لم تحظ القمة التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره السوري بشار الأسد في موسكو أمس (الإثنين) بالإهتمام الذي كانت تحظى به زيارات سابقة في الإعلام الروسي، وتحديداً منذ ست سنوات حتى الآن، أي تاريخ التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية، وهو التدخل الذي أدى إلى إحداث تغيير جوهري في موازين القوى لمصلحة الدولة السورية.
وكان لافتاً للإنتباه أن قرار بوتين إخضاع نفسه “إلى نظام العزل (الحجر) الذاتي الوقائي لفترة من الوقت، نظرا لتعدد الإصابات بكورونا في دائرة المحيطين به”، حسب بيان الكرملين، حظي بإهتمام الإعلام الروسي، حيث تراوحت عناوين الصحف والمواقع الاخبارية الروسية بين التساؤل عما إذا كان قرار بوتين جاء قبل لقاء نظيره السوري أم بعده وعن حالة الرئيس الروسي، الأمر الذي إضطر الكرملين إلى التوضيح أن بوتين يتمتع “بصحة مطلقة” برغم مخالطته مصابين بفيروس كورونا.
وقال بوريس دولغوف، الباحث في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، في مقابلة مع موقع “لينتا.رو” إن الزيارة المفاجئة تتصل بتفاقم الأوضاع في محافظة ادلب في سوريا، وأضاف أنه بغض النظر عن عودة الاستقرار تدريجياً إلى سوريا، تبقى هناك ثغرات أمنية تفسح المجال أمام بعض المجموعات الارهابية المسلحة من أجل زعزعة هذا الاستقرار “ففي الأونة الأخيرة، قامت هذه المجموعات بأعمال إستفزازية استهدفت الجيش السوري.. ما يدل على توتر الأوضاع في ادلب”.
ورأى خبراء سياسيون آخرون في موسكو أن الزيارة تندرج في إطار البحث عن حل سياسي للنزاع في سوريا بناء على شروط مقبولة للدولتين الروسية والسورية، وهذه المسائل ثمة مكان وحيد مقبول لمناقشتها (موسكو)، ذلك أنه من غير المحتمل ان تقدم دولة أخرى أراضيها منصة لبحث هذه القضايا، فقد جرت العادة أن تكون مواقف الدول إما مع المعارضة السورية بكل أطيافها أو مع النظام السوري، بينما تحاول موسكو وعلى قاعدة إنخراطها المباشر في الأزمة السورية، أن تبقي أبوابها مفتوحة أمام معظم أطياف المعارضة الوطنية السورية، وفي الوقت نفسه، لا تتنكر لما تقدم من دعم سياسي وعسكري وإنساني للنظام السوري من منطلق حرصها على وحدة أراضي سوريا وإيجاد حل سياسي مقبول من الجميع.
ثمة دلائل عديدة تؤشر إلى تحول إستراتيجي في الشأن السوري، فزيارات الأسد الخارجية التي تكاد تكون معدودة على الأصابع منذ عقد من الزمن، بدأت تتصاعد وتيرتها، ما يدل على ثقة الرجل بثبات النظام، خاصة وان دول الغرب إنتقلت من مرحلة الرفض التام للرئيس السوري والإصرار على المطالبة برحيله، إلى مرحلة الخشية من أن يؤدي المس بالنظام السوري إلى رمي سوريا في أتون أزمات دموية جديدة
ونقلت صحيفة “غازيتا” عن المحلل والباحث في Gulf State analytics تيودور كاراسيك، قوله إن زيارة الأسد “ليست فقط لتقديم الشكر لبوتين وجنرالاته على المساعدة الروسية لسوريا، ولكن لسماع موقف موسكو من انتقال السلطة في البلاد”. أضاف: “بوتين دعا الأسد لكي يوضح له كيفية الحفاظ على السلطة وفي الوقت عينه اطلاق عملية سياسية تسمح بنقل السلطة”.
بكل الأحوال، ثمة دلائل عديدة تؤشر إلى تحول إستراتيجي في الشأن السوري، فزيارات الأسد الخارجية التي تكاد تكون معدودة على الأصابع منذ عقد من الزمن، بدأت تتصاعد وتيرتها، ما يدل على ثقة الرجل بثبات النظام، خاصة وان دول الغرب وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا إنتقلت من مرحلة الرفض التام للرئيس السوري والإصرار على المطالبة برحيله، إلى مرحلة الخشية من أن يؤدي المس بالنظام السوري إلى رمي سوريا في أتون أزمات دموية جديدة، ناهيك عن التداعيات التي يمكن أن تصيب كل الجوار السوري وتحديدا العراق ولبنان وتركيا والأردن.
ما تقدم يشي بأن موقف روسيا لم يتغير تجاه محاربة الإرهاب ضمن اطار القانون الدولي، وفي ذلك أوضح إشارة إلى أن روسيا موجودة على أرض سوريا بطلب من حكومة سورية شرعية، وذلك خلافا لدول اخرى أبرزها الولايات المتحدة، وهذه النقطة أشار إليها الرئيسان السوري والروسي.
وقال بوتين مخاطباً الأسد، إن المشكلة الرئيسية في سوريا “تكمن في أن القوات الأجنبية موجودة في مناطق معينة من البلاد من دون قرار من الأمم المتحدة ومن دون إذن منكم، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي ويمنعكم من بذل أقصى الجهود لتعزيز وحدة البلاد ومن أجل المضي قدما في طريق إعادة إعمارها بوتيرة كان من الممكن تحقيقها لو كانت أراضي البلاد بأكملها تحت سيطرة الحكومة الشرعية”.
أضاف بوتين أنه “بجهودنا المشتركة وجهنا ضربة للإرهابيين، فالجيش السوري يسيطر على أكثر من 90٪ من أراضي البلاد”، مضيفا أنه “للأسف، لا تزال هناك جيوب مقاومة للإرهابيين الذين لا يسيطرون فقط على جزء من الأراضي، بل ويواصلون ترهيب المدنيين أيضا”.
بدوره، وصف الأسد العوبات الدولية المفروضة على سوريا بأنها غير إنسانية وغير شرعية، وأشار إلى أن الجيشيين السوري والروسي حققا نجاحات ملموسة في القضاء على الإرهاب، وعبّر عن امتنانه لروسيا على مساعدتها بلاده في مكافحة تفشي فيروس كورونا وتقديم مساعدات أخرى، بما في ذلك إمدادات للمواد الغذائية.
لا شك أن لروسيا اسبابها ومصالحها حتى تنخرط في الحرب السورية، غير أن موسكو ليست من النوع التي تُشعّب معاركها في الخارج على الطريقة الأخطبوطية الأميركية، إلى درجة أنها مستعدة لوضع جيش في كل بلد ولكن من دون رؤية استراتجية تتصل بالأمن القومي الأميركي، بدليل أن الولايات المتحدة إنسحبت من أفغانستان بع عشرين سنة من الإحتلال وها هي تستعد للإنسحاب من العراق وسوريا.. أما البديل فهو تثبيت حكم طالبان في كابول وربما كانت لتقبل بتثبيت حكم داعش في سوريا، بينما تبدو موسكو ليست من النوع المغامر إلا اذا كانت تعرف مسبقا انها الرابح فيها والدليل سوريا.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” عن “مصادر سورية مطلعة” أن الجلسة المُغلقة (90 دقيقة) بين الأسد وبوتين “تناولت الوضع الميداني بعد تحرير أجزاء مهمة من مدينة درعا، إلى جانب استكمال بقية اجزائها لاحقاً، والتطلع نحو تحرير مدينة إدلب”، وألمحت إلى أن انضمام وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى جلسة المباحثات المُغلقة، “تؤكد أن القيادة الروسية متمسكة، إلى جانب دمشق، بأولوية استكمال تحرير الأراضي السورية”.
وأكدت المصادر أن الاجتماع تناول التفاهمات التي توصلت إليها اللجنة المشتركة السورية الروسية، لا سيما في مجال توريد القمح الروسي إلى سوريا، وإعادة تأهيل عدد من المحطات الكهربائية والعمل على إقامة مشاريع مائية، والتعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات.
وفق المصادر ذاتها، تطرقت القمة لمسار آستانة ولجنة مناقشة الدستور، إلا أن التركيز انصب على الشق الاقتصادي وتحرير باقي الأراضي السورية، ذلك أنه بات من الواضح بأن مسألة لجنة مناقشة الدستور لم تعد تحمل أهمية كبيرة بالنسبة للقيادة الروسية، خصوصاً بعد الانتخابت الرئاسية السورية وما حملته من دلالات سياسية والتي عبر عنها بوتين الأسد عندما هنأه بفوزه “المستحَق” في الانتخابات الرئاسية.