ترامب الثاني أو “دونالد الأول”.. هل يُخمد حرائق الشرق الأوسط؟

الفوز الكاسح الذي حقّقه المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية على المرشحة الديموقراطية نائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس، عزاه الرئيس المنتخب في خطاب الفوز إلى تزعمه "أكبر حركة سياسية" في الولايات المتحدة والعالم.

ترامب، بعد غروفر كليفلاند عام 1892، هو الرئيس الأميركي الثاني الذي يستعيد الرئاسة بعد اخفاقه في الفوز بولاية ثانية عام 2020. حدث ذلك برغم أن ترامب أول رئيس على الإطلاق تجري مساءلته مرتين أمام الكونغرس، ويُواجه اتهامات في أربع قضايا جنائية منفصلة، ويُعتبَر مسؤولاً عن اعتداء جنسي في قضية مدنية، وأدين في المحكمة الجنائية بـ 34 تهمة تتعلق بتزوير سجلات تجارية.

يُحب ترامب أن يُصوّر عودته، وكأنها “تدبير إلهي” أنقذه من رصاصة أطلقت عليه في بنسلفانيا في تموز/يوليو الماضي، من أجل انقاذ أميركا من الزوال على أيدي الديموقراطيين. والمدهش، أن سرديته تلقى قبولاً تاماً لدى قاعدة شعبية شديدة الولاء له، تُصدّق فعلاً بأنه وقع ضحية لظلم مؤسسات سياسية وقانونية وإعلامية فاسدة. وهذا ما ساعده على النهوض مجدداً بعدما اعتقد كثيرون، أنه انتهى سياسياً مرة واحدة وإلى الأبد عقب اقتحام أنصاره لمبنى الكونغرس في 6 كانون الثاني/يناير 2021.

لا يغيب عن البال أن سياسات الرئيس جو بايدن، لعبت دوراً رئيسياً أيضاً في عودة ترامب. من الإخفاق في كبح جماح التضخم والحد من الهجرة غير الشرعية إلى الدعم المطلق لحرب أوكرانيا وحروب الشرق الأوسط، جعلته الرئيس الأدنى قبولاً في تاريخ الرؤساء الأميركيين، في السنة الأخيرة من ولاياتهم. وهذا حملٌ ناءت هاريس تحت ثقله بعدما دخلت السباق الرئاسي متأخرة، ولم تُفلح في إقناع الناخبين بأنها لن تكون امتداداً لولاية بايدن.

كل هذا جعل الأميركيين يمنحون ترامب تفويضاً وليس فوزاً عادياً. الآن، كيف سيتصرف الرئيس المنتخب بهذا التفويض داخلياً وخارجياً؟

هذا سؤال يُقلق الكثيرين في الداخل، ممن يخشون أن تتحول أميركا إلى نظام “ملكي” كأن يصير ترامب “دونالد الأول”، بينما في الخارج هناك رابحون وخاسرون من الحلفاء والخصوم. من الصين إلى روسيا وأوكرانيا وصولاً إلى الشرق الأوسط.

الباحث صموئيل روزنر يقول  لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن ولاية ترامب الثانية: “لن تكون تكراراً لسنة 2016.. من الممكن أن يكون (ترامب) راغباً في السماح لإسرائيل بإطلاق قوتها الكاملة ضد أعدائها على المدى القريب. لكن على المدى البعيد، فإنه يميل كي يكون رئيساً يفضل العزلة”

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أول المهنئين لترامب على “عودته التاريخية العظيمة”، بحسب وصفه، ويحدوه الأمل في الوقت نفسه، في أن يطلق الرئيس الأميركي المقبل يده في مواصلة حربيه على غزة ولبنان، وأن لا يضع قيوداً على ضربات إسرائيلية محتملة لإيران، ولا سيما على منشآتها النووية والنفطية.

لكن ترامب تعهد خلال حملته الانتخابية بالعمل على تهدئة المنطقة. وقال في خطاب الفوز: “سأوقف الحروب” في غزة ولبنان. إنما هناك في إسرائيل، من يخشى أن يطلب ترامب من نتنياهو وقف حروبه قبل أن يدخل إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير. وهذه الخشية نابعة من أن ترامب في ولايته الثانية سيكون غير ما كانه في ولايته الأولى، ثم أنه لم ينسَ كلياً أن نتنياهو في عام 2020، بعث بتهنئة إلى بايدن على فوزه بالرئاسة، بينما كان ترامب لا يزال يطعن في النتائج.

في ولايته الأولى، تأثر ترامب بصهره جاريد كوشنر الذي صاغ سياسة أميركية متحيزة بالمطلق لإسرائيل على حساب الفلسطينيين، تمثلت بنقل السفارة الأميركية إلى القدس واغلاق القنصلية الأميركية في القدس الشرقية والاعتراف بالقدس “عاصمة أبدية” لإسرائيل والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، كما دافع عن قانونية الاستيطان في الضفة الغربية، وتقدم باقتراح “صفقة القرن” التي لم تنص سوى على دولة فلسطينية مقطعة الأوصال غير قابلة للحياة تلتف حولها وتخترقها المستوطنات، ورعى ترامب “اتفاقات أبراهام” التي شملت التطبيع بين أربع دول عربية وإسرائيل.

أما الآن، فإن أحد أقرب المستشارين لترامب لشؤون الشرق الأوسط هو رجل الأعمال مسعد بولس اللبناني الأصل، والذي تزوج ابنه ميشال من تيفاني ابنة ترامب في 2022. وعلاوة على ذلك، غيّر هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 والحرب الإسرائيلية على غزة وتوسعها إلى لبنان، من المعادلات التي كانت قائمة في الشرق الأوسط. ورفعت السعودية كلفة التطبيع مع إسرائيل إلى إبرام معاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة وقيام دولة فلسطينية. مثل هذه الكلفة سيجد نتنياهو صعوبة في تقبلها، وقد تكون نقطة خلاف مع ترامب إذا أراد الوفاء بوعوده إبان حملته الانتخابية بإحلال السلام في المنطقة.

ويؤكد على هذا الاتجاه الباحث في “معهد سياسة الشعب اليهودي” الذي يتخذ القدس مقراً له وهو صموئيل روزنر بقوله لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن ولاية ترامب الثانية بأنها “لن تكون تكراراً لسنة 2016.. من الممكن أن يكون (ترامب) راغباً في السماح لإسرائيل بإطلاق قوتها الكاملة ضد أعدائها على المدى القريب. لكن على المدى البعيد، فإنه يميل كي يكون رئيساً يفضل العزلة”.

إقرأ على موقع 180  عندما رنّ جرس "السفير" فأصبح مستحيل طلال سلمان.. حقيقة

عموماً، وبحسب الباحث الآخر في المعهد المذكور ياكوف كاتز، فإن نتنياهو “قد لا يتمتع بهامش المناورة نفسه الذي مارسه مع بايدن” منذ بدء الحرب على غزة. ويضيف :”يتعين عليه (نتنياهو) أن يكون أكثر توافقاً مع ترامب وألا يتراجع كثيراً، بسبب عدم اليقين في شأن موقف الرئيس الأميركي المقبل من القضايا المطروحة”.

وتطرح مجلة “الإيكونوميست” البريطانية فرضية أن الفوز الكاسح لترامب قلّل من إمكان نشوء حالة من عدم اليقين تستغلها إسرائيل وإيران لتصعيد نزاعهما، وترك لبايدن 75 يوماً يُمكنه خلالها مواجهة نتنياهو. ولطالما، استغل الرؤساء الأميركيون الفترة الانتقالية بين يوم الانتخاب ويوم التنصيب في 20 كانون الثاني/يناير، لاتخاذ قرارات تنم عن مبالاة أقل بإسرائيل. وفي 2016، امتنع باراك أوباما عن استخدام “الفيتو” في مجلس الأمن ضد مشروع قرار يُندد بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وفي عام 2000، تقدم الرئيس بيل كلينتون باقتراحات اللحظة الأخيرة لإبرام اتفاق سلام فلسطيني-إسرائيلي. فهل تذهب إدارة بايدن إلى ممارسة ضغط على نتنياهو لإبرام اتفاق لوقف النار في غزة ولبنان أم يبقى بايدن مُصراً على أن يكون الرئيس الأميركي “الأكثر صهيونية” في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة؟

وبالنسبة لإيران، بعث ترامب في الأشهر الأخيرة بإشارات متناقضة. فهو من جهة تعهد بعدم السماح لطهران بالحصول على القنبلة النووية، ومن جهة ثانية لم يُبدِ حماساً للذهاب إلى نزاع مسلح معها، علماً أنه شجّع نتنياهو على قصف المنشآت النووية الإيرانية عندما كان بايدن يعارض ذلك الشهر الماضي. إلا أن ترامب قال في خطاب الفوز :”لا أريد إلحاق الضرر بإيران.. وأريد لهذا البلد أن يكون ناجحاً”، علماً أن أحد مستشاريه لم يستبعد ذهابه إلى حد تشريع الأبواب أمام احتمال ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية والنفطية إذا أقدمت إيران على توجيه ضربة عسكرية جديدة لإسرائيل!

وإذا كان بعض المحيطين بترامب من دعاة التشدد الذين يصلون إلى حد المطالبة بالعمل على تغيير النظام في إيران، فإن نائب الرئيس المنتخب جيه. دي فانس لا يبدو متحمساً للتورط في نزاع جديد بالشرق الأوسط. وقال في مقابلة، الشهر الماضي، إن أميركا وإسرائيل لديهما أحياناً مصالح مختلفة “ومن مصلحتنا عدم الذهاب إلى حرب مع إيران”.

وتجدر الإشارة في هذا السياق أيضاً إلى ما يطلق عليه “برنامج 2025” الذي يعتقد على نطاق واسع أن ترامب سيسترشد به في ولايته الثانية، ويدعو هذا البرنامج إلى فرض عقوبات على إيران (الضغوط القصوى) من دون التوصية بعمل عسكري ضدها.

وتنقل “وول ستريت جورنال” الأميركية عن بريان هوك الذي أشرف على سياسة وزارة الخارجية حيال إيران إبان الولاية الأولى لترامب، أن الرئيس المنتخب “ليست لديه مصلحة” في السعي إلى إسقاط النظام في إيران. لكنه أضاف في مقابلة مع شبكة “سي. إن. إن.” الأميركية، أن ترامب تعهد “عزل إيران ديبلوماسياً وإضعافها اقتصادياً بحيث لا تعود قادرة على تمويل العنف” في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وسوريا.

إذا كان بعض المحيطين بترامب من دعاة التشدد الذين يصلون إلى حد المطالبة بالعمل على تغيير النظام في إيران، فإن نائب الرئيس المنتخب جيه. دي فانس لا يبدو متحمساً للتورط في نزاع جديد بالشرق الأوسط. وقال في مقابلة إن أميركا وإسرائيل لديهما أحياناً مصالح مختلفة “ومن مصلحتنا عدم الذهاب إلى حرب مع إيران”

واستناداً إلى أشخاص وصفتهم الصحيفة بالمطلعين على الخطط الأولية لترامب، فإن الرئيس المنتخب يعتزم العودة إلى سياسة “الضغوط القصوى” على إيران، من طريق تشديد العقوبات على قطاعها النفطي. ومن الممكن فرض عقوبات أميركية على الموانيء الصينية التي تستورد النفط الإيراني، وكذلك معاقبة مسؤولين عراقيين يُموّلون الفصائل الموالية لإيران.

ودفعت عقوبات “الضغط الأقصى” عام 2019 مبيعات النفط الإيراني إلى التدني إلى حدود 250 ألف برميل يومياً، بينما عادت للارتفاع إلى ما كانت عليه قبل ست سنوات، في ظل رئاسة بايدن. بيد أن ترامب قد يواجه في طريقه لتشديد العقوبات النفطية عقبات كتلك التي واجهها بايدن، وأبرزها التسبب بارتفاع الأسعار عالمياً، وتالياً ارتفاع التضخم.

في هذا المجال، لا يستعبد بعض المسؤولين الذين سبق أن خدموا في إدارة ترامب الأولى، أن يعمد الرئيس المقبل إلى التوصل لاتفاق ديبلوماسي مع إيران خلال ولايته الثانية.

وبحسب المسؤول البارز في البنتاغون إبان إدارة ترامب السابقة ميك مولروي، فإن الرئيس المنتخب يحب ابرام الصفقات “التي من صنعه”.

وتنقل مجلة “الإيكونوميست” البريطانية أن بعض الإيرانيين يتداولون نادرة وهي أن الطريقة الأفضل للحصول على اتفاق نووي جديد تكمن في تقديم عقد لشركة “ترامب تاور” لصفقة عقارية في طهران!

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "هآرتس": إسرائيل على عتبة مواجهة واسعة في غزة