قمة طهران.. الشراكة الأوراسية تتفوق على بايدن
TEHRAN, IRAN - JULY 19: Turkish President Recep Tayyip Erdogan (L), Iranian President Ebrahim Raisi (C) and Russian President Vladimir Putin (R) arrive to hold a joint tripartite news conference after the 7th summit in Astana format in Tehran, Iran on July 19, 2022. (Photo by Mustafa Kamaci/Anadolu Agency via Getty Images)

منى فرحمنى فرح23/07/2022
كانت قمة طهران، التي جمعت بين إيران وروسيا وتركيا، حدثًا إستثنائيًا، بل مبهرًا بكل ما للكلمة من معنى. تحدث البيان الختامي المشترك، ظاهريًا، عن "عملية أستانا للسلام في سوريا" (بدأت عام 2017). وضمنًا أكد أن الدول الثلاث "لن تقبل أي حقائق جديدة تُسجل في سوريا باسم هزيمة الإرهاب"، وأن المستقبل لدول "البريكس" التي تنسق إستراتيجياتها المشتركة ببطء ولكن أيضًا بثبات، بحسب الصحافي في "ذا يو إن زد ريفيو" بيب إسكوبار.

الوقوف في وجه “شرطي العالم”

ملخص مضمون البيان الختامي لقمة طهران يعني، ومن دون أي لبس، رفض شامل من قبل إيران وروسيا وتركيا لشكل الأحادية القطبية التي صبغت به “الحرب على الإرهاب” في غرب آسيا.

كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في كلمته أمام القمة واضحًا إلى أبعد الحدود. سمّى معظم الأمور بأسمائها المباشرة، وقال: “الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، تنهب موارد سوريا الطبيعية، وتدفع بقوة باتجاه تشجيع المشاعر الإنفصالية في بعض مناطق البلاد بهدف تفكيك الدولة السورية في نهاية المطاف”، مشدّدًا على “وجوب اتخاذ خطوات عاجلة من أجل تعزيز الحوار السياسي الشامل بين الأطراف السورية”.

وأضاف بوتين: “لذلك ستكون هناك خطوات إضافية في صيغتنا الثلاثية” تهدف إلى “تثبيت إستقرار الوضع في تلك المناطق.. والأهم من ذلك تمكين الحكومة الشرعية لتتولى وحدها السيطرة على كافة الأراضي السورية.. لقد اتخذنا قرارنا، وأيام النهب الإمبراطوري ستنتهي، سواء بالقوة أو بغير القوة”.

الاجتماعات الثُنائية التي حصلت على هامش القمة – بوتين / إبراهيم رئيسي (الرئيس الإيراني)، وبوتين / رجب طيب أردوغان (الرئيس التركي) – كانت أكثر إثارة للاهتمام. والسياق الذي انعقدت فيه هذه الاجتماعات هو المفتاح هنا: قمة طهران جاءت بعد زيارة بوتين إلى تركمانستان وطاجيكستان، في حزيران/يونيو الماضي، ومشاركته في قمة بحر قزوين السادسة، إلى جانب جميع الدول الساحلية، بما فيها إيران. وجاءت أيضًا بعد جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في كل من الجزائر والبحرين وعُمَان، وكذلك السعودية، حيث إلتقى بجميع نظرائه في دول مجلس التعاون الخليجي.

القمة تزامنت مع توقيع “النفط الإيرانية” و”غازبروم” الروسية اتفاقية تعاون إستراتيجي  بقيمة 50 مليار دولار لتطوير حقول النفط وإنشاء خطوط أنابيب جديدة لتصدير الغاز

هكذا نرى الدبلوماسية الروسية تنسج خيوطها الجيوسياسية، بعناية، من غرب آسيا إلى آسيا الوسطى، فيما جميع الأطراف الأخرى تُبدي رغبة جادّة في التحدث والاستماع إلى موسكو. وكما هو الحال، أساس الوفاق الودّي بين روسيا وتركيا هو إدارة الصراع الدائر في سوريا، وطبعًا مع تقوية العلاقات التجارية المشتركة. لكن العلاقة بين روسيا وإيران مختلفة تمامًا: إنها أكثر بكثير من علاقة شراكة إستراتيجية.

لذلك، ليس من قبيل المصادفة أن تعلن شركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC)، وبالتزامن مع موعد قمة طهران، عن توقيع اتفاقية تعاون إستراتيجي مع شركة “غازبروم” الروسية بقيمة 50 مليار دولار. وهذا هو أكبر استثمار أجنبي في تاريخ صناعة الطاقة في إيران، وكانت طهران تسعى لتحقيقه منذ أوائل عام 2000. سبع صفقات، بقيمة 4 مليارات دولار، مخصصة لتطوير حقول النفط، وصفقات أخرى لإنشاء خطوط أنابيب جديدة لتصدير الغاز وتطوير مشاريع الغاز الطبيعي المُسال.

 “لا” إيرانية لـ”الناتو”

مستشار الكرملين، يوري أوشاكوف، سرَّب تفاصيل قليلة عما دار بين بوتين والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، في اجتماعهما الخاص. ولخص هذه التفاصيل بطريقة لطيفة جدًا عندما قال: “لقد ناقشا القضايا المفاهيمية”. وهو يقصد القضايا الإستراتيجية الكُبرى، خصوصًا تفاصيل العملية المتطورة والمعقدة المتعلقة بتحقيق التكامل في أوراسيا؛ والتي تتمثل بشكل رئيسي من روسيا وإيران والصين. وتعمل هذه الدول الآن على تعزيز أُطر التعاون والترابط في ما بينها. فالشراكة الإستراتيجية بين روسيا وإيران تعكس إلى حد كبير النقاط الرئيسية للشراكة الإستراتيجية بين الصين وإيران.

ونقل أوشاكوف عن خامنئي قوله بخصوص حلف شمال الأطلسي: “لو لم يتم إيقاف الناتو في أوكرانيا، لكان افتعل حربًا بذريعة شبه جزيرة القرم.. لن يكون لهذا التحالف حدوداً يقف عندها إذا تركنا الطريق أمامه مفتوحًا”.

لم تحصل أية تسريبات بخصوص مصير خطة العمل الشاملة المشتركة بين الولايات المتحدة وإيران (JCPOA). لكن من الواضح، وبناءً على المفاوضات الأخيرة التي جرت في فيينا، أن موسكو لن تتدخل في قرارات طهران النووية. إيران وروسيا والصين تعرف جيدًا من الذي يعيق عودة خطة العمل الشاملة المشتركة إلى مسارها الصحيح، وتعي أيضًا كيف أن عملية المماطلة هذه تأتي بنتائج عكسية، وتمنع الغرب من الوصول إلى النفط الإيراني في وقت تشتد حاجة الجميع إليه.

ثم هناك جبهة الأسلحة. إيران هي واحدة من روَّاد العالم في إنتاج الطائرات المسيّرة بمختلف أنواعها؛ الاستطلاعية والهجومية؛ وهي صناعة فعَّالة ولا تكلف الكثير، ويتم نشرها في الغالب من منصات بحرية في غرب آسيا.

مستشار الكرملين عن خامنئي: “لو لم يتم إيقاف الناتو في أوكرانيا لإفتعل حربًا بذريعة جزيرة القرم.. لن يكون لهذا التحالف حدوداً إذا تركنا الطريق أمامه مفتوحًا”

يتلخص موقف طهران الرسمي في عدم تزويد الدول التي تكون في حالة حرب بالأسلحة، الأمر الذي من شأنه؛ من حيث المبدأ؛ إبطال حجج “المخابرات” الأميركية المراوغة بشأن دعمها لروسيا في أوكرانيا. ومع ذلك، يمكن أن يحدث هذا دائمًا خلف الكواليس، خصوصًا وأن طهران مهتمة جدًا بشراء أنظمة دفاع جوي روسية وطائرات حربية حديثة. بعد إنهاء الحظر، الذي فرضه مجلس الأمن الدولي، يمكن لروسيا بيع ما يناسبها من أسلحة تقليدية لإيران.

المحللون العسكريون الروس منبهرون بالاستنتاجات التي توصل إليها الإيرانيون، عندما ثبت أنهم لن يعارضوا أي فرصة ضد أسطول “الناتو”؛ هم اساسًا يراهنون على حرب العصابات (الدرس المستفاد من أفغانستان). وفي سوريا والعراق واليمن، نشر الإيرانيون مدربين لتوجيه القرويين في قتالهم ضد السلفيين الجهاديين. وأنتجوا عشرات الآلاف من سلاح القناصة ذات العيار الكبيرATGMs، والصواريخ المضادة للدبابات، والقنابل الحرارية؛ وبالطبع أتقنوا تقنية صنع الطائرات المسيَّرة المدمجة بكاميرات مراقبة فائقة الدقة لمراقبة المواقع الأميركية.

ناهيك عن أن الإيرانيين، في الوقت نفسه، يبنون ترسانة ضخمة من الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى بتقنيات حديثة ومتطورة جدًا. ولا عجب أن المحللين العسكريين الروس يقدرون أن هناك الكثير ليتعلمونه من الإيرانيين من الناحية التكتيكية؛ وليس فقط على جبهة الطائرات المسيَّرة.

إقرأ على موقع 180  الفنون جنون

تانغو بوتين – “السلطان”

وبخصوص اجتماع بوتين والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان؛ فهو اجتماع يلفت الإنتباه دائمًا، ويُصوَّر وكأنه رقصة “تانغو جيوسياسي”؛ خاصة وأن “السلطان” لم يقرر ركوب القطار فائق السرعة للتكامل في أوراسيا.

وأعرب بوتين دبلوماسيًا عن امتنانه للمناقشات التي تمت حول قضايا الغذاء والحبوب، مؤكدًا أنه تم إحراز تقدم بخصوص تسهيل عمليات تصدير الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود، على الرغم من أنه لم تُحل جميع القضايا العالقة بعد.

وكان بوتين يشير إلى وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الذي أكد في وقت سابق إنشاء مركز عمليات في ميناء اسطنبول، وأنه خلال الأيام القليلة المقبلة سيتم الإنتهاء من وضع ضوابط مشتركة عند نقاط الدخول والمغادرة، وتعزيز عمليات مراقبة السلامة الملاحية على طرق النقل وغيرها من القضايا العالقة.

ما لم تكشفه التسريبات بالتأكيد هو أن الوضع في سوريا مسدود، لأهداف عملية. وهذا يصبّ في صالح روسيا؛ التي تمثل منطقة دونباس أولويتها الرئيسية. و”أردوغان الماكر” يعرف ذلك جيدًا، ولهذا السبب ربما حاول انتزاع بعض “التنازلات” بشأن “المسألة الكردية” وناغورنو كاراباخ. في المقابل، يعي بوتين، وسكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف مدى عدم أهمية مثل هذا “الشريك الغريب” (أردوغان) القابل لأن يُدار من قبل  الغرب.

لقد تحولت اسطنبول هذا الصيف إلى “روما”، على الأقل بالنسبة للسياح الروس الممنوعين من دخول أوروبا. فالروس موجودون في كل مكان. ومع ذلك، فإن التطور الجيو-اقتصادي الأكثر أهمية الذي حصل في الأشهر القليلة الماضية هو أن الانهيار الذي تسبب به الغرب لخطوط التجارة والإمداد على طول الحدود بين روسيا والاتحاد الأوروبي؛ من بحر البلطيق إلى البحر الأسود؛ سلط الضوء على أهمية الدور الاقتصادي الذي يتحلى به ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INTSC): نجاح كبير للتكامل الجيوسياسي والجيواقتصادي بين روسيا وإيران والهند (…).

 وداعًا لـ”الرجل الملقن”

والآن، قارن كل ما سبق مع الزيارة الأخيرة التي قام بها من يُسمى بـ”زعيم العالم الحر” إلى المنطقة، حيث قضى وقته يصافح أشخاصا غير مرئيين ويقرأ؛ حرفياً؛ كل ما يتم تمريره على جهاز التلقين عن بعد. نحن نتحدث هنا بالطبع عن الرئيس الأميركي جو بايدن.

الحقيقة أن بايدن هدَّد إيران بشن ضربات عسكرية. وبصفته مجرد متضرع، توسل إلى السعوديين لضخ المزيد من النفط من أجل تعويض “الاضطرابات” الواقعة في أسواق الطاقة العالمية نتيجة هستيريا العقوبات الجماعية التي فرضها الغرب على روسيا دون أن يكون لديه أية رؤية، ولا حتى مسودة خطة سياسة خارجية لغرب آسيا.

لذلك، قفزت أسعار النفط صعودًا بعد رحلة بايدن: ارتفع سعر خام البرنت بأكثر من 4 في المائة ووصل إلى 105 دولارات للبرميل الواحد، ما أعاد الأسعار إلى ما فوق الـ 100 دولار بعد فترة هدوء استمرت عدة أشهر.

الانهيار الذي تسبب به الغرب لخطوط التجارة والإمداد على طول الحدود بين روسيا والاتحاد الأوروبي عزَّز التكامل الجيوسياسي والجيواقتصادي بين روسيا وإيران والهند

جوهر المسألة أنه إذا قررت منظمة “أوبك” أو منظمة “أوبك +” (التي تضم روسيا) زيادة إمداداتها النفطية، فذلك سيكون بناءً على مداولاتهم الداخلية، وليس تحت أي ضغط استثنائي.

أما بالنسبة للتهديد الأميركي بشن ضربات عسكرية ضد إيران، فيعتبر نوعًا من التخريف. إن أهل الخليج الفارسي بأكمله، ناهيك عن منطقة غرب آسيا بأكملها، يعلمون أنه لو قامت الولايات المتحدة أو إسرائيل بمهاجمة إيران، فإن الانتقام سيكون ببساطة بوقف إنتاج الطاقة في المنطقة، مع عواقب أخرى وخيمة بما في ذلك وقف تصدير مشتقات النفط وبالتالي خسائر بتريليونات الدولارات.

ثم كان لدى بايدن الجرأة ليقول: “لقد أحرزنا تقدمًا في تعزيز علاقاتنا مع دول الخليج. ولن نترك أي فراغ يمكن لروسيا والصين أن تملأه في الشرق الأوسط” (…).

شراكة أوراسية

ما يزعج الغرب ليس فقط الممر اللوجستي الجديد الممتد من موسكو وسانت بطرسبرغ إلى أستراخان (كيان فيدرالي روسي) ثم عبر بحر قزوين إلى بندر إنزلي في إيران، ومن ثم إلى مومباي. الأمر يتعلق بزيادة العمليات التجارية الثنائية التي تتجاوز الدولار الأميركي. ويتعلق الأمر كذلك ببرنامج “بريكس +”، الذي تتوق تركيا والسعودية ومصر لأن تكون جزءًا منه. ويتعلق أيضًا بمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، التي ستضم إليها إيران كعضو كامل العضوية وبشكل رسمي في أيلول/سبتمبر المقبل (وقريبًا ستنضم بيلاروسيا أيضًا). ويتعلق الأمر بمبادرة الحزام وطريق الحرير الصينية الطموحة (BRI) والاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي (EAEU) المترابطين في طريقهم نحو شراكة أوراسية أكبر.

ربما لا تزال منطقة غرب آسيا تضم مجموعة صغيرة من التابعين “الإمبراطوريين” الذين لا يتمتعون بأي سيادة، ويعتمدون على “المساعدات” المالية والعسكرية التي يقدمها لهم الغرب. ولكن، هذا كله كان في الماضي. المستقبل الآن مع قيام دول “البريكس” الثلاث الأولى (روسيا والهند والصين)، بتنسيق إستراتيجياتها المشتركة والمتداخلة؛ ببطء ولكن أيضًا بثبات؛ في جميع أنحاء غرب آسيا، مع مشاركة إيران فيها كلها.

ثم هناك الصورة العالمية الكبرى: بغض النظر عن التحايلات والمخططات السخيفة لمجموعة “سقف أسعار النفط” المصطنعة التي ابتكرتها واشنطن، فإن الحقيقة هي أن روسيا وإيران والسعودية وفنزويلا؛ أكبر الدول المنتجة للطاقة؛ منسجمة تمامًا بمواقفها حول روسيا والغرب والحاجة لعالم حقيقي متعدد الأقطاب.

– النص بالإنكليزية على موقع “ذا يو إن زد ريفيو

Print Friendly, PDF & Email
منى فرح

صحافية لبنانية

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  نفق الناقورة اللبناني.. ورقة قوة في "لحظة حاسمة"