هُنا موسكو.. ثمة تحولات من أوكرانيا وغزة إلى بحر الصين!

تتسارع التطورات على الجبهة الروسية - الأوكرانية، مع اصرار الكرملين على انجاز ما يسميه "كامل المخطط المرسوم منذ بدء العملية العسكرية الخاصة في 24 شباط/ فبراير عام 2022"، والهادفة إلى إقامة منطقة عازلة بعمق نحو 300 كيلومتر، وبالتالي فصل الشرق عن الغرب وجعل أوكرانيا الواقعة تحت وصاية حلف شمال الأطلسي (الناتو) بلا منفذ بحري.

ما يُردّده مسؤولون روس، في هذه الأيام، على مسمع من شخصيات عربية تزور موسكو، أن روسيا الاتحادية ماضية في قرار الاستحواذ الكلي على مدينتي أوديسا وخاركيف، وإذا استمر حلف “الناتو” في دفع سلطة كييف للمغامرة باستخدام أسلحة حديثة كاسرة للتوازن نحو العمق الروسي، “من غير المستبعد أن تتضاعف المنطقة العازلة إلى أكثر بكثير من 300 كيلومتر”، وعلى الأرجح، “يشي مسار الأمور بأننا ذاهبون في هذا الاتجاه التصعيدي، ولن يطول الأمر حتى يكتشف الشعب الأوكراني أن الغرب ورّطه في معركة خاسرة ضد روسيا، لأن المخطط سيكون بعد استحواذ روسيا على الجزء الشرقي، هو تقسيم الغرب الأوكراني بين بولندا ورومانيا، وذلك على حساب الأوكرانيين”.

واللافت للإنتباه منذ بداية الحرب قبل سنتين ونيف، أن ما كان يسمى بـ”أزمة اللجوء الأوكراني” إلى الدول الأوروبية، أخرجت من التداول، “لأن هذه الدول وجدت ضالتها في ردم الهوة العرقية، من خلال الدمج السريع للاجئين الأوكرانيين في مجتمعات الدول الأوروبية، وتحول هذا اللجوء من نكبة للشعب الأوكراني إلى استثمار كبير للحكومات الأوروبية”، كما يُردّد مسؤول روسي.

إلا أن دول الإتحاد الأوروبي، ستكتشف مع تبدّل خارطة أوكرانيا المحتمل، “أن السحر قد انقلب على الساحر”، بمعنى أن المخطط الغربي قام على استخدام أوكرانيا ليصبح “الناتو” على حدود روسيا، بينما سياق المسار العسكري على الأرض “سيجعل الأمر معكوساً بالكامل”، إذ أن روسيا مع انشاء المنطقة العازلة وتفكك أوكرانيا الغربية “ستُصبح هي على حدود الناتو”.

وما يُسمع من كلام في موسكو، ينمُ عن ثقة عالية جداً في مجرى الأحداث ومصائرها ونتائجها، ولا يخفي مسؤول روسي اعتقاده المبني على وقائع، من أن الصراعات الممتدة حالياً من أوكرانيا إلى فلسطين، لن يُكتب النجاح فيها إلا لمصلحة “محور الشرق”، أي روسيا والصين وإيران وكل منظومة تحالفات هؤلاء، ويكفي للدلالة على ذلك؛ أنه بعد 76 سنة من الصراع والمفاوضات لم يتم التوصل إلى الدولة الفلسطينية، لا بل إن هذه القضية لم تعد في العقود الثلاثة الأخيرة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي، على جدول الأعمال، لا بل شطبت من الأولويات، بينما أدت قوة الدفع التي حرّكها “محور الشرق”، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر إلى جعل قيامة الدولة الفلسطينية حتمية سياسية.

ويكثر الكلام في موسكو عن سعي روسي صيني لكسر هيمنة الدولار الأميركي على الإقتصاد العالمي، “ففي المتوسط من الآجال​​، تدوم الأنظمة النقدية الدولية من 35 إلى 50 عاماً قبل أن تصبح التوترات التي تخلقها كبيرة جداً وتتطلب نظاماً جديداً، وهذا الأمر نشهده منذ العام 2008 والأزمة المالية العالمية الكبرى، فالاقتصادات الكبرى كانت قائمة على معيار الذهب الصارم قبل الحرب العالمية الأولى، وتمسكت معظم الاقتصادات بعد ذلك بمعيار الذهب، قبل أن يُصمّم في نهاية الحرب العالمية الثانية، نظام مالي دولي جديد (نظام بريتون وودز) مع ربط الدولار بالذهب، والعملات الرئيسية الأخرى، وعندما انهار هذا النظام في بداية السبعينيات الماضية، انتقل العالم إلى نظام النقد الإلزامي، حيث لم يكن الدولار مدعوماً بسلعة، وبالتالي لم يكن النظام بدرجة الرسوخ والثبات التي كان عليها سابقاً، وفي يومنا الحاضر، يبدو أن هذا النظام وصل إلى نهايته واستُنزفت فوائده كافة. إذ أن ما نسبته 60 في المئة من الدول تتعامل بالعملات الوطنية، وهذا التراجع في التعامل بالدولار يُلزم “محور الشرق” ومن ضمن التجمعات الاقتصادية الجديدة (“البريكس” نموذجاً) على اقرار مسودة نظام مالي دولي يكون موازياً للنظام الحالي.

وثمة حديث في موسكو أن المواجهة القادمة “ستكون في بحر الصين بشقيه الجنوبي والشرقي”، وأن مضي الولايات المتحدة في سياسة الغطرسة في هذه المنطقة الحسّاسة من العالم، واصرارها على إجراء مناورات عسكرية استفزازية “سيؤدي إلى زعزعة الأطر المالية والاقتصادية والأمنية العالمية، وستُدخل العالم برمته في صراع خطير جداً يتجاوز في نتائجه ما يسمى بـ”الحروب العالمية”.

في خلاصة الخطاب الروسي أنّ من يدير المواجهة في الشرق الأوسط هو الولايات المتحدة الأميركية وليس اسرائيل، “والحرب الدائرة من بحر عُمان إلى سواحل غزة هي حرب أميركية بامتياز”، وعلى عكس كل المعطيات السابقة، فإن واشنطن “تُعزّز حضورها العسكري في المنطقة.. وقرار الحرب والسلم بيدها وليس بيد أي من قادة اسرائيل، وكذلك على مستوى العالم”.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  قراءة هادئة في خطاب نصرالله: للمنكفئين شاركوا وللمتحمّسين إهدأوا!
داود رمال

صحافي لبناني

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
online free course
إقرأ على موقع 180  تركيا تفتح ذراعيها للخليج.. مصالحات ومصالح