أوانٍ مستطرقة من مأرب إلى ميونيخ.. واليمن أولوية قطر!
Iranian Foreign Minister Mohammad Javad Zarif gestures as he talks to journalist from a balcony of the Palais Coburg hotel where the Iran nuclear talks are being held in Vienna on July 10, 2015. Iran accused major powers on Friday of backtracking on previous pledges and throwing up new "red lines" at nuclear talks, after the deadline to reach an agreement in time to receive expedited scrutiny from the U.S. Congress expired with no deal. AFP PHOTO / POOL / CARLOS BARRIA (Photo credit should read CARLOS BARRIA/AFP via Getty Images)

في الثامن من شباط/ فبراير الجاري، أكد قائد المنطقة المركزية الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكينزي على أهمية قطر ودورها من أجل التعامل مع أزمة إيران. جاء حديثه في معرض التعبير عن رغبة الإدارة الأميركية الجديدة بوقف حرب اليمن إنفاذًا لتعهد جو بايدن.

في التاسع من شباط/ فبراير الجاري، زار وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن ال ثاني بيروت، وشملت لقاءاته المعلنة كلًا من رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب. وشملت لقاءاته غير المعلنة لكن المحسومة رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل وتردد في صالونات سياسية ضيقة أنه إلتقى السيد حسن نصرالله أو أحد قيادات الصف الأول في حزب الله، ولكن الحزب لم يؤكد ولم ينف، وتردد أيضاً أنه التقى وفدًا حوثيًا ترأسه ابراهيم الدليمي الذي بات سفير الحوثيين في طهران. لكن إتضح في ما بعد أن الزيارة لم تتعد طابعها الإستطلاعي اللبناني وبلا جدول أعمال محدد أو مقترحات محددة.

في العاشر من شباط/ فبراير الجاري، إستقبل وزير الشؤون الخارجية القطري، سلطان بن سعد المريخي، القائم بالأعمال السعودي في الدوحة علي سعد القحطاني في أول لقاء من نوعه منذ تموز/ يوليو ٢٠١٧، وفي اليوم عينه، تحدث وزير الخارجية القطري، مع كل من مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان والمبعوث الأميركي لإيران روبرت مالي.

في الخامس عشر من شباط/ فبراير، حطت طائرة الوزير القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في طهران، وسلم الرئيس الإيراني حسن روحاني، بحضور نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، رسالة من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني تتصل بالعلاقات الثنائية، لكن البارز فيها إبداء إستعداد الدوحة لأداء دور فاعل ورئيسي في ترتيب العلاقات بين أهل منطقة الخليج، فضلاً عن محاولة لعب دور الوساطة بين طهران وواشنطن.

بالتزامن، وجّه الأميركيون سلسلة رسائل إيجابية إلى الإيرانيين وأبرزها التوقف عن دعم حرب اليمن وتجميد صفقات أسلحة إلى السعودية والإمارات، وبالتزامن أيضاً صعّد الحوثيون هجماتهم على المملكة العربية السعودية بشكل غير مسبوق، كما في الميدان اليمني.. وصولاً إلى تعديل موازين القوى في مأرب.

وغداة زيارة الوزير القطري إلى طهران، تعرضت قاعدة عسكرية أميركية في أربيل بكردستان العراق إلى قصف صاروخي “دقيق”، أدى إلى مقتل أحد المتعاقدين المدنيين وجرح ستة آخرين، بينهم أحد الأميركيين.

هذه التطورات كانت تتسارع على وقع تصريحات أميركية وإيرانية يرفع فيها كل طرف سقف مطالبه النووية. وضعت كل من طهران وواشنطن شروطهما العلنية على الطاولة، لكن القنوات غير المباشرة كانت مفتوحة منذ اليوم الأول لوصول بايدن إلى البيت الأبيض.

ومنذ الخامس من كانون الثاني/ يناير، تحديداً غداة “قمة العلا” الخليجية، دخلت العلاقات السعودية ـ القطرية في مسار جديد حيث أبدت قطر إستعدادها للتوسط بين الرياض وطهران، وهي مبادرة سرعان ما رحبت بها إيران بلسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، في حين إعتبر فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي أن الحوار مع طهران غير ذي جدوى وأبقى الباب مفتوحًا على مد اليد للسلام.

تتمتع قطر بعلاقات دافئة مع طهران وعلاقتها بالحوثيين قوية إلى درجة أنها إتهمت من ٢٠١٥ إلى ٢٠١٩ بمناوئة التحالف العربي هناك.. ومؤخراً صعّدت قطر نبرة إدانتها للهجمات الصاروخية المباشرة أو بالطائرات المسيرة ضد السعودية.

تسعى قطر إلى إستعادة دور الوسيط في أكثر من قضية إقليمية، بالتعاون مع الولايات المتحدة، وهي أدركت صعوبة تجاوز السعودية، الأمر الذي دفعها، وفور تولي ادارة بايدن مقاليد البيت الأبيض، إلى السعي لإقفال ملف أول في المنطقة هو “ملف وقف حرب اليمن”، فإذا نجح القطريون في هذه الوساطة، يستطيعون التصدي لدور إقليمي أكبر في محاولة رأب الصدع أو التفاهم الأكبر مع إيران حول الأمن الإقليمي في المنطقة.

تبقى الإشارة إلى أن الوساطة مرتبطة حكمًا بالرغبة السعودية والتي تشي بعدم قبول الجلوس المباشر مع طهران إلى الآن حيث تستطيع قطر القيام بذلك الدور إذا ما سمحت بذلك القيادة السعودية التي ما زالت تتعامل بحذر مع الإدارة الأميركية، لا سيما وأن بايدن لم يهاتف حتى اليوم الملك سلمان أو نجله ولي العهد محمد بن سلمان. وكان لافتاً في الساعات الأخيرة، ما سربته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، من أن إدارة بايدن قررت نشر تقرير الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) حول دور ولي العهد السعودي بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل سفارة بلاده في تركيا في العام 2018، وهذا الأمر من شأنه جعل قدرة الرياض على التفاوض في الملف اليمني أضعف من أي وقت مضى، وهو الأمر الذي يدركه الحوثيون، لذلك، يحاولون في الآونة تعديل موازين القوى بشكل جذري.

أما الملف النووي الإيراني بحد ذاته، فهو اكبر بما لا يقاس من قدرة قطر او اية دولة في المنطقة على التصدي له، اذ ان اللاعبين الكبار في العالم هم من يتولون التفاوض، ولعل لقاء الخميس ١٨ شباط/ فبراير في باريس لوزراء خارجية بريطانيا وفرنسا والمانيا حيث إنضم اليهم أنتوني بلينكن وزير خارجية الولايات المتحدة عبر الفيديو خير دليل على ذلك. إذ رحبت تلك الدول بعزم الرئيس الأميركي العودة إلى الطرق الديبلوماسية مع طهران، وأكدت هدفها المشترك في عودة إيران للإمتثال التام للإلتزامات الواردة في الإتفاق المعروف بإسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”.

إقرأ على موقع 180  أوهام استعمال الورقة السورية لبنانياً.. و"السيادة المقلوبة"!

لقاء الخميس الماضي يفتح الطريق أمام بايدن لمخاطبة إيران عبر بوابة مؤتمر ميونيخ للأمن الذي يعقد بحضوره وحضور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حيث يتحدث كل منهم عبر تطبيق “زوم” لمدة ربع ساعة. هذه المشاركة تشي “بتوجه أميركي – أوروبي لتوحيد العمل والمشاركة في القضايا العالمية مثل المناخ والوباء والإرهاب”، على حد قول أمين عام المؤتمر فولفاغنغ ايشينغر، وستكون المرة الأولى منذ تأسيس هذا المؤتمر في العام ١٩٦٣ التي يتحدث فيه رئيس أميركي حالي.

وعلى وقع مؤتمر ميونيخ، نقلت “رويترز” فجر اليوم (الجمعة) عن مصدر دبلوماسي فرنسي أن الولايات المتحدة وجهت رسائل حول استعدادها للتفاوض مع إيران خلال الاجتماع المرتقب لمجموعة “5+1″. هذا التطور في الموقف الأميركي أعقب إتصال بايدن برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، لمدة ساعة، وتبين، حسب وكالات الأنباء العالمية والصحافة الإسرائيلية، أن بايدن أطلع نتنياهو مسبقاً على قراره بإستئناف المفاوضات مع إيران والخروج من خيار “الضغوط القصوى” الذي إعتمدته إدارة ترامب طوال أكثر من سنتين.

أي تطور في الموقف الأميركي صار محكوماً بالسقف الذي رفعه من يتولى إدارة الملف التفاوضي شخصياً وهو السيد علي خامنئي: المطلوب رفع أميركي غير مشروط وفعال لكل العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب.. وبعدها لكل حادث حديث.

في الخلاصة، تبدو محاولات قطر، البلد الخليجي الصغير، نوعاً من تلمس الطريق للمساعدة في وقف حرب اليمن من دون أن تمتلك الدوحة أي تفويض حتى الآن، من أي كان، لكنه التصدي لمهمة سياسية وإنسانية يستحق شرف المحاولة، فاليمن هو مفتاح لعبة الأواني المستطرقة من مأرب إلى ميونيخ مروراً بأربيل وجنوب لبنان.

Print Friendly, PDF & Email
خلدون الشريف

كاتب سياسي لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  إسرائيل وإيران وبينهما بايدن