من غزة إلى ترامب.. إيران تستعد لانتخاب رئيس متشدد

فور الإعلان عن حادثة الطائرة المروحية التي أودت بحياة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان وعدد من رفاقهما، كرت سبحة التحليلات حول تأثير هذه الحادثة على مستقبل الوضع الإيراني.

تتمحور الأسئلة والتحليلات حول أربعة أمور، أولها إذا كانت الحادثة مُدبّرة أم أنها قضاء وقدر بفعل الأحوال الجوية السيئة، وثانيها كيفية تفاعل الشارع الإيراني مع الحادثة لا سيما في ضوء سلسلة الاحتجاجات الشعبية التي عاشتها إيران في السنوات الماضية، وثالثها كيف ستتم ادارة البلاد خلال الخمسين يوماً التي تفصل عن الانتخابات الرئاسية، وآخرها مدى تأثير غياب رئيسي وفريقه على الداخل الإيراني كما على الصعيدين الإقليمي والدولي لا سيما في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية ولبنان والمستمر منذ حوالي الثمانية أشهر.

إن طبيعة الحادث ومكانه وظروف حصوله يجعل من الكلام عن أسبابه خلال الأسابيع أو حتى الأشهر القليلة المقبلة ضرباً من ضروب التنجيم، لأن تحديد الأسباب يتطلب أولاً سحب حطام الطائرة من مكان الحادث، وهو واد سحيق في وسط غابة، واعادة تجميع الحطام قطعة قطعة لتبيان ما إذا كان هناك أي عمل تخريبي أو تفجير داخلي أو اعتداء خارجي على الطائرة، وهذا كله يتطلب الكثير من الوقت والخبرات. وبعد كل ذلك من المؤكد أن العامل السياسي سيلعب دوراً في اعلان النتائج، وفق المصالح الوطنية العليا للدولة الإيرانية.

أما عن تفاعل الشارع الإيراني مع الحادثة، فقد جاءت الاجابة على ذلك سريعة من خلال الحشود المليونية التي شهدتها العاصمة طهران والمدن التي طافت عليها الجنازة الجماعية، ومن الواضح أن الإدارة السياسية للبلاد أرادت من هذا التشييع المتنقل في المدن الإيرانية أن تؤكد أن النظام ما يزال يتمتع بشعبية كبيرة وأن الاحتجاجات الشعبية التي حصلت خلال السنوات القليلة المنصرمة لم تنل من مشروعية النظام الشعبية، على عكس ما عملت وسائل الاعلام الغربية على ترويجه.

وفي موضوع ادارة البلاد خلال المدة الفاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية، فإن العارفين بطبيعة النظام الإيراني يدركون أن منصب الرئيس وحكومته هو عبارة عن سلطة تنفيذية، أما سلطة صناعة القرار الفعلية في هذا النظام فهي للمرشد الأعلى للثورة (آية الله على خامنئي)، وقد بدا واضحاً أن العملية الانتقالية جرت بسلاسة مطلقة من خلال تولي النائب الأول لرئيس الجمهورية محمد مخبر الرئاسة بالانابة وتولي كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي علي باقري منصب وزير الخارجية بالانابة، وتداعي اركان النظام إلى البدء بالتحضير للانتخابات الرئاسية في أواخر يونيو/حزيران المقبل، فضلاً عن انتخاب رئيس مجلس خبراء القيادة آية الله محمد علي موحدي كرماني لمدة سنتين.

من غير المرجح أن ينعقد النصاب السياسي لمصلحة الإتيان برئيس اصلاحي، وأغلب التقديرات تُرجح وصول رئيس متشدد، وقد أشارت بعض الصحف الإيرانية إلى أن رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف هو الأوفر حظاً في الظروف الراهنة، لما يتمتع به من دعم من الحرس الثوري، ولما يتمتع به من سمعة جيدة في الإدارة بعد أن كان رئيساً لبلدية طهران

الإسراع في تنفيذ آلية العملية الانتقالية المحددة في الدستور الإيراني، يهدف للقول للعالم إن إيران دولة مؤسسات ولا تتأثر بغياب مسؤول كبير بحجم رئيسي أو عبد اللهيان وفي جزء آخر من الأمر أيضاً أن الإدارة السياسية للبلاد لا تريد أن تُبعد الأضواء عن المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني في قطاع غزة والضفة الغربية، ومن هنا كان لافتاً للإنتباه أن الكلمة الوحيدة التي ألقيت في تشييع رئيسي ورفاقه في طهران كانت لرئيس المكتب السياسي في حركة حماس اسماعيل هنية، وقد كان ذلك رسالة إيرانية قوية تؤكد أن شيئاً لن يتغير في سياسة إيران الداعمة للقضية الفلسطينية وقوى المقاومة من فلسطين إلى اليمن والعراق مروراً بلبنان.

ولأن المرشد الأعلى هو السلطة العليا في البلاد وفي مكتبه تتجمع المعطيات وتوازنات البلاد، تكون الكلمة العليا له، وبالتالي، فإن السياسة التي انتهجها الرئيس الراحل رئيسي هي السياسة التي حدّد معالمها المرشد وبالتالي لا تتأثر بغياب الرئيس، أو بانتخاب رئيس آخر.

وفي استشراف لما يُمكن أن تُسفر عنه الانتخابات الرئاسية في الشهر المقبل، فإن فريق المحافظين بات يُمسك بكل مفاصل الدولة الإيرانية للمرة الأولى منذ انتصار الثورة الإيرانية. يعني ذلك في ظل حكومة “إسرائيلية” هي الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ الكيان وما تحظى به من دعم أمريكي مفتوح، وفي ظل إحتمالات وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة في الخريف المقبل، من غير المرجح أن ينعقد النصاب السياسي لمصلحة الإتيان برئيس اصلاحي، وأغلب التقديرات تُرجح وصول رئيس متشدد، وقد أشارت بعض الصحف الإيرانية إلى أن رئيس البرلمان الإيراني الحالي محمد باقر قاليباف يُمكن أن يكون الأوفر حظاً في الظروف الراهنة، لما يتمتع به من دعم من الحرس الثوري، ومن سمعة جيدة في الإدارة بعد أن كان رئيساً لبلدية طهران (عدد سكانها حوالي 12 مليون نسمة). ولكن آلية الوصول إلى الترشيحات الرئاسية تجعل من السابق لأوانه التنبؤ بهوية الرئيس المقبل، لأن على المرشحين قبل الحصول على بطاقة الترشيح أن يحصلوا على موافقة “مجلس تشخيص مصلحة النظام” على ترشحهم، وهو المجلس الذي صار بغالبية أعضائه من المتشددين، ويعمل، كما جرت العادة، تحت سقف المرشد.

إقرأ على موقع 180  ألمانيا.. وعودة "العدو التاريخي"!

إن تجاوز الجمهورية الإسلامية في إيران تداعيات الحادث يُشير بما لا يقبل الشك إلى أن الدولة العميقة في إيران ما تزال قوية وتعتمد العمل المؤسساتي بدقة متناهية وأي رهان على زعزعة النظام الإيراني هو رهان ضعيف للغاية.

Print Friendly, PDF & Email
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  روسيا النووية.. ما علاقة ستالين والنخبة اليهودية؟