله.

إقرأ على موقع 180  "الثلاثي" الأميركي-السعودي-الإسرائيلي.. دونه نتنياهو أيضاً! 

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
ناصيف حتي

وزير خارجية لبنان الأسبق

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "ضباط أربعة" جدد و"لعب أولاد".. في بلد مهدد بالإنفجار