لماذا “درسَت” إيران الدعوة إلى شرم الشيخ.. ورفضتها؟

انقسم المشهد السياسي الإيراني بشأن المشاركة الإيرانية في مؤتمر "شرم الشيخ" الذي دعت إليه مصر من أجل التوقيع على اتفاق غزة، والذي حضره أيضًا الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى جانب عدد من الدول الأوروبية والآسيوية والإقليمية.

وكانت مصر قد دعت الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لحضور هذه القمة، لكن إيران اعتذرت للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن عدم استطاعتها المشاركة في هذه القمة، بسبب ما نقله وزير الخارجية عباس عراقجي حول حضور دول شاركت في العدوان على إيران، في إشارة واضحة إلى الرئيس الأميركي من دون أن تذكر اسمه.

هذا الانقسام في الموقف الإيراني حسمه المجلس الأعلى للأمن القومي الذي اجتمع ودرس الأمر وقرّر عدم المشاركة لأسباب تتعلق بموقف الولايات المتحدة من إيران وتأييدها للعدوان الإسرائيلي الذي حصل بضوء أخضر من واشنطن.
وكان لافتاً للانتباه أن طيفاً واسعاً من الإصلاحيين الإيرانيين وجّه دعوة إلى الرئيس الإيراني لتلبية الدعوة المصرية للمشاركة في المؤتمر، خصوصًا مع وجود دعوة من الحكومة الأميركية للمشاركة. وعلى إيران – كما يقول هذا الطيف الإصلاحي – ألا تجعل كرسيها فارغًا، بل أن تنخرط مع المجتمع الدولي في هكذا فعاليات، وخصوصًا أن القضية التي تُبحث في مؤتمر “شرم الشيخ” مرتبطة بأكثر قضايا الإقليم حساسية، وهي القضية الفلسطينية ووقف إطلاق النار في غزة ووقف الإبادة الإنسانية التي يمارسها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
ويقول ممثلو هذا الطيف الإصلاحي إن المشاركة على أي مستوى كانت “ستجعل إيران تساهم في مثل هكذا تجمع دولي في إسماع صوتها من كافة القضايا المطروحة، وبشكل مباشر إلى الرئيس ترامب، وصولاً إلى محاولة الاتفاق على خطوات من شأنها إزالة العقوبات المفروضة على إيران”.
ويرى الصحفي والمحلل السياسي العربي يوسف الشريف أن “إيران ضيّعت فرصة مهمة عندما دُعيت إلى المؤتمر”، بعد أن اعتبر رئيس مجلس الشورى (البرلمان) محمد باقر قاليباف أن “اتفاق غزة” لوقف إطلاق النار هو “انتصار لحماس”، فإذا كان الأمر كذلك، “لماذا لم تشارك طهران في مؤتمر يصبّ في هذا الاتجاه، خصوصًا أن إسرائيل لم تشارك فيه ولم تُوجَّه إليها الدعوة لحضوره”، يسأل الشريف؟

ثمة ادراك أن ترامب طرح “اتفاق غزة” وهدّد حركة حماس بأنها إذا لم تقبل به فإن أبواب جهنم ستُفتح عليها.. هنا يسأل المصدر الإيراني: “يُريد (ترامب) ببساطة أن يتعاطى مع إيران بالطريقة نفسها. يُريد أن يضع أمام إيران خطة ويقول إنها الوحيدة التي تستطيع إنقاذ إيران، وإذا لم تنفذها فـ”أبواب جهنم مفتوحة عليكم”. إنه لا يريد مفاوضات، بل يريد إملاءات”

الأصوليون يرفضون الدعوة

في المقابل، هناك وسط أصولي متشدّد يرفض حضور مؤتمر يُشارك فيه الرئيس الأميركي، الذي خطب قبل ذهابه إلى “شرم الشيخ” في الكنيست الإسرائيلي وهدّد إيران وتباهى بهجومه على المنشآت النووية الإيرانية، معتبرًا أن وقف إطلاق النار في غزة لم يكن ليرى النور لولا تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ويعتبر هذا الوسط أن هكذا مشاركة “غير مقبولة نهائياً”.
مثل هذه المواقف الأميركية التي أطلقها ترامب في إسرائيل – على حد تعبير المتشددين الإيرانيين – “لا تساعد في خلق فرصة، ذلك أن مشاركة الرئيس الإيراني كانت ستضعه وجهاً لوجه أمام معادلة مصافحة الرئيس الأميركي (صاحب الدعوة)، وكأن إيران تدعمه في الإنجاز الذي يُريد أن يُحقّقه على حساب حقوق شعوب المنطقة، ولا سيما الشعب الفلسطيني، ناهيك باعطاء شرعية لما أقدم عليه الأميركيون في التعامل مع حقوق إيران ومنها حق التخصيب النووي السلمي، وهذا كله مقابل ماذا؟ فقط الحصول على جائزة “نوبل للسلام” التي ما يزال ترامب يطمح إلى نيلها ربما العام القادم، بعدما أخفق في الحصول عليها هذه السنة”.

ويضيف أحد ممثلي هذا الطيف الأصولي: “ماذا جنت إيران من عقدين من المفاوضات مع الولايات المتحدة والجانب الغربي بشكل عام سوى المزيد من العقوبات، وآخرها الحرب التي قادتها الولايات المتحدة، سواء من خلال إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل أولاً أو مشاركتها في مهاجمة المنشآت النووية لاحقاً”؟ ويضيف أن ترامب “كان يُريد للدول المشاركة في قمة شرم الشيخ أن تبصم على تكريس حالة الاحتلال في فلسطين المحتلة، وفي الوقت نفسه تفتح الباب لحفلة علاقات عامة مع أركان الكيان في مواجهة حالة العزلة الدولية التي يواجهونها. لذا يُصبح السؤال: ماذا تعني المشاركة الإيرانية سوى تكريس ما يُريده ترامب؟ وما موقع المشاركة في الإعراب الملموس غير ذلك”؟

نظرية أبواب جهنم!

في ظل هذه الأجواء، يسود اعتقاد أن الحكومة الإيرانية اتخذت الموقف الصحيح عندما قرّرت درس الدعوة أولاً ومن ثم عدم المشاركة، “ليس لأنها لا تخدم قضيتها النووية فحسب، وإنما لأنها لا تخدم الأمن والاستقرار في المنطقة ما دام الأمر يتعلق بكيان الاحتلال، وخصوصاً أننا أمام اتفاق (اتفاق غزة) ملغوم يحتوي على عدة مراحل، وقد تم تنفيذ مرحلته الأولى بالسرعة الممكنة خدمةً للأهداف الإسرائيلية، لأنه يتضمن تحرير الأسرى الإسرائيليين. وحتى وقف إطلاق النار فهو رغبة إسرائيلية داخلية قبل أن تكون رغبة فلسطينية لوقف الإبادة الإنسانية، وقد شاهدنا كيف تم خرق الاتفاق في مرحلته الأولى من قبل جيش الإحتلال وكيف كانت ردة فعل الأميركيين بإطلاق المزيد من التهديدات للفلسطينيين”؟

إقرأ على موقع 180  كيفية الخروج من كلامولوجيا النصر إلى حقيقة النصر

ويسأل مصدر إيراني: “ماذا عن المرحلتين الثانية والثالثة؟ وكيف ستتم عملية إعادة إعمار غزة؟ من سيقوم بذلك؟ وبأي شروط؟ وما هي الضمانات”؟
ثمة ادراك أن ترامب طرح “اتفاق غزة” وهدّد حركة حماس بأنها إذا لم تقبل به فإن أبواب جهنم ستُفتح عليها.. هنا يسأل المصدر الإيراني: “يُريد (ترامب) ببساطة أن يتعاطى مع إيران بالطريقة نفسها. يُريد أن يضع أمام إيران خطة ويقول إنها الوحيدة التي تستطيع إنقاذ إيران، وإذا لم تنفذها فـ”أبواب جهنم مفتوحة عليكم”. إنه لا يريد مفاوضات، بل يريد إملاءات، والربح حالة تدور في رأسه ولا يفكر بغيرها. لا تعجبه الخسارة، كما جميع التجار المهرة. يريد تارة تنفيذ النموذج الليبي، وأخرى النموذج العراقي، وثالثة نموذجًا آخر. باختصار، يُريد أن يحتفل بـ”اتفاق ترامب” وفق المقاسات الإسرائيلية”.

شروط الولايات المتحدة

لقد وضع دونالد ترامب ثلاثة شروط لإزالة العقوبات عن إيران:
الأول؛ وضع حد لتهديد إيران لجيرانها (أي إسرائيل).
الثاني؛ وقف دعمها للجماعات المسلحة في المنطقة (أي تحقيق الأمن الإسرائيلي).
الثالث؛ هو الاعتراف الرسمي بإسرائيل، من دون زيادة أو نقصان.

من الواضح جدًا أن هذه الشروط لا تتعلق لا بالصواريخ الباليستية ولا بالبرنامج النووي بل كلها تتصل بأمن إسرائيل والتطبيع معها.. ولا أدري إن كان الرئيس ترامب يعتقد أن إيران سترضخ لشروطه؟ فإذا كان فعلاً يعتقد ذلك، فهو يعيش في عالم آخر، ولا أتمنى له أن يكون في مثل هذه الحالة، لأنه بعيد كل البعد عن الواقعية السياسية التي يُفترض أن تجعله ينظر إلى إيران بطريقة مختلفة؛ فإن كان رئيس الولايات المتحدة يُريد أن يُقارب الملف الإيراني بطريقة ناجحة، حتماً ذلك في متناول يده شرط أن يدخل المفاوضات على قاعدة الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، ومبدأ “رابح/ رابح”.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  قمة طهران.. الشراكة الأوراسية تتفوق على بايدن