الشرع على خطى الأسد.. هل تكون النتيجة مختلفة؟

بعد إزالة خطر تنظيم (داعش) عن سوريا في العام 2017 وفق معادلات خاضها الجيش السوري وحلفاء دمشق وبينهم روسيا التي وفّرت غطاءً جوياً لا مثيل له، راح بشار الأسد يستغرق في رسم خارطة طريق جديدة تضمن له البقاء في السلطة، لا سيما بعد تلقيه إشارات ترحيب من جهات خارجية بينها السعودية والإمارات التي أعادت فتح سفارتها في العام التالي، وتبعتها بعد ثلاث سنوات، زيارة لوزير خارجيتها عبد الله بن زايد إلى سوريا، ومن ثم توّج التقارب بين البلدين، في العام التالي، بزيارة للرئيس الأسد إلى دولة الإمارات العربية في آذار/مارس 2022.

وعندما تتحرك الإمارات تجاه سوريا لا يكون تحركها كأي دولة في العالم، ذلك أنها لا تتحرك إلا وفق خطة أميركية معدّة سلفاً، وهكذا قرأ الأسد شيفرتها التي تنص أحرفها الأولى على وجوب الابتعاد عن إيران والعودة إلى الحظيرة العربية.

عليه، بدأ الأسد يبتعد عن إيران وحلفائها شيئاً فشيئاً، ويخفف من انتشار ضباط الحرس الثوري ومجموعات حزب الله على الأراضي السورية، وذلك من خلال دور الشرطي الروسي في جنوب البلاد، والذي أبعد القوات المدعومة من إيران عن تلك المنطقة، والسكوت عن استهداف إسرائيل لكل المجموعات التي تعمل على خط توريد السلاح إلى حزب الله عبر البوابة السورية.

لم يقطع الرئيس السوري علاقاته مع إيران، الحليف التاريخي لبلاده، وظلً على علاقة مقبولة مع الروس والأتراك، لكن لم ينخرط في منصة أستانا للحل السياسي في سوريا، ظناً منه أنه يستطيع أن يحفظ كرسيه من خلال تقاطعات مصالح مع مختلف الدول الفاعلة في المنطقة، لا سيما بعد ان رتّب علاقته مع السعودية وعاد عضواً في جامعة الدول العربية التي حضر قمتيها؛ العادية في جدة، أيار/مايو 2023، والطارئة في الرياض، تشرين ثاني/نوفمبر 2024، قبل أقل من شهر من رحيل نظامه.

هذا كله، لم يمنع سقوط حكم الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي، والسؤال المطروح اليوم، هل ينجح الرئيس الانتقالي لسوريا أحمد الشرع في البقاء في سدة الحكم، عن طريق استخدام نفس أدوات وأساليب وخطوات سلفه؟ مع أن علم الطبيعة والأشياء يقول بخلاف ذلك، ويصف ألبرت آينشتاين هذه الطريقة بالغباء، بقوله: “الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة”.

الشرع.. إلى روسيا در

منذ أن تولى الرئيس الشرع زمام السلطة في دمشق، لم يقدم على أية خطوات عملية تريح الداخل السوري اعتقاداً منه أن مفتاح البقاء في السلطة بحوزة القوى الخارجية، فيما الداخل ما عليه إلا تقديم الطاعة.

هو نفسه أسلوب سلفه، الذي وجد ضالة بقائه في السلطة في تقاطعات القوى الخارجية على شخصه. بل زاد عليه الشرع بتقديم أوراق اعتماده رئيساً دائماً لسوريا من خلال تلبية مطالب كل الفاعلين في الساحة السورية، وفي مقدمهم إسرائيل. هكذا تبرّأ وتخلى الشرع عن كل أقوال وأفعال “أبو محمد الجولاني”، لا سيما تجاه القوى التي كانت تشارك في الحرب الكونية السورية. وراح يعمل كل ما يخدم حلّته الجديدة باسمه الأصلي -أحمد الشرع – رئيساً للجمهورية العربية السورية.

لم يتورع عن زيارة روسيا (عدو الأمس)، التي كانت على مدى عقدٍ من الزمن، مقاتلاتها تلاحق عناصر “هيئة تحرير الشام” وقائدها “أبو محمد الجولاني” في مغارات إدلب وكهوفها. وعن الجلوس بكل أريحية وترحيب مع “القيصر” في الكرملين. والطلب إليه إعادة العلاقة القديمة مع بلاده بكامل شروطها ومعاهداتها في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية. من دون أن يلتفت إلى من سيقف ضده في هذا المضمار، في بلدٍ معلقٍ بشبكة واهية من العلاقات الدولية المتناقضة والمراهنات عليها، التي أمست اليوم محط الصراع في المنطقة، حسب تعبير الكاتب البريطاني، باتريك سيل.

وبطبيعة الحال، ترحب روسيا في أن تكون جزءاً من حرب المواقع في سوريا، بحيث أن كل طرف من الأطراف في سوريا لا يحتل بالمعنى الفيزيائي مواقع جغرافية وحسب، إنما يحتل علاقات وعقوداً ويمسك بمفاصل تتعلق بالتأثير الاستراتيجي لسوريا.

ثمة مصلحة مشتركة للطرفين، أن تستعيد سوريا موقعها في لعبة التوازنات الدولية، لا في اصطفافاتها القديمة. ويدرك الرئيس السوري أن إعادة ترميم العلاقة مع روسيا ليست ترفاً، بل ضرورة لتخفيف وطأة الحضور الأميركي والتوغّل الإسرائيلي، وإحياء مساحة المناورة التي فقدتها دمشق طويلاً واستعادة الجغرافيا السورية.

وفي المقابل، رأى القيصر الروسي فلاديمير بوتين في العلاقة مع سوريا رصيداً إضافياً في معادلة الشرق الأوسط: يفاوض بها إسرائيل، ويوازن بها تركيا، ويواجه بها واشنطن من موقعٍ متقدم على المياه الدافئة، من المتوسط إلى أفريقيا.

الشرع.. والأسئلة الصعبة!

وقد يذهب الشرع مستقبلاً إلى ألد أعدائه، إيران، ويطلب منها معاودة تفعيل المعاهدات السابقة على غرار روسيا. بعد أن تبين له بأن كل الوعود العربية والغربية لم تؤتِ ثمارها إلا بإشارة من الولايات المتحدة الأميركية.. وهذا ما يشكل سداً منيعاً في طريق تعافي بلاد الشام.

وفي موضوع التسليح واستباب الأمن السوري، بطبيعة الحال، ليس للنظام الجديد مناص بعد الأتراك إلا روسيا على الأقل. بحيث أن التسليح ممنوعٌ عليه إسرائيلياً وأميركياً، هذا فضلاً على أن كل سلاح الجيش السوري روسي الصنع. وأمنياً، لا وقف للاعتداءات الإسرائيلية إلا بمعاودة تسيير دوريات الشرطة العسكرية الروسية في جنوب سوريا.

إقرأ على موقع 180    رسائل روسية إلى طالبان

لكن السؤال هنا، كيف سيوفق الشرع بين رغبة الدول الأوروبية في إبعاد روسيا عن سوريا وتفكيك قاعدتيها العسكريتين، حميميم الجوية، وطرطوس البحرية؟ بعدما أصبح استمرارهما بمثابة تحصيل حاصل. وهل ستسمح إسرائيل لروسيا ببناء جيش سوري جديد؟ وهل ستمهد روسيا لعودة العلاقات السورية الإيرانية؟ ومن سيهضم ذلك من القوى الفاعلة في سوريا؟

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  أمريكا بعد الثالث من ت2/نوفمبر