إن هذا الطرح الذي يتم تقديمه تحت عنوان “وحدة المعايير” يبدو ظاهرياً طرحاً بريئاً ومقنعاً، إلا أنه يخالف قاعدة المعيارية ويخالف المنطق والدستور. لماذا؟
- إن وحدة المعيار إنما تكون واجبة التطبيق في أوضاع متطابقة وتكون النتائج المتأتية عن تطبيق هذا المعيار واحدة. فإذا طبقنا هذا المعيار في تشكيل الحكومة من 18 وزيراً لا نجد الأرضية مؤاتية لتطبيق وحدة المعايير، والسبب أن قاعدة الانطلاق ليست واحدة، إذ لا يمكن تطبيق معيار واحد بين الأعداد 1 و2 و9 فما يطبّق على فريق عدد مرشحيه 1 و2 لا يمكن تطبيقه على فريق عدد مرشحيه 9. ومن ناحية ثانية، فإن من سمىّ المرشحين الثلاثة هم ثلاثة أحزاب كل حزبّ سمى مرشحاً واحداً، بينما هناك من يطالب أن يُحصر برئيس الجمهورية حق تسمية كافة المرشحين المسيحيين للوزارة أو معظمهم. لذا، تبدو المعيارية غير قابلة للتطبيق لانعدام وحدة الشروط والأوضاع المتشابهة.
- إن وحدة المعايير لا تكون أيضاً بين رئيس جمهورية وأحزاب، لاختلاف موقع كلٍ منهما، ويمكن افتراض قبول هذا المعيار في ما بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، فإذا كانت روح الدستور تجيز لرئيس الحكومة منفرداً تسمية كافة المرشحين المسلمين يمكن عندها القول بوجوب أن يسمي رئيس الجمهورية كافة المرشحين المسيحيين، طبعاً مع تأكيدنا على أن هذا الطرح لا أصل دستورياً له ولكن نطرحه من باب بيان مخالفة هذا الطرح للمنطق.
- إن النتائج المترتبة عن اعتماد هذه القاعدة في توزيع المقاعد الوزارية تؤدي إلى تفتيت مؤسسة مجلس الوزراء بحيث يصبح رئيس الحكومة رئيساً لأقلية الوزراء ولا سلطة له على الآخرين ويفقد موقعيته كرئيس لمؤسسة مجلس الوزراء ويصبح مجرّد تابع للفريق الممسك بالكتلة الأكبر في مجلس الوزراء.
ما هو مبرر هذه الاستشارات إذا كان رئيس الجمهورية يملك منفرداً تسمية نصف التشكيلة الوزارية ويمكنه رفض الإرادة النيابية المكرّسة في النص الدستوري، بحيث يحوّل العلاقة الثلاثية الأطراف في تشكيل الحكومة إلى علاقة ثنائية تكون الغلبة فيها لرئيس الجمهورية
- إن طرح وحدة المعايير يخالف الدستور من عدّة أوجه، فهو يناقض مبدأ لا فرز للشعب على أساس أي انتماء المنصوص عنه في مقدمة الدستور، وهذا النص الذي شكّل المانع دون اعتماد قانون اللقاء الأرثوذكسي الذي بمقتضاه يتم انتخاب كل نائب من أبناء طائفته ومذهبه، فكيف يمكن المجاهرة بأن يختار رئيس الجمهورية المسيحي حصراً الوزراء المسيحيين؟ هذا يؤدي إلى تعزيز الطائفية ويخالف مبدأ عدم جواز فرز الشعب على أساس أي انتماءٍ كان.
- في ظلّ تشكيل مجلس الوزراء مناصفة بين المسلمين والمسيحيين فإن منح رئيس الجمهورية سلطة اختيار الوزراء المسيحيين من شأنه أن يعزز قبضة رئيس الجمهورية على مجلس الوزراء ويحوّل هذا المجلس من مؤسسة دستورية مستقلة إلى مؤسسة تابعة لرئاسة الجمهورية ويخرق مبدأ فصل السلطات المكرّس في الدستور، وكلنا نعرف أن من يُحاسب أمام مجلس النواب هو رئيس الحكومة والوزراء بينما لا يخضع رئيس الجمهورية للمحاسبة إذا فشل وزير أو ثمانية وزراء في أداء مهامهم من بين الذين أسماهم لتولي المسؤولية الوزارية.
- تفرض المادة 64 من الدستور على الرئيس المكلف تشكيل الحكومة إجراء الاستشارات النيابية وهذه الاستشارات ليست مطلوبة من واقعٍ طائفي لأن النائب بحسب الدستور يمثّل الأمة جمعاء، ثمّ ما هو مبرر هذه الاستشارات إذا كان رئيس الجمهورية يملك منفرداً تسمية نصف التشكيلة الوزارية ويمكنه رفض الإرادة النيابية المكرّسة في النص الدستوري، بحيث يحوّل العلاقة الثلاثية الأطراف في تشكيل الحكومة إلى علاقة ثنائية تكون الغلبة فيها لرئيس الجمهورية، ثم إذا كان هذا هو الحال، لماذا لا يُجري رئيس الجمهورية إستشارات نيابية غير ملزمة مع الكتل والنواب، كما يفعل رئيس الحكومة المكلف لتحديد ماهية الحكومة المطلوبة؟
إن هذه الاعتبارات تدفع للقول إن “وحدة المعايير” بالشكل المطروح تؤدي إلى تعزيز الروح الطائفية وشرذمة مؤسسة مجلس الوزراء، وتتطيح بالاعتبارات التي تطرحها الكتل النيابية خلال الاستشارات النيابية وتعزز قبضة رئاسة الجمهورية على السلطة التنفيذية وتنسف مبدأ فصل السلطات ومبدأ المساءلة والمحاسبة، ولذلك كان الرد الحاسم لمجلس النواب تاريخ 22/5/2021 في ردّه على رسالة رئيس الجمهورية حول تشكيل الحكومة، مانحاً الأولوية في التشكيل للرئيس المكلف حيث جاء في التوصية الصادرة عنه “ضرورة المضي قدماً وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف للوصول سريعاً إلى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”.