أغلب الرؤساء الإيرانيين الجُدد كان لديهم عدة أشهر للتكيف مع الإيقاع الذي استمر لعقود من الزمن والذي يتلخص في التصعيد النووي التدريجي، وأسلوب الرد على هجمات الخصوم، وكيفية إدارة محادثات سرّية مع الغرب لتخفيف العقوبات.
لكن الرئيس الجديد مسعود بزشكيان كان أمامه عشر ساعات فقط؛ وهو الوقت الذي انقضى بين أدائه اليمين الدستورية وعملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية داخل دار ضيافة تابعة للحرس الثوري الإسلامي في طهران في الساعة الثانية صباحاً. هنية لم يكن فقط أحد أبرز الضيوف الذين حضروا حفل التنصيب وأداء اليمين الدستورية فحسب، بل احتضنه الرئيس الجديد واستقبله في اليوم نفسه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله السيد علي خامنئي. وكل هذا يجعل من عملية اغتيال هنية على الأراضي الإيرانية عملاً استفزازياً وقحاً “يستوجب الثأر”.
الآن سوف ينغمس بزيشكيان؛ إلى جانب خامنئي وكبار القادة العسكريين؛ في خيارات رد حاسمة قد تُحدد ما إذا كانت الحرب ستندلع بين اثنين من أقوى الجيوش في الشرق الأوسط. وقد أمضى بزيشكيان يومه الرئاسي الأول وهو يتابع اجتماعات مكثفة خاصة بالأمن القومي.
بالطبع، القرار النهائي في مثل هذا الأمر، كما بشأن كيفية الرد على حادثة اغتيال هنية على الأراضي الإيرانية؛ يقع في الدرجة الأولى على عاتق المرشد الأعلى خامنئي. وثمة معلومات متداولة تؤكد أن خامنئي أصدر (الأربعاء) أمراً للقوات الإيرانية بضرب إسرائيل مباشرة انتقاماً لاغتيال هنية.
ولكن الطريقة التي سيتم من خلالها ترجمة هذا الانتقام هي التي ستحدد في أي اتجاه ستتطور الأمور. فإذا شنَّت إيران هجمات صاروخية مباشرة، كما فعلت في نيسان/أبريل الماضي (للمرة الأولى منذ 45 عاماً) رداً على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قنصليتها في دمشق، فإن دورة الهجمات والهجمات المضادة قد تتصاعد بسهولة. وإذا كثَّف حزب الله هجماته على شمال إسرائيل، أو وسَّعت جماعة أنصار الله (الحوثيون) هجماتها في البحر الأحمر، فإن الحرب ستمتد إلى لبنان، وقد تصبح مفتوحة على الإقليم كله، وهذا تنطوي عليه الحاجة إلى قوات بحرية أميركية- أقله للحفاظ على الممرات البحرية سالكة.
الرسالة كانت واضحة جداً: لم يكن القتلة ينتقمون فقط من قادة “حماس” بسبب عملية “طوفان الأقصى” والأحداث المتواصلة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بل أرادوا أيضاً القول إن قادة إيران الجُدد في متناول اليد، وإن إسرائيل قادرة على أن تصل إليهم بسهولة ومتى ما أرادت
أضف إلى ذلك أن تداعيات اغتيال هنية ستنعكس بشكل سلبي جداً على تصاعد العمليات القتالية في غزَّة، حيث أصبحت حظوظ نجاح أي صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى شبه صفرية بعد استهداف هنية، أحد المحاورين الرئيسيين.
وراء كل هذه الاحتمالات ربما يكمن الخيار الأكثر خطورة على الإطلاق: أن تُقرّر إيران اتخاذ الخطوة الأخيرة نحو بناء سلاح نووي فعلي. فهذا ما تسير عليه منذ عقود، وهي نجحت بالفعل في إنتاج الوقود النووي، وحتى في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات مهمة جداً وباتت على قاب قوسين أو أدنى من إنتاج قنبلة نووية جاهزة للتفعيل. ويبدو أن التقييمات الاستخباراتية الأميركية، التي تقول إن إيران كانت دائماً تتراجع عن امتلاك سلاح نووي حقيقي، لم يعد لها أي قيمة. فخلال الأشهر الأخيرة أكدت القيادة الإيرانية علناً أنها تعيد النظر في هذا القرار وبشكل جدّي.
إن دوافع الانتقام واضحة. صحيح أن الإسرائيليين – حتى اللحظة – يرفضون الاعتراف أو حتى نفي أي دور لهم في اغتيال هنية، لكن كل المعطيات تثبت أن العملية تمت بتدبير من عملاء الاستخبارات الإسرائيلية. وهذا يعني أن الهجوم كان مُصمّماً ليكون أكثر من مجرد توجيه ضربة لرئيس حركة “حماس”. لقد كان بمثابة إذلال للحكومة الإيرانية، وتذكير بمدى قدرة الإسرائيليين على اختراق الأجهزة الأمنية الإيرانية.
وهذا ما عبَّر عنه علي أكبر بهمانش، وهو سياسي بارز وزعيم حملة بزيشكيان، بقوله: “كان الهجوم بمثابة صفعة قوية طالت مكانة إيران في المنطقة. لقد أذل بلدنا وقوَّض جهازنا الأمني بالكامل، وأظهر أن لدينا ثغرات خطيرة في الاستخبارات”.
وكما أشار أحد كبار المسؤولين الأميركيين (الأربعاء)، فقد كان بإمكان الإسرائيليين أن يقتلوا هنية في أي مكان في الشرق الأوسط وربما في زمان سابق أو لاحق. لكن الإسرائيليين اختاروا العاصمة الإيرانية (طهران) مكاناً وفي يوم تنصيب الرئيس الإصلاحي الجديد زماناً. فقد حضر حفل التنصيب كبار الشخصيات الأجنبية من أكثر من 80 دولة، والإجراءات الأمنية كانت مشددة واستثنائية. إذن الرسالة كانت واضحة جداً: لم يكن القتلة ينتقمون فقط من قادة “حماس” بسبب عملية “طوفان الأقصى” والأحداث المتواصلة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بل أرادوا أيضاً القول إن قادة إيران الجُدد في متناول اليد، وإن إسرائيل قادرة على أن تصل إليهم بسهولة ومتى ما أرادت.
وبينما تدرس إيران خياراتها، سيكتشف الرئيس بزشكيان أن قياس حجم وأسلوب الرد الصحيح، من دون دفع البلاد إلى حرب مدمرة، بالنسبة لرئيس جديد لن يكون أكثر سهولة مما كان بالنسبة للرؤساء الثمانية السابقين الذين شغلوا المنصب منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979.
– ترجمة بتصرف عن “نيويورك تايمز“.
(*) ديفيد إي. سانجر مراسل “نيويورك تايمز” لشؤون إدارة بايدن والأمن القومي. وفارناز فاسيحي، مراسلة شؤون الأمم المتحدة وأخبار الحرب الخفية بين إيران وإسرائيل.