نتنياهو الخارج عن سيطرة أميركا.. هل يقود المنطقة إلى الحريق الكبير؟

يُقدِّم الرئيس الأميركي جو بايدن، أكبر صفقة لتبادل السجناء بين الغرب وروسيا منذ انتهاء الحرب الباردة (شملت 16 سجيناً غربياً و8 سجناء روس)، على أنها الإرث الأبرز لرئاسته، وأسطع دليل على أنه أكثر الرؤساء الأميركيين خبرة في ادارة سياسة خارجية تؤمن المصالح القومية الحيوية للولايات المتحدة. 

في المقابل، قدّم بايدن نقيضاً صارخاً على فشل ديبلوماسيته، عندما أخذ وقتاً مستقطعاً من الاحتفاء بعودة مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال” إيفان غيرشكوفيتش والجندي السابق في “المارينز” بول ويلان والصحافية ألسو كورماشيفا من السجون الروسية إلى قاعدة أندروز الجوية، كي يُجري اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ليناقش معه الاستعدادات الأميركية-الإسرائيلية لصد الردود المتوقعة من إيران و”حزب الله” و”أنصار الله” الحوثيين، على اغتيال القائد العسكري الكبير في “حزب الله” فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران. وفي سياق الاستعدادات، أعادت أميركا بهدوء قبل أيام حاملة طائرات مع مجموعتها القتالية إلى مياه الخليج، وكأنها كانت تترقب تصاعد التوترات.

أميركا، التي قالت إنها كانت على علم مسبق بالهجوم على الضاحية الجنوبية واغتيال القيادي شكر، صرّح وزير خارجيتها أنطوني بلينكن أن الولايات المتحدة غير متورطة ولم تكن تعلم بوجود نية لاغتيال هنية في طهران، الأمر الذي اعتبرته صحيفة “النيويورك تايمز” الأميركية، “تأكيداً على وجود فراغ خطير في القوة بالمنطقة”.

الاغتيالان اللذان أقدمت عليهما إسرائيل، هما دليلان دامغان على حسن استغلال نتنياهو لدراما الانتخابات الرئاسية الأميركية التي لمسها عن قرب خلال زيارته لواشنطن الأسبوع الماضي.

والديموقراطيون أكثر توجساً حيال سلوك نتنياهو. فهذا السناتور بيتر ويلش ينتقد اغتيال هنية، معتبراً المسألة “بمثابة تعزيز لمقاربة نتنياهو القائمة على فعل كل شيء على طريقته، من دون استشارة الولايات المتحدة، والتوقع منها بعد ذلك أن تدعمه في كل قرار يتخذه”.

ورئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ جاك ريد تساءل “عما إذا كان قادة إسرائيل وفي مقدمهم نتنياهو، الذين بدوا أحياناً غير متحمسين لوقف النار، يعملون عمداً على تعطيل المفاوضات، أخذاً في الاعتبار أن هنية كان واحداً من المفاوضين”.

هذه المعطيات كلها تصب في اتجاه أن المنطقة تشهد الآن سقوطاً حراً، في خضم معارك الانتقال من قواعد اشتباك قديمة إلى قواعد اشتباك جديدة لم تتضح معالمها بعد، وقد لا تتضح قبل الحرب الواسعة

لم يخفِ الانتصار السياسي الذي حقّقه بايدن عبر صفقة تبادل السجناء مع روسيا، الإخفاق الذي واجهته سياسته في الشرق الأوسط، و”الإنجاز” الوحيد الذي كان يتباهى به وهو الحد من توسع حرب غزة إلى لهيب إقليمي شامل، قد بدّده نتنياهو، وهو على أهبة جر أميركا إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، تثبت التطورات أن أميركا “فاقدة للسيطرة” على الوضع، بحسب ما استنتج أستاذ الشؤون الدولية في مدرسة جون هوبكنز للدراسات المتقدمة والي نصر.

الجهود الديبلوماسية التي بذلتها واشنطن والحديث عبر الوسطاء إلى طهران بعد الغارة الإسرائيلية، التي قتلت الجنرال الإيراني محمد رضا زاهدي ومساعديه في دمشق في الأول من نيسان/أبريل الماضي، نجحت في جعل إيران تعلن عن ردها قبيل انطلاقه ليل 13-14 نيسان/أبريل بحيث كان في امكان القوات الأميركية والبريطانية التصدي لمعظمه.

لكن ما الذي يضمن هذه المرة، ألا تذهب إيران التي قصدت إسرائيل إذلالها من طريق إظهارها بأنها غير قادرة على حماية حليف لها وهو في ضيافتها، إلى رد أوسع يشمل جبهات عدة، وبأن تعمد تل أبيب إلى رد على الرد، لتتدحرج الأمور إلى حرب إقليمية واسعة؟

هل هذه هي الحرب التي ينشدها نتنياهو لإقامة “تحالف أبراهام”، الذي دعا إليه في خطابه أمام الجلسة المشتركة للكونغرس في 24 تموز/يوليو الماضي في مواجهة إيران، وتجاوز الحرب المدمرة في غزة، واستعادة الردع المفقود منذ عشرة أشهر؟

الفتور الذي استقبل به الديموقراطيون نتنياهو في واشنطن، لم يشكل رادعاً له عن المخاطرة بفتح جبهات أخرى وصولاً إلى نزاع واسع. والسفير الأميركي السابق في العراق وتركيا وألبانيا جيمس جيفري يُفسّر ما يجري بأن “إسرائيل تريد القول عبر هذه الضربات: نحن نفضل انهاء كل هذا ديبلوماسياً، لكننا إذا لم نتمكن من تحقيق ذلك بهذه الطريقة، فإننا سنصعد وسننتصر.. عليكم أن تعلموا ذلك”.

ويرى ميك مولروي نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، أن “هذه هي المرة الأولى منذ عشرة أشهر تكون فيها المنطقة أقرب ما تكون إلى نزاع شامل”.

لم يعمل نتنياهو بأي من النصائح التي أسداها له بايدن منذ عشرة أشهر، لا بل أنه كان يفعل العكس في معظم الأحيان. ويخرج بعد ذلك ليقول إنه الزعيم الإسرائيلي الوحيد الذي يستطيع أن يقول “لا” لرئيس أميركا.

الآن، بات الوضع مختلفاً وهناك حرب على وشك أن تتحول حرباً مفتوحة في الإقليم. وعلى رغم أن أياً من الأطراف لا تبدي رغبة في الذهاب نحو هذه الحرب، لكن سوء الحسابات موجود عند كل منعطف. وكل الترجيحات تدل على أن إيران ومعها حلفاؤها ذاهبون إلى رد أوسع من 14 نيسان/أبريل وأقل من حرب شاملة. لكن اتساع النزاع سيكون معلقاً على حجم الرد الإسرائيلي أيضاً وعلى ما إذا كان بايدن لا يزال قادراً ضبط هذا الرد.

ما الذي يضمن هذه المرة، ألا تذهب إيران التي قصدت إسرائيل إذلالها من طريق إظهارها بأنها غير قادرة على حماية حليف لها وهو في ضيافتها، إلى رد أوسع يشمل جبهات عدة، وبأن تعمد تل أبيب إلى رد على الرد، لتتدحرج الأمور إلى حرب إقليمية؟

وإذا كانت الاغتيالات تُوفّر لإسرائيل نصراً تكتيكياً، فإنها “لا تغير في الوضع الاستراتيجي الكئيب لإسرائيل” بحسب ما تستنتج مجلة “الإيكونوميست” البريطانية، التي ترى أن التعاطف “الغريزي” لبايدن نحو إسرائيل يمنعه عن الضغط الجدي على نتنياهو للقبول بوقف النار.

إقرأ على موقع 180  قراءة هادئة في خطاب نصرالله: للمنكفئين شاركوا وللمتحمّسين إهدأوا!

هذه المعطيات كلها تصب في اتجاه أن المنطقة تشهد الآن سقوطاً حراً، في خضم معارك الانتقال من قواعد اشتباك قديمة إلى قواعد اشتباك جديدة لم تتضح معالمها بعد، وقد لا تتضح قبل الحرب الواسعة.

وتستغرب “النيويورك تايمز” أن نتنياهو الحليف المقرب للولايات المتحدة، وليس خصومها مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية، هو من يُمعن في توظيف الفوضى الأميركية، لإثارة التوترات في الخارج.

إن نشوب حرب واسعة لن يكون في مصلحة حملة نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، التي توشك على الفوز رسمياً بترشيح الحزب الديموقراطي لها في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وهذا من العوامل التي يتعين أن تدفع أميركا إلى استعادة زمام المبادرة في المنطقة وعدم تركها فريسة لحسابات نتنياهو السياسية والشخصية، وهو الأمر الذي ألمح إليه الكاتب الأميركي المخضرم توماس فريدمان في مقالة له في “النيويورك تايمز”، قال فيها إن الأمور باتت واضحة لديه “إلا أن الأمر غير الواضح على الإطلاق هو ما الذي سيفعله نتنياهو وأي مصالح سيخدمها؟ هل هي مصلحته الشخصية أو الأميركية  أو مصالح إيران”؟ واعترف بأنه لن يثق بنتنياهو ولو للحظة واحدة عندما يدّعي أنه يضع مصالح الولايات المتحدة فوق خلاصه السياسي بل إنه لن يضع مصالح إسرائيل قبل مصلحته الشخصية.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  تحليل نتائج إنتخابات البقاع الغربي وراشيا.. إنكسار "الثنائيات" (2)