حماس ما بعد “سيف القدس”.. مصالحات ومهادنة وإنفتاح

كأنها لعبة توزيع أدوار. يُطل قياديو حماس عبر هذه الشاشة وتلك. يتواصلون مع هذه العاصمة وتلك. المتناقضون في مساحة الإقليم العربي والإسلامي أصبحوا أكثر تفهماً لبنية حركة فلسطينية تتبنى مشروعاً يحتمل سلطة ومقاومة في آن معاً!

ليست مصادفة ظهور رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل على قناة “العربية ـ الحدث” الممولة سعودياً، لمدة ست وعشرين دقيقة. يمتلك الرجل قدرة على إعادة صياغة العلاقات وتكوين الصداقات، وعليه فإن مشعل ومنذ عودته للواجهة السياسية مؤخراً يعمل لإعادة تطبيع علاقات الحركة مع دول عديدة كانت أصيبت بـ”نقزة” منذ تولي تيار يحيى السنوار  ـ إسماعيل هنية قيادة حماس منذ مطلع العام 2017.

يستخدم مشعل الخطاب الإعلامي في مخاطبة الشريحة العربية التي غابت عنها الحركة منذ خطاب إسماعيل هنية الشهير “قاسم سليماني شهيد القدس”، فيما تؤكد أوساط حمساوية أن مسؤولين في بعض الدول العربية أبلغوا الحركة أنهم يفضلون التواصل مع مشعل شخصياً من زاوية حرص وقدرة الأخير على تبديد هواجسهم.

حماس وامتحانات الداخل

تعتبر حركة حماس نفسها أهم تيار فلسطيني يؤرق الخصوم والأصدقاء في آن معاً، فحماس الجيل الأول والمراحل الأولى ليست حماس اليوم، ولا سيما بعد معركة “سيف القدس” مع إسرائيل “المحرجة والمهزومة والمأزومة”، وفق أوساط في حماس، وهي المعركة التي أعادت “إخوان فلسطين” إلى الواجهة مجدداً كلاعب مهم في مسرح الأحداث الفلسطينية والإقليمية.

ومثلها مثل معظم الحركات الإسلامية الإخوانية، تسعى حماس إلى عدم تظهير خلافاتها أو اختلافها الداخلية إلى العلن، لكن البعض من كوادر الحركة ووجوهها الشبابية يعتبر أن حركة بحجم حماس تملك كل تلك هذه المقدرات وكل هذا الحضور، من الطبيعي أن تنشأ فيها تيارات واختلافات عميقة، نظرية وعملية، بدليل محاولة مشعل مؤخراً التقليل من ضخامة الدعم الإيراني للحركة فيما عمد هنية والسنوار إلى إبرازه بوصفه عنصراً حاسماً في المعركة.

في اللعبة التنظيمية، يمثل يحيى السنوار تياراً واسعاً في الحركة ليس فقط منذ خروجه من الأسر، لا بل في يوميات حماس منذ وجوده في سجون إسرائيل. الرجل الجديد في السياسة والقديم في لعبة الأمن، يحاول الإمساك بمعظم خيوط حماس وأجهزتها ومؤسساتها المباشرة والرديفة، مستنداً إلى حضور وكاريزما وجهاز أمني فاعل، ووفقاً للمطلعين، فإن طموح السنوار يتعدى الساحة الفلسطينية نحو الإمساك بقرارات الإخوان في لبنان والأردن والعراق (فشلت محاولة إخراج إخوان سوريا من ساحة المعارضة السورية) عبر تغلغل حماس في العديد من الحركات الإخوانية المشرقية، فيما يكتفي إسماعيل هنية بإدارة الحركة وصياغة توازنات القوى بين أجنحتها الداخلية.

تفيد المعلومات أن هنية حاول خلال زيارته الأخيرة، إلى بيروت، منذ حوالي الأسبوعين، ترتيب لقاء ثانٍ بين حزب الله والجماعة الإسلامية، في محاولة حمساوية متجددة لإيجاد قواسم مشتركة بينهما سواء تحت عنوان مقاومة المشروع الإسرائيلي أو بعنوان سحب فتيل الفتنة السنية – الشيعية

السنوار وهنية.. إيران والإخوان

في موازاة سعي السنوار إلى توثيق التحالف الإستراتيجي مع حلفاء إيران والتنظيمات الإخوانية في دول الصراع مع إسرائيل، أطلق رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية مبادرة “لم شمل” بين حزب الله والجماعة الإسلامية في لبنان، فقد اصطحب هنية معه في زيارته في صيف العام 2020 إلى بيروت الأمين العام للجماعة الإسلامية عزام الأيوبي إلى اللقاء الذي جمعه بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

وتفيد المعلومات أن هنية حاول خلال زيارته الأخيرة، إلى بيروت، منذ حوالي الأسبوعين، ترتيب لقاء ثانٍ بين حزب الله والجماعة الإسلامية، في محاولة حمساوية متجددة لإيجاد قواسم مشتركة بينهما سواء تحت عنوان مقاومة المشروع الإسرائيلي أو بعنوان سحب فتيل الفتنة السنية – الشيعية وبالتالي إيجاد مساحة مشتركة بين الجانبين في المشهد اللبناني.

ويركز السنوار في كل المناسبات على استراتيجية العلاقة مع الإيرانيين الذين يمدون الحركة بالسلاح ويحاولون إيصالها بكل السبل المتاحة إلى قطاع غزة المحاصر، ولا يمانع في إعادة وصل ما انقطع مع الدولة السورية، ويبرر الرجل كلامه بالقول إن سوريا احتضنت حماس عندما ضيّقت عليها معظم الدول العربية والإسلامية، حتى أن الحركة كانت صاحبة كلمة على الأرض السورية.

ويعتقد السنوار أن حماس في عهد خالد مشعل بالغت في دعمها لـ”الربيع العربي” ورهانها وتعويلها عليه، فكادت أن تخسر حلفاء وأصدقاء وتحديداً حزب الله والإيرانيين ومن خلفهم القيادة السورية، “لذا ثمة أولوية في تثبيت العلاقة مع الحلفاء المضمونين”.

بالمقابل، فإن السنوار الذي يجمع في شخصيته البراغماتية والتصلب في آن واحد، ذهب بعيداً في إجراء مصالحة مع زميل زنزانته السابق القيادي الفلسطيني محمد دحلان (أبو فادي) الذي يمثل التيار الإصلاحي المنشق عن حركة فتح والذي يشغل منصب مستشار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وبعيدا عن غرابة الأمر إلا أن السنوار فتح باب المغامرة مع فصيل دحلان، الأمر الذي تسبب بأزمة مع القطريين والأتراك الذين يعتبرون الدحلان خصماً شرساً، وهذا التواصل تُرجم مؤخراً إعلامياً دعماً لشخصية السنوار وإبرازاً لها في وسائل إعلامية محسوبة على دولة الإمارات.

مشعل، وخلال حرب غزة الأخيرة، تواصل مع رئيس المخابرات الأردنية أحمد حسني ومع مسؤولين عرب آخرين في كل من الكويت والجزائر والمغرب وسلطنة عمان، لكن الأهم هو فتح باب التواصل بين مشعل ومسؤولين سعوديين عبر وساطة دولة صديقة

مشعل.. والسعودية

إقرأ على موقع 180  أمين عام حزب المصارف القوي!

يمثل خالد مشعل تيار الحرس القديم في حماس، والذي يعرف “من أين تؤكل الكتف”، وفقاً لبعض معاصريه. يتفهم الرجل الحساسية العربية من أي محاولات للتقارب مع الإيرانيين وحلفائهم ولا سيما حزب الله، لذا يحرص في السر والعلن على إيصال رسائل واضحة: لسنا في جيبة طهران ونسعى لتلقي دعم من أي شريك عربي، حتى أنه في حوارات مع أحد القادة العرب قال كلاماً واضحاً بأن من يتحسس من إيران عليه أن يستثمر في حماس!

يحرص مشعل (أبو الوليد) على مهادنة السعوديين، فهو صديق للعديد منهم بدءاً من وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل مروراً بولي العهد السابق محمد بن نايف ووالده الراحل نايف بن عبد العزيز، وبحسب ما تسرب سابقاً فإن لقاء جرى بين مشعل وبين الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز حين كان الأخير ولياً للعهد وصفته بعض المصادر الحمساوية ـ في حينه ـ بأنه كان “ممتازاً” وتمخض عنه استمرار نشاط الحركة الخيري والمالي في المملكة، والأكيد أن السعودية نفسها كانت وحتى أعوام ليست ببعيدة ساحة لجمع المال شعبياً لمصلحة حركة حماس، ويقال إن تلك التبرعات كانت توازي ميزانية طهران المخصصة لكتائب القسام، لذا فالأصل عند مشعل هو إعادة فتح أبواب المملكة العربية السعودية والإمارات وغيرهما خاصة أن ثمة تحولات كبرى في المنطقة يجب قراءتها بتأنٍ. يسري ذلك أيضاً على الأتراك والقطريين وإيجاد مساحات مع دول إسلامية أسيوية مثل ماليزيا وأندونيسيا وباكستان، وهذا الأمر يقتضي من الحركة إعتماد خطاب إعلامي لا يشكل عنصر إستفزاز لأي من هذه الدول في المنطقة وكلها يجمعها قاسم التحسس المفرط من خطاب التقرب من إيران وحزب الله.

والجدير ذكره أنه في الحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل، عاودت العديد من الدول مخاطبة الحركة والتعامل معها كأمر واقع وهذا أمر لا يمكن تجاوزه في المرحلة المقبلة، ولدى العودة إلى ميثاق حركة حماس الأخير الذي أقر في عهد خالد مشعل، فإن بند الإحتكام لحدود العام 1967 شكّل تحولاً في جوهر الفكر “الحمساوي”، لذا فإن الحرب الأخيرة فتحت لحماس ثغرة في جدار علاقاتها العربية والدولية، ووفقاً للعديد من المطلعين، فإن مشعل، وخلال حرب غزة الأخيرة، تواصل مع رئيس المخابرات الأردنية أحمد حسني ومع مسؤولين عرب آخرين في كل من الكويت والجزائر والمغرب وسلطنة عمان، لكن الأهم هو فتح باب التواصل بين مشعل ومسؤولين سعوديين عبر وساطة دولة صديقة. ووفقاً للأوساط الحمساوية نفسها، فإن مشعل كان ايجابياً بشكل كبير مع المسؤولين في المملكة وحاول تبديد هواجسهم، مطالباً إياهم بإطلاق سراح معتقلي الحركة في السعودية.

لحركة حماس طريقتها في مقاربة الأمور وهي تصر على أنها ليست في جيب أي حزب أو تنظيم أو دولة. تمارس قناعاتها. تتحرك ضمن هوامشها. أحياناً تضيق وفي أحيان أخرى تتسع. هذه مرحلة كسر الحواجز لكن وفق قواعد أساسها البنيان الفلسطيني. ما بعد حرب غزة الأخيرة ليس كما قبلها، يردد أهل حماس وهم أدرى بشعابهم.

Print Friendly, PDF & Email
صهيب جوهر

صحافي لبناني وباحث مقيم في مركز "أبعاد" للدراسات الإستراتيجية في لندن

Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  القضاء اللبناني ينتفض ضد السلطة السياسية.. ماذا بعد؟