بين دول الخليج والولايات المتحدة علاقة تاريخية وذات أهمية إستراتيجية كبيرة تتجاوز الإنتماء الحزبي لساكن البيت الأبيض، وبالتالي فان أي أزمة قد تنشأ بين الطرفين لن تذهب بعيداً، لأن دول مجلس التعاون الخليجي الست ستتعامل – كعادتها – بإيجابية وبراغماتية شديدتين مع الإدارة الأميركية الجديدة.
كيف تنظر دول الخليج إلى فوز بايدن؟ وكيف ستتعامل الإدارة الأميركية الجديدة مع الملفات الرئيسية التي تهم دول الخليج: البرنامج النووي لإيران، الأزمة الخليجية، الحرب في اليمن، العراق والتطبيع مع إسرائيل؟
علاقة تاريخية ومتينة
امتلاكها 54% من احتياطي النفط في العالم، و40% من احتياطي الغاز الطبيعي، يكفي لكي تنال منطقة الخليج العربي أهميتها دولياً، ولا سيما أميركياً. ففي العام 1932 تم اكتشاف أول كميات كبيرة من النفط في مملكة البحرين. وبعد أقل من سنة صار للشركات الأميركية وجودها في المنطقة من خلال شركة “ستاندرد أويل” للنفط (1933).
حصل اللقاء الشهير بين الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والعاهل السعودي الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود على متن الطراد الأميركي “كوينسي” (فبراير/شباط 1945). توصل الرجلان لما عُرف بـ”اتفاق كوينسي” الذي توفر الولايات المتحدة بموجبه حماية أمنية غير مشروطة للمملكة والمنطقة مقابل حصول الولايات المتحدة على إمدادات الطاقة بأسعار معقولة.
ازدياد أهمية النفط جعل منه ثروة تتطلب حماية كبيرة. ولكي تضمن مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية في الخليج العربي، كان لا بد لواشنطن أن تهتم أولاً باستقرار المنطقة، وهذا ما صرح به علانية الرئيس جيمي كارتر في خطابه الاتحادي عام 1980 عندما قال: “أي محاولة من قوة خارجية للسيطرة على الخليج العربي هي بمثابة إعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وستتم مواجهة هذا الاعتداء بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية”.
مع إندلاع حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران (1980-1988)، بدأت الدول الخليجية – كل على حدة – بعقد اتفاقية دفاع مشتركة مع واشنطن التي صار لها قواتها وقواعدها العسكرية في المنطقة، وعقدت عدداً لا يُحصى من صفقات التسليح بمئات مليارات الدولارات (خصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة).
في العام 2005، انطلق تعاون مشترك جديد سُمي “حوار الأمن الخليجي”، توج لاحقاً بتأسيس الشراكة الإستراتيجية الخليجية – الأميركية في العام 2015. شراكة وضعت إطاراً رسمياً للتعاون في القضايا السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، مع الإتفاق على زيادة معدلات الاستثمار والتبادل التجاري بين الجانبين.
وبالطبع، لا بد هنا من الإشارة أيضاً إلى منظمة الدول المصدّرة للنفط “أوبك”، التي شكل تأسيسها في العام 1960 تحولاً تاريخياً في علاقات دول الخليج مع الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة.
الإستدارة الأولى والثانية
العلاقة التي توطدت على مدى عقود طويلة بين دول الخليج والولايات المتحدة، إتخذت منحى جديداً مع تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير 2017، غير أن الشرخ الأول – والأكبر- في العلاقات الخليجية الأميركية برز في عهد باراك أوباما (2009 ـ 2017)، وتقريباً حول أشياء كثيرة: الملف النووي الإيراني؛ الربيع العربي؛ الموقف الأميركي الداعم لجماعة الإخوان المسلمين؛ امتناع أوباما عن ضرب النظام السوري؛ مروراً بدعم واشنطن للحكومة المقربة من إيران في بغداد وقبلها دعمها تجربة رجب طيب أردوغان في تركيا.
في كتابه “تكامل أو انتحار”، يتحدث الكاتب اللبناني سعد محيو، عن هذه المرحلة من العلاقات الأميركية الخليجية، وتحديداً العلاقات الأميركية السعودية (ص 189-190)، ويقول: “قبل نهاية ولايته الثانية في صيف 2016، كان الرئيس أوباما ينشر غسيل الخلافات السعودية – الأميركية فوق كل السطوح للمرة الأولى منذ العقود السبعة التي تلت “اتفاق كوينسي”. فقد اتهم أوباما المملكة بتصعيد الخلافات المذهبية (..) واعتبر أن السعوديين هم “من يمتطون” من الحلفاء الذين يطلبون من الولايات المتحدة خوض الحروب بالنيابة عنهم (..) كما لم ينس مطالبة المملكة بإقامة سلام بارد مع إيران.
محمد فاضل العبيدلي: بايدن لن يغامر بخسارة دولة مثل السعودية لمجرد إرضاء لوبيات الحزب الديموقراطي. فالأميركيون يعرفون جيداً أن هذه الضغوط قد تدفع السعوديين للتوجه إلى حلفاء دوليين آخرين مثل الفرنسيين والروس والصينيين
مركز الثقل
يبدو أن الإجابة على أي تكهن بتغييرات في سياسة أميركا مع دول الخليج بشكل عام لا بد وأن تنطلق من رصد مسار العلاقات الأميركية السعودية على وجه الخصوص “بسبب الثقل الذي تمثله المملكة. فالعلاقات مع السعودية هي إحدى ثوابت السياسات الخارجية الأميركية على مدى 75 عاماً”، بحسب الكاتب والباحث البحريني محمد فاضل العبيدلي.
يقول العبيدلي: “لا أعتقد أن تصل التغييرات المحتملة في سياسات بايدن تجاه السعودية إلى حد إحداث قطيعة مثلاً؟ بايدن وإدارته قد يركزون في علاقاتهم مع الرياض على قضايا عدة مثل الحرب في اليمن، وذلك استجابة لضغوط من داخل الحزب الديموقراطي نفسه. بالإضافة إلى إثارة قضايا ذات صلة بملف حقوق الإنسان، كأن يعيد الديموقراطيون إحياء قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي. وقد يمارسون ضغوطاً أخرى من أجل حث القيادة السعودية على التطبيع مع إسرائيل. لكن هذه ستبقى بالنسبة للأميركيين وسائل ضغط ومساومات ليس إلا. السؤال الأهم هو: إلى أي حد يمكن أن يمضي بايدن وفريقه في هذه الضغوط لو افترضنا أنه بصددها فعلاً؟”.
يضيف العبيدلي: “ما يقرر هذا المدى هو سؤال آخر: ما الذي سيكسبه بايدن وأميركا من وراء هذه الضغوط وما الذي سيخسره؟ بايدن لن يغامر بخسارة دولة مثل السعودية لمجرد إرضاء لوبيات الحزب الديموقراطي. فالأميركيون يعرفون جيداً أن هذه الضغوط قد تدفع السعوديين للتوجه إلى حلفاء دوليين آخرين مثل الفرنسيين والروس والصينيين. وسواء تعلق الأمر بتوريدات الأسلحة أو التجارة والإستثمار، فإن العالم لم يعد كما كان من قبل. الأميركيون يعرفون تماماً أن الضغط على السعوديين أو إغضابهم يعني خسارة مؤكدة لهم. السعودية ليست مجرد مشتر للأسلحة بل هي إحدى الدول التي تساهم في إنعاش الاقتصاد الأميركي وإستدامة عجلة إزدهاره وتوليد الملايين من فرص العمل. وهي أيضاً شريك أساسي ومحوري في استقرار المنطقة وتملك تأثيراً يتجاوز حدودها بكثير”.
ساكن البيت الأبيض ليس مطلق اليدين
خلال حملته الإنتخابية، وحتى قبلها، كان لبايدن تصريحات بدت متشددة حيال السعودية تحديداً، سواء على صعيد سجلها الحقوقي أو ما يتعلق بمسألة الحرب على اليمن. وهو أعرب في هذه التصريحات عن اعتزامه إعادة تقييم العلاقات مع الرياض. هل يضع بايدن هذه التصريحات موضع التنفيذ، أم أنها أم مجرد خطب انتخابية حماسية؟
ترى الباحثة والرئيسة السابقة لجامعة السوربون في أبو ظبي الدكتورة فاطمة الشامسي أن العلاقات الخليجية الأميركية “ستبقى كما شهدناها على مدار عشرات السنين: وثيقة ووطيدة، لم ولن تتغير بشكل كبير مع تغير رؤساء البيت الأبيض”.
تضيف الشامسي: “تكثر التوقعات حول المسارات الجديدة والنتائج المترتبة على فوز بايدن، وسواء كانت توقعات منطقية أو خيالية، فهي غالباً تأخذ مسارين يكادان يكونان متناقضين. الأول، هو إن حدث أي تغيير في توجهات السياسة الأميركية، تجاه منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، فسيكون حدثاً ثانوياً لأن الإستراتيجية الأميركية لا يصنعها الرئيس وحده بل يشاركه في ذلك الكونغرس وأيضاً ما يطلق عليها “الدولة العميقة” ومن ضمنها “وول ستريت”. البيت الأبيض ليس مطلق اليدين في اتخاذ القرارات. كما أن مجلس الشيوخ في الكونغرس ما زال في قبضة الجمهوريين. ولنأخذ الموقف من إيران كنموذج. بايدن أعلن في أكثر من مناسبة أنه سوف يلتزم بالإتفاق النووي الذي وقعته واشنطن في عهد أوباما. وهو قد يستطيع تحقيق هذا الإلتزام بما في ذلك إلغاء العقوبات التي فرضها ترامب. ولكن إلغاء العقوبات يحتاج إلى موافقة الكونغرس لأن إدارة ترامب فرضتها على إيران بموجب قوانين مكافحة الاٍرهاب، أي لا يمكن رفعها إلا من خلال سلسلة تعديلات تحتاج إلى موافقة الكونغرس، وخاصة مجلس الشيوخ بالإضافة إلى البنتاغون وأجهزة الاستخبارات والأمن القومي، وهذا سيستغرق سنوات، وقد لا يتم ذلك خلال السنوات الأربع المقبلة”.
فاطمة الشامسي: هل تتسع الديموقراطية الأميركية لأكثر من ترامب واحد على التوالي؟
أما المسار الثاني ـ تضيف الشامسي ـ فانه يجري في إتجاه معاكس وهو أن الرئيس الديموقراطي “سوف يستكمل ما بدأه أوباما في إستراتيجيته تجاه الشرق الأوسط لأنه يكاد يكون ملتزما بها. وهو في اعتقادي يقتضي العودة بالتاريخ إلى الوراء، أو يستنسخ الرئيس الجديد شخصية الرئيس ترامب في كسر القواعد والقوانين بحكمة أو بحماقة.. فهل يستطيع؟ وهل تتسع الديموقراطية الأميركية لأكثر من ترامب واحد على التوالي”؟
الأولوية للداخل الأميركي
بدوره، يرى الباحث وأستاذ علم الإجتماع في جامعة الكويت الدكتور محمد الرميحي أنه لن تحدث مشكلات كبيرة بين إدارة بايدن وبين حكومات دول الخليج. ويشير إلى أن “ما يجمع بين الطرفين مصالح وليس مجرد عواطف. العلاقات المشتركة ستبقى بشكل عام كما هي، وربما مع قليل من “الرتوش” في الإخراج. بمعنى أن ترامب كان في كثير من الأوقات يخرج عن الإطار الدبلوماسي المتعارف عليه. كما أن بايدن شخصياً، رجل له خبرة دبلوماسية طويلة، ويعرف دول الخليج وقادتها معرفة شخصية. وما يُقال بخصوص أن أصدقاء ترامب في دول الخليج والعالم سيكونون أعداءً لبايدن والعكس صحيح، إنما هي أقوال إنفعالية بعيدة عن التحليل المنطقي والواقعي”.
ويرى الرميحي – وتتفق معه الشامسي – أن الملفات الحقيقية الكبرى التي سوف ينشغل بها بايدن- خلال الأشهر الأولى تحديداً وربما السنوات الأولى من ولايته – ستكون في الداخل أساساً “حيث تنتظره حزمة كبيرة من المشاكل المعقدة ليس اقلها أزمة مكافحة وباء كوفيد-19 ورأب الإنشقاق العمودي العميق في المجتمع الأميركي الذي تسبب به ترامب”.
إيران المصدر الحقيقي للقلق
ماذا على الصعيد الخارجي؟
تقول د. فاطمة الشامسي: “سيكون على بايدن إعادة ترتيب ولملمة العلاقة مع الحلفاء الأوروبيين، وإعادة التموضع في مسألة المواجهة الكبيرة المتوقعة مع الصين. لكن الإلتزام الأكبر والدائم لأي إدارة أميركية، سواء أكانت جمهورية أم ديموقراطية، سيكون أمن إسرائيل وحمايتها، ما يجعل قضايا أخرى، بما في ذلك العلاقة مع الخليجيين في المراتب اللاحقة”.
وفي هذا الخصوص، يشير الرميحي إلى أن بايدن تحدث كثيراً عن أهمية الديموقراطية وحقوق الإنسان، وهي ملفات مهمة بالنسبة للديموقراطيين. وبعض العلاقات تتأثر بهذه الملفات، “لذلك لا أعتقد أن إدارة بايدن ستعيد فتح ملف النووي الإيراني سريعاً. فخلال السنوات الأربع الماضية (عمر ولاية ترامب) جرت تطورات كثيرة في المنطقة عموماً وداخل إيران على وجه الخصوص. إيران استطاعت أن تتمدد أكثر في المنطقة، كما استطاعت تطوير أسلحتها النووية والبالستية”.
محمد الرميحي: اهتمام بايدن بحرب اليمن سيكون اقل من اهتمام سلفه.. والخلافات الخليجية ملف لا حل له الا في الداخل الخليجي
وبرأي الرميحي، فإن النظام الإيراني الحالي “ليس لديه الإستعداد لتقديم أي تنازل إضافي في الملف النووي، وقد سمعنا مؤخراً تصريحات من أميركيين ديموقراطيين يتحدثون عن عيوب في الإتفاق النووي يجب إصلاحها قبل العودة إليه. أعتقد أنهم يقصدون بالعيوب تحديد سقف زمني لأحقية طهران في امتلاك سلاح نووي، والصواريخ البالستية الطويلة المدى التي طورتها إيران، والتدخلات الايرانية في اليمن وسوريا ولبنان والعراق. إصلاح هذه العيوب تحتاج لمفاوضات طويلة وعسيرة قد تتعدى فترة ولاية بايدن. لربما تكتفي إدارة بايدن برفع بعض العقوبات التي لها علاقة بالقضايا الإنسانية مثل شراء الأدوية وما شابه ذلك”.
مع ذلك يرى الكاتب البحريني محمد فاضل العبيدلي أن “مصدر القلق الحقيقي بالنسبة لدول الخليج هو موقف وسياسات بايدن المتوقعة مع إيران وتالياً في مناطق نفوذها، أي العراق وسوريا ولبنان واليمن. دول الخليج قلقة من عودة بايدن إلى صيغة الإتفاق النووي مع إيران، بما يجعل طهران تفهم أن هذا الإتفاق هو ضوء أخضر أميركي لخطط التوسع الإيرانية الإقليمية”.
حرب اليمن والنزاع الخليجي
عن الحرب الدائرة في اليمن منذ ست سنوات، يرى الرميحي بأنه لن تكون هناك فروقات كبيرة بين ما كانت تفعله إدارة ترامب وما ستفعله إدارة بايدن، “وربما يكون إهتمام الإدارة الجديدة بالملف اليمني أقل بكثير من إهتمام إدارة ترامب، وهو أيضا كان قليلاً. لأنه في نهاية الأمر هناك مصالح مشتركة كبرى تجمع بين الولايات المتحدة ودول الخليج تتفوق على الملف اليمني. مصالح تقوم على منافع اقتصادية ونفطية ومالية وإستراتيجية ضخمة”.
كذلك يرى الرميحي أن أي إدارة أميركية أو غير أميركية “لن تستطيع أن تحرك الملف الخليجي- الخليجي، لأنه ملف داخلي والخلاف فيه هو أساساً على موضوع الإسلام السياسي الذي يرى البعض ان دولة قطر تقدم له المأوى والمساعدات المالية واللوجستية. وهذا الموضوع ساخن جدا. نحن أمام إشكالية حقيقية وعلى الخليجيين أن يقوموا بحلها بالتوافق في ما بينهم”.
التطبيع مع إسرائيل
ثمة محللون يرون أن بايدن سيذهب أبعد مما ذهب إليه سلفه في ملف تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل. فكيف سيوازن بين إلتزام واشنطن بأمن إسرائيل والخليج في وقت تكثر التصريحات عن سعي الولايات المتحدة سحب قواتها من المنطقة؟ وهل تكون إسرائيل هي مظلة الحماية الأمنية البديلة المقبلة من مدخل “التطبيع”؟
ينفي الرميحي أن يكون قرار بعض الدول الخليجية بالتطبيع مع إسرائيل هدفه توفير الحماية الأمنية “إذا كان التطبيع للحماية، فماذا عن تطبيع السودان البعيد؟ ثم من أن ملف التطبيع لا يؤثر على الداخل الأميركي. والدليل أن أغلبية اليهود الأميركيين صوتوا لبايدن ضد ترامب”. ويضيف “الولايات المتحدة لن تسمح بتعرض أمن الخليج لأي خلل حتى لو انسحبت قواتها من المنطقة، علماً أن هذا الإنسحاب مشكوك فيه حتى الآن”.
سعد محيو: ثمة حاجة لدى أميركا إلى الحفاظ على تدفق النفط من منطقة الخليج، برغم النهضة التي يشهدها الآن قطاع الطاقة الأميركي بفعل تقنيات إستخراج الغاز الطبيعي والنفط الصخريين
بدوره، يرى العبيدلي أنه هناك مبالغات في ما يتعلق بإسرائيل وقدراتها وإمكانياتها. “إسرائيل لا يمكن، بأي مقياس موضوعي أن تلعب دور “الحامي” لمنطقة الخليج أو غيرها. كما أن إنسحاب الأميركيين من المنطقة ليس وارداً من وجهة نظري، أقله في المدى المنظور. الأميركيون يفكرون بتخفيض الكلفة وليس الإنسحاب. الإستدارة شرقاً مطروحة منذ أن وصل أوباما للبيت الأبيض فما الذي جرى؟ سحب قوات من العراق وفي الوقت نفسه احتفظ بعدد أقل من القوات في بضع قواعد. الأسطول الخامس الأميركي ما زال يعمل في الخليج، وللأميركيين قاعدة عسكرية في العديد في قطر ومنها انطلقت الطائرة المسيرة التي اغتالت قاسم سليماني؟ أقاموا قواعد صغيرة في سوريا. لهم قواعد في البحر الأحمر (جيبوتي). لديهم تسهيلات بحرية ولوجستية في دول عدة في الخليج والبحر الأحمر. الأسطول السادس ما زال يعمل في البحر الأبيض المتوسط. طالما هناك نفط وغاز وتجارة لن تنسحب أميركا من المنطقة”.
صدى الحملات الأوبامية
لن يكون هناك فائز وخاسر من بين الدول الخليجية بعد فوز بايدن. إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات وإعادة الرقابة الدولية على ملفها النووي فيه أيضاً مصلحة للخليج. وبالتالي، لن ينبغي على أي من دول الخليج تقديم أي تنازل للإبقاء على شراكتها مع أميركا في عهد بايدن. علاقة الطرفين تقوم على قاعدة ربح – ربح. وهذه قاعدة سهلة: لأميركا مصالح وعلى رأسها إمدادات الطاقة، وللخليجيين توجه للحفاظ على علاقات وثيقة مع واشنطن.
في “تكامل أو إنتحار” يذكر الكاتب اللبناني سعد محيو أنه إبان عهد الملك الراحل عبد الله، كانت النخبة السعودية تراهن على أن أي أزمة مع أميركا لن تذهب بعيداً ولن تصل إلى مرحلة الطلاق للأسباب التالية:
الأول، أن أميركا بحاجة ماسة إلى قوى داخل منطقة الخليج وخارجها، لموازنة وإحتواء ومواجهة القوة الإيرانية المتمددة. والأمر لا يتعلق فقط بالأسلحة النووية ومنظومة الصواريخ البالستية، بل أيضاً بمواجهة توجهات إيران الإقليمية.
الثاني، حاجة أميركا إلى الحفاظ على تدفق النفط من منطقة الخليج، برغم النهضة التي يشهدها الآن قطاع الطاقة الأميركي بفعل تقنيات إستخراج الغاز الطبيعي والنفط الصخريين. إذ أن الولايات المتحدة ما تزال تستورد 23 في المئة من النفط الخام والمنتجات المتعلقة به من العالم العربي.
الثالث، حاجة أميركا إلى تضامن كل الدول معها في مكافحة الإسلام الراديكالي بغض النظر عن طبيعة أنظمتها السياسية.
العاصفة التي كانت عاتية بالفعل في العلاقات السعودية الأميركية في عهد أوباما انحسرت في مطالع العام 2017 مع مجيء ترامب الذي جعل السعودية أول دولة في العالم يزورها، وحضر ثلاث قمم دفعة واحدة في الرياض أسفرت عن إبرام صفقات عسكرية وتجارية ضخمة بلغت قيمتها حوالي 380 مليار دولار.
لكن ذاكرة الهزة الكبرى التي أحدثها أوباما في نسيج العلاقات التاريخية بين البلدين على وجه الخصوص وبالتالي مع معظم دول الخليج عاد صداها وبقوة بمجرد إعلان فوز بايدن وعودة الديموقراطيين إلى البيت الأبيض. فهل نشهد ما يبدد هذا الصدى أم تجدده؟ وحدها الأشهر المقبلة كفيلة بالإجابة عن سؤال العلاقات الخليجية الأميركية في عهد بايدن.