آخر تجليات هذا التطور برزت بقوة في موسكو خلال الأيام الماضية، حين حطّ وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن (المُفاخر علناً بيهوديته) الرحال في كييف ليخرج منها بمطالبات ساخنة للإدارة الأميركية بالسماح للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (المُفاخر أيضاً بيهوديته) باستخدام الأسلحة الأميركية لضرب الداخل الروسي.
حتى الآن، كان الرئيس جو بايدن يرفض ذلك، خوفاً من احتمال أن ترد موسكو باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية في أوكرانيا، مما يُهدد باشعال حرب عالمية ثالثة بين القوى النووية هذه المرة في العالم.
بالطبع، بليكن هو رأس الدبلوماسية الأميركية وليس قائد إدارتها العسكرية. وبالتالي كان يُنتظر منه أن يكون أبعد الناس عن الدعوة إلى التصعيد الخطير على هذا النحو. لكنه يتصرف الآن فعلاً كجنرال من صقور الجنرالات وليس كحمامة سلام دبلوماسية.
وهو كرّر ذلك أيضاً غداة “طوفان الأقصى”، حين أيّد بقوة خلال وجوده في تل أبيب اشعال الحرب الإسرائيلية ضد غزة، ثم نشط بعد ذلك (ولا يزال) لتغطية فظائع هذه الحرب دولياً .
والآن، لا يكتفي بلينكن بالمطالبة بالسماح لزيلينسكي بضرب روسيا بالأسلحة الأميركية، بل يدعو أيضاً إلى قيام الخبراء العسكريين الأميركيين بتدريب القوات الأوكرانية على أرض أوكرانيا وليس في ألمانيا (كما الحال الآن). وهذا بالطبع يخلق احتمال انخراط أميركا مباشرة في الحرب الروسية الأوكرانية في حال تعرض هؤلاء الخبراء إلى القصف.
صحيح أنه ليس من المتوقع قط أن نسمع تصريحات لا يهودية أو لا سامية من مسؤولين روس، لكن لن يكون مستغرباً في ظل الحرب الخطرة والضروس التي يشنها الغرب الآن ضد روسيا (والتي تُهدّد بالفعل بتقسيم وتفتيت “الأم روسيا”) أن يتداول الروس الآن الأسباب والدوافع التي حفّزت ألمانيا في عهد هتلر على إعلان الحرب على “المال اليهودي العالمي”
كل هذه المعطيات أطلقت أضواء حمراء وصفراء حادة في موسكو، والأرجح أنها ستُعيد إلى أذهان الكثير من الروس ما ورد في بروتوكولات حكماء صهيون حول “المؤامرة اليهودية العالمية”. وعلى أي حال، لا يجب أن ننسى هنا أن العديد من المحللين السياسيين الروس يشيرون مراراً وتكراراً إلى ما يسمونه “اليهودية الخاصة” لزيلينسكي. وهم أبرزوا بالخط العريض تصريح بلينكن في تل أبيب، غداة “طوفان الأقصى”، والذي قال فيه إنه جاء إلى إسرائيل “بصفته اليهودية”.
صحيح أنه ليس من المتوقع قط أن نسمع تصريحات لا يهودية أو لا سامية من مسؤولين روس، لكن لن يكون مستغرباً في ظل الحرب الخطرة والضروس التي يشنها الغرب الآن ضد روسيا (والتي تُهدّد بالفعل بتقسيم وتفتيت “الأم روسيا”) أن يتداول الروس الآن الأسباب والدوافع التي حفّزت ألمانيا في عهد هتلر على إعلان الحرب على “المال اليهودي العالمي”، وأن يتوقفوا مجدداً أمام ما يسمى “نبوءة هتلر” الشهيرة في العام ١٩٣٩ والتي جاء فيها الآتي:
“يتعيّن على اليهود التوقف عن العيش على حساب الشعوب الأخرى، وإلا فإنهم سيتعرضون إلى أزمة لا يُمكن تصورها. اليهود يحاولون الآن تحريض الملايين من الناس على صراع لا معنى له تماماً بالنسبة لهم ولا يخدم سوى المصالح اليهودية. لقد كنتُ في كثير من الأحيان في حياتي نبياً وتعرضت للسخرية في الغالب. وفي وقت كفاحي من أجل السلطة، كان الشعب اليهودي في المقام الأول هو فقط الذي استقبل بالضحك نبوءاتي بأنني سأتولى يوماً ما قيادة الدولة وشعب ألمانيا بأكمله، ثم، من بين أمور أخرى، جلب المشكلة اليهودية إلى حل. أعتقد أن هذا الضحك المجوف لليهود في ألمانيا قد علق الآن في حلوقهم. واليوم، أريد أن أكون نبياً مرة أخرى لأقول: إذا ما نجح التمويل اليهودي العالمي داخل أوروبا وخارجها في إغراق الأمم مرة أخرى في حرب عالمية، ( سبق لهتلر أن اتهم اليهود باشعال الحرب العالمية الأولى)، فلن تكون النتيجة بلشفة الأرض وبالتالي انتصار اليهود، ولكن إبادة العرق اليهودي في أوروبا”.
***
انتهت “نبوءة هتلر”، لكن الأحاديث عن دور اليهود في العالم، ليس فقط في فلسطين وأوكرانيا وإفريقيا (حيث تتزعم الآن جنوب إفريقيا الحملة ضد العنصرية اليهودية) وأميركا اللاتينية (التي تكتشف شعوبها الآن أصابع بعض اليهود وراء السيطرة الامبريالية الأميركية)، بل أيضاً دور المال اليهودي العالمي في تفجير حروب وصراعات العولمة النيوليبرالية في كل أنحاء العالم ومعها التوازنات البيئية والايكولوجية لكوكب الارض.
وهذا الإجماع الذي يتبلور الآن ضد دور اليهود في العالم، يُذكّر بشكل مدهش بالإجماع الذي حصل بين شعوب المشرق والرومان ضد اليهود قبل ثلاثة آلاف سنة، والذي أدى في نهاية المطاف إلى تدمير دولة إسرائيل التي لم تعش (وسط هذا البحر من العداء) أكثر من ٨٠ عاماً.
ثم يقولون بعد ذلك إن التاريخ لا يُعيد نفسه!