مسؤولية النزوح السوري.. قصة إبريق الزيت!

في لبنان لا تتحمل السلطة التنفيذية وحدها مسؤولية القرار السياسي أو عدمه، فأية قوة أهلية فاعلة ولا تكون في صلب القرار الحكومي، يُمكن أن تُعطّل ما خفّ أو ثقل من قرارات حكومية، فالعامل الطائفي أو المذهبي له حضوره الطاغي على واقع الدولة اللبنانية، وهي بأحسن الأحوال أضعف الأطراف الفاعلة في لبنان. 

من هذه المقدمة يمكن الولوج نحو نقاش هادىء لمسألة النزوح السوري إلى لبنان، بعيداً عن صرخات حزبية لا هدف منها سوى تسجيل نقاط في حلبة السجالات الداخلية، ولا ارتداد لها إلا إثارة التشنجات مع جوار كان جارنا منذ ما قبل التاريخ وسيبقى على هذه الحال حتى يوم القيامة، وبعدها يشاء الله ما لا تعلمون.

-من أين نبدأ؟ من الإتفاق حول أن السوريين ليسوا أعداءنا بل أشقاؤنا.

-ما مدخل المعالجة؟ من وجود إجماع وطني على أن تنظيم الوجود السوري في لبنان ضرورة وطنية واستراتيجية.

-كيف نطرق باب الحل؟ من الإقرار بأن تفاقم أزمة الوجود السوري مرده إلى غياب فضيلة الاعتراف بأن الداخل اللبناني يتحمل المسؤولية الكبرى في استشراء الأزمة، ومن دون اعتراف بشناعة العوامل المحلية كما يعترف المسيحيون في الكنائس لتطهير أعمالهم أو المسلمون حين يتوبون عن آثام سابقة، فلا طائل من كل تلك الخطابات على الشاشات ولا فائدة من التظاهرات في الساحات، وعلى ذلك، فبدايات احتواء النزوح السوري تكمن في العناوين التالية:

ـ أولاً؛ المنظمات غير الحكومية:

يُدرك اللبنانيون عن بكرة آبائهم وأجدادهم دور المنظمات غير الحكومية في تقديم المساعدات المالية للنازحين السوريين، وهذه المساعدات الآتية من الدول المانحة، لا تمر عبر القنوات الرسمية للدولة اللبنانية ولا تخضع للرقابة الرسمية؛ هي تتجاهل وجود الدولة بالأصل وتحت ذرائع مختلفة من ضمنها “الخشية من الفساد”، وهذه المنظمات تقدم تفسها كـ”ملائكة الرحمن” فهي “الطهر” كله مقابل الدولة اللبنانية المتمثلة بـ”العُهر” كله، وما بين النقيضين اللدودين، لا مجال لأي دور للدولة التي تنازلت طوعاً أو قسراً أو ضعفاً أو استضعافاً أو تآمراً عن مسألة سيادية، أقل ما يمكن أن يقال فيها إن من حق الدولة أن تُشرف على قنوات الصرف المالي والجهات الممولة وأن تُدقّق بأغراضها وتحتكر حق الرفض أو القبول .

-من صادر دور الدولة؟ من قزّمها إلى حد اللاوجود؟

-من “فرعن” المنظمات غير الحكومية فدفعها إلى الإستقواء ثم الإستكبار على الدولة حتى شمخت عليها؟

-من يحمي هذه المنظمات؟ هل يُمكن ردعها بقرار وطني موحد؟

-من يتصدى لهذه المهمة؟ من لها؟

 -فارس… إثنان… ثلاثة… ساحة النزال تنادي.

هنا يكون الإمتحان الأول.

ـ ثانياً؛ المصارف:

كما كان للقطاع المصرفي اللبناني “ريادته” في الإنهيار المالي والإقتصادي الذي أغرق هذا البلد البائس بنكبة غير مسبوقة؛ للقطاع إياه “ريادة” مماثلة في تثبيت دعائم النزوح السوري في لبنان من خلال تأديته دور الوسيط بين الجهات الممولة للنزوح وبين الأفراد النازحين، وإذا كان من العلوم المعلومة والمعارف المعروفة بأن المصارف لا تُقدّم خدمات لـ”وجه الله” فمن حق السائلين أن يسألوا عن النسبة المجهولة التي تجنيها المصارف لقاء أفعالها الوسيطة بين “المُحسنين” والنازحين؟

-من يرفع البطاقة الحمراء بوجه المصارف؟

-من يجرؤ على التظاهر ضد أعمالها “الخيرية”؟

-من يُنازل المصارف؟

من يُردّد قول عنترة العبسي:

إذا كشف لك الزمان القناعا / ومد إليك صرف الدهر باعا

فلا تخش المنية واقتحمها / ودافع ما استطعت لها دفاعا.

-هل من عنترة؟

هنا الإختبار الثاني.

ـ ثالثاً؛ الإتحاد الأوروبي:

يخشى الإتحاد الأوروبي على أمنه وعلى هويته الإجتماعية والثقافية، فيعمد إلى قوننة الهجرة النظامية ومكافحة غير النظامية، مرة بالقوة ومرة بالرشوة، وهذا ما يفعله مع دول شمالي إفريقيا العربية ومع تركيا، ذاك حقه ولا جدال حوله، ولكن أن تلجأ الدول الأوروبية إلى رمي هواجسها ومخاوفها على اللبنانيين، فذلك ليس من حقها ولا يمت إلى العدالة بصلة أو آصرة أو رباط، ومن هذه الزاوية لا يكفي أن يتحول بعض اللبنانيين إلى بكَائين أمام حائط المبكى الأوروبي فيلتاعون قربه ويتضورون ويطلبون الخلاص من النزوح السوري بالشكوى لمن يُغذي النزوح ويمده بطول البقاء، وعلى هذه الصورة لماذا على اللبنانيين أن يصونوا أمن أوروبا وهويتها، فيما لا يخشى الأوروبيون لومة لائم من لبنان، فيطمأنون ويأمنون لإستجابة لبنانية حريصة على أمن الأوروبيين ومفرطة كل التفريط بأمن اللبنانيين؟

-من يُشهر بسالة الفعل فيفتح البحر أمام النازحين؟

-من يظفر بجسارة التحدي فيمتحن أهل الغرب وما إذا كانوا من أهل “المعروف والإحسان” فيُجيّرون “أفضالهم وأنعامهم” إلى السوريين في داخل سوريا؟

-من يجهر ببأس البطولة فيُقفل أنابيب المدد المالي للنازحين ولا يجعل من “مصارفنا” حصان طروادة ولا من “منظماتنا” المدنية كعب أخيل؟

-من يقول لأهل أوروبا: أركبوا أعلى مراكبكم؟

هنا الفحص الثالث.

ـ رابعاً؛ مسؤولية “الشعب الجشع”:

في معجم “لسان العرب” لإبن منظور “رجل جشع بشع، يجمع جزعاً وحرصاً وخبث نفس”.

ما كان اللبنانيون جشعين، قلة منهم انزلقت إلى هذه الحفرة، غالبيتهم العظمى كانت مبدعة وماهرة في أعمالها، وأسهمت بتفوق مذهل في بناء عشرات من دول العرب والعجم، في الشرق وفي الغرب، ماذا حلّ باللبنانيين؟ فئة كبيرة منهم غدت جشعة طمّاعة لا تلوي إلا على المال وكنزه بأية طريقة من الطرق، فوقعت ضحية جشعها وأوقعت كثرة من النازحين السوريين ضحايا هذا الجشع، كيف؟ الإجابة في التالي:

إقرأ على موقع 180  حرب باردة.. صينية أميركية

تستغل الفئة اللبنانية الجشعة فقر النازحين السوريين، فتوفر لهم أعمالاً وأشغالاً بمداخيل منخفضة للغاية، تلزمهم بساعات عمل طوال، نصف يوم كامل وأكثر، ترهقهم وتنهكهم حتى آخر أنفاسهم، تعطيهم أقل الأجور وتتحاشى توظيف اللبنانيين لأن أجورهم أعلى، وبهذه المعادلة ينتج عن أفعال هذه الفئة الجشعة ضحيتان، عامل لبناني من دون عمل، وعامل سوري يستغله ايما استغلال أرباب العمل.

ذاك هو واقع العديد من المقاهي والمطاعم والفنادق والمنتجعات والمخابز والمحال التجارية وأعمال البناء والزراعة وتأهيل المنازل، وبقدر ما هذه المعادلة مؤلمة في جانبيها، الإستبعادي للعامل اللبناني والإستغلالي للعامل السوري، فإنها تُشكّل أحد أهم الروافد الباعثة على تكثيف النزوح السوري إلى لبنان، ومما لا تقل أهميته عن استغلال السياسات الغربية للأزمة السورية وإبقائها معلقة مرة عبر “قانون قيصر” ومرات مستمرة عبر إغراء السوريين بالنزوح من بلادهم بفعل تقديم الإعانات المالية لهم في بلاد النزوح ومن ضمنها لبنان.

هل هذا كل الجشع؟ لا وحتماً لا.

للجشع أتباع وأنصار لا ينحصرون في دائرة أرباب العمل، فثمة ناس عاديون جشعون، أولئك أصحاب الأملاك السكنية، كبيرة كانت أم صغيرة، شقق متوسطة أو متواضعة أو غرف أو محال مرمية على قوارع الطرق، كل مسكن يضم أكثر من حجرة يجري تأجيره لأكثر من عائلة سورية، فيعود إيجاره على المالك بضعفي إيجاره لعائلة لبنانية، وكلما تعدّدت الحجرات والغرف، تضاعفت المداخيل بالعملة الأميركية الخضراء، ومن طرائف الزمان، أن أصحاب أملاك كثيرين من هذا النوع، يؤجرون أملاكهم للسوريين ثم يشكون من النزوح السوري ويحتجون عليه.

يا للمضحكة!

ومع ذلك كيف يمكن العبور من الهزال إلى الجد؟

هنا يأتي القرار الوطني الموحد.. هل يمكن العثور على هذا القرار؟

هنا طريق الجلجلة بآلامها وخلاصها، من لهذه الطريق؟

ـ خامساً؛ طريق السلطات المحلية:

في المواد 59 و60 و61 و62 و63 و92 (قانون البلديات)، ما يُتيح للمجالس البلدية أن تمارس سلطة الوصاية اللامحدودة في النطاق الديموغرافي والجغرافي العائد لنفوذها، وبحيث تكون الكائنات العاقلة وغير العاقلة والمادات الجامدة خاضعة لولايتها، فلا يُولد مولود أو يموت مخلوق بغير علمها، ولا ينطق طير بغير معرفتها، ولا تُحرث أرض ولا يُحفر بئر ولا يُباع أو يؤجر متر أو شبر من دون أن تكون لها عين أو يد على ما يجري فوق الأرض وتحتها.

-هل يُمكن أن تُطبق المجالس البلدية القوانين المعروفة على النازحين السوريين؟

-نعم.. ولكن؟ كيف؟

هي بحاجة إلى غطاء من القائمقام وهذا بحاجة إلى المحافظ الذي يحتاج إلى وزير الداخلية.. والأخير بحاجة إلى غطاء من مجلس الوزراء.

هذه ليست قصة إبريق الزيت، هذه دورة طبيعية ولكن حلقتها الغائبة في مجلس الوزراء، في القوى الممثلة فيه وفي القوى غير الممثلة، أي أن معالجة النزوح السوري تحتاج إلى إجماع وطني عام، لا يقتصر على الوزراء المنضوين في الحكومة، وهذا الإجماع غائب ولذلك يغيب قرار معالجة النزوح وتنظيمه.

-لماذا يغيب القرار الوطني والإجماعي؟

-لأسباب شتى أكثرها وضوحاً إثنان، عدم كبح جماح الجهات المحلية المستفيدة من النزوح السوري، ومحاذرة الإساءة للعلاقات مع الدول الخارجية الممولة للنزوح، وعلى ذلك ينتظر المنتظرون حلاً لن يأتي.

-ينتظرون الخارج ليحل لنا أزمة النزوح السوري.

-ينتظرون الخارج لينتخب لنا رئيساً للجمهورية.

-ينتظرون الخارج ليعيد تنظيم اقتصادنا.

-ينتظرون الخارج ليدعونا إلى مؤتمر للحوار الوطني.

-من يلتفت إلى دمشق؟ من يتذكر طريق الشام؟

-من يغني مع فيروز؟

أحبُ دمشق / هواي الأرَقُ

أحبُ جوار بلادي.

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  لستُ شيوعياً.. لكن متى تنفجرُ الثّورةُ الماركسيّةُ العالميّةُ؟ (1)