سميح صعب21/03/2021
من حوار ألاسكا القطبي مع الصين، إلى استهلال عهد الديبلوماسية الأميركية "العائدة" بزيارة وزيري الخارجية أنطوني بلينكن والدفاع لويد أوستن للحليفين الاستراتيجيين، اليابان وكوريا الجنوبية، وزيارة عاجلة لأوستن للهند، إلى وصف الرئيس الأميركي جو بايدن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ"القاتل"، كلها كانت معالم على الطريق الذي ستسلكه السياسة الخارجية الأميركية في السنوات الأربع المقبلة.
منذ دخوله البيت الأبيض، يكرّر جو بايدن أنه سينهج نهجاً مختلفاً عن سلفه دونالد ترامب حيال روسيا والصين، وأنه سيوازن بين القيم والمصالح عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية. وعليه، رفع رئيس الولايات المتحدة النبرة عند الحديث عن هذين البلدين اللذين جعلت “وثيقة الدليل الاستراتيجي الموقت للأمن القومي” الصادرة حديثاً عن البيت الأبيض، من مواجهتهما، أولوية الأولويات للولايات المتحدة في المستقبل.
حتى أن بلينكن رفع مستوى التحدي مع الصين إلى “أكبر اختبار استراتيجي تواجهه أميركا في القرن الحادي والعشرين”، معيداً إلى الأذهان التحدي الاستراتيجي الذي شكّله الاتحاد السوفياتي السابق للولايات المتحدة في القرن العشرين.
حتى أن بلينكن رفع مستوى التحدي مع الصين إلى “أكبر اختبار استراتيجي تواجهه أميركا في القرن الحادي والعشرين”، معيداً إلى الأذهان التحدي الاستراتيجي الذي شكّله الاتحاد السوفياتي السابق للولايات المتحدة في القرن العشرين.
الصين “تهديد متصاعد”
في الواقع، لم تكن إدارة بايدن هي من رأى في الصين “تهديداً متصاعداً”، وفق تعبير لويد أوستن. كان الرئيس الديموقراطي سابقاً جيمي كارتر من أوائل الرؤساء الأميركيين الذين دعوا إلى الأخذ في الإعتبار مسألة حقوق الإنسان في الصين عند رسم السياسة الخارجية الأميركية، وكان الانفتاح مع بكين وقتذاك لا يزال حديث العهد. وكان الرئيس الديموقراطي الآخر باراك أوباما، هو أول من دعا إلى تركيز الحشد العسكري والسياسي الأميركي في آسيا، بسبب الصعود الصاروخي للصين إقتصادياً وعسكرياً. وذهب الرئيس الجمهوري الأخير دونالد ترامب إلى حد إثارة حربٍ تجاريةٍ مع بكين وإتهام أسلافه بممالأة الصين وغض النظر عن رجحان الميزان التجاري لمصلحتها على مدى عقود. كما عمد ترامب إلى زيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية، مما أثار إجراءات مضادة وتسبب بحرب تجارية بين أقوى إقتصادين في العالم. ثم بدأ ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو يستعيران مفردات من عصر الحرب الباردة، ويتحدثان عن الحزب الشيوعي الصيني، مثيرين وتراً إيديولوجياً بلغ ذروته مع وصفهما لمرض كوفيد-19 بـ”الفيروس الصيني”، نظراً لظهوره الأول في مدينة ووهان الصينية، وحمّلا بكين مسؤولية تفشي الوباء في العالم، بعدما اتهماها بإخفاء معلومات عن قوة الفيروس.
في الواقع، لم تكن إدارة بايدن هي من رأى في الصين “تهديداً متصاعداً”، وفق تعبير لويد أوستن. كان الرئيس الديموقراطي سابقاً جيمي كارتر من أوائل الرؤساء الأميركيين الذين دعوا إلى الأخذ في الإعتبار مسألة حقوق الإنسان في الصين عند رسم السياسة الخارجية الأميركية، وكان الانفتاح مع بكين وقتذاك لا يزال حديث العهد. وكان الرئيس الديموقراطي الآخر باراك أوباما، هو أول من دعا إلى تركيز الحشد العسكري والسياسي الأميركي في آسيا، بسبب الصعود الصاروخي للصين إقتصادياً وعسكرياً. وذهب الرئيس الجمهوري الأخير دونالد ترامب إلى حد إثارة حربٍ تجاريةٍ مع بكين وإتهام أسلافه بممالأة الصين وغض النظر عن رجحان الميزان التجاري لمصلحتها على مدى عقود. كما عمد ترامب إلى زيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية، مما أثار إجراءات مضادة وتسبب بحرب تجارية بين أقوى إقتصادين في العالم. ثم بدأ ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو يستعيران مفردات من عصر الحرب الباردة، ويتحدثان عن الحزب الشيوعي الصيني، مثيرين وتراً إيديولوجياً بلغ ذروته مع وصفهما لمرض كوفيد-19 بـ”الفيروس الصيني”، نظراً لظهوره الأول في مدينة ووهان الصينية، وحمّلا بكين مسؤولية تفشي الوباء في العالم، بعدما اتهماها بإخفاء معلومات عن قوة الفيروس.
رفع بلينكن مستوى التحدي مع الصين إلى “أكبر اختبار استراتيجي تواجهه أميركا في القرن الحادي والعشرين”، معيداً إلى الأذهان التحدي الإستراتيجي الذي شكّله الاتحاد السوفياتي السابق للولايات المتحدة في القرن العشرين
بايدن، يكمل ما بدأه ترامب حيال الصين، ويعيد نفض الغبار عن أحلافٍ قديمة كتلك المعروفة بمجموعة “كواد” التي تجمع بين أميركا واليابان وأوستراليا والهند. وعلاوة عن سرد المخاوف من صعود بكين، انتهت القمة بالتعهد بالتبرع بمليار جرعة لقاح لدول آسيا كـ”قوة ناعمة” لمواجهة اللقاحات الصينية. ويخصص بلينكن وأوستن زيارتهما الخارجية الاولى لطوكيو وسيول، في خطوة غير خافية دلالاتها بالنسبة إلى الصين.
التوتر الأميركي – الصيني الموروث من عهد ترامب، حال دون انعقاد أولى جلسات الحوار بين الجانبين في واشنطن أو في بكين، فوقع الاختيار على مدينة أنكوراج المطلة على المحيط الهادىء بولاية ألاسكا كحلٍ وسط. لكن المناخ القطبي عكس نفسه على المباحثات بين بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان من الجانب الأميركي والمسؤول الديبلوماسي الأول في الحزب الشيوعي الصيني يانغ جيتشي ووزير الخارجية الصيني وانغ يي.
ما ساقه بلينكن من أحداث تبرر “المخاوف العميقة” للولايات المتحدة، من تايوان إلى هونغ كونغ والإيغور و”عسكرة” بحر الصين الجنوبي، و”الإكراه الاقتصادي”، الذي يمارس على حلفاء اميركا، رأى فيه جيتشي محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية للصين، وأن بلاده سترد بحزم على أي إجراءات أميركية ضدها. وقال إن المطلوب التخلي عن عقلية الحرب الباردة.
التوتر الأميركي – الصيني الموروث من عهد ترامب، حال دون انعقاد أولى جلسات الحوار بين الجانبين في واشنطن أو في بكين، فوقع الاختيار على مدينة أنكوراج المطلة على المحيط الهادىء بولاية ألاسكا كحلٍ وسط. لكن المناخ القطبي عكس نفسه على المباحثات بين بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان من الجانب الأميركي والمسؤول الديبلوماسي الأول في الحزب الشيوعي الصيني يانغ جيتشي ووزير الخارجية الصيني وانغ يي.
ما ساقه بلينكن من أحداث تبرر “المخاوف العميقة” للولايات المتحدة، من تايوان إلى هونغ كونغ والإيغور و”عسكرة” بحر الصين الجنوبي، و”الإكراه الاقتصادي”، الذي يمارس على حلفاء اميركا، رأى فيه جيتشي محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية للصين، وأن بلاده سترد بحزم على أي إجراءات أميركية ضدها. وقال إن المطلوب التخلي عن عقلية الحرب الباردة.
الجبهة الروسية
أما بالنسبة للجبهة الروسية، فإن بايدن زاد من تعميق الهوة في العلاقات مع موسكو، بمجازفته بإطلاق وصف “القاتل” على فلاديمير بوتين في سابقة لم تحصل حتى في ذروة الصراع الأميركي – السوفياتي إبان الحرب الباردة. بايدن قال عن بوتين إنه بلا قلب وتوعده بـ”دفع الثمن” قريباً.
السبب المباشر الذي جعل بايدن يشن هجومه الحاد على بوتين، كان التقرير الذي وزعه مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الاميركي، وجاء فيه تقويم يتحدث عن تدخل الاستخبارات الروسية بإيعاز من الرئيس الروسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لمصلحة ترامب، ويتهمها بمحاولة إضعاف الثقة بالنظام الانتخابي الأميركي. وسارعت موسكو إلى استدعاء سفيرها من واشنطن اناطولي أنطونوف، بينما ذكّر بوتين بماضي الولايات المتحدة مع الهنود الحمر وبالقاء قنبلتين ذريتين على اليابان، ومع ذلك، فإنه دعا بايدن إلى مقابلة مباشرة معه على الهواء.
بقاء أميركا متربعة على عرش الأحادية في العالم، يقتضي تفعيل المواجهة مع الصين وروسيا، مهما كانت المخاطر الناجمة عن هذه المواجهة
أرخى كلام بايدن بثقله على علاقات متوترة أصلاً منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، والتدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015، وصولاً إلى اتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية عام 2016، التي فاز فيها ترامب على المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون.
وزادت العلاقات سوءاً، بعد إتهام لندن للكرملين بتسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال في بريطانيا بغاز الأعصاب عام 2018، وما تلاه من طرد أميركا لـ60 ديبلوماسياً روسياً. وتلقت العلاقات الاميركية – الروسية ضربة أخرى، عقب حادثة تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني بغاز نوفتشوك في آب/ أغسطس الماضي ومن ثم اعتقاله في كانون الثاني/ يناير الماضي. وفرضت إدارة بايدن أولى عقوباتها على روسيا بسبب قضية نافالني.
المسألة مع روسيا لا تنتهي عند هذا الحد، إذ تحدثت وثيقة سُرّبت إلى صحيفة “نيويورك تايمز” عن استعداد واشنطن لشن هجوم سيبراني على مواقع أجهزة الاستخبارات الروسية، رداً على ما تتهم به أجهزة الاستخبارات الاميركية، موسكو من اختراق حصل العام الماضي لشركة “سولارويندز” الأميركية، التي لديها آلاف الزبائن ومن بينهم البنتاغون. لكن ماذا سيحدث إذا قررت روسيا الرد على الرد الأميركي وخرجت الأمور عن السيطرة، تتساءل صحيفة “التايمز” البريطانية.
هكذا تمضي العلاقات الاميركية – الروسية بخطى متسارعة نحو مواجهة يرى مدير مركز كارنيغي في موسكو ديميتري ترينين في حديث لوكالة “أسوشيتدبرس” الأميركية، من أنه يجب استدراك مضاعفاتها كي لا تتسبب بصدام عسكري بين الجانبين.
وفي خضم التوتر الأميركي – الروسي، يجب التوقف عن قرار بريطانيا المفاجىء بزيادة عدد الرؤوس النووية في ترسانتها من 180 إلى 260 رأساً لمواجهة ما سمته “التهديد النشط” من روسيا و”التحدي المنهجي” من الصين.
وبذلك، تكون الساحة الدولية قد باتت أكثر جاهزية للعودة إلى مناخات الحرب الباردة، التي ستفرض سياقاتها على بؤر التوتر الأخرى في العالم، من كوريا الشمالية التي إشتمّت “رائحة البارود” من الجولة الآسيوية لبلينكن وأوستن، إلى إيران والتعقيدات التي تعترض إحياء الاتفاق النووي، إلى سوريا والعراق واليمن وأفغانستان.
إن بقاء أميركا متربعة على عرش الأحادية في العالم، يقتضي تفعيل المواجهة مع الصين وروسيا، مهما كانت المخاطر الناجمة عن هذه المواجهة.