رون آراد يعود.. فقط إلى الصحافة الإسرائيلية!

Avatar18007/10/2021
تطرقت الصحافة الإسرائيلية في العديد من المقالات إلى ما أفصح عنه مؤخراً رئيس الوزراء نفتالي بينت، من أن "الموساد"، خطف الشهر الماضي جنرالاً إيرانياً من سوريا وتم نقله إلى أفريقيا للتحقيق معه في قضية الطيار الإسرائيلي المفقود منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي في لبنان.

جدعون ليفي: إشتهاء الجثث

في مقالة نشرتها “هآرتس” ماذا يقول المحلل السياسي البارز في الصحيفة جدعون ليفي؟

“لا يمكن وصف المطاردة المجنونة لجثة رون آراد إلّا بأنها اشتهاء الجثث، باسم الدولة (العبرية). جثة رون آراد ليست العرَض الوحيد لاشتهاء الجثث في سلوك إسرائيل، في الأعوام الأخيرة بصورة خاصة وأساسية، لكنه أشدّ هذه الأعراض خطورة. إسرائيل تنبش وتنقّب: تارة عن ساعة اليد الخاصة بإيلي كوهين، الجاسوس الذي أُعدِم قبل أكثر من نصف قرن (في سوريا)، وتارة أُخرى عن معطف زخاريا باومل وحذائه، اللذين استُعيدا ملفوفيْن بالعلم الوطني في حفل مَرَضي مروع في ديوان الرئيس الروسي، وتارة ثالثة عن بقايا الجنديين اللذين قُتلا في غزة.

الدولة التي تحتقر حياة الإنسان الآخر تقدّس جثث موتاها. دائماً ما يجري هذا باسم القيم المزعومة؛ ودائماً ما يكون نصف العالم ضالعاً في هذا، بقيادة أجهزة الظلام الإسرائيلية التي تتمكن من استعراض سر مجدها، مرة تلو أُخرى؛ ودائماً ما يثير هذا تساؤلات عن مدى رجاحة العقل والصحة النفسية لدى مَن يقفون خلف هذه العمليات المَرَضية. وإن لم يكن هذا كافياً، فإن إسرائيل تتاجر وتُضارب بالجثث أيضاً. فقد امتلأت ثلاجاتها بالجثث وهي تحتجز عشرات الجثامين الفلسطينية “أوراقَ مساومة”. إذا لم يكن هذا هو اشتهاء الموتى، فما هو إذاً (…)؟

كم يعشق رؤساء الحكومات هذا، أيضاً: بنيامين نتنياهو برفقة فلاديمير بوتين مع حذاء باومل؛ نفتالي بينت الجديد، وكشفٌ جديد في الكنيست. عملية رون آراد مُنيت بالفشل مرة أُخرى، لكن في (صحيفة) “يديعوت أحرونوت” توّجوا صفحتهم الرئيسية بالعنوان: “يدُ إسرائيل الطويلة”، كما يحبون وكما يحب قرّاؤهم، بينما قال مصدر أمني إن العملية “قدمت إسرائيل” (إلى أين؟) و”تمحورت الجهود” (حول ماذا؟). نص إلزامي لكل حصة تدريسية في البهلوانيات اللغوية.

ما العيب في هذا، ظاهرياً؟ الدولة تهتم بجنودها، الأحياء منهم والأموات. قد يكون الأمر مثيراً، لكنه قد يكون منفّراً، شائناً وخطِراً أيضاً. عندما يصبح اشتهاء الموتى هو الأساس، عندما يجري تعريض حياة البشر للخطر من أجله، عندما تُهدَر أموال طائلة وتُرتَكب ممارسات يُحظَر على دولة قانون القيام بها، لا يمكن ولا يجوز الإعجاب بفنون الألعاب النارية. لماذا مسموح لإسرائيل اختطاف جنرالات ونقلهم إلى أفريقيا لانتزاع المعلومات منهم؟ هل سيكون شرعياً أيضاً اختطاف جنرالات إسرائيليين ونقلهم إلى أفريقيا لانتزاع معلومات منهم عن جندي مصري ميت؟ هل سيكون شرعياً احتجاز مخطوفين من لبنان في سجن إسرائيلي وتعذيبهم بوحشية طوال أعوام، فقط من أجل انتزاع معلومات لم تكن تتوفر لديهم عن طيار ميت؟ من الحتمي أن تكون ثمة لحظة معينة تضع فيها الدولة حداً نهائياً لهذا الجنون وتعلن: هيا بنا ننشغل بالحياة.

لكن هذه دولة الاستعراضات. جيمس بوند من مقبرة النبي شيت في لبنان، هو عنوان الفيلم القادم قريباً. العيون تلمع مشرقة. لا مثيل لنا. لكن الألعاب الاستعراضية لا توصل، أبداً، إلى أي مكان جيد، تماماً مثل الاغتيالات التي تكمن قوتها الأساسية في قصص البطولة التي ترافقها. هذه ليست مجرد طريقة للتبجح – لدينا “موساد” يختطف أشخاصاً وينبش قبوراً في كل مكان – بل هي طريقة لحرف الأنظار عن الأسئلة والقضايا المهمة، أيضاً. النقاش الوحيد الذي يجري الآن هو حول السؤال: هل فشلت هذه العملية أم لم تنجح، فقط؟ لكن أحداً لا يسأل: من أجل ماذا؟

من أجل ماذا تجري التفجيرات، والاغتيالات، وأعمال التخريب، والحرائق، والأحداث الغامضة العديدة في سوريا وإيران، إذا كانت إيران قد أصبحت قاب قوس وأدنى من امتلاك السلاح النووي؟ ماذا تأتّى من هذا كله، غير مجد أجهزة الظلام؟ وماذا تأتّى من عمليات اغتيال الفلسطينيين على مدار أعوام عديدة، غير إشباع غرائز منفذيها؟

ذات مرة، كان لا يزال بالإمكان تغليف كل شيء بالاعتبارات والضرورات الأمنية. أمّا جنون رون آراد فلا يمكن تغليفه سوى بثرثرة “التراث”. لكن في نهاية المطاف ينتصب السؤال بكامل قوته وحدّته: متى سنكبر ونُفطَم”؟

طال ليف رام: عملية سياسية بإمتياز

وفي “معاريف”، كتب المراسل العسكري طال ليف رام مقالة مقتضبة جاء فيها الآتي:

“بعد إعلان رئيس الحكومة نفتالي بينت، في مستهل جلسة الكنيست (الإثنين الماضي)، أن الموساد قام بعملية الشهر الماضي (آب/أغسطس)، نشرت وسائل الإعلام العربية أن هدف عملية الموساد كان جنرالاً إيرانياً خُطف على ما يبدو في سوريا، ونُقل للتحقيق معه في أفريقيا، ثم أُطلق سراحه. وبذلك أزيلَ الغموض مسبقاً عن العملية وبسرعة كبيرة، بعد التقارير التي بدأت بالظهور في وسائل الإعلام العربية، وهو ما يشكل فصلاً في المعركة بين إسرائيل وإيران.

إقرأ على موقع 180  "يسرائيل هيوم": مخازن السلاح الأميركية في إسرائيل آخذة بالنفاد

من الواضح أن إيران كانت تعلم بأن إسرائيل هي التي خطفت الجنرال الإيراني، لكن الغموض كان هدفه منع الإحراج الإيراني. النشر بحد ذاته هو بمثابة إحراج لطهران، ويمكن أن يؤدي إلى تسخين المنطقة كلها. بينما كان الهدف من العملية جمع معلومات استخباراتية عن الطيار المفقود رون آراد، لا تصعيد المعركة في مواجهة إيران. يجري هذا في الوقت الذي احتج بينت في الماضي على رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو لأنه يخرق سياسة الغموض (الأمنية) لاعتبارات سياسية.

نفتالي بينت طالب بحماسة بوجوب اتخاذ قرار رفع الغموض بشأن الموضوع النووي، والهجمات في سوريا، والمعركة ضد برنامج الصواريخ الدقيقة، خلال نقاش في المجلس الوزاري المصغر، لكن هذا النقاش لم يجرِ قط. وأمس (الثلاثاء) تصرّف بينت تماماً مثل سلفه. من دون أن يستشير أحداً ومن دون نقاش، وهو الذي قرر الكشف عن عملية الموساد.

بالإضافة إلى المسؤولية الشخصية لبينت كرئيس للحكومة، فإن سلوك مكتبه والموظفين المحيطين به، والمراوغات وتعدد الروايات، وفي الأساس ظهور مستوى من الاحترافية لا يتناسب مع محيط رئيس حكومة، كل ذلك لا يبشر بالخير.

من ناحية عملانية، عناصر الموساد نفّذوا مهمتهم كما يجب ويستحقون كل الثناء. لقد تحدثنا في “معاريف” عن أن العملية كانت موجودة في الأدراج منذ فترة طويلة، والنقاشات بشأنها دارت قبل سنة. في تلك النقاشات كان هناك مَن اعتقدوا أنه نظراً إلى أن الطرف الذي أراد الموساد الوصول إليه موجود في دائرة غير مباشرة، ولم يعالج بصورة شخصية مسائل لها علاقة بآراد، فإنه في مقاييس التكلفة والفائدة، ليس من الصائب القيام بالعملية. لكن هذا الموقف لم يكن الغالب أيضاً في المؤسسة الأمنية، حيث أيدوا العملية.

لكن في عمليات من هذا النوع لا يقاس النجاح بالانضباط والتقيد الشديد والنوعي بالمخطط الذي وُضع، بل بالنتيجة التي جرى التوصل إليها في نهاية الأمر. وصور النجاح والفشل معقدة في عمليات لها علاقة بالأسرى والمفقودين. وفي العملية الأخيرة توقعوا أكثر من ذلك، لكن هذا لم يتحقق.

من الصعب القول إنه كان فشلاً. لكن بالتأكيد لا يمكن اعتبار العملية ناجحة نجاحاً كبيراً، كونها لم تحقق ما يبررها، باستثناء ما يبدو أنه اعتبارات سياسية فقط”.

(*) نص مترجم على موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  مئة عام من الأسئلة اللبنانية: دماء كفتون تُجيب