لم يرهن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مفاوضاته مع إيران بالتصورات الإسرائيلية وانما كان يعتقد أن الحد من الطموحات الإيرانية يستأهل التفاوض حتی وإن كان علی حساب إزالة العقوبات؛ ولذلك سار بهذا الإتجاه من دون أن يلتفت فيما إذا كان رئيس وزراء إسرائيل آنذاك (بنيامين نتنياهو) يقبل بالاتفاق أم لا؛ لكن الأخير ظل يتربص بالاتفاق حتی وجد ضالته عند الرئيس السابق دونالد ترامب الذي قرر الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018 وفرض عقوبات جديدة لا زال المجتمع الدولي يبحث عن تسوية للمشاكل الأمنية والسياسية التي سببها ذلك الانسحاب غير المدروس من الاتفاق، الأمر الذي وصفه وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن بأنه كان “خطأ جسيماً”.
لم تستفد الإدارة الأمريكية الحالية من الأخطاء التي وقعت فيها الإدارات السابقة وإنما سارت في المسار ذاته الذي سلكه ترامب عندما طالب ببحث قضيتي نفوذ إيران الإقليمي وترسانتها الصاروخية قبل الموافقة علی إعادة إحياء الاتفاق النووي.
وها هي مفاوضات فيينا تقف الآن عند هذ الحد. صحيح تم التفاهم علی “مسودة إطار المفاوضات” مع نهاية الجولة السابعة في 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي؛ لكن الصحيح أيضاً أن هذه المفاوضات ما زالت متعثرة علی الرغم من بعض التفاؤل الذي يصاحب الجولة الثامنة.
مجلة “نيويوركر” الأميركية قالت إن الهجوم على قاعدة عين الأسد كان الأكبر في تاريخ الجيش الأمريكي. صحيح أنه لم يقتل أي ضابط أو جندي أمريكي؛ لكن بعد مرور عامين ما زال العديد ممن كانوا في القاعدة بحكم فاقدي الذاكرة او أصيبوا بالعمی او فقدوا السمع، علی حد تعبير المجلة نفسها التي تضيف أن جندياً واحداً علی الاقل أقدم علی الانتحار
خطوتان مهمتان قامت بهما إيران بعد الجولة السابعة من المفاوضات تحملان العديد من الرسائل والدلالات والمعاني:
الأولی؛ قيامها بمناورات صاروخية أطلقت خلالها 12 صاروخاً بالستياً دفعة واحدة باتجاه محاكاة مفاعل ديمونا الإسرائيلي!
الثانية؛ إطلاقها مسبار “سيمرغ” إلى الفضاء الخارجي.
غير أن الرسالة الاكبر هي تأكيد طهران أنها ليست بوارد الأخذ والرد في ملف منظومتها الصاروخية وأنها ترفض المساس بها لأنها تمس أمنها القومي وسيادتها وإرادتها العسكرية ـ السياسية.
ليس خافياً تأثير الصواريخ الإيرانية وأبعادها علی الأمريكي والإسرائيلي. إستهدفت إيران قاعدة عين الأسد غرب العراق في كانون الثاني/يناير 2020 بعد عملية اغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني ورفيقه العراقي أبو مهدي المهندس. حينذاك، ليس مهماً ما قاله ترامب بأنني “سمعت أن بعض الجنود أصيبوا بصداع”؛ لكن العقيد استاس كلمن قائد الفرقة الجوية المتواجدة في عين الأسد قال كلاماً مختلفاً بإفصاحه أنه كان عليه اتخاذ القرار بعدما أخبرته المخابرات الأمريكية بوجود استعداد لاستهداف قاعدة عين الأسد. قال لاحقاً إنه قرر من يجب عليه الموت بالصواريخ الإيرانية.. ومن يجب عليه البقاء على قيد الحياة!
إنها المرة الاولی منذ العام 1953 وتحديداً منذ الحرب الكورية لم يقتل جندي أمريكي بواسطة هجوم صاروخي بهذا الحجم. مجلة “نيويوركر” الأميركية قالت إن الهجوم كان الأكبر في تاريخ الجيش الأمريكي. صحيح أنه لم يقتل أي ضابط أو جندي أمريكي؛ لكن بعد مرور عامين ما زال العديد ممن كانوا في القاعدة بحكم فاقدي الذاكرة او أصيبوا بالعمی او فقدوا السمع، علی حد تعبير المجلة نفسها التي تضيف أن جندياً واحداً علی الأقل أقدم علی الانتحار فيما تم منح 80 آخرين جائزة “القلب الوردي”!.
هذه الصواريخ هي السبب الأساس في جعل المفاوضات النووية في فيينا صعبة مستصعبة… لنختم بما قاله توماس فريدمان لجو بايدن فور فوز الأخير في الإنتخابات الرئاسية: “عزيزي جو.. إنها الصواريخ الدقيقة”!
الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية قال “إن درس قاعدة عين الأسد كان أهم من برنامج إيران النووي؛ لقد نجحوا في مهاجمة ما ارادوا استهدافه”؛ معترفاً أن الصواريخ الإيرانية تملك الدقة في الاستهداف وانها تستطيع الوصول إلى أهدافها في جميع مناطق الشرق الاوسط.
يقول مركز معلومات الدفاع الأمريكي أن إيران تعتبر حالياً من بين أكبر المنتجين للصواريخ في العالم وأنها من اكبر الدول في الشرق الأوسط التي تمتلك منظومات صاروخية متطورة. وحسب ماكنزي فان إيران تستطيع اطلاق المزيد من الصواريخ علی أهداف أمريكية أم إسرائيلية، أكثر مما يُمكن أن تُلحق بها الضربات الجوية أو الصاروخية من أضرار؛ بمعنی آخر، كما يعتقد ماكنزي، “هذا التفوق (الإيراني) قد يكون من الصعب القضاء عليه”.
أمير حاجي زاده الذي يرأس القوة الصاروخية في الحرس الثوري الإيراني يقول علی الجميع أن يعلم أن جميع القواعد الأمريكية والقطع البحرية هي تحت مرمی الصواريخ الإيرانية ونحن بحالة جاهزية عالية لمواجهة أي تهديد.
هذه الصواريخ هي السبب الأساس في جعل المفاوضات النووية في فيينا صعبة مستصعبة وإن كان ما نراه عيناً إلغاءُ عقوبات لكنها في الحقيقة مقاربة عملية تدور في عمق الاستراتيجية الإيرانية في الاقليم.. لنختم بما كتبه توماس فريدمان لجو بايدن عبر “نيويورك تايمز” فور فوز الأخير في الإنتخابات الرئاسية: “عزيزي جو.. إنها الصواريخ الدقيقة“!