إستضافت مدينة “شوتشي” الروسية على البحر الأسود اليوم (الأربعاء) قمة جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، هي الثانية بينهما هذا العام، وعلى جدول أعمالها مناقشة مجموعة من القضايا التي تُوصف بـ”الحرجة”، من سوريا إلى أوكرانيا والبطاريات المضادة للصواريخ (إس 400) إلى الغاز الطبيعي.
قبل أيام، عبر أردوغان عن استيائه من الولايات المتحدة؛ حليفته في حلف شمال الأطلسي (الناتو)؛ واقترح أن تحصل تركيا على مجموعة ثانية من نظام بطاريات الصواريخ S-400 الروسية المضادة للصواريخ، كما أعلن صراحة أن القوات الأميركية يجب أن تغادر سوريا. ولكن، برغم ذلك، فإن المسرح المهيأ في الكرملين لإستقبال أردوغان قد يكون أقل ودية من “المبادرات” التي مهد بها الأخير لهذه الزيارة.
الود الناقص
فالعلاقات بين من يمكن تسميتهم “الزملاء المستبدين” قد هدأت بعدما كانت قد شهدت توتراً جاداً على خلفية القصف الذي نفذته طائرات حربية روسية ضد مواقع تركية في محافظة إدلب (شمال غرب سوريا) في أواخر شباط/ فبراير، وتسبب يومها في مقتل ما لا يقل عن 37 جندياً تركيا وعدد من المعارضين السوريين السُنة المتحالفين مع تركيا (مجموعات مسلحة تأتمر بأوامر الأتراك).
ولكن، قد لا يكون من قبيل المصادفة أنه منذ ذلك الحين اقتربت تركيا من جارتها الكبيرة الأخرى على البحر الأسود؛ أوكرانيا، وباعتها طائرات مقاتلة من دون طيار ودعمت مطالبها بأن تعيد روسيا شبه جزيرة القرم التي احتلتها في عام 2014 وإنهاء الصراع في دونباس. وكان أردوغان قد كرر تلك المطالب في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأمر الذي أثار موجة من التعليقات الغاضبة في وسائل الإعلام الروسية.
وفي السياق، تحدث أردوغان وبوتين أربع مرات عبر الهاتف في شباط/ فبراير المنصرم، و23 مرة في العام 2020. كما تحدثا تسع مرات فقط منذ الزيارة الأخيرة التي قام بها أردوغان لموسكو في آذار/مارس الماضي، لتوقيع اتفاق جديد بشأن إدلب، معظم بنوده بشروط روسيا، بحسب أيدين سيزر؛ المحلل السياسي التركي المتخصص بشؤون العلاقات الروسية التركية، الذي تحدث لـموقع “المونيتور”.
عقدة إدلب
من جهة ثانية، تواصل روسيا توبيخ تركيا بسبب فشلها في الوفاء بتعهداتها بالقضاء على التهديد الذي تشكله على قواتها في سوريا، ولا سيما من قبل “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) المتطرفة التي تسيطر على جزء كبير من إدلب، ويجمعها بأنقرة تحالف مبهم يديره جهاز المخابرات التركية MIT.
وأشار سيزر إلى أن روسيا تعتبر إدلب “حاضنة إرهابية، تصدر الإرهابيين إلى خارج حدود سوريا، وتشكل تهديداً لأمن روسيا”. وهو رأي تتشاركه روسيا مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي أوضحت أنها غير مهتمة بالتعامل مع “هيئة تحرير الشام”، على الرغم من الجهود التي بذلها زعيم الجماعة أبو محمد الجولاني مؤخراً لإعادة تصنيف “الهيئة” في عِداد “المعتدلين”.
الجدير التذكير به هنا أن الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية سبق ووضعتا “هيئة تحرير الشام” على قائمة المنظمات الإرهابية. وهناك من يقول إن تركيا نفسها توافق- إلى حد ما- على هذا التصنيف.
واعتمادا على ذلك، فإن واشنطن لا تحث تركيا على خوض مواجهات مع القوات السورية النظامية والقوات الروسية في ادلب وأماكن أخرى في سوريا، كما كان يفعل سابقاً- وبحماسة شديدة- مبعوث إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى سوريا جيم جيفري.
إصلاح العلاقة مع دمشق
ولزيادة الضغوط في الفترة التي تسبق قمة “سوتشي”، قصفت طائرات سلاح الجو الروسي مواقع ومحيط المتمردين في إدلب، ووسعت هجومها ليطال مناطق تسيطر عليها القوات التركية في جيب عفرين (تقطنه أغلبية كردية) وقرب تل تامير في المنطقة التي يُطلق عليها اسم “نبع السلام”، احتلتها تركيا في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 بعد هجوم شنته عبر الحدود ضد قوات سوريا الديموقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة ويقودها الأكراد.
في هذا الخصوص، صرح المتحدث باسم “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، الرائد يوسف حمود، لوكالة “رويترز”، أن التصعيد الروسي اشتد هذا الأسبوع، وبدأ من محافظة إدلب، ويمتد الآن إلى مناطق في شمال محافظة حلب على طول الحدود. وأن تركيا تعزز بدورها وجودها العسكري بحشد مزيد من القوات والعتاد والمعدات”، موضحاً أن الجيش التركي “يتخذ إنتشاره طابعاً قتالياً مع تعزيز جميع القواعد العسكرية وتدفق القوافل سواء أكانت مدرعة أو مقاتلات أو أنواع من العتاد”.
إذا لم يصلح أردوغان علاقته مع دمشق، المعارضة التركية ستفعل ذلك بالتأكيد، إذا وصلت إلى السلطة
إن القلق التركي الرئيسي هو أن أي هجوم (روسي) واسع النطاق على إدلب سيؤدي إلى نزوح نحو مليون سوري نحو الحدود التركية. فالإستياء من وجود نحو 3.7 مليون لاجئ سوري يتصاعد داخل تركيا، والمعارضة التركية تستغل هذا الاستياء، وبشكل ساخر/ خصوصاً في هذه الأيام التي تشهد تحضيرات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في عام 2023. ومع انخفاض مركزه، بحسب أرقام استطلاعات الرأي إلى مستويات غير مسبوقة، يجد أردوغان نفسه حريصاً على الحفاظ على الوضع الراهن في إدلب، على الأقل حتى الانتهاء من الانتخابات الرئاسية التركية بعد سنتين.
لكن ربما لم يعد كل ذلك ممكناً. “فأنقرة في المرحلة الحالية ليس لديها رهان أفضل من العمل مع نظام دمشق وليس ضده، إذا أرادت ضمان احتواء تدفق المزيد من اللاجئين السوريين. كما أن تركيا بحاجة إلى إصلاح علاقتها مع دمشق. وإذا لم يفعل أردوغان ذلك، فإن المعارضة التركية ستفعل ذلك بالتأكيد، إذا وصلت إلى السلطة”، وفق المحلل السياسي التركي سيزر.
صفقة صعبة
في كلتا الحالتين، “يبدو أن أنقرة تعتقد أن نشر قواتها قد غير الديناميكية، بينما موسكو ليست كذلك” كما يقول نيكولاس دانفورث، مؤلف كتاب “إعادة تشكيل تركيا الجمهورية: الذاكرة والحداثة”، الذي نُشر حديثاً.
ويضيف دانفورث: “أردوغان ذاهب إلى الاجتماع بنبرة شديدة تقول إنه قرر الإبتعاده عن واشنطن. أنا لست متأكدا من أن ذلك سيجعله أكثر قوة وعزيمة. إن محاولته الاقتراب أكثر من موسكو قد يجعل بوتين أكثر تردداً في إبعاد أنقرة عن إدلب، لكنه سيترك تركيا أكثر عرضة للضغط الروسي على المدى الطويل”. كما أن المسؤولين الأميركيين حذروا أكثر من مرة من أنه في حال أصرت تركيا على الحصول على مجموعة ثانية من بطاريات صواريخ إس -400، فسوف يؤدي ذلك إلى فرض مزيد من العقوبات عليها بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا.
حتى قبيل رحلته الأخيرة إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، كان أردوغان واضحاً في تصميمه على إصلاح العلاقات مع واشنطن. ولكنه قام بعملية استدارة معاكسة بعدما رفض الرئيس جو بايدن مقابلته على هامش أعمال الجمعية العامة. ربما استنتج الزعيم التركي أن عدم اهتمام بايدن نابع من حقيقة أن الأخير لم يعد بحاجة إلى تركيا لتشغيل مطار كابول، وهو الدور الذي إدعت قطر أنها قادرة على القيام به، مهمشة بذلك حليفتها الوثيقة في هذه العملية؛ أي أنقرة.
الاقتراب من موسكو سيترك تركيا أكثر عرضة للضغط الروسي على المدى الطويل.. والإصرار على امتلاك نظام صواريخ إس-400 يعني مزيداً من العقوبات الأميركية
المسألة الأكثر أهمية على الطاولة تتعلق بالطاقة. فالعقد الخاص بنقل الغاز الطبيعي الروسي من سيبيريا عبر البحر الأسود إلى الحدود التركية البلغارية سينتهي مع نهاية هذا العام. وكانت موسكو تضغط على أنقرة لتجديد العقد، لكن الأخيرة استمرت في المماطلة، وهو تصرف ثبُت أنه كان خطأ فادحاً في التقدير؛ لأنها اعتقدت أن أسعار الغاز الطبيعي، بما في ذلك أسعار الغاز الطبيعي المُسال الذي كانت تحصل عليه بكميات كبيرة من الموردين الأميركيين، ستظل منخفضة. ومع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المُسال في جميع أنحاء العالم، فإن روسيا، بلا شك، ستقود صفقة صعبة، وسوف تسعى للحصول على امتيازات في أماكن أخرى مقابل غاز بتكلفة معقولة.
(*) أمبرين زمان، مراسلة موقع “المونيتور” في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا
(**) بتصرف نقلاً عن موقع “المونيتور”