

ما مدى خطورة هذه الهجمات؟ وما مدى خطورتها مقارنة بالهجمات الإسرائيلية على إيران في أبريل وأكتوبر من العام الماضي؟
لم يُكشف بعد عن الأبعاد الكاملة، لكنها، وبالتأكيد، تجاوزت، بأضعاف مُضاعفة، الهجمات التي نفذتها إسرائيل في نيسان/أبريل وتشرين الأول/أكتوبر 2024. من الواضح، بالفعل، أن إسرائيل تمكَّنت هذه المرة من توجيه ضربة مُحكمة، شملت مواقع نووية رئيسية، مثل منشأة “نطنز” للتخصيب، ومواقع إطلاق صواريخ باليستية، وأخرى مرتبطة بأبحاث محتملة للتسليح، ووصلت إلى العديد من كبار قادة النظام (العسكريين والسياسيين)، والشخصيات المعنية بالبرنامج النووي الإيراني. وهذا، بالطبع، أكثر بكثير مما توقعه أي شخص.
ومع تكشّف تفاصيل أكثر، يتبين لنا مدى قدرة إسرائيل على اختراق وإحراج النظام الإيراني. طهران الآن لا تملك إلا خيار الرد، ولديها دوافع كثيرة لذلك، لكن ما قد يعيق قدرتها على الرد بشكل فعّال ومُجدي في المدى القريب هو الفوضى التي تسببت بها الضربة الإسرائيلية وسط القيادة الإيرانية. مازال من غير الواضح مدى الضرّر الذي لحق بالمواقع غير الرسمية، أو الخسائر المدنية. ومع ذلك، ستحاول إيران- دون شكّ- تعويض الخسائر التي تكبدتها في المجال المدني، ومهاجمة أهداف عسكرية واستخباراتية وقيادية إسرائيلية.
من غير المعقول ألا يكون لدى المسؤولين الأميركيين علم مسبق بالضربة. وتصريح روبيو لا يعني أن أميركا لن تساعد في الدفاع عن إسرائيل. بل ستفعل
حتى الآن، لا تزال إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تنأى بنفسها، وبحزم، عن هذه الضربات. ما السبب برأيك؟
كان ترامب قد طلب من نتنياهو مزيداً من الوقت لمواصلة المفاوضات النووية، لكن نتنياهو لم يمنحه إياه. بتنصله من قرار نتنياهو، يسعى ترامب إلى ردع إيران عن توجيه أي رد فعل ضد الولايات المتحدة. قد يأمل ترامب أيضاً في إبقاء المفاوضات النووية على قيد الحياة. لكن حلمه بالتوصل إلى حلٍ دبلوماسي يُنهي التخصيب النووي الإيراني يبدو وكأنه قد انتهى. من المرجح الآن أن تحاول إيران التسريع نحو تحقيق اختراق نووي، مما يضع ترامب في مأزق وأمام معضلة حقيقية: هل يتحرك عسكرياً لمنعها؟
ما رأيك في تصريح وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الذي وعد فيه بحماية الأميركيين، ولكنه أغفل إسرائيل بشكل ملحوظ؟
كان المقصود من تصريح روبيو هو لفت انتباه إيران إلى أن الولايات المتحدة لم تكن متورطة، وأن إسرائيل تصرفت بشكل منفرد. يُعدّ إغفال إسرائيل مؤشراً إضافياً على أن واشنطن لا تريد أن يُنظر إليها على أنها أيدت الإجراء الإسرائيلي. ولكن من غير المعقول ألا يكون لدى المسؤولين الأميركيين علم مسبق بالأمر. تصريح روبيو لا يعني أن أميركا لن تساعد في الدفاع عن إسرائيل. بل ستفعل.
لماذا قرَّرت إسرائيل ضرب إيران الآن، رغم رغبة ترامب الواضحة بعكس ذلك؟
لطالما وعد نتنياهو الإسرائيليين بأنه لن يسمح لإيران بتطوير سلاح نووي. هذا من الأهداف المحورية في مسيرته السياسية. وأعتقد أن نتنياهو تنبَّه إلى أن إسرائيل قد لا تحظى بفرصة أفضل لضرب المنشآت النووية الإيرانية، خصوصاً بعد أن نجحت في القضاء حزب الله، في أيلول/سبتمبر 2024، ودمَّرت لإيران بطاريات الدفاع الجوي “إس-300” التي زودتها بها روسيا، في تشرين الأول/أكتوبر. وهذان “الإنجازان”، بالإضافة إلى سقوط حليف إيران الإقليمي الرئيسي، نظام بشار الأسد في سوريا، قلّصا قدرة إيران على الدفاع عن مواقعها النووية أو الردّ على أي هجوم تتعرض له.
أميركا ستدعم إسرائيل. وهي نصبت بطاريتين من نظام “ثاد” في الأراضي الإسرائيلية، تعمل بالتكامل مع ظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي “حيتس”، بالإضافة إلى البوارج والسفن الخربية ذات القدرات الدفاعية الصاروخية، المتمركزة بالقرب من الشواطئ الإسرائيلية
كيف يُمكن أن يكون الرد الإيراني المتوقع؟ وكيف ستعمل أنظمة الدفاع الإسرائيلية؟
قد تُحاول إيران مهاجمة إسرائيل بصواريخ باليستية، فهذا يتماشى مع ردّها على الهجمات الإسرائيلية التي وقعت في العام الماضي، مثلاً: عندما اغتالت إسرائيل القائد الكبير في فيلق القدس، حمد رضا زاهدي، في غارة جوية استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، في نيسان/أبريل 2024، قصفت إسرائيل بأكثر من 300 صاروخ، منها نحو 100 صاروخ باليستي ومتوسط المدى. وفي تشرين الأول/أكتوبر، ورداً على اغتيال الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصرالله، أطلقت عدداً مضاعفاً من الصواريخ الباليستية. وفي نيسان/أبريل، تمكَّنت إسرائيل من تجنب أضرار جسيمة بفضل دفاعاتها الجوّية ودفاعات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. لكن هجوم تشرين الأول/أكتوبر أصاب عدة أهداف وتسبب بأضرار. وفي وقت سابق من حزيران/يونيو الجاري، توعدت إيران بضرب المنشآت النووية الإسرائيلية، إذا ما تعرضت لأي هجوم.
إسرائيل ستُركز دفاعاتها لحماية المواقع الحسَّاسة والسكان المدنيين. وأميركا ستدعمها في ذلك، وستعمل (هي ودول أخرى) على حماية الدفاعات الإسرائيلية (الجوّية والبرّية) لتقليل الأضرار عن إسرائيل قدر الإمكان؛ تماماً كما فعلت عندما شاركت في صدّ الهجومين الإيرانيين السابقين (العام الماضي). على سبيل المثال: أميركا نصبت بطاريتين من نظام “ثاد” في الأراضي الإسرائيلية، وهذا النوع من نظام الدفاع الجوي للمناطق المرتفعة يكمّل نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي “حيتس”، هذا بالإضافة إلى البوارج والسفن الحربية الأميركية ذات القدرات الدفاعية الصاروخية، المتمركزة بالقرب من الشواطئ الإسرائيلية.
ما نشهده الآن يشبه الحرب المفتوحة.. نتنياهو أعلنها صراحة أن الضربات ستستمر حتى تقتنع إسرائيل بزوال خطر إيران النووية
بالطبع، قد تتعرض إسرائيل، لهجمات من جماعة أنصار الله في اليمن (الحوثيون). وقد يُطلب من حزب الله، حتى في حالته الضعيفة، الرد أيضاً. لكن من غير المرجح أن يتمكن الحوثيون من فعل الكثير، وسيبقى عدد الصواريخ التي سيستطيعون إطلاقها محدوداً. كذلك سيكون دور حزب الله معدماً، بسبب تراجع قدراته من جهة، والضغوط التي يتعرض لها من الحكومة اللبنانية الجديدة (وغيرها) من جهة أخرى.
إذا انتقمت إيران، هل سترد إسرائيل على الرد؟
نتنياهو كان واضحاً، وهو أعلنها صراحة أن الضربات الإسرائيلية التي نفذها فجر الجمعة ستستمر حتى يقتنع بزوال خطر إيران النووية. لذا، ما نشهده الآن يشبه الحرب المفتوحة، وليس مجرد هجوم أو ضربات محدودة. قرار إسرائيل بضرورة الرد على الرد يعتمد إلى حدٍ كبيرٍ على مستوى الضرر والخسائر التي قد تتكبدها من الإنتقام الإيراني المرتقب. لذا، فإن الدفاع الناجح ضد الصواريخ الإيرانية قد يكون له تأثير تهدئة، في حين أن الخسائر الكبيرة ستدفع إسرائيل بالتأكيد إلى السعي لضرب إيران مرة أخرى.
في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، سعَّت إسرائيل إلى التنسيق مع واشنطن للردّ على الهجوم الإيراني، مما أتاح للرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، فرصاً لتشكيل الردّ الإسرائيلي والحدّ منه. لكن إسرائيل أبدت اهتماماً ضئيلاً بمثل هذا التنسيق هذه المرة، وقد يجد ترامب أيضاً أنه غير مجدٍ. قد يعني هذا أن إيران تجد صعوبة أكبر في خفض مستوى التصعيد.
يُرجَّح أن يكون الردُّ الإيراني محدوداً: خفّض التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة، إعادة بناء البنية التحتية النووية المتبقية، وتجنب مهاجمة أي جهات أخرى غير إسرائيل
ومن غير المرجح أيضاً أن ينتهي الصراع حتى لو تراجع الجيش الإيراني بسرعة. ينبغي لإسرائيل أن تتوقع سلسلة متواصلة من الهجمات غير المتكافئة، مثل العمليات الإلكترونية والهجمات الإرهابية ضدَّ سفاراتها ومواطنيها وشركاتها.
ما هو احتمال أن تهاجم إيران القواعد والقوات الأميركية في المنطقة؟
هذا يعتمد على الرسائل الصادرة من الولايات المتحدة في الدرجة الأولى. الرئيس ترامب قال إن بلاده لم تكن متورطة في الضربات الإسرائيلية، وحذّر إيران من استهداف القوات الأميركية. إذا أدرك القادة الإيرانيون أن انخراطهم ف يمواجهة مع الولايات المتحدة، أو مع جهات أخرى في المنطقة، يعني أنهم يواجهون خطر هجوم أميركي مباشر من شأنه أن يفاقم الضرر الذي ألحقته إسرائيل بالفعل، فهذا يعني أنه من المرجَّح أن يكون الردُّ الإيراني محدوداً. مثل أن يُخفّضوا تعاونهم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويحاولوا إعادة بناء بنيتهم التحتية النووية المتبقية، وإخفائها في أماكن أكثر أمان وسرّية، وتعزيز الحراسة والدفاعات حولها. لكن هناك احتمال أن تختار إيران عدم مهاجمة أي جهات أخرى غير إسرائيل، لإبعادهم عن الحرب.
لنفترض أن إيران هاجمت أميركا، والأخيرة ردّت. أو أن واشنطن قرَّرت منع طهران من تحقيق اختراق نووي. كيف يمكن أن تتطور الأمور في هذه الحالة؟
بعض الأصول الموارد التي من شأنها تسهيل توجيه ضربة أميركية متوفرة بالفعل. لا تزال مجموعة حاملة الطائرات “يو إس إس كارل فينسون” الضاربة منتشرة في المنطقة. وقبل أي ضربة، قد تبحر مجموعة حاملة طائرات ثانية نحو المنطقة. ومن المرجح أيضا نشر طائرات إضافية، مثل أسراب المقاتلات وناقلات النفط ومروحيات البحث والإنقاذ، في قواعد بالمنطقة. كما تمتلك الولايات المتحدة قدرات فريدة يمكنها استخدامها إذا كانت تنوي استهداف منشأة التخصيب الإيرانية المدفونة في فوردو.
كيف ستتصرف إيران في حال تدخلت أميركا بشكل مباشر؟
لن تمتص إيران الضربات الأميركية من دون رد، فهي تمتلك ترسانة من آلاف الصواريخ الباليستية، القصيرة المدى، وترسانة من الطائرات الحربية المسيَّرة، وبالتالي تستطيع مهاجمة قواعد أميركية في البحرين والكويت وقطر والسعودية والإمارات. وقد سبق لها واستخدمت هذه الصواريخ لمهاجمة القوات الأميركية عقب اغتيال أميركا قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، اللواء قاسم سليماني، في عام 2020.
قد تُطلق الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، المُسلحة بطائرات حربية مسيرة إيرانية، صواريخها على قواعد أميركية كما فعلت لعدة أشهر بعد “طوفان الأقصى”. وقد تستهدف أيضاً السفارات الأميركية في بغداد وغيرها. قد تحتاج القوات والأفراد في هذه المواقع إلى قضاء فترات طويلة في الملاجئ. قد تكون الذخائر المتوفرة أقل عدداً من أصول الدفاع الجوي في مواقع مُحددة. سيكون هناك خطر وقوع خسائر بشرية أميركية. ستحتاج الولايات المتحدة إلى الضغط على الحكومة العراقية لمنع الميليشيات الشيعية من الانضمام إلى القتال، وهو ما نجحت في تحقيقه منذ منتصف عام 2024. وسيتعيّن على القوات الأميركية الاستعداد للمواجهة مع الميليشيات التي قد تهاجمها، كما فعلت عدة مرات العام الماضي. كما ستحتاج أميركا والحكومات الإقليمية إلى دفع الحوثيين إلى عدم استئناف هجماتهم في البحر الأحمر. وسيكون عليهم الاستعداد لاستئناف الضربات إذا استأنفها الحوثيون. كما ستحتاج واشنطن إلى الاستعداد لهجمات غير متكافئة في المنطقة وداخل الولايات المتحدة نفسها.
هل يمكن لإيران، أو قوى محور المقاومة، أن يقرروا مهاجمة دول عربية، كما فعلوا في الماضي؟
لقد أدانت دول الخليج الهجوم الإسرائيلي، لردع إيران عن ضرب أراضيها وممتلكاتها. ولكن إذا تدخلت واشنطن فقد تُطلق إيران صواريخ باليستية قريبة المدى على مواقع مدنية أو بنى تحتية للطاقة في دول الخليج، لتحصيل ثمن ما قد تعتبره تواطؤا مع هجوم أميركي.
كما ستُفكر إيران في إغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط والغاز بفرض حصار بحري، أو زرع ألغام بحرية، أو ألغام لاصقة تُنشر بواسطة زوارق سريعة، أو مزيج من هذه الخيارات. تمتلك السعودية والإمارات أصولاً دفاعية جوية كبيرة، لكن جميع هذه الدول ستظل عُرضة للضربات.
ماذا تعني هذه الحرب لمستقبل البرنامج النووي الإيراني؟
تشير معظم التقديرات إلى أن إسرائيل، بمفردها، قد تُؤخر البرنامج النووي الإيراني لعدة أشهر. في المقابل، تُقدر التقارير العامة أن الضربات الأميركية قد تُؤخر البرنامج النووي الإيراني لمدة تصل إلى عام كحد أقصى. لكن هذه الجداول الزمنية تفترض أن تبدأ إيران إعادة البناء فوراً، ولا تأخذ في الاعتبار أي تأخيرات إضافية قد تحدث بناء على عوامل اقتصادية أو سياسية. كما لا تأخذ هذه التقديرات في الاعتبار تأثير الردع أو إعادة الضربات المحتملة.
لكن من المرجح أن تُقدم إيران الآن على محاولة يائسة لامتلاك سلاح نووي. عندها، سيكون ترامب، بدوره، أمام قرار التدخل عسكرياً لمنع امتلاك إيران سلاحاً نووياً. وهذا سيؤدي إلى انقسام مستشاريه وقاعدته السياسية، لأنه سيكون بذلك قد خالف كل الوعود التي أعلنها منذ فترة طويلة بخصوص إبقاء الولايات المتحدة بعيدة عن حروب الشرق الأوسط.
أجرى الحوار دانيال بلوك، كبير محرري الشؤون الخارجية في مجلة “فورين أفيرز“.
(*) يشغل دانيال ب. شابيرو، حالياً، منصب زميل متميز في المجلس الأطلسي، وكان سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، ومدير أول لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي. كما شغل منصب لنائب المساعد السابق لوزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط.