تسييل “ورقة بايدن” رهن كلمة نتنياهو.. والسنوار

خلال أقل من أسبوع ظهرت على الساحة الدولية جملة من التطورات التي لا يمكن القفز فوقها، فالأوروبيون الذين يُوفدون مدراء مخابراتهم إلى دمشق للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، هم أنفسهم يراقبون بصمت مطبق تقدم روسيا الجزئي في العمق الأوكراني!

لكن الحدث الأبرز كان ما قدّمه الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم الجمعة الماضي، من خطة جديدة لوقف حرب غزة قائلاً إن إسرائيل اقترحهتا وأنها تتضمن ثلاث مراحل تشمل وقفا لإطلاق النار في غزة، إطلاق سراح المحتجزين، وإعادة إعمار القطاع.

ومع اعلان هذا الخطة، تم خلق مناخ اعلامي ودبلوماسي يوحي وكأن الكرة في ملعب حركة حماس، قبولاً أو رفضاً، فيما الرسالة الأوضح كانت موجهة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه آن الأوان لعدم بقائه أسير أعضاء ائتلافه الحاكم من المتطرفين أمثال بتسلئيل سموتريتش وايتامار بن غفير.

وبالتزامن سمعنا كلام الموفد الأميركي آموس هوكشتاين عما أسماه “إمكانية التوصل إلى مجموعة من التفاهمات، والتخلص من بعض الدوافع للصراع، وإقامة حدود معترف بها لأول مرة على الإطلاق بين البلدين (لبنان وإسرائيل)”، وهذا الكلام يُدلّل على أن اتصالات هوكشتاين مع الجانبين اللبناني والإسرائيلي طوال الشهور الماضية أثمرت تفاهمات تؤسّس لانجاز اتفاق الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل خلال فترة قياسية بعد فرض وقف اطلاق النار نهائياً في قطاع غزة.

وبدا من كلام هوكشتاين أن خطة واشنطن المتعلقة بالهدوء في جنوب لبنان، تشمل استنهاض البنية التحتية وتحديداً ملف الكهرباء وإعادة إعمار الجنوب، وأيضاً طرح الملف الرئاسي في المرحلة الثانية التي تتطلب استقراراً سياسياً.. ورئيساً لبنانياً ضامناً للاتفاق الحدودي.

في الوقت نفسه، فإن حزب الله، الشريك الرئيسي لحماس، في معركة غزة، أوضح للموفدين، من الفرنسي جان ايف لودريان إلى القطري جاسم آل ثاني وصولاً لمدراء مخابرات دول إقليمية وعربية أن موقفه ثابت، فأي تسوية تتصل بالوضع جنوباً منطلقها وقف إطلاق نار دائم في غزة.. ما عدا ذلك سيبقى سقف “جبهة الإسناد” دون بلوغ خيار الحرب الشاملة، وهو الأمر الذي يُحاذره الجانبان، برغم كل السقوف السياسية العالية التي يبلغها بعض الخطاب الإسرائيلي.. غب الإستثمار السياسي لا أكثر ولا أقل.

***

بالتوازي، حلّ وزير خارجية إيران بالوكالة، علي باقري كني، في بيروت، أولى محطات زياراته الخارجية، وحتماً يريد بالشكل التدليل على محورية لبنان في سياسات طهران الإقليمية، من دون إغفال البعد الإجتماعي بتقديم واجب العزاء إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بوفاة والدته باسم القيادة الإيرانية، فضلاً عن سعي باقري كني للإحاطة بملفات المنطقة، خصوصاً أنه مرشح لتولي وزارة الخارجية بالأصالة بعد تشكيل أول حكومة تلي الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة نهاية هذا الشهر.

يحيى السنوار، هو الأكثر ميلاً لإغراق إسرائيل أكثر في مستنقع غزة والاستفادة من التجييش الدولي والعربي ضد إسرائيل، لكن حماس الخارج باتت تدرك أن رفض الورقة الأميركية والتي تتحلق حولها دول العالم، سيؤدي لإحراج الوسطاء وتحديداً القطري الذي يتعرض لحملات تحريضية في الولايات المتحدة بسبب استضافة قادة حركة حماس في الدوحة

عملياً، سيكون باقري كني المُمسك، سياسياً وديبلوماسياً، بملفات الشرق الأوسط الشائكة، بشراكة كاملة مع “قوة القدس” في الحرس الثوري. وتأتي زيارته، بتوقيتها، في ظل تكثف المساعي الإقليمية للوصول إلى وقف اطلاق نار دائم في غزة، خصوصاً أن باقري كني هو الموكل بالتفاوض مع الولايات المتحدة والأوروبيين في العديد من الملفات، وكان مسؤولاً عن الملف النووي قبل أن تؤول مسؤوليته منذ مطلع هذه السنة إلى الجنرال علي شمخاني سكرتير المجلس الأعلى السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني.

***

في ملف حرب غزة، ثمة شعور أن الخطة الأميركية التي عمل عليها مدير المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز مع الوسيطين القطري والمصري، قبل حوالي الشهر، جرى وضع دول عدة في تفاصيلها الدقيقة، بدليل ما اعلنته اندونيسيا عن جهوزيتها لإرسال قوة عسكرية إلى غزة اذا ما طلب منها رسمياً ذلك، وجاكرتا التي تعد أكبر الدول الإسلامية من حيث العدد تسعى منذ سنوات لتظهير حضورها في الملفات الإسلامية إذا سمحت لها الظروف بذلك، إضافة إلى استثمار علاقتها الجيدة بواشنطن، ما يُعزّز فرضية أن هذا الإستعداد ربما يكون منسقاً مع واشنطن ربطاً باحتمالات “اليوم التالي” فلسطينياً.

وفي ذروة هذا النقاش، لا يكل الإسرائيليون عن محاولات تجريبية لطبيعة “اليوم التالي” في قطاع غزة، فوفد “الموساد” الذي التقى في إحدى عواصم أوروبا الشرقية برئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، سعى لإعادة تعويم فكرة تسليم القطاع لمجموعات أمنية تابعة لرام الله بالتنسيق مع بعض العشائر الغزاوية، وهي صيغة يُرجح أن لا يُكتب لها النجاح، إذا لم تكن منسقة بأدق تفاصيلها مع حماس، في ضوء “الدرس” الذي لقّنته “كتائب القسام” أثناء هدنتي غزة، العام الماضي، لبعض رموز العشائر الذين حاولوا أن يُشكّلوا إدارة مدنية بالتعاون مع الإحتلال.

إقرأ على موقع 180  مدينة عكا.. هل تعود لبنانية؟

وهذا اللقاء الذي لا يبدو يتيماً، حرّك الجانبين القطري والمصري ومن خلفهما رجب طيب أردوغان لخلق أجواء تنسيق بين حماس وفتح لإشراكهما في أي مرحلة مقبلة لإدارة المعابر والإدارة الذاتية للقطاع، وبرغم عدم وصول هذه الاتصالات إلى أي نتيجة إلا أن الرغبة لا تزال موجودة لدى كل الأطراف لإنجاح المصالحة الفلسطينية.

***

ماذا عن العدوين اللدودين في المواجهة المفتوحة على أرض غزة، أي بنيامين نتنياهو ورئيس المكتب السياسي لحماس في غزة يحيى السنوار؟

حتى الآن، ينطلق نتنياهو من سؤال جوهري: هل من مصلحة إسرائيل الذهاب إلى اتفاق ينهي الحرب مع استعادة شعبية حزب الليكود تدريجياً، حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، أم أن الحرب ما تزال حاجة إسرائيلية لنتنياهو من أجل أن لا يخسر موقعه في رئاسة الوزراء؟ وهذا النوع من الأسئلة يُدلّل على رغبة نتنياهو باستمرار الحرب وينطوي على أن حسابات نتنياهو اليوم لم تعد لمصلحة إسرائيل كدولة وكيان وجيش، بل الغاية الأهم هي تثبيت وقائع سياسية تضمن استمراره في الحكم حتى موعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.

أما الصامت الأكبر في هذه المعركة، يحيى السنوار، فهو الأكثر ميلاً لإغراق إسرائيل أكثر في مستنقع غزة والاستفادة من التجييش الدولي والعربي ضد إسرائيل، لكن حماس الخارج باتت تدرك أن رفض الورقة الأميركية والتي تتحلق حولها دول العالم، سيؤدي لإحراج الوسطاء وتحديداً القطري الذي يتعرض لحملات تحريضية في الولايات المتحدة بسبب استضافة قادة حركة حماس في الدوحة، وبخاصة بعد ما بات إسماعيل هنية مطلوباً للعدالة الدولية بموجب مذكرة توقيف دولية ستصدرها المحكمة الجنائية الدولية.

وكلما اقتربنا من موعد الانتخابات الأميركية وتحديداً من مؤتمر الحزب الجمهوري المقرر في آب/أغسطس المقبل، كلما ستضيق الفرصة الأميركية المُعطاة لنتنياهو، وهذا لسان حال العديد من السفراء العرب والأجانب في بيروت، وبالتالي ستتبلور تدريجياً قوة دفع أميركية لفرض موافقة نتنياهو على قرار وقف الحرب، ما سيُمهد الظروف أمام خلق مناخات إقليمية أقل توتراً وتعبيد الطريق الطريق أمام التطبيع بين إسرائيل السعودية وابرام الاتفاق الاستراتيجي الدفاعي بين واشنطن والرياض، وبالتالي تعزيز أوراق بايدن في الانتخابات الرئاسية المقررة في الخريف المقبل.

في المحصلة، العالم كله ينتظر ما يُقرره شخصان، وهما نتنياهو والسنوار، والأكيد أن الرجلين، وكلاهما من موقع مختلف عن الآخر، يعوّلان على الميدان من جهة، والتحولات الدولية والإقليمية من جهة ثانية، ما يعني أن “اليوم التالي” ما زال حتى الآن، مجهول الشكل والمضمون.

Print Friendly, PDF & Email
صهيب جوهر

صحافي لبناني وباحث مقيم في مركز "أبعاد" للدراسات الإستراتيجية في لندن

Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  إيران وأميركا، إلى التفاوض أم الحرب؟