برغم سلسلة الاجتماعات التي عُقدت في الأسابيع الأخيرة، لم تقترب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وأوكرانيا وروسيا من حلٍ دبلوماسي؛ أو حتى من الحدّ من التوترات الحاصلة على الحدود الأوكرانية – الروسية. وبرغم أن موسكو لم تتخلَّ تماماً عن الذرائع الدبلوماسية، إلا أن الهوة الواقعة بين التوقعات الروسية والغربية قد باتت مكشوفة. فقد أوضح مسؤولون روس أنهم غير مهتمين بالمقترحات التي تُركز فقط على الإستقرار الإستراتيجي أو التدريبات العسكرية، أو حتى على وقف إنضمام أوكرانيا إلى حلف “الناتو”. ما يسعى إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو التفكيك الكامل للهيكل الأمني الذي إتخذته أوروبا بعد الحرب الباردة، وإلغاء الإتفاقيات الدولية الخاصة بحق الدول في تقرير المصير، وهذه “أهداف” لن تقبلها واشنطن وشركاؤها وحلفاؤها أبداً.
ماذا يحدث الآن؟
هناك ثلاثة سيناريوهات مرتقبة إذا فشلت الدبلوماسية، وكل من هذه السيناريوهات يعتمد إلى حدٍ كبير على الكيفية التي يُقرر فيها فلاديمير بوتين تحقيق أفضل أهدافه: شلّ القدرات العسكرية الأوكرانية؛ زرع الإضطرابات داخل الحكومة الأوكرانية؛ وتحويل أوكرانيا إلى دولة فاشلة غير قادرة على لعب دور الخصم العنيد والتحدي العنيد، ولا تشكل أي خطر أمني؛ وهي النتيجة التي يسعى إلى تحقيقها في النهاية.
العالم على شفا أكبر هجوم عسكري في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.. والأطراف الرئيسيون لن يغيروا من نهجهم الحالي
ما هي السيناريوهات المرتقبة؟
أولاً؛ حل دبلوماسي قسري:
ينطوي السيناريو الأول على حلٍ دبلوماسي قسري للأزمة الحالية. وهذا يُحتم على روسيا الإعتراف رسمياً بمنطقة دونباس المحتلة في شرق أوكرانيا أو ضمها. وقد اتخذ الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية بالفعل خطوة لتقديم مشروع قانون إلى مجلس مجلس النواب الروسي (الدوما) من شأنه أن يعترف بالدويلات الإنفصالية في دونباس بطريقة مشابهة للطريقة التي اعترفت بها روسيا بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهما منطقتان منفصلتان في جورجيا. وهذا سيسمح للكرملين بالإستغناء عن التصعيد العسكري مع تحقيق “انتصار”. قد تأمل القيادة الروسية أيضاً في دفع أوكرانيا إلى سوء تقدير مماثل لما فعله الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي في عام 2008، عندما اختار محاربة الإنفصاليين المدعومين من روسيا في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وبالتالي منح الكرملين ذريعة القيام بعمل عسكري دون الشعور بأي ذنب.
بيد أن مثل هذه التحركات غير كافية لتحقيق مكاسب لروسيا؛ بل أنها ربما تؤدي إلى نتائج عكسية: فهي مثلاً لن تُنهي العقوبات، وقد تزيد الوضع الراهن تعقيداً وتُفقد روسيا فرصة إمكانية إدخال “طابور خامس” مؤيد للكرملين في السياسة الداخلية الأوكرانية. إذا اختار بوتين هذا السيناريو، قد تواصل واشنطن وحلف “الناتو” عمليات نشر إضافية على طول الجناح الشرقي لـ”الحلف”، ما قد يؤدي إلى ترسيخ نوع من المعضلة الأمنية التي يريد الكرملين تجنبها.
ثانياً؛ “هجوم الكماشة”:
السيناريو الثاني قد ينطوي على هجوم روسي محدود، مع قوة جوية محدودة، للإستيلاء على أراضٍ إضافية في شرق أوكرانيا وفي دونباس، ربما كتمهيد للإعتراف أو الضم الكامل. في هذا السيناريو، ستستولي روسيا على ماريوبول، وهو ميناء أوكراني رئيسي في بحر آزوف، وكذلك خاركوف، وهي مدينة رئيسية ذات أهمية رمزية (كانت عاصمة جمهورية أوكرانيا الإشتراكية السوفياتية سابقاً). ويمكن لروسيا أيضاً أن تحاول إصدار نسخة أكثر طموحاً من خلال إجراء “هجوم الكماشة” من الشرق والجنوب باستخدام القوة البرية والجوية والبحرية. ومن الجنوب، يمكن لروسيا إنشاء “جسر برّي” يربط شبه جزيرة القرم بالبر الرئيسي لروسيا. ويمكنها أيضاً إطلاق عملية برمائية للإستيلاء على أوديسا، أهم ميناء في أوكرانيا، ثم الاندفاع نحو القوات الروسية المتمركزة بالفعل في ترانسنيستريا، وهي منطقة انفصالية في مولدوفا.
مثل هذه الخطوة ستحرم أوكرانيا من الموانئ الاقتصادية الحيوية على طول ساحلها الجنوبي، وتجعلها دولة بغير سواحل. كما ستعالج المشاكل اللوجستية الروسية القائمة منذ فترة طويلة في ما يتعلق بتوفير الإمدادات، بما في ذلك تأمين المياه لشبه جزيرة القرم. ستتطلب مثل هذه العملية إشراك كل القوات التي حشدتها روسيا في شبه جزيرة القرم وعلى طول الحدود الشرقية والشمالية لأوكرانيا. ستتطلب أيضاً الإستيلاء على التضاريس المُتنازع عليها والاحتفاظ بها، وبذل جهد مُكلف لإحتلال المدن الأوكرانية الكبرى، ما قد يُدخل القوات الروسية في حرب شوارع قد يطول أمدها، ومواجهة تمرد مُكلف. علاوة على ذلك، فإن الإستيلاء على الأرض والإحتفاظ بها سيُضعِفَ أوكرانيا، لكنه لن يجعلها دولة فاشلة.
ثالثاً؛ أوكرانيا “دولة فاشلة”:
السيناريو الثالث هو الأكثر ترجيحاً. هجوم روسي واسع النطاق تُستخدم فيه القوة البرية والجوية والبحرية على جميع محاور الهجوم. في هذا السيناريو، ستُحقق روسيا تفوقاً جوياً وبحرياً في وقت قياسي. بعد ذلك، ستتقدم بعض القوات البرية نحو “خاركوف” و”سومي” في الشمال الشرقي، بينما تتقدم قوات أخرى متمركزة الآن في شبه جزيرة القرم و”دونباس” من الجنوب والشرق على التوالي. وفي الوقت نفسه، يمكن للقوات الروسية في بيلاروسيا محاصرة القوات الأوكرانية؛ التي قد تتحرك لتعزيز الشرق والجنوب؛ وبالتالي يمكن لهذه القوات التقدم نحو كييف مباشرة وتسريع استسلام الحكومة الأوكرانية.
الإحتلال الطويل الأمد غير مُرجح في هذا السيناريو. قد يؤدي اقتحام المدن الكبرى إلى حرب شوارع، لا يرغب الجيش الروسي في خوضها. القوات الروسية ستحتل أراضٍ أوكرانية وتحتفظ بها لإنشاء خطوط إمداد، ثم تنسحب بعد التوصل إلى تسوية دبلوماسية مواتية أو إلحاق أضرار كافية بالأطراف الأخرى. وبعد ذلك تُترك أوكرانيا والغرب لتلقف الصدمة وترميم التداعيات الكارثية. ستركز هذه العملية على توجيه ضربات عقابية للحكومة والجيش الأوكرانيين، والبنية التحتية الحيوية، والأماكن ذات الدلالة للهوية الوطنية للأوكرانيين ومعنوياتهم. ستوجه القوات الروسية قنابلها وصواريخها ومدفعيتها وصواريخ كروز والباليستية قصيرة المدى إلى أهداف محددة بعناية، مثل القصر الرئاسي والمباني الإدارية الرئاسية ومجلس النواب الأوكراني (الهيئة التشريعية الأوكرانية) ووزارة الداخلية ووزارة الدفاع، ومقر جهاز الأمن، وميدان Nezalezhnosti (ميدان مركزي في كييف، شهد إنطلاقة العديد من الثورات المؤيدة للديموقراطية). وستشمل هذه العملية شن هجمات إلكترونية تستهدف البنية التحتية الحيوية، مثل شبكة الكهرباء في أوكرانيا، والتي يمكن أن تشل الدولة الأوكرانية. كما ستعطي روسيا الأولوية لتدمير مصنعي الأسلحة والصناعات الفضائية في أوكرانيا. ومن خلال القضاء على قدرة أوكرانيا على تطوير وإنتاج صواريخ “كروز” من طراز “نبتون” وأنظمة صواريخ “سابسان” وصواريخHrim-2 الباليستية قصيرة المدى، تضمن موسكو إزالة أي تهديد محتمل للردع التقليدي من أوكرانيا في المستقبل القريب.
وفقاً للسيناريو الثالث، ستُصاب الحكومة الأوكرانية، والجيش، والبُنية التحتية الاقتصادية بالشلل، وبالتالي ستتحول أوكرانيا إلى دولة فاشلة
الهجوم البري والبحري سيطوق القوات المسلحة الأوكرانية ويقضي عليها. واستخدام القوة الجوية والصواريخ البعيدة المدى سيؤدي إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا وإحداث كارثة إنسانية، وفوضى داخل سلاسل القيادة المدنية والعسكرية، وربما قطع رأس القيادة الأوكرانية. إذا سارت الأمور وفقاً لهذا السيناريو، ستُصاب الحكومة الأوكرانية، والجيش، والبُنية التحتية الاقتصادية بالشلل، وبالتالي ستتحول أوكرانيا إلى دولة فاشلة.
عواقب غير مسبوقة
بغض النظر عمَّا إذا كانت روسيا ستختار توغلاً محدوداً أو هجوماً واسع النطاق، فإن العواقب التي قد تواجهها من واشنطن وحلفائها وشركائها يجب أن تكون أيضاً غير مسبوقة، كما سبق وحذَّرت إدارة بايدن. وقد قدم السناتور الأميركي روبرت مينينديز، الديموقراطي عن ولاية نيو جيرسي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بالفعل “مشروع قانون الدفاع عن سيادة أوكرانيا لعام 2022″، يشبه قائمة أمنيات لمناصري السيادة الأوكرانية. يتضمن مشروع قانون مينينديز جملة أحكام داعمة لأوكرانيا وتفرض عقوبات على مسؤولي الدولة الروسية الذين يشاركون في هجوم على أوكرانيا أو يساعدون فيه؛ عقوبات على المؤسسات المالية الروسية؛ عقوبات تتطلب فصل المؤسسات المالية الروسية الكبرى عن خدمات المراسلة المالية مثل SWIFT؛ حظر المعاملات المتعلقة بالديون السيادية لروسيا؛ مراجعة العقوبات المفروضة على “نورد ستريم 2″؛ وفرض عقوبات على قطاعي الطاقة والتعدين الروسيين. وبرغم أن مشروع القانون يوفر تنازلات محتملة في عدة حالات واستثناء لاستيراد البضائع، إلا أن تمريره لا يزال يمثل خطوة جريئة نحو الدفاع عن أوكرانيا.
الكرملين يعتقد أن الإفتقار إلى التماسك الداخلي للولايات المتحدة سيقوض قدرة واشنطن على الرد القوي. وعلى الكونغرس ألَّا ُيضفي مصداقية على هذا الاعتقاد
إدارة بايدن عبرت بالفعل عن دعمها لمشروع قانون مينينديز. لكن ذلك لا يكفي. على هذه الإدارة عدم السماح بأن يصبح ضحية أخرى للمشاحنات بين الحزبين، وأن تسعى لتمريره في مجلسي الشيوخ والنواب.
تقليدياً، كان هناك دائماً دعم قوي من الحزبين لأوكرانيا. لكن الكرملين يعتقد أن الإفتقار إلى التماسك الداخلي للولايات المتحدة سيقوض قدرة واشنطن على الرد القوي.
بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الكونغرس أو إدارة بايدن تجاوز مجرد الكشف عن الأصول التي تحتفظ بها الدائرة المقربة لبوتين إلى إستهداف الأصول نفسها وبشكل مباشر، بدءاً من العقوبات المفروضة على 35 فرداً كان أوصى بها المنشق الروسي أليكسي نافالني. إن الضغط على الأوليغارشية (القلة الحاكمة) الرئيسية المحيطة ببوتين سيكون بأهمية معاقبة المسؤولين الذين سيشاركون بشكل مباشر في الأعمال العسكرية – إن لم يكن أكثر من ذلك.
نزاع عسكري كبير في أوكرانيا سيكون كارثة. وهيو احتمال يجب على الولايات المتحدة والجميع الإستعداد له، وفي الوقت نفسه نتيجة ينبغي على الجميع العمل للحؤول دون تحققه
قد يُشكك البعض في فعالية العقوبات كأدوات للردع أو لتغيير السلوك. في الواقع، روسيا قد تصمد في وجه العاصفة مع وجود 630 مليار دولار من الاحتياطيات الدولية، وزيادة توطين الصناعات الحيوية، وسوق طاقة مواتية، وبدائل لنظام SWIFT في شكل النظام الروسي المحلي لنقل الرسائل المالية والنظام الصيني للدفع بين البنوك وعبر الحدود. بيد إن مثل هذه المخاوف تتجاهل حقيقة أن العقوبات تتسبب بخسائر مادية وغير مادية بشكل متزايد، وتضعف شبكات نفوذ الكرملين. وأنه كان لها بالفعل تأثير سلبي على سوق الأوراق المالية (الأسهم) الروسية.
ومع ذلك، ستكون العقوبات أقل جدوى وفعَّالية بكثير من دون تأمين الوحدة عبر الأطلسي وضمان تعاون الاتحاد الأوروبي. أضف إلى ذلك أن حلفاء واشنطن الأوروبيين قلقون من احتمال أن تضر العقوبات باقتصاداتهم. بناء على التعليقات التي أدلى بها جو بايدن خلال مؤتمره الصحفي الأخير، يبدو أن واشنطن قد تكافح من أجل حشد رد موحد على العدوان الروسي المرتقب، لا سيما في حالة الهجمات الإلكترونية أو الأعمال غير العسكرية أو شبه العسكرية. لقد قوّض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالفعل صورة الجبهة الموحدة من خلال دعوة الاتحاد الأوروبي لإجراء حواره الخاص مع روسيا. كما رفضت ألمانيا تصدير الأسلحة إلى أوكرانيا ولم تقدم موقفاَ نهائياَ بشأن تأخير أو إلغاء الموافقة على خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي سيجلب الغاز الروسي إلى أوروبا.
قد تقطع روسيا إمداداتها من الطاقة عن أوروبا، ما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الحالية وتهديد الوحدة عبر الأطلسي. وهي الأزمة التي دفعت بالولايات المتحدة إلى إرسال غاز طبيعي مُسال إضافي إلى دول الاتحاد الأوروبي في كانون الأول/ديسمبر الماضي. وقد تضطر أوروبا للبحث عن مصادر طاقة بديلة وفق جدول زمني قصير من أجل تجنب التداعيات المحلية. وينبغي على واشنطن مساعدة حلفائها وشركائها الأوروبيين، إلى أقصى حدٍ مُمكن، في سد هذه الفجوة بالاحتياطيات الإستراتيجية من النفط والغاز.
بتركيزها على الدبلوماسية وإهمال أدوات القوة الصلبة، أضاعت إدارة بايدن فرصة لتجنب أزمة على الجانب الشرقي من أوروبا
ثمة دول أخرى تشعر بالقلق من أن يؤدي فصل المؤسسات المالية الروسية عن نظام SWIFT إلى رد فعل سلبي على الاقتصاد الأوروبي. وبما أن SWIFT تخضع للقانون البلجيكي والأوروبي، يجب على واشنطن الاعتماد إلى حد ما على الإذعان الأوروبي لفرض أي قطع عن روسيا. يمكن أن تحاول الولايات المتحدة إجبار الدول الأوروبية على المشاركة، كما فعلت في عام 2012، عندما ضغطت لفصل إيران عن نظام SWIFT، ولكن في ظل خطر تفكك الوحدة عبر الأطلسي، قد تكون واشنطن غير مستعدة لإكراه حلفائها.
خطوات مطلوبة من واشنطن
بإمكان الولايات المتحدة تمكين الحكومة الأوكرانية من الرد على العمليات الروسية المرتقبة، من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية الإستراتيجية والتشغيلية وحتى التكتيكية. يجب عليها أيضاً أن تحذو حذو بريطانيا وأن ترسل مساعدات جادة قبل أي هجوم روسي مرتقب، وأن تزود أوكرانيا بالأسلحة الخفيفة والذخائر والمعدات وكميات كبيرة من أنظمة الدفاع الجوي المحمولة، بالإضافة إلى أنظمة متطورة وحديثة، بما في ذلك صواريخ “باتريوت” المضادة للطيران وصواريخ “هاربون” المضادة للسفن. قد يجادل منتقدو هذا النهج بأن تسليم هذه الأنظمة من شأنه أن يوفر ذريعة للكرملين لشن هجومه بشكل استباقي. ولكن إذا كان العمل العسكري الروسي أمراً مفروغاً منه بالفعل، فلن يكون هناك سبب لعدم التحرك.
وبرغم أنه لا يمكن تسليم أنظمة متطورة في الوقت المناسب لأنها تتطلب تدريباً خاصاً لتشغيلها، لا يزال من الممكن نشر بعض الأنظمة بقدرة تشغيلية أولية، لا تُعدّل في ميزان القوة العسكرية بين أوكرانيا وروسيا، لكن من شأنها تعزيز إمكانية الردع عند اقترانها بأعمال أخرى. يجب على الولايات المتحدة كذلك تسريع عملية الموافقة على نقل الأسلحة الأميركية الصنع إلى أوكرانيا، كما فعلت مؤخراً في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا ونشر قوات ومعدات عسكرية إضافية لطمأنة حلفائها الأوروبيين ومساعدتهم، وذلك وفق ما تقتضيه المادة “5” من ميثاق حلف “الناتو”. فذكريات الهيمنة السوفيتية والروسية لا تزال حاضرة في أذهان البلدان الواقعة على الجانب الشرقي للحلف، ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تهديد وجودي. بالإضافة إلى ذلك، وفي حالة حدوث احتلال وتمرد طويل الأمد، على الأرجح، يجب على إدارة بايدن دعم المتمردين الأوكرانيين.
كخطوة أخيرة، وبالاشتراك مع المنظمات الإنسانية الدولية، يجب على واشنطن وحلفائها وشركائها الأوروبيين إنشاء ممرات إنسانية بالموارد والأفراد لحماية اللاجئين. فمن المتوقع أن يفر عشرات الآلاف – إن لم يكن مئات الآلاف أو حتى الملايين – من الصراع، إما كمشردين داخل أوكرانيا أو كلاجئين في البلدان المجاورة. لذا، الإستعداد لإستيعاب هذا التدفق المرتقب من طالبي اللجوء واللاجئين بتأشيرات هجرة خاصة طارئة من النوع الذي تم توفيره للأفغان الفارين من سيطرة طالبان على بلادهم الصيف الماضي.
واشنطن وضعت نفسها في موقف ربما يفشل فيه الردع الذي أصبح اليوم خياراً أسوأ بكثير مما كان العام الماضي أو حتى الأسبوع الماضي.. وعلى واشنطن أن تفترض الأسوأ وتتصرف وفقاً لذلك
حان وقت العمل
على الرغم من أن إدارة بايدن تعاملت مع المفاوضات الزائفة مع روسيا بشكل مثير للإعجاب، إلَّا أن النتيجة النهائية ستظل تذكر بالفرص الضائعة. لقد وضعت واشنطن نفسها في موقف جعل خيارات الردع اليوم أسوأ بكثير مما كانت عليه العام الماضي أو الشهر الماضي أو حتى الأسبوع الماضي. فمع التركيز على الدبلوماسية وإهمال أدوات القوة الصلبة، أضاعت إدارة بايدن فرصة لتجنب أزمة على الجانب الشرقي من أوروبا. كان من الممكن أن يؤدي الرد الأكثر قوة على التعزيزات العسكرية التي نفذتها روسيا على حدودها مع أوكرانيا في نيسان/أبريل الماضي إلى تغييرات استباقية في ميزان القوة وإدخال المساعدات اللازمة إلى أوكرانيا، والتي ربما كان ليكون لها تأثير أكبر على تغيير حسابات الكرملين العسكرية. على واشنطن الآن أن تواجه روسيا بقدرة محدودة على الردع والإكراه.
العالم على شفا أكبر هجوم عسكري في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. بالنظر إلى المصالح الحالية، فإنه من غير المرجح أن يغير أياً من الأطراف الرئيسية؛ الولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا، نهجهم الحالي تجاه الوضع. واشنطن لا ترغب في استخدام القوة الصارمة لردع روسيا. في أوكرانيا، لا إجماع حول الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي تراجعت شعبيته بعد فشله في خفض مستوى التصعيد مع روسيا.
في اللحظة التي ستبدأ فيها الحرب المرتقبة، سيصبح المشهد الجيوسياسي أكثر تحدياً للأمن القومي للولايات المتحدة، التي ينبغي أن تستعد لتحمل الأسوأ وتخطط وفقاً لذلك. والمطلوب من إدارة بايدن الآن المحافظة على وجود توازن دقيق، عبر تجنب المواجهة العسكرية مع روسيا مع الإبقاء على معاقبتها فلا توجد مهمة أكثر أهمية من ذلك في الوقت الحالي.
– النص الأصلي بالإنكليزية على موقع “الفورين أفيرز“
(*) ألكسندر فيندمان مقدم متقاعد في الجيش الأميركي ومدير سابق للشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي. وهو أيضاً مؤلف كتاب Here, Right Matters: An American Story (هنا، المسائل المُحقة: قصة أميركية). أما دومينيك كروز بوستيلوس فهو باحث مشارك في معهد Lawfare Institute