أولاً، عقدت القمة الخليجية بغياب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز. ولم يتحدث الاعلام السعودي والخليجي عن سبب غياب الملك سلمان عن القمة (وان كان يعتقد انه صحي)، وبالتالي، ترأس القمة الخليجية للمرة الأولى ولي عهده وابنه الامير محمد بن سلمان.
ثانياً، اقتصرت القمة الخليجية على جلسة افتتاحية تحدث فيها رئيسها محمد بن سلمان، ثم امير الكويت الشيخ نواف الاحمد الصباح. الأول بصفته صاحب الدعوة والثاني باعتبار ان الكويت هي من رعت المصالحة الخليجية منذ نشوب الازمة قبل ثلاث سنوات ونصف.
ثالثاً، جرى خلال الجلسة اليتيمة للقمة توقيع ما سمي “اعلان المصالحة الخليجية” و”بيان قمة العلا” وكلاهما كانا معدين مسبقاً، في ضوء الإتصالات التي اجرتها الكويت مع كل من الرياض والدوحة وقامت بإطلاع باقي العواصم الخليجية والقاهرة عليهما.
رابعاً، بإستثناء اللقاء الوحيد الذي عقد بين ولي العهد السعودي وأمير قطر، لوحظ انه لم تعقد اية لقاءات ثنائية بين رؤساء الوفود التي شاركت في القمة، كما جرت العادة، ولم ينقل الاعلام السعودي اية اخبار او صور عن سفر الوفود، بعد إنتهاء القمة.
خامساً، كانت وظيفة القمة الخليجية محصورة بمصالحة القيادتين القطرية والسعودية، على أن ينسحب ذلك على حلفاء الرياض في حصار قطر، اي الامارات والبحرين ومصر، وهو الأمر الذي جعل أحد الصحافيين السعوديين يقول إن المشاركين الآخرين في القمة “كانوا فقط شهود الفرح او الزفة” (شارك وزير المال القطري بالتزامن مع القمة في إفتتاح أحد فنادق العاصمة المصرية).
سادساً، بدا واضحا ان الاهتمام السعودي في هذه القمة تركز على حضور ومشاركة امير قطر الشيخ تميم بن حمد، فكان أن خصّه وحده ولي العهد السعودي بعناق عند سلم الطائرة التي نزل منها الامير القطري، وبعد ذلك إصطحابه بسيارته في جولة سياحية بالعلا، حيث تعمد بن سلمان أن يقود هو شخصياً وإلى جانبه ضيفه الشيخ تميم.
سابعاً، اضافة الى الاعلان عن المصالحة مع الدوحة وقيام السعودية بفتح الحدود البرية والبحرية والجوية امام قطر، فان المصالحة تضمنت – كما اعلن وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان – استعادة علاقات الدول الثلاث (الإمارات ومصر والبحرين) الديبلوماسية مع الدوحة وفتح الأجواء أيضاً امام الرحلات الجوية من والى قطر. وبدا بن فرحان حريصاً على إعلان إلتزام كل الدول بانهاء مواضيع الخلاف وان يتم ذلك من خلال مباحثات ثنائية تهدف الى تعزيز التعاون والتنسيق في ما بين هذه الدول وخاصة في مجال مكافحة الارهاب والجرائم المنظمة. وهذا يعني ان كل مشاكل الخلاف التي ادت الى الازمة مع قطر سيتم بحثها والتفاوض بشانها في اوقات لاحقة بشكل ثنائي، الأمر الذي يطرح علامات إستفهام حول ما إذا كانت بعض الدول تضع شروطاً مقابل ذلك، مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل منها وعدم إحتضان أية نشاطات لمعارضين لها، ووقف حملات الحض على الكراهية للانظمة، الأمر الذي يحمل في طياته إشارات إلى دور الفضائيات ولا سيما فضائية “الجزيرة”.
اشراك مبعوث الرئيس الاميركي وصهره جاريد كوشنر في حفل التوقيع على اتفاق المصالحة تريد منه واشنطن تاكيد هيمنتها على القرار الخليجي وتاكيد التحالف الاميركي الخليجي الذي قد يكون هدفه ضرب ايران عسكرياً
ثامناً، عدا عن تعهد قطر بإسقاط الدعاوى المرفوعة في مؤسسات دولية ضد الدول التي حاصرتها، لم يعلن عن ماهية الالتزامات المترتبة على قطر نحو السعودية وحليفاتها الثلاث مقابل الايجابية السعودية واهمها فتح الحدود واعادة العلاقات الديبلوماسية.
تاسعاً، رفع بيان قمة العلا الخليجية سقف المواجهة مع إيران التي خصها بحصة وفيرة من “المطالب”، أبرزها مشاركة دول مجلس التعاون في أية مفاوضات دولية مستقبلية تخص برنامج إيران النووي وضرورة أن تشتمل أية عملية تفاوضية مع إيران “معالجة سلوك إيران المزعزع لاستقرار المنطقة، وبرنامج الصواريخ الإيرانية بما في ذلك الصواريخ الباليستية والكروز والطائرات المسيرة، والبرنامج النووي الإيراني في سلة واحدة”. هذا الموقف ليس موجهاً إلى إيران بل إلى إدارة جو بايدن لا سيما بعد أن كررت إلتزامها بإعادة العمل بالاتفاق النووي مع ايران – الذي كانت الرياض قد رحبت قبل سنتين بإلغاء ترامب له – وهذا الامر (إعادة تعويم الإتفاق النووي) يقلق السعودية لأنه يفتح الابواب الاميركية امام ايران للخروج من الحصار الإقتصادي والمالي الذي فرضه عليها ترامب طيلة أكثر من سنتين.
عاشراً، تستعجل الرياض الانتهاء من عدد من القضايا التي تندرج في خانة “حقوق الإنسان” من خلال انهاء محاكمة بعض الموقوفين (احمد فتيحي ولجين الهذلول)، وهما اكثر اثنين من معتقلي حقوق الانسان اثيرت حول اعتقالهما ضجة اميركية، وستواصل الرياض محاكمة الباقين قريبا او الافراج عنهم.
حادي عشر، ثمة معلومات مفادها أن السعودية هي التي طلبت من الرئيس ترامب الراحل قريبا التدخل والضغط على الدوحة للقبول بالمصالحة، الامر الذي دعا الاخيرة إلى ان تشترط وقف حصارها اولا، وهذا يدفع للتساؤل عن السبب الذي إستدعى أن تغير المملكة موقفها المتشدد المعادي لقطر وجعلها تظهر في مظهر المتنازلة عن شروطها لمصلحة القيادة القطرية التي ستكون علاقتها مع إدارة جو بايدن أفضل بكثير من علاقتها بإدارة ترامب.. وهذا الأمر يعني أن الرياض الساعية إلى ترتيب اوراقها تريد لقطر أن تصبح جسرا لها نحو بايدن، مثلما فعلت دولة الامارات عند فوز الرئيس دونالد ترامب، قبل اربع سنوات، فكانت تلك العلاقة الجسر الذي عبره ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان لتوطيد علاقته بترامب.
ثاني عشر، ثمة قناعة سعودية راسخة بأن المصالح الاميركية الاستراتيجة مع المملكة تجعل واشنطن لا تستغني عنها وعن استمرار العلاقات الاستراتيجية معها حتى ولو كانت اي ادارة اميركية “غير ودودة” تجاه الرياض، وهذا ما أكدت عليه التصريحات السعودية بعد التيقن من خسارة ترامب وفوز بايدن.
ولكن الرياض تعلم ان بايدن وكبار مسؤولي الحزب الديمقراطي لاينظرون بشكل “ودي” إلى ولي العهد السعودي وتعلم الرياض ان الحزب الديمقراطي هو الذي تبنى قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقحي قبل اكثر من عامين وان ممثليه في مجلسي النواب والشيوخ هم الذين يصرون على إعادة إثارة هذه القضية.
ثالث عشر، تضمنت مقررات القمة بنداً خاصاً بحزب الله عبر الإشادة بقرارات الدول التي صنفته “منظمة إرهابية”، وحثت القمة “الدول الصديقة لاتخاذ مثل هذه الخطوات للتصدي للإرهاب وتجفيف منابع تمويله”. كما أبدى المجتمعون حرصهم على أمن لبنان واستقراره ووحدة أراضيه، وعلى انتمائه العربي واستقلال قراره السياسي، والوفاق بين مكونات شعبه الشقيق، معربين عن أملهم “في أن يستجيب اللبنانيون لنداء المصلحة العليا والتعامل الحكيم مع التحديات التي تواجه الدولة اللبنانية، وبما يلبي التطلعات المشروعة للشعب اللبناني”.
هل للمصالحة الخليجية أية أبعاد متصلة بإحتمالات توجيه ضربة عسكرية أميركية خاطفة لإيران خلال ما تبقى من عمر ولاية ترامب؟
يخشى مراقبون سياسيون في منطقة الخليج من ان تكون لهذه المصالحة اهداف اميركية من هذا النوع، أي استكمال الترتيبات لشن ضربة عسكرية “موجعة” ضد ايران، ومن اجل ذلك ضغط الرئيس ترامب لتحقيق هذه المصالحة، فالحلف الاميركي الخليجي لضرب ايران الذي يتوقع ان يتم قبل انتهاء الاسبوعين المقبلين – سيكون ناقصا بعدم وجود قطر فيه.
ومن هنا نجد أن السبب الحقيقي لمشاركة مبعوث الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر في حفل التوقيع على المصالحة الخليجية التي كان للكويت الدور الاكبر فيها منذ ان نشبت الازمة في شهر حزيران/ يونيو 2017، فاشراك مبعوث الرئيس الاميركي وصهره جاريد كوشنر في حفل التوقيع على اتفاق المصالحة تريد منه واشنطن تاكيد هيمنتها على القرار الخليجي وتاكيد التحالف الاميركي الخليجي الذي قد يكون هدفه ضرب ايران عسكرياً.
(*) راجع “القمة الخليجية: تميم يرفع شارة النصر“