ثلاثة سيناريوهات لفيلم فيينا.. النووي!
Iran's President-elect Ebrahim Raisi is pictured during his first press conference in the Islamic republic's capital Tehran, on June 21, 2021. - Iran's new president hailed what he called a 'massive' voter turnout during last week's presidential election. The ultraconservative cleric was declared the winner of the election on the weekend, replacing moderate Hassan Rouhani. (Photo by ATTA KENARE / AFP)

الكل يضبط إيقاعه على ساعة فيينا. التاسع والعشرون من هذا الشهر، موعد أميركي ـ إيراني جديد. تبدو الخيارات واضحة: إتفاق مفاجىء؛ ستاتيكو؛ أو مواجهة. أي الإحتمالات أكثر واقعية؟

في البداية، لا بد من الإشارة إلى أن فرص الإتفاق تتراجع يوما بعد آخر. صار إتفاق العام 2015 عبئاً على الطرفين الأميركي والإيراني. لا الضوابط النووية تكفي بعدما تجاوزها الإيرانيون ولا إغراءات وضمانات الأميركيين من النوع الذي يسيل له لعاب الإيرانيون. إما يذهب الطرفان نحو إتفاق جديد، وهو خيار مستبعد لأسباب أميركية بالدرجة الأولى، ويفترض التمهيد له بمفاوضات سرية (مباشرة أو غير مباشرة)، ولا مؤشرات دالة على أن الأمور تتحرك بهذا الإتجاه.

كان لافتاً للإنتباه، في هذا السياق، قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بعدم إستقبال مبعوث إدارة جو بايدن إلى مفاوضات فيينا روبرت مالي الموجود في تل أبيب حالياً. هذه الزيارة، ببرنامجها ومناقشاتها، تشي بأن واشنطن تُنسق كل خطواتها وخُططها مع إسرائيل. بالمقابل، لن تتصرف حكومة بينيت، تحت أي عنوان أو ذريعة، إلا بالتنسيق مع الإدارة الأميركية. قرار عدم إستقبال روبرت مالي هو قرار سياسي مُنسق (عدم إعطاء شرعية لقرار العودة إلى الإتفاق النووي) وإنتخابي (التنافس المحموم مع بنيامين نتنياهو برغم إتهام الأخير بأن سياسته المترددة تسببت بتقدم الإيرانيين في مسار تخصيب اليورانيوم بعد خروج الولايات المتحدة من الإتفاق في العام 2018).

يتقاطع ذلك مع مناورات إسرائيلية في معظم “الجبهات” وإسرائيلية ـ أميركية، آخرها تلك التي أعلن عن إنتهائها خلال الساعات القليلة الماضية، بين سلاح البر الإسرائيلي ومشاة “المارينز” الأميركيين وإستمرت حوالي الأسبوعين وتضمنت تدريبات على أساليب قتال في أماكن مفتوحة وأماكن مأهولة أو مبنية. وعلى عكس الإنطباع السائد في المنطقة، يُعزّز الأميركيون بعض قواعدهم في الشرق الأوسط، ولا سيما في الأردن، وشمل ذلك سحب عدد كبير من الجنود الأميركيين والأسلحة والمعدات من أفغانستان وقطر والعراق إلى القواعد الأميركية في الأردن، طوال الشهور الأخيرة، حتى صحّ القول إن الأردن سيُمثل في المستقبل القريب أكبر قاعدة أميركية في المنطقة، لا سيما بعد إستكمال الإنسحاب من العراق نهاية هذه السنة وحسم مصير قاعدة التنف.

في موازاة المناورات المشتركة وبعض عراضات القوة في الخليج، تفاهم الأميركيون والإسرائيليون على خطة العام 2022 العسكرية. تل أبيب تسعى في الوقت نفسه إلى تعزيز علاقاتها السياسية والأمنية والعسكرية مع القاهرة. رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) الجديد رونين بار ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولتا زارا على التوالي القاهرة. بدورها، إلتأمت اللجنة العسكرية المصرية الإسرائيلية المشتركة وصادقت على تعديل إتفاقية كمب ديفيد بما يتيح للمصريين تعزيز حضورهم العسكري في سيناء ولا سيما عند عتبة رفح في قطاع غزة، حتى أن الصحافة العبرية (معاريف تحديداً) ذكرت أن هذا التنسيق بين الجانبين “غير مسبوق منذ سنوات طويلة”!

إذا كانت فرصة العودة إلى الإتفاق النووي ضعيفة جداً، فإن الإحتمالين الآخرين هما الأكثر ترجيحاً؛ إما إستمرار الستاتيكو الراهن أو الذهاب نحو مواجهة ليس معروفاً كيف سيكون شكلها وأين ستكون ساحتها ومن هي القوى التي ستكون جزءاً لا يتجزأ منها

هذا العرض لا يمكن أن يكتمل إلا بالإشارة إلى زيارة نفتالي بينيت “الإستثنائية” إلى روسيا وإجتماعه مرتين بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. زيارة أعقبها تطوران بارزان:

الأول، إتساع نطاق العمليات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية وتنفيذ ضربات موجعة للإيرانيين وحلفائهم ولا سيما في المناطق القريبة من الساحل السوري. يحصل ذلك بتنسيق كامل بين غرفة عمليات حميميم (يشارك فيها ضباط سوريون كبار) وبين رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي (طبعاً بعلم قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي).

الثاني، زيارة وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد إلى دمشق، وما تلاها من زيارة لولي العهد الإماراتي محمد بن زايد إلى أنقرة. زيارتان ترافقتا مع تسريبات إعلامية عن تجميد مفعول العملية العسكرية التركية التي كان يجري الترويج لها إعلامياً في الشمال السوري.

وفي تزامن ليس بالضرورة مترابطاً مع الحركة الإماراتية صوب دمشق وأنقرة، تدحرج المشهد اليمني شمالاً وجنوباً، فأنتج وقائع جديدة من جهة الشرق (مأرب) والغرب (الحديدة) والجنوب (شبوة وحضرموت). هل الإنسحاب الإماراتي من الحديدة جاء من ضمن إتفاق أو محاولة لخلق وقائع جديدة أو في سياق التحشيد لمأرب والجنوب؟

يشي ذلك وغيره من وقائع إقليمية (لبنان والعراق وغيرهما) أننا أمام تطورات إستثنائية ليست ببعيدة عمّا يُرسم ما بعد مفاوضات فيينا النووية. بالمقابل، إيران تُراكم بالنفوذ. مأرب. الصواريخ الدقيقة. المُسيّرات. النفط الإيراني في لبنان. التلويح مجدداً بإقتحام الجليل الأعلى في أي حرب مقبلة. إستهداف قاعدة التنف العسكرية الأميركية أكثر من مرة بالمسيرات. الهجمات السيبرانية… إلخ.

إذا كانت فرصة العودة إلى الإتفاق النووي ضعيفة جداً، فإن الإحتمالين الآخرين هما الأكثر ترجيحاً؛ إما إستمرار الستاتيكو الراهن أو الذهاب نحو مواجهة ليس معروفاً كيف سيكون شكلها وأين ستكون ساحتها ومن هي القوى التي ستكون جزءاً لا يتجزأ منها.

إقرأ على موقع 180  ماذا يجري بين واشنطن وطهران.. نووياً و"بحرياً"؟

يقول الرئيس السابق لشعبة الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) عاموس يدلين في مقالة نشرها في موقع القناة 12 التلفزيوني الإسرائيلي إن الإنسحاب من الإتفاق النووي سمح لإيران بالتقدم نحو العتبة النووية.. “صار بحوزة إيران 25 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% و210 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% وهذه كمية كافية للقنبلة الأولى إذا خُصّبَت على مستوى أكثر من 90%”.

من المحتمل أن الإيراني يُناسبه السير على إيقاع الواقع الراهن: لا إتفاق ولا إنفجار. فاصل زمني يضع طهران أمام أحد إحتمالين: إما زيادة نسب التخصيب أو “عدم كسر القواعد (النووية)”، كما يقول عاموس يدلين، بما يحول دون تصعيد الموقف.

غير أن الإنطباع الذي تركته الدبلوماسية الإيرانية، سواء في قمة بغداد، أم في عدد من العواصم ومنها بيروت، أن خيار بلوغ العتبة النووية لا عودة عنه، وبعده تصبح إيران مستعدة للجلوس إلى طاولة التفاوض.

في السياق، يقول دبلوماسي لبناني واسع الإطلاع لموقع 180 بوست إن الإحتمال الثالث (الحرب) صار أكثر واقعية من أي وقت مضى. فالإسرائيلي يتصرف على أساس أنه “خاسر خاسر” في الإحتمالين الأول (الإتفاق) والثاني (الستاتيكو)، ولذلك، بدأ يُعد العدة للإحتمال الثالث. وما نشهده من إصطفافات ومن تحشيد في ساحات المنطقة يجعل خيار الأزمة ممكناً، لكن على قاعدة أن إسرائيل لن تتصرف بمعزل عما تريد إدارة الرئيس جو بايدن.

ثمة أسابيع حاسمة، دولياً وإقليمياً، وتكاد معظم القوى تضبط إيقاعها على ساعة فيينا.. لن يطول الإنتظار هذه المرة. يبدو أن السقف الزمني لن يتجاوز حدود الصيف المقبل.

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  نور الحقيقة يتجلى في نار الثورة