“تحتاج أوروبا وأميركا إلى «اتفاق جديد» من أجل تكييف شراكتهما مع الاضطرابات العالمية، وبما ينسجم مع عمق روابطنا وقيمنا ومصالحنا المشتركة. فرنسا وألمانيا عاقدتان العزم على العمل من أجل تحقيق هذا الهدف مع الرئيس المنتخب جو بايدن ونائبته كمالا هاريس، اللذين يؤمنان بقيمة الشراكات الدولية وبالصداقة التي تربط الولايات المتحدة وأوروبا.
غير أن هناك الكثير من الأمور التي ينبغي إصلاحها. فالقواعد والمؤسسات التي دعمت أمننا ورخاءنا باتت عرضة للهجوم. والتوقعات بخصوص تعاف اقتصادي جديد عالية على كلا جانبي الأطلسي. وتبقى معالجة الأسباب العميقة للانقسامات الاجتماعية وجذورها في بلداننا إحدى أكبر المهمات بالنسبة للأميركيين والأوروبيين على حد سواء.
العالم الذي نعيش فيه تغير خلال الأربع سنوات الماضية إلى الأسوأ. ومع بايدن، سيكون ممكناً تحقيق قدر أكبر من الوحدة العابرة للأطلسي في ما يتعلق بالزعماء المستبدين والبلدان التي تسعى لتعزيز قوتها عبر تقويض النظام الدولي أو الإقليمي، بيد أن مقاربة تقوم على المبادئ لا تلغي الحوار والتعاون. وفي هذا الصدد، نأمل أن تنجح الولايات المتحدة وروسيا في تمديد معاهدة «ستارت الجديدة» إلى ما بعد شباط/فبراير 2021. كما أننا مستعدون للعمل مع موسكو حول المواضيع المتعلقة بالأمن الأوروبي، ونتوقع رداً بنّاءً، وعلى الاتحاد الأوروبي الاستعداد لهذا الأمر.
تحت إدارة يقودها بايدن، ستظل إبرة بوصلة السياسة الخارجية الأميركية تشير إلى الصين، التي ننظر إليها باعتبارها شريكاً ومنافساً ونداً في الوقت نفسه. ويجب أن نعمل معاً للتعاطي بفعالية مع نزعة الصين المتزايدة إلى فرض الذات وتأكيد القوة، وكذلك للحفاظ على المجالات الضرورية للتعاون مع بكين قصد مواجهة التحديات العالمية مثل وباء كوفيد 19 وتغير المناخ. غير أن هذا يقتضي تشاور الولايات المتحدة وأوروبا مع بعضهما البعض من أجل تنسيق مقارباتهما، بخصوص حقوق الإنسان، البنية التحتية الرقمية، التجارة العادلة، على سبيل المثال.
وفضلا عن ذلك، نريد – كأوروبيين – إشراك الولايات المتحدة من جديد في مقاربة مشتركة لضمان الطابع السلمي الحصري لبرنامج إيران النووي والتعاطي مع التحديات الأخرى التي تطرحها إيران بالنسبة لأمننا ومنطقة الشرق الأوسط. وسيتعين علينا أيضا معالجة سلوك تركيا الإشكالي في شرق المتوسط وغيره. كما يجب أن نعمل معا من أجل محاربة الإرهاب والتطرف اللذين يهدّدان أمننا ومجتمعاتنا على جانبي الأطلسي.
لقد تغيرت أوروبا إلى الأحسن. فنحن لم نعد نسأل أنفسنا فقط: ما الذي تستطيع أميركا أن تفعله من أجلنا، وإنما ما الذي ينبغي أن نفعله من أجل الدفاع عن أمننا وبناء شراكة عابرة للأطلسي أكثر توازنا. وهذان وجهان لعملة واحدة. فالسيادة الأوروبية ازدادت على مر السنين. وحالياً، نعمل على تطوير قدرات أمنية ودفاعية مشتركة لأنها ضرورية من أجل تقوية الاتحاد الأوروبي و«الناتو» معاً. والحق أن أوروبا بدأت منذ بعض الوقت تتولى قدراً أكبر بكثير من المسؤولية عن الأمن، من منطقة الساحل والبحر الأبيض المتوسط إلى الشرق الأدنى والأوسط، بما في ذلك الخليج. وهذا هو الطريق الذي نعتزم السير فيه. وفي غضون بضعة أسابيع، من المنتظر أن تقدّم مجموعة من الخبراء الأمنيين رفيعي المستوى توصياتها بشأن سبل جعل «الناتو» أكثر ملاءمة لهذا الهدف. ونحن ملتزمون بتلك الفكرة باعتبارها استثمارا في مستقبل الشراكة العابرة للأطلسي.
لا شك أن الأمن في القرن الحادي والعشرين يعتمد أيضاً على ما إذا كنا سنجد أجوبة مشتركة على التحديات العالمية للعصر. وفي هذا الصدد، نرحب بإعلان بايدن اعتزام الولايات المتحدة العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية. وننظر إلى هذا باعتباره نقطة البداية لمساعٍ عابرة للأطلسي هدفها تقوية تعددية الأطراف وتكييفها مع تحديات اليوم والغد. ذلك أن هذه الأخيرة تظل الرد الوحيد الفعال في عالم يسعى فيه عدد متزايد من اللاعبين إلى إضعاف النظام القائم على القواعد. كما أن التعاون بين أوروبا والولايات المتحدة مهم جدا من أجل توزيع عادل للقاحات والأدوية، وكذلك لإعادة إطلاق الاقتصاد العالمي.
هكذا تستطيع أوروبا والولايات المتحدة أن تظلا ضامنتين للسلام والاستقرار والديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان في العالم. بالطبع، ندرك أننا لن نتفق دائما حول كل شيء. وسنحتاج لحل الخلافات حول الرسوم الجمركية والعقوبات والضرائب والدعم الحكومي للشركات، والتي شكّلت عبئا ثقيلا على شراكتنا مع الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. إننا مستعدون للعمل مع الولايات المتحدة حول حلول مشتركة بالنظر إلى طبيعة الرهان وحجمه بالنسبة للجيل المقبل من الأوروبيين والأميركيين على حد سواء. بكل بساطة، الأمر يتعلق بقدرتنا على الحفاظ على نمط حياتنا ومواصلة سعينا الدائم والحثيث وراء الحرية الفردية والتقدم الجماعي. والأكيد أنه لن يكون هناك شريكان طبيعيان أحسن وأقرب لهذا الغرض من أميركا وأوروبا”. (ترجمة سارة سنو)