أخبرتنا دراسة سابقة صدرت عن معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة، وهو مركز البحوث المتعددة التخصصات في جامعة براون الأمريكية، ثلاث إحصائيات تقريبية دالة:
- بلغت مصروفات البنتاغون منذ بداية الحرب على أفغانستان ما يزيد في مجمله على 14 تريليون دولار. وتتراوح النسبة التي ذهبت إلى المتعاقدين العسكريين ومصنعي الأسلحة بين ثلث إلى نصف هذا المصروف.
- قطعة كبيرة نسبتها بين الربع إلى الثلث من العقود التي نالها هؤلاء المتعاقدين العسكريين مع البنتاغون، ذهبت إلى شركات عملاقة مثل لوكهيد مارتن، بوينج، جنرال ديناميكس، رايثيون ونورثروب جرامن.
- قام صنّاع الأسلحة بصرف 2.5 مليار دولار على عمليات الضغط والاستمالة Lobbying خلال العقدين الأخيرين. موظِفين ما يزيد عن 700 عميل ضغط خلال الخمس سنوات الأخيرة، بنسبة أكثر من عميل لوبي لكل عضو بالكونجرس الأمريكي.
ومن بيانات متاحة عن ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية للعام 2022، نستخلص ثلاث نقاط:
- يبلغ حجم مخصصات الإنفاق العسكري للحكومة الفيدرالية الأمريكية 715 مليار دولار.
- بلغت مخصصات وزارة الخارجية الأمريكية في الميزانية 58.6 مليار دولار.
- ببساطة، بلغت ميزانية الدفاع أكثر من 12 ضعف ميزانية الدبلوماسية الأمريكية.
ننتقل بعدها مباشرة لنستمع إلى تصريحات ثلاثة مدراء تنفيذيين على قمم 3 شركات كبرى من صناع الأسلحة، خلال مؤتمر مناقشة أرباح الربع الأخير من العام 2021، والذي عقد بتاريخ 25 كانون الثاني/ يناير 2022:
- جريج هايز – المدير التنفيذي لشركة رايثيون:
“نحن نرى فرصاُ لمبيعات عالمية. علينا فقط النظر للأسبوع الماضي، عندما رأينا هجوماً بالمسيرات الطائرة على الإمارات العربية المتحدة، .. وبالطبع التوترات في أوروبا الشرقية، وكذلك التوترات في بحر الصين الجنوبي. كل هذه التوترات تضع ضغوطاً على بعض ميزانيات الدفاع هناك. ولذا فإنني أتوقع تماماً أننا سنرى بعض الاستفادة من هذا الأمر”.
- جيمس تايسلت – المدير التنفيذي لشركة لوكهيد مارتن:
“إذا ما نظرت إلى مستوى التهديد المتصاعد والمقاربات التي تتخذها بعض الدول، من ضمنها كوريا الشمالية، إيران وبعض أطرافها التابعة باليمن وغيرها، وعلى وجه الخصوص روسيا.. والصين. ثمة تنافسية تجددت بين القوى الأكبر بالعالم تتضمن الدفاع الوطني والتهديدات الموجهة له (…) أظن وأنا قلق بشكل شخصي، أن التهديدات تتقدم، ويجب علينا أننا نكون قادرين على مجابهتها”.
3- كاثي ووردن – المديرة التنفيذية لشركة نورثروب جرامن:
“نحن شركة تعاقد عسكري. ولذا فإننا ندعم مهمات الأمن الدولي، بشكل موسع في مناطق الردع، ولكن ذلك يتضمن أيضاً نظام الأسلحة. ونحن نستشرف بأنا سنستمر في هذه الأعمال، لأننا نؤمن بأنها في الحقيقة تعزز نشر حقوق الإنسان بالعالم، وليس العكس. لقد قمنا بتقييم بعض المواضع في سيرة أعمالنا.. والمتعلقة بالذخيرة العنقودية. واليوم، أؤكد أننا نخطط لإخراج ذخيرة اليورانيوم المنضب، كجزء من حقيبة أعمالنا التي لا نريد من الآن أن ندعمها بشكل مباشر”.
وفي سياق تقرير صدر عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، بتاريخ 2 حزيران/ يونيو 2020، نستقي ثلاث نقاط ذات مغزى:
- على خلفية المواجهة المتزايدة الحدة بين روسيا والغرب، ستكون شركات التعاقد العسكري الخاصة متجهة لتوسعة دورها كأداة للسياسات الروسية بليبيا ومناطق مشتعلة أخرى.
- بدأت مجموعة “فاجنر” الروسية في بناء سمعتها ومنفعتها للكرملين كقوة محاربة سرية بأوكرانيا، وقد اكتسبت سمعة أكثر سوءاً في الحرب الأهلية السورية.
- نشر قوات “فاجنر” بليبيا هو مؤشر على العلاقات التآزرية بين الحكومة الروسية وشركات التعاقد العسكري الخاصة، التي هي (في ظاهر الأمر) لا تتحكم بها..
وفي تقرير نشرته جريدة “نيويورك تايمز” الأمريكية، صادر عن المنظمة غير الحكومية مجموعة سايت للاستخبارات (SITE)، قامت المنظمة برصد إلكتروني، لأنشطة ومنشورات على مواقع يمينية متطرفة، وهم يقومون بالتنسيق لعقد اجتماعات، جمع تبرعات، إقلال جماعي بالسيارات ومخططات عبور للحدود، كجزء من حملة ضخمة لتجنيد المحاربين الأجانب وإرسالهم إلى أوكرانيا.
وإليك عزيزي القارىء ثلاثة نماذج من هذه الحالات التي رصدتها “سايت”:
- رحبت الجماعة الأوكرانية اليمينية المتطرفة المعروفة باسم كتيبة آزوف Azov Battalion عبر شبكة الإنترنت، بانضمام المتطوعين إليها من مختلف الدول في حربها ضد القوات الروسية.
- قامت صفحة تجمّع شهيرة على موقع التواصل الاجتماعي الأوروبي VK، مخصصة لوحدات من الانفصاليين الروس، بنشر رابط مخصص لمنح التبرعات، لمساندة الميليشيات الانفصالية. وتعمل هذه الصفحة المسماة “جيش الميليشيات المتطوعة لجمهوريتي دونتسك ولوغانسك” كمركز تجميعي لجهود تجنيد المتطوعين بعدد من الميليشيات، لكي يقوموا بالتقدم بطلب للانضمام للجماعات الانفصالية المؤيدة لروسيا.
- قام مستخدمون ينتمون لجماعات البيض القوميين والنازيين الجدد، بمناقشة تنظيم عمليات جمع التبرعات عبر مختلف غرف الدردشة الإلكترونية، بغرض إرسالها إلى وحدات المليشيات الأوكرانية التي تتوافق مع ايديولوجياتهم.
وإذا نظرنا إلى خطاب بوتين الذي أعلن فيه عن العمليات العسكرية ضد أوكرانيا، حين قال في سياقه إنه من ضمن أهدافه، تخليص أوكرانيا من “نازييها الجدد”، وجب علينا تسليط بعض الضوء على ثلاثة تجليات للشارة النازية بأوكرانيا:
- قامت جماعة تسمى “الميليشيا الوطنية” بمظاهرات (سلمية) في كانون الثاني/ يناير 2018 بالعاصمة الأوكرانية كييف، تحولت بمدينة بالكلافاس إلى غير سلمية، حينما قاموا باقتحام جلسة منعقدة بمجلس المدينة، ليجبروا الأعضاء المجتمعين على تمرير ميزانية جديدة للمدينة بالإكراه. وهي ميليشيا تتكون من 30 كتيبة متفرقة، تابعة لكتيبة آزوف. وكان الغرض من تكوينها معاونة السلطات الأوكرانية في العمليات الأمنية المدنية، وهو الشيء الذي يبيحه القانون الأوكراني. لكنها اشتركت لاحقاً في معارك عسكرية ضد الانفصاليين في منطقة الدونباس شرق أوكرانيا. وكمثيلاتها من وحدات ميليشيات آزوف، تم مأسستها تحت غطاء الجيش الأوكراني، وهو ما جعل البعض يقول بأنه لا داعي للقلق من استخدامهم شعارات تعود للفترة النازية، أو ضمهم أعضاء من النازيين الجدد إلى صفوفها!
- حزب سفوبودا، ذات الإيديولوجية القومية الشعبوية المتطرفة (النازية)، كان قد فاز بـ 37 مقعداً بالانتخابات البرلمانية الأوكرانية عام 2012. هبط ذلك الرقم إلى 6 مقاعد فقط بعد إنتخابات 2014 الطارئة. بينما إذا ما حولنا النظر إلى نتائج الإنتخابات البرلمانية لعام 2019، سنجد أن حزب “منصة المعارضة – مدى الحياة” ذات الفكر المائل نحو روسيا، والمتشكك في التوجه نحو أوروبا، قد فاز بثاني أكبر كتلة بالبرلمان (46 مقعداً)، فحلّ في المركز الثاني بعد حزب “خادم الشعب”(*) ذي التوجه الوسطي (على الأقل إدعاءً، مع ممارسات قمعية ضد المعارضة)، والذي حصد 254 مقعدا ببرلمان 2019 من أصل 450 مقعداً. وفي ذات المجلس هبط عدد مقاعد حزب سفوبودا المتطرف إلى مقعد واحد!.
- ولكل من شعر ببعض الارتياح بنهاية النقطة السابقة، ندعوه آسفين للرجوع عن الارتياح الكامل، بمشاهدة تقرير وثائقي مصغر أذاعته قناة NBC News الأمريكية، عن معسكرات تدريب الأطفال على أيدي كتائب يمينية متطرفة على أطراف العاصمة الأوكرانية كييف.
الآن وبعد عرض هذه الباقات من الثلاثيات غير المريحة، ندعوك عزيزي القارىء المتابع إلى أن تُرِح نفسك بتغريدة لأستاذ الاقتصاد ووزير المالية اليوناني الأسبق يانيس فاروفاكيس، قال فيها ما لخص الأزمة في ثلاثة أسطر:
- المسألة الوحيدة اليوم يجب أن تكون إيقاف الحرب وتأمين انسحاب القوات الروسية من أوكرانيا.
- السبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو اتفاقية بين واشنطن وموسكو، تنسحب على إثرها روسيا مقابل التزام أوكرانيا بالحياد.
- كل ما عدا ذلك هو ترويج للحرب.
تحياتي الثلاثية.
(*) حزب “خادم الشعب” أنشىء عام 2018، على أساس حزب سابق كان يسمى “حزب التغييرات الحاسمة”. وينتمي إليه الرئيس الأوكراني الحالي فلوديمير زيلينسكي، كما إن اسم “خادم الشعب” مستقى من اسم البرنامج الكوميدي الذي اشتهر زيلينسكي من خلاله Servant of the People.