

يكفي في هذه المقدمة أن أعلق على جلستنا بأن الملل كاد يتسبب أكثر من مرة في انفراطها، وبأن الفضول المتجذر لدى الشباب حال دونه. كانت فرحة أعضاء الكنيست بالوثيقة واضحة باستثناء نائب من بينهم، وأقصد من بين نواب بني إسرائيل، راح يتساءل عن غياب الاعتراف بحل قضية الفلسطينيين في مشروع السلام الذي تبناه أو وضعه ترامب بمساعدة أو مراجعة من جانب رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو خلال آخر زيارة لواشنطن.
***
كذلك حال دون انفراط عقد جلسة الشباب في منزلي بحثنا الدائب خلال انعقاد المؤتمر في شرم الشيخ عن قادة وُجّهت الدعوة إليهم ولم يحضروا.. وقادة حضروا واختفوا.. وقادة حضروا ولم ينضموا إلى قائمة الموقعين. من ناحية أخرى، كان ترامب مثيراً كعادته في محاولاته المستمرة تمجيد نفسه بنفسه، وهو الأمر المقبول من حيث المبدأ باعتباره من عادة السياسيين في كل العهود، إلا إذا تجاوز السياسي كل الحدود المقبولة وراح يخلط بين ما هو مصلحة للدولة وما هو مصلحة شخصية.
***
المؤكد الآن لدى هذا الفريق الصهيوني وصاحب الرسالة الإبراهيمية أن أهداف ترامب الشخصية في غزة وأهداف الحركة الصهيونية في الانتهاء سريعاً من إعلان قيام الكيان الإسرائيلي الكبير في الشرق الأوسط، وهو ما أطلق عليه الرئيس ترامب الكيان “الممتد من حدود أذربيجان القوقازية وباكستان وإيران”، كلها وغيرها، تجتمع تحت عنوان “الشرق الأوسط الآسيوي الجديد”
أثير في نقاشات الشباب ليلتها حقيقة وخلفية مشروع السلام. قيل بين ما قيل أنه قائم على فكرة لم ينكر أحد شخصية صاحبها، بل إن ترامب أشار بنفسه تلميحاً مرة وتصريحاً مرات أنها من بنات أفكار صهره المدعو جاريد كوشنر. كذلك أعلمتنا جهة إعلامية غربية أن لجاريد كوشنر شريكاً في تطوير هذه الفكرة منذ سنوات تسبق إعلان ترامب في أول تعليق له على الوضع في قطاع غزة فور تسلمه السلطة نيته في تولي الولايات المتحدة حيازة هذا القطاع وتحويله إلى منتجع للأغنياء يشبه منتجعات الريفييرا الفرنسية، أما الشريك فهو توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق.
***
توالت كما نعلم أحداث عظام في قطاع غزة. تجمع الآراء بأن ترامب كان يستطيع وقف ما آلت إليه هذه الأحداث حتى صارت حرب إبادة. نذكر أن الرئيس الأمريكي (بايدن ثم ترامب) حاول خلال العامين الماضيين تجاهل أن أطفالاً يُقتلون ومستشفيات تُدمر ومئات الألاف من السكان المدنيين ينزحون تحت التهديد من مكان إلى مكان ثم يعودون مجبرين إلى أحيائهم ومدنهم ليشاهدونها وقد صارت ركاماً. الرئيس ترامب وبطانته ومنهم السيد ستيف ويتكوف والسيد كوشنر والسيد توني بلير، يعلمون ما فيه تماماً كما علمنا وعلم ملايين الناس في كافة أنحاء العالم، يعلمون عن عمق الألم والحزن في عيون نساء وأطفال نازحين من مكان إلى آخر. إنه الوطن يضيع منهم أمام عيونهم وبشهادة قادة العالم.
***
بحثنا في جلستنا في مشروع السلام عن أمل في عودة هؤلاء النازحين ذات يوم، بعد إقرار المشروع، إلى ما كانوا يعرفون أنه وطن لهم وليس لغيرهم وبالتأكيد ليس لمطورين أجانب، ولم نجد.
***
سمعنا خلال الشهور المؤلمة عن تسريبات وتعليقات تُنبئ أن ترامب ونتنياهو تعرض كل منهما لانحسار خطير في مكانتهما الدولية وشعبيتهما داخل بلديهما. أكثرنا تابع أحداثاً ومفاجآت في جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة. أجمعنا، الشباب وأنا، على أننا في حياتنا السياسية وهي معتدلة الطول عند أغلب الشباب وطويلة جداً عندي، لم نشاهد جلسة لجمعية عامة ورئيس وفد يخطب فيها وتكاد القاعة تخلو من وفود الدول باستثناء الوفد الأمريكي ووفود دول أخرى قليلة العدد اختارت الحضور عن غير علم أو تحت ضغط. أتصور وقعاً حزيناً لهذا المشهد على وفدي الدولتين، ولكني أتصور ردة فعل صارخة من القوى المهيمنة في بلديهما خارج مؤسسات الحكم الرسمية، أقصد تحديداً القوى القائدة للجماعة الصهيونية وعملائها والمنظمات والشخصيات المستفيدة من سطوتها وثرائها.
***
أما إن صح ما توقعت من وقع حزين فسوف يصح أيضاً في اعتقادي ما توقعت من أن حدثاً جللاً وعاجلاً يجب أن يحدث قبل أن يستعيد الفلسطينيون عافيتهم ويستقر التفاؤل في نفوس مؤيديهم ويتوالى وبتسارع انحدار العظمة الأمريكية فينهار تيار استعادة هذه العظمة “MAGA”، وهو التحذير الذي نطق به الناشط الجمهوري واسع التأثير ريتشارد كيرك، وفي ظني وظن غالبية من أعرفهم من المفكرين الأمريكيين أنه مات مقتولاً بسبب هذا التحذير.
***
أظن بالتالي أن هذه الجريمة مثّلت دافعاً آخر لترامب وحليفه نتنياهو للتحرك فوراً لإنقاذ نفسيهما ومن بعده إنقاذ ما لم تجرفه التطورات الأخيرة من مصالحهما الدولية والإقليمية على حد سواء. هذه المصالح يتصدرها بطبيعة الحال المشروع العقاري لمستقبل غزة الذي التزم بتنفيذه توني بلير وشريكه كوشنير فور إزالة العقبة الكأداء التي تقف في طريقه.. وأقصد شعب غزة.
***
أظن أيضاً أنه خلال الشهور الأخيرة ازداد اقتناع جاريد كوشنر، وبالتبعية الرئيس ترامب ومعاونيه المقربين الأوفياء، بضرورة الضغط بكافة الوسائل على الدول العربية التي لم تعتنق عقيدة دبلوماسية أبراهام باعتناقها فوراً، والضغط كذلك على الدول التي اعتنقتها وقصّرت في تنفيذها لتعلن توبتها وعودتها إلى الالتزام. المؤكد الآن لدى هذا الفريق الصهيوني وصاحب الرسالة الإبراهيمية أن أهداف ترامب الشخصية في غزة وأهداف الحركة الصهيونية في الانتهاء سريعاً من إعلان قيام الكيان الإسرائيلي الكبير في الشرق الأوسط، وهو ما أطلق عليه الرئيس ترامب الكيان “الممتد من حدود أذربيجان القوقازية وباكستان وإيران”، كلها وغيرها، تجتمع تحت عنوان “الشرق الأوسط الآسيوي الجديد”.
***
العنوان يتغير ويبقى الجوهر مع التفاصيل بدون تغيير.