المصالحة الفلسطينية أولوية.. ومدخلها مؤتمر وطني تجديدي
ALGERIA - FEBRUARY 19: PLO leaders in Tebessa in Algiers, Algeria on February 19, 1983 - From the left: Yasser Arafat,George Habash, Nayef Hawatmeh and George Hawi. (Photo by Alain MINGAM/Gamma-Rapho via Getty Images)

أيهما أشد إلحاحاً وأهمية للفلسطينيين: إنتخابات قد تكرّس الشرذمة وتفتيت المُفتت أم مصالحة وطنية فلسطينية تعيد الإعتبار والوهج للقضية وتضعها في المسار الصحيح والمفترض؟

الانتخابات حق شرعي للشعب الفلسطيني، حُرم منه أكثر من خمسة عشر عاماً، وهي وسيلة مهمة للتغيير الديموقراطي، لا بل ايضا وسيلة لمقاومة الاحتلال ومخطّطاته، ولتعزيز الحقوق الوطنية إذا ما ترافقت مع إحداث تغيير حقيقي في بنية النظام السياسي الفلسطيني المهترئ كغيره من الانظمة العربية، خصوصاً وأن الشعب الفلسطيني تواقٌ لتغيير الوجوه التي تلوّثت أيديها بالفساد والمتاجرة بالقضية.

 نظرياً، من المقرر أن تجري الانتخابات التشريعية في 22 مايو/ أيار 2021 والرئاسية في 31 يوليو/ تموز، في ظل ميزانَ قوى مختلٌ بالكامل لمصلحة الإحتلال الإسرائيلي، منذ أنْ جعلت واشنطن أمنَ ربيبتها فوق أي اعتبارٍ آخر؛ وبعدما حلّ الخراب في كل الإقليم بفعل الحروب الأهليّة والفوضى والحصار، وغطى التهافت العربي على التطبيع على نهج المقاطعة ويكاد يحوّله الى خبر كان. اما الداخل الفلسطيني، فقد أنهكه وأعياه الانقسام بين سلطتين:

–  سلطة في الضفة ترفض خيارَ المقاومة، لكنها لا تمتلك أيا من موارد القوة من أجل مفاوضة عدو لا يفهم ولا يفاوض إلا بلغة القوة؛ سلطة لا تملك بديلا من التفاوض إلا التفاوض مجدّدا، وإلّا المزيد من التنسيق الأمني والمخابراتي مع المحتل، وتفتقر في الوقت نفسه إلى الشرعيّة الثوريّة (المقاومة) والشرعيّةِ التمثيليّة (التأييد الشعبي).

–  سلطة في غزة تتحدّث عن خيار المقاومة، ولكنّها تبحث في الوقت نفسه عن فرصة لمهادنة المحتل، وتتورّط في أزمات ومحاور عربية، بدلًا من إيجاد الحلول للأزمات الخانقة التي سببها الحصار الإسرائيلي للقطاع. أما فلسطينيو الداخل، وفلسطينيو الشتات، فصاروا خارج حسابات السلطتين كلتيهما.

إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في بيئة سياسية منقسمة على ذاتها قبل معالجة قضايا الخلاف الجوهرية التي كرست الانقسام، يمثل مخاطرة كبيرة، ويمكن أن يسهم في تكريس حالة التشظي القائمة حالياً

لهذا، فإن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في بيئة سياسية منقسمة على ذاتها قبل معالجة قضايا الخلاف الجوهرية التي كرست الانقسام، يمثل مخاطرة كبيرة، ويمكن أن يسهم في تكريس حالة التشظي القائمة حالياً. هنا، لا بد من مع التذكير بان اسرائيل التي لا تزال تقبض باحتلالها على كامل القدس الشرقية وعلى اعناق الضفة الغربية، ستعمد الى إفشال أي تحرك فلسطيني او اي خطوات من شأنها انهاء الانقسام الداخلي واستعادة الوحدة الفلسطينية ومنها وحدة السلطة في الضفة والقطاع. كما بوسعها أن تعطل مسار الانتخابات الفلسطينية عبر منع تنظيمها في القدس ومحيطها، من خلال اعتقال المرشحين والفاعلين في الحملات الانتخابية.

كما ان تنظيم انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، بعد إنجاز الإنتخابات التشريعية والرئاسية، يشكل ضرورة لاعادة انعاش منظمة التحرير، ويتطلب تعاون حكومات الدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين، والتي لا تسمح ظروف بعضها بإجراء مثل هذه الانتخابات إلى عضوية المجلس الوطني المفترض إكتمالها في 31 آب/ أغسطس 2021.

وحتى لو إستثنينا المؤثرات الخارجية والاسرائيلية، فان الانتخابات في حال حصولها ستفضي الى ثلاثة احتمالات، كل واحد منها يؤدي الى سيناريوهات قد تجر الى خيبات جديدة:

الاول، فوز حركة “فتح” وحلفاءها من المستقلين بالغالبية المطلقة، وهذا من شأنه ان يقود الى حكومة اكثرية بقيادة “فتحاوية” سيكون شعارها “سلطة واحدة؛ سلاح واحد”؛ الامر الذي من شأنه زيادة تعقيدات الساحة الفلسطينية وإستدراج المزيد من الضغوط الاسرائيلية على الحكومة المقبلة وفرض المزيد من التنسيق الأمني معها.

الثاني، فوز “حماس” وهذا ما يعيد الامور الى ما كانت عليه بعد انتخابات 2006، وسيُجابه برفض الاجهزة الامنية الخاضعة لـ”فتح” في الضفة الغربية لأية حكومة “حمساوية” جديدة وبالتالي منعها من ممارسة صلاحياتها. ومن المرجح أن تلجأ إسرائيل إلى اعتقال نواب ووزراء “حماس”، كما فعلت في أعقاب انتخابات العام 2006. كما ستُجابه هكذا سلطة بعقوبات من الاتحاد الاوروبي واميركا اللذين يصنفان “حماس” تنظيما ارهابيا. كذلك ستفعل بعض العواصم العربية التي تتخذ موقفا حادا من حركات الاسلام السياسي.

الثالث، بقاء الامور على حالها، اي احتفاظ “فتح” بسيطرتها على الضفة و”حماس” على القطاع. وهذا ما يثبت واقع التشتت والانقسام، من دون إستبعاد إحتمال وقوع إنشقاقات داخل البيتين “الفتحاوي” و”الحمساوي” بفعل التنافس الداخلي بين القيادات الوسطية والعليا، علما ان الانتخابات قد تحمل لاعبا قديما ـ جديدا الى الواجهة، وهو محمد دحلان المدعوم بقوة ماليا وسياسيا من الامارات، والذي قد يكرس بعد الاستحقاق الانتخابي “بيضة قبان” في تركيبة اية حكومة جديدة او كبديل رئاسي محتمل للسلطة الحالية.

الاكثر الحاحا من اجراء الانتخابات ومواجهة التحديات الكبيرة التي تعصف بفلسطين واهلها، هو إنجاز المصالحة الوطنية واعادة ترميم البيت الداخلي الفلسطيني وترتيبه

وفي حال تجاوز الفصائل العوائق الكثيرة وتمكنها من اجراء الانتخابات في موعدها، فإن فرص نتائجها في أن تسهم في إنهاء الانقسام الداخلي واعادة الاعتبار للقضية محدودة جدا. لذا فان الاكثر الحاحا من اجراء الانتخابات ومواجهة التحديات الكبيرة التي تعصف بفلسطين واهلها، هو إنجاز المصالحة الوطنية واعادة ترميم البيت الداخلي الفلسطيني وترتيبه.

إقرأ على موقع 180  مأزق تشكيل حكومة.. أم إعادة تشكيل "الطائف"؟

هذه الخطوة التي باتت ضرورة ومطلبا ملحا ليس فقط للفلسطينيين بل لشعوب المنطقة المعنية بالقضية الفلسطينية والصراع مع الاحتلال، إنما تتطلّب إجراءاتٍ، أهمُّها عقدُ مؤتمر وطنيّ جديد وتجديدي في الخارج، تشارك فيه جميع الفصائل من دون استثناء، وأبرز الشخصيّات الفلسطينيّة المستقلّة في الداخل والخارج. ومن خلال هذا المؤتمر تتخذ قرارات تاريخيّة تتمثّل في الآتي:

– إعلان انتهاء مرحلة أوسلو، ووقف التعامل مع جميع الاتفاقيّات والالتزامات الأمنيّة والاقتصاديّة وفي مقدمها التنسيق الأمني و”بروتوكول باريس الاقتصاديّ”، وسحب الاعتراف بإسرائيل.

– اعلان دولة فلسطينية تحت الإحتلال، وعاصمتها القدس، وتوسيع الحملة العالمية لكسب المزيد من الاعترافات الدوليّة بهذه الدولة وتحميل الإحتلال تبعات إحتلاله، وبالتالي إعتماد خيار المواجهة مع الإحتلال بكل الوسائل المتاحة.

– انتخاب لجنة قيادية عامّةٍ جديدة، ومجلسٍ مركزي جديد، ومجلسٍ وطني جديد يكون برلمان الدولة، على أنْ يكون لعنصري الشباب والنساء وجود فاعل فيها جميعها.

 – محاسبةُ المسؤولين السابقين عمّا آلت إليه أوضاع الفلسطينيين في الداخل والخارج، ولا سيّما المتورطين في الفساد والعمالة، من خلال محاكمات عادلة وشفّافة يتولاها قضاء ثوري يحظى بالصدقيّة والاحترام والخلفيّة القانونيّة والعلميّة المشهودِ لها.

 – اعتماد آليّات جديدةٍ لتوفير الموارد المالية الخاصة لضمان استقلاليّة القرار، عبر إنشاء مؤسّساتٍ اقتصاديّة فعالة في الداخل والخارج، واستنادًا إلى القدرات الهائلة للشعب الفلسطيني.

–  تطوير المقاومة المدنيّة والمقاومة العسكريّة للاحتلال على أسس جديدةٍ تعتمد وسائل الجيل الخامس من الحروب والتقنيّات العلميّة الحديثة المتوافرة في الأسواق بأسعارٍ زهيدة (الدرونات، البالونات الحراريّة إلخ..).

 –  توسيعُ دائرة العلاقات الخارجيّة على قاعدة الحفاظِ على استقلاليّة القرار الوطنيّ وعدمِ الدخول في المحاور الإقليميّة والصراعاتِ الداخليّة للدول.

– تقديم طلب إلى الجمعيّة العموميّة للأمم المتّحدة بتعديل وضع إسرائيل من عضوٍ دائم إلى عضوٍ مراقب، إلى حين تنفيذ القرارين 181 و194 المتعلّقيْن بعودة جميع اللاجئين وتعويضهم والسعي إلى توفير الحماية للوكالة الدوليّة لغوث اللاجئين وتشغيلهم (الأونروا) في مواجهة محاولات إفلاسها وتصفيتها.

– تحريك ملف مقاضاة قادة الكيان امام المحكمة الجنائية الدولية وتفعيل لجان مقاطعة إسرائيل ولجان التضامن في العالم.

معركة استعادة فلسطين، ليست مستحيلةً إذا تضافرت كلّ الجهود والإمكانات في سبيلها. إنها معركةُ إرادةٍ وعزم وطاقاتٍ لا تزال متوافرة بقوّة لدى الفلسطينيين وأنصار القضية على امتداد المعمورة (وهم كثر  جدًّا في العالم). إنّها المعركة الأخيرة ضدّ الاستعمار المباشر في العالم، وإنّ الانتصارَ فيها هو انتصارٌ للإنسانيّة جمعاء.

Print Friendly, PDF & Email
أمين قمورية

صحافي وكاتب لبناني

Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  حربُ المئة عام قادمة.. بين مَنْ ومَنْ؟