ممدوح سلامة لـ180: أسعار النفط ستتصاعد.. والاتفاق النووي لن يُوقع!

توقع الخبير الدولي في شؤون الطاقة الدكتور ممدوح سلامة أن تستمر أسعار النفط والغاز بالتصاعد في السنوات الخمس المقبلة وربما أبعد نظراً لقوة الطلب على النفط والغاز، وعدم إطلاق إستثمارات جديدة في قطاع إنتاج النفط، وقال في حوار مع "180post" إن النفط سيبقى المحرّك الرئيسي لإقتصادات العالم.. وسيكون لدول الخليج العربي وفنزويلا وسيبيريا دور مؤثر في توفير الطاقة للإقتصاد العالمي في المرحلة المقبلة. وتوقع أن لا يرى الإتفاق النوويّ النور "لا الآن ولا حتى في السنوات المقبلة".

في ما يلي تفاصيل الحوار مع الدكتور ممدوح سلامة وكانت بدايته لبنانية:

  • لبنان على عتبة ترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل، كيف يمكنه أن يستفيد لأقصى الحدود بما يضمن حقوقه؟ 

-إنّ ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل سيؤدي إلى جلب إستثمارات كبيرة إلى لبنان لإعتقادي بوجود كميات كبيرة من الغاز وربما من النفط في المياه الإقتصادية اللبنانية. تأثير ذلك سيكون إيجابياً على قيمة الليرة اللبنانية وعلى تحسّن الوضع الإقتصادي اللبناني ووضع المواطنين اللبنانيين الذين يعانون من انخفاض قيمة الليرة وإرتفاع أسعار إحتياجاتهم الغذائية وغير ذلك. هذا يعتمد على شرط أن يُحسن اللبنانيون الإستفادة من خيراتهم الطبيعية.

  • كخبير عالمي للطاقة، ما هي النصيحة التي تُسديها للمفاوض اللبناني لتفادي الوقوع في أفخاخ شياطين التفاصيل؟ 

-النصيحة الوحيدة للبنانيين هي التمسّك بحقوقهم المائية التي اعتدت عليها إسرائيل. إسرائيل في عجلة من أمرها لإستغلال حقل كاريش، هذا يعني أنّ المفاوض اللبناني لديه عنصر قوة لفرض تنازلات وليس تقديم تنازلات وصولاً إلى إستعادة المنطقة المتنازع عليها بينه وبين إسرائيل.

  • ما هي خارطة الطريق التي يجب على السلطة اللبنانية سلوكها لإعادة إحياء الإقتصاد اللبناني؟ 

-ما سأقوله قد لا يُرضي البعض. لكن ما سأقوله هي الحقيقة كما أراها. بلد لا يستطيع أن يُطعم جيشه ويشتري السلاح له وإقتصاده على شفير الهاوية يعكس في رأيي حقيقة أننا أمام نموذج الدولة الفاشلة. من يقول عكس ذلك يُغمض عينيه على الحقائق.

هناك حل أقترحه لتخفيف العبء على المواطن اللبناني. هذا الحل يتمثل في إلغاء الليرة اللبنانية كلياً وتبني الدولار الأميركي كعملة وطنية في لبنان. هناك أربع عشرة دولة في العالم تعمل بهذا النظام، بينها الأكوادور (دولة نفطية) ودول عدة في آسيا

  • ما هو الحل برأيك؟

-أولاً، هناك حلان لا ثالث لهما لأزمة لبنان: إلغاء الطائفية كلياً، وإذا لم يكن بالإمكان فعل ذلك، فالحل الثاني هو تسليم السلطة إلى الفئة ذات الأغلبية في لبنان وأقصد بذلك تسليم الحكم إلى حزب الله. في الوضع الحالي، هذان الحلان مستحيلان، وبالتالي فإنّ لبنان سيبقى دولة تقفز من أزمة إلى أخرى.

في المدى القصير، هناك حل أقترحه لتخفيف العبء على المواطن اللبناني. هذا الحل يتمثل في إلغاء الليرة اللبنانية كلياً وتبني الدولار الأميركي كعملة وطنية في لبنان. هناك أربع عشرة دولة في العالم تعمل بهذا النظام، بينها الأكوادور (دولة نفطية) ودول عدة في آسيا.

أهمية ذلك أنّ مثل هذا القرار يلغي إلى أبد الأبدين ذبذبات الليرة اللبنانية لأنّ العملة المُستخدمة ستكون الدولار الأميركي. هناك من يقول إنّ إلغاء الليرة اللبنانية التي تمثّل إستقلال وسيادة لبنان لن يكون مقبولاً لدى الكثير من المواطنين اللبنانيين. لكن علينا أن لا نتمسّك بالشكليّات إذا أردنا تخفيف العبء على المواطن اللبناني.

طريقة تبنّي هذا القرار تأتي على الشكل الآتي: أن يقوم خبراء ماليون عالميون مستقلون بدراسة مقوّمات الإقتصاد اللبناني بما فيها عناصر القوة وعناصر الضعف وتقدير الناتج الإجمالي اللبناني (GDP) لمعرفة قيمة هذا الناتج وبالتالي إقرار ما يحتاجه لبنان من الدولارات. هذا يعني أنّ الحكومة اللبنانية والبنك المركزي يضمنان أن إقتصاد لبنان لن يعود إلى الإنزلاق نحو عجز مالي يتراكم يوماً بعد يوم.

  • ماذا عن الدين العام اللبناني الذي بلغ أكثر من مئة مليار دولار أميركي؟ 

-هناك إحتمال كبير أنّ تقوم الدول الدائنة بخفض ديونها أو إلغائها لمساعدة لبنان في إعادة الوقوف على قدميه. إضافةً إلى ذلك، إذا نجحت الحكومة اللبنانية والبنك المركزي في الحيلولة دون إنزلاق كبير ربما قد يتوفر للبنان بعض الفائض المالي الذي يُمكّنه من تسديد القروض المترتبة عليه، ويرفع من المرتبة الاقتصادية للبنان من ناحية مصداقية الدولة وقبول البنوك العالمية أنّ وضع لبنان أخذ في التحسّن.

  • هناك خطة تعافٍ أقرتها الحكومة اللبنانية بالتوجه نحو صندوق النقد الدولي وإتخاذ إجراءات إصلاحية تتناول السرية المصرفية، إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإقرار الكابيتال كونترول؟

-إجراءات من هذا القبيل لن تنجح في غياب الإصلاحات المالية. ثم حصول لبنان على ثلاثة مليارات دولار كقرض من صندوق النقد لن يغير في ضوء خسارة لبنان أكثر من 40 مليار دولار في السنتين الماضيتين كرساميل هُرّبت من لبنان وكديون ترتبت على الحكومة اللبنانية عن طريق أخذ قروض كبيرة من البنوك لتسوية شؤونها المالية.

  • كم من الوقت يتطلّب إنتاج النفط والغاز عندنا؟

-إذا تمّ التوصل إلى إتفاق مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية وتأكّد وجود كميات تجارية من الغاز والنفط في المياه اللبنانية، فإنّ إنتاج الغاز والنفط سيبدأ خلال عامين من ذلك. لي اقتراح مهم هو وضع إيرادات سوق الغاز والنفط في صندوق سيادي كما تفعل دول الخليج العربي لمساعدة لبنان على تمويل إحتياطاته من الكهرباء 24 ساعة يومياً. هذا الدخل يُستخدم في حالات قصوى لتمويل مشاريع إنمائية في لبنان مثل دول الخليج العربي التي تستعمل أموال صناديقها لمثل هذه الأغراض. أعود وأكرّر أنّ هذا المنطق يعتمد على حجم الإكتشافات الغازية والنفطية في لبنان.

النفط والغاز سيبقيان المحرّك الرئيسي لإقتصاد العالم طوال القرن الـ 21 وربما أبعد من ذلك بكثير لأنّه ليس هناك بدائل قوية للنفط والغاز في الوقت الحاضر. ولا أعتقد أنّه سيكون هناك بدائل في المئة عام القادمة

  • يعيش العالم ازمة نفط وغاز حادّة. إلى متى زمنياً ستبقى هذه الأزمة وكيف يمكن الحدّ من أضرارها؟

-لا يستطيع الإقتصاد العالمي أن ينمو ويفي بحاجة مواطنيه من دون النفط والغاز والفحم المعروفين بالطاقة اللّاأحفورية إضافةً الى الطاقة المتجدّدة والطاقة النوويّة.

أزمة الطاقة العالمية الحالية بدأت في كانون الثاني/يناير 2021، أي قبل 14 شهرا من النزاع الروسي الأوكراني. سبب الأزمة هو السياسة المتسرّعة للإتحاد الاوروبي لتسريع التحوّل من النفط والغاز والفحم إلى الطاقة المتجدّدة، أي طاقة الرياح والشمس لتوليد الكهرباء. لكن الطاقة الشمسية والرياح هي طاقة متقطّعة لا تستطيع أن تفي بحاجة العالم وخصوصا الإتحاد الأوروبي الى الكهرباء. إذا لم تكن هناك شمس لا تستطيع توليد كهرباء شمسيّة وإذا كانت رياح راقدة لا تستطيع ان تولد كهرباء على الريح. الطاقة المتجدّدة وحدها لا تستطيع أن تولّد كهرباء رياح. الطاقة المتجدّدة وحدها لا تستطيع أن تفي بحاجة العالم إلى كهرباء دون دعم ضخم من الغاز الطبيعي والطاقة النوويّة والفحم.

إنّ النزاع الروسي الأوكراني أضاف بعداً جديداً لهذه الأزمة بسبب إعتماد الإتحاد الأوروبي على 40% من حاجته من الغاز الطبيعي الروسي و30% من النفط الروسي. إستمرار هذه الأزمة مرتبط ارتباطاً عضوياً بحل النزاع الأوكراني. روسيا تسعى عن طريق خفض إمداداتها من الغاز الطبيعي إلى الإتحاد الأوروبي لإجبار الأخير على تخفيف العقوبات عنها.

النقطة الواضحة أنّ الإتحاد الأوروبي والدول الغربية ككل ابتعدت عن فرض عقوبات على إمدادات الغاز والنفط الروسي لأنّ ليس هناك بدائل للغاز والنفط الروسي.

كلّما تحدّث الأوروبيون عن فرض سقف لسعر النفط الروسي كلّما ارتفعت الأسعار. وهذا يضيف الى العبء المالي الضخم الذي يتحمله المواطن الأوروبي من فاتورة استيراد الطاقة. في حين أنّ روسيا تستفيد كثيراً من إرتفاع الأسعار لأنّ هذا يزيد من صادرات الغاز والنفط إلى العالم. إذاً، الحل هو بالتوصل إلى إتفاق لحل أزمة أوكرانيا للحدّ من الإرتفاع الكبير للطاقة.

  • هل ترى حلاً لأزمة أسعار النفط والغاز؟ 

-إنّ أسعار النفط والغاز هي في صعود وستبقى كذلك للسنوات القادمة. أما الأسباب فتتصل بقوة الإقتصاد العالمي وقوة الطلب العالمي على النفط والغاز. إضافةً إلى إنعدام وجود طاقة إنتاج إضافية للنفط والغاز لدى العالم ولدى أوبك+.

النفط والغاز سيبقيان المحرّك الرئيسي لإقتصاد العالم طوال القرن الـ 21 وربما أبعد من ذلك بكثير لأنّه ليس هناك بدائل قوية للنفط والغاز في الوقت الحاضر. ولا أعتقد أنّه سيكون هناك بدائل في المئة عام القادمة.

  • وهل ترى حلاً للأزمة الأوكرانية في المدى القريب؟

-يمكن تحقيق حل للأزمة الأوكرانية من خلال:

1) إذا قبلت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي بأنّ إنضمام أوكرانيا الى حلف الأطلسي هو خط احمر بالنسبة إلى روسيا.

2) روسيا لا تعارض انضمام اوكرانيا إلى الإتحاد الأوروبي وفعلت ذلك فعلاً مبدئياً.

3) يُحكم على أوكرانيا أن تتنازل عن شبه جزيرة القرم وتضعها تحت السيادة الروسية لأنّ هذا الجزء من اوكرانيا هو جزء لا يتجزأ من روسيا.

4) تتعهد الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي في معاهدة مُلزمة للجميع بعدم اقتراب حلف الناتو إلى الحدود الروسية.

هذه العناصر، كما اقترحها العميد السابق للسياسة الخارجية الأميركية هنري كيسنجر، تشكّل عناصر أساسية لتحقيق السلام العادل لأوكرانيا.

بعد ثمانية شهور من نزاع أوكرانيا بدأت ترجح كفّة روسيا لأنها حققت أهدافها في السيطرة الكاملة على منطقة الدونباس، وهي المنطقة الصناعية الرئيسية في أوكرانيا. روسيا ستسعى إلى إحتلال مزيد من الأراضي الأوكرانية لتبادلها مع رفع العقوبات عليها مقابل إنسحابها من هذه المناطق

  • هل يعني ذلك أنّ منطقتي لوغانسك ودونتيسك لن تعودا إلى أوكرانيا؟ 

-لوغانسك ودونتيسك ليستا مهمّتين لأنّ غالبيّة سكانهما من الروس. روسيا لن تسمح لأوكرانيا بإستعادة الدونباس الآن او في المستقبل. هذا ما لا تقبل به أوكرانيا لكنّها ستجبر على ذلك في أيّ معاهدة سلام مع روسيا.

  • هل نحن أمام نظام عالمي جديد بعد أزمة أوكرانيا؟ 

-أعتقد جازماً أنّ النزاع الأوكراني مظهر من مظاهر التحوّل للنظام العالمي من النظام الأحادي الذي ترأسه الولايات المتحدة بعد انهيار الإتحاد السوفياتي في 1991 إلى نظام متعدّد القوى تقوده أيضاً الصين وروسيا والهند. النزاع الأوكراني هو عبارة عن حرب تخوضها الولايات المتحدة ضد روسيا لإضعافها وإضعاف التحالف الاستراتيجي بين الصين وروسيا ومنع قيام نظام متعدد الأقطاب.

أعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية لن تنجح في ذلك لأنّ هذا التحوّل قد قطع شوطاً بعيداً وعلى أميركا أن تعي أنّه إذا استمرّت في محاولاتها قد تؤدي إلى عودة الحرب الباردة وربما تقود العالم نحو حرب نوويّة مدمّرة.

  • هل إرتفاع اسعار النفط مرتبط فقط بأزمة أوكرانيا؟ 

-في الواقع، إرتفاع أسعار النفط بدأ في مطلع كانون الثاني/يناير 2021 بعد أن بدأ الإقتصاد العالمي بالخروج من أزمة كورونا. الإقتصاد العالمي كان في شراهة في طلبه للنفط لأنّ الإقتصاد العالمي بدأ ينمو. والصفات التي ميزت الإقتصاد العالمي بعد خروجه من أزمة كورونا أنّ سوق النفط العالمي كان أكثر تأجّجاً منذ عام 2014 عندما انهارت أسعار النفط من 110 دولارات للبرميل الى اقل من 30 دولاراً للبرميل.

العامل الثاني أنّ الطلب العالمي على النفط قوي جداً. والعنصر الثالث والأهم أنّ طاقة العالم على توسيع إنتاج النفط محدودة جداً بسبب نقص الإستثمارات منذ بدء كورونا. لهذا أتوقع أن تستمر أسعار النفط في الصعود للسنوات الخمس القادمة وربما أبعد من ذلك إلى أن تبدأ الإستثمارات في توسيع إنتاج النفط لأجل تلبية الطلبات الزائدة للنفط. هذا لن يحدث قبل 5 سنوات من الآن.

  • بعد ثمانية شهور على الحرب الروسية الأوكرانية لا يبدو هناك من منتصر، كيف ستنتهي هذه الحرب؟ 

-بعد ثمانية شهور من نزاع أوكرانيا بدأت ترجح كفّة روسيا لأنها حققت أهدافها في السيطرة الكاملة على منطقة الدونباس، وهي المنطقة الصناعية الرئيسية في أوكرانيا. روسيا ستسعى إلى إحتلال مزيد من الأراضي الأوكرانية لتبادلها مع رفع العقوبات عليها مقابل إنسحابها من هذه المناطق ولكن ليس من منطقة الدونباس التي ستصير جمهوريات مستقلة.

إنّ تجارة روسيا مع الصين إرتفعت من 13 مليار دولار اميركي في 2013 الى 150 مليار دولار في الأشهر الأولى من هذا العام

  • وهل فعلت العقوبات الغربية على روسيا.. فعلها؟ 
إقرأ على موقع 180  بؤس محاولة أسلمة العلوم الحديثة

-في رأيي أنّ العقوبات الغربية على روسيا فشلت فشلاً ذريعاً لأنّ الرئيس فلاديمير بوتين إتخذ إجراءات واسعة ووقّت نزاعه مع أوكرانيا في وقتٍ مناسبٍ له. يعني أنّه أغلق الإقتصاد الروسي لكل الواردات من الغرب وجعل الإقتصاد الروسي إقتصاداً متكاملاً حتى لا يحتاج إلى إستيراد إبرة من الغرب. نتيجة لذلك إرتفع الفائض التجاري الروسي في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام الى 180 مليار دولار أميركي مقابل 120 مليار دولار في عام 2021.

عامل اخر، أنّ الإقتصاد الروسي والإقتصاد الصيني، الذي هو أكبر إقتصاد في العالم، متكاملان. روسيا تملك كل ما تحتاجه الصين منها. الطاقة والمواد الغذائية بما فيها القمح. والصين تستطيع ان تعطّل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.

إنّ تجارة روسيا مع الصين إرتفعت من 13 مليار دولار اميركي في 2013 الى 150 مليار دولار في الأشهر الأولى من هذا العام. يُضاف إلى ذلك أنّ إصرار روسيا على الدفع بالروبل ثمناً لصادراتها من الغاز والنفط جعل الروبل الروسي عملة نفطية وقوّى مركزها في العالم ضد العملات الأخرى. هذا سيكون له مضاعفات ضخمة على البترو دولار الاميركي وربما سيقوض الروبل الروسي مع البترو يوان الصيني البترو دولار الاميركي ويزيل سيطرة الولايات المتحدة منذ 1973 على تجارة النفط في العالم.

إيران تفكيرها استراتيجي يعني أنّها تقبل بالممكن سياسياً وإقتصادياً على حساب ما تشتهي او تحلم به. هذا يعني أنها ستقبل بتقاسم النفوذ في منطقة الخليج حتى تضمن السلام بين الدولتين وتفويت الامر على الولايات المتحدة لكي تلعب مرة ثانية بالورقة الايرانية والورقة السعودية لتخلق نزاعا بينهما

  • هل سيبقى الغاز والنفط الشغل الشاغل للعالم؟ 

-العالم سيكون مضطراً للتفتيش عن كل نقطة من النفط وكل ذرّة من الغاز الطبيعي لإنتاجها لتلبية الطلب العالمي. هذا يعني إرتفاع كلفة إنتاج الغاز والنفط في العالم وبالتالي إرتفاع أسعارها. في رأيي أنّ آخر ثلاثة براميل في العالم ستنتج من ثلاث مناطق: الخليج العربي وفنزويلا التي تجلس حالياً على أكبر احتياط في العالم ومنطقة سيبيريا في روسيا. لكن آخر برميل من المرجّح أن يأتي من العراق الذي يطفو على محيط باسيفيكي من النفط كما أنّ الآبار النفطية العراقية غزيرة الإنتاج وكلفة الإنتاج للنفط العراقي هي الأقل في العالم.

المناطق الثلاث التي ذكرتها أي الخليج وفنزويلا وسيبيريا سيكون لها دور مؤثر في توفير الطاقة للإقتصاد العالمي ككل. وهذا هو صلب النزاع المقبل في العالم بين العالم الغربي المتعطّش للنفط والمناطق الثلاث التي تسيطر على إمدادات النفط وربما الغاز في العالم.

بالطبع سيكون هناك تاثير جيوسياسي لذلك على شكل ازدياد قوة هذه المناطق الثلاث وسيطرتها على إقتصاد العالم وربما تكون الطريق إلى حل المسائل الشائكة في العالم العربي بما فيها القضية الفلسطينية.

  • كيف؟ 

-لأنّه عندما تزداد قوة وسيطرة العالم العربي وفنزويلا وروسيا المتحالفين معاً، ستعطي دفعة قوية للعالم العربي ودوره في نمو الإقتصاد العالمي وهذا يعني أنّ العالم العربي سيطلب ثمناً لذلك. وهذا الثمن يتمثّل في حل القضية الفلسطينية عن طريق إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية.

  • وماذا عن موقع إيران في معادلات النفط والغاز؟ 

-إزدياد نفوذ إيران في مجال النفط هو جزء من النمو المتزايد لمنطقة الخليج العربي في مجال إمدادات النفط للإقتصاد العالمي. ولكن دور إيران سيبرز أكثر في مجال الغاز كونها تمتلك ثاني أكبر إحتياطي للغاز في العالم بعد روسيا. هذا يعني إيران ستحتاج إلى إستثمارات عالمية تقدر بمئات المليارات لتطوير طاقة إنتاج من الغاز الطبيعي والغاز السائل (LNG) وإيران ستكون مصدراً رئيسياً للإتحاد الأوروبي والعالم.

ولكن روسيا ستعمل على الحدّ من إزدياد أهمية إيران في مجال الغاز عن طريق ربط إنتاجها مع إنتاج الغاز الروسي عن طريق منظمة للغاز شبيهة بمنظمة أوبك+ للنفط. من هذه الزاوية تستطيع روسيا وإيران والجزائر وقطر وربما العراق أن تقرّر سعر الغاز والكميات المسموح إنزالها إلى السوق لضمان سعر معين للغاز في العالم يفي بحاجات الدول المنتجة للغاز مثلما تعمل دول أوبك+ بالنفط.

  • هذا الوضع كيف سينعكس على صعيد العلاقة بين إيران والسعودية؟

-إيران تفكيرها استراتيجي يعني أنّها تقبل بالممكن سياسياً وإقتصادياً على حساب ما تشتهي او تحلم به. هذا يعني أنها ستقبل بتقاسم النفوذ في منطقة الخليج حتى تضمن السلام بين الدولتين وتفويت الامر على الولايات المتحدة لكي تلعب مرة ثانية بالورقة الايرانية والورقة السعودية لتخلق نزاعا بينهما.

  • هل يمكن لايران ان تتنازل عن جزء من نفوذها في العراق وسوريا ولبنان مقابل تطبيع علاقتها بالسعودية؟ 

-إيران تفصل بين علاقتها بمنطقة الخليج العربي وبين سياستها في العراق وسوريا ولبنان. إيران لن تتخلى عن سوريا لأنّها ترى في سوريا حليفاً وقف معها دائماً منذ أيام الرئيس حافظ الاسد الذي وقع إتفاقية إستراتيجية مع إيران في مطلع الثمانينات الماضية مع الإمام الخميني.

إنّ الوجود الإيراني في سوريا ولبنان بشكل خاص الممثل بعلاقتها مع حزب الله يهدف في المقام الأول والأخير للإطاحة بإسرائيل بمعنى أنّ إيران مقبلة على إمتلاك السلاح النووي وإسرائيل لن تقبل بذلك. فإذا ما نشبت حرب إقليمية بين إسرائيل وإيران، حزب الله والفصائل الفلسطينية في غزة ستقف إلى جانب إيران وإغراق إسرائيل بالصواريخ وإضعافها في حين أن الصواريخ الإيرانية ستنهال على المدن الإسرائيلية.

الغريب في ذلك أنّها بفعلها كذلك إيران تكون بطريقة مباشرة قامت بالدفاع عن الحق العربي في فلسطين في حين أنّ الدول العربية كانت قد تقاعست عن القيام بخطوة من ذلك النوع بسبب تحالفها مع الولايات المتحدة.

الحل يبدأ إذا قام الإتحاد الأوروبي في تخفيف العقوبات على روسيا والبدء بالتعاون التدريجي معها لضمان استمراريّة إمدادات الغاز والنفط. وإلاّ فإن الإقتصاد الأوروبي سينتهي بركود إقتصادي خطير ومن دون أي نمو إقتصادي في السنوات المقبلة

  • أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جملة مؤخراً قال فيها “استعدوا لنهاية الوفرة”.. هل توافقه الرأي؟ 

-إذا كان ماكرون يعني بإنتهاء الوفرة مشيراً إلى إرتفاع أسعار الطاقة في العالم فهو على حق. نحن نرى الآن إنكماشاً في إنتاج الطاقة وهذا بالطبع ينعكس على الإقتصاد العالمي ويبطئ الإقتصاد العالمي ككل. فإذا كان إرتفاع الطاقة مرشح للبقاء طويلاً، فهذا يعني أنه على كل مواطن ثمن عليه أن يدفعه. هذا سيؤثر على الإقتصاد العالمي والقوة الشرائية وبالتالي على الإقتصاد العالمي.

  • هل باتت أوروبا ضحية الصراع الأميركي الروسي؟ 

-نعم، أوروبا عبر تاريخها دائماً كانت الخاسر الأكبر في كل الحروب. في حرب أوكرانيا كان يمكنها أن تتجنّب ذلك لولا أنّها وضعت نفسها تحت أقدام الولايات المتحدة وقبلت بالضغوط الاميركية في موضوع “نورد ستريم2” أو في سياستها في فرض عقوبات صارمة على روسيا.

الإتحاد الأوروبي قادر على الخروج من هذا المأزق إذا اتبع سياسة واعية تبعده عن النزاع بين أميركا وروسيا. بمعنى أن يبعد نفسه عن الضغوط الأميركية لأنّ الإتحاد الأوروبي أكبر قوة إقتصاديّة في العالم فهو يمثل 22% من اقتصاد العالم. على أوروبا أن تبقى على بعد استراتيجي متساوٍ عن اميركا وروسيا وعندها بامكان الاتحاد الاوروبي أن يقف على قدميه ويكون له نفوذ سياسي كبير في العالم.

إذاً في رايي الحل يبدأ إذا قام الإتحاد الأوروبي في تخفيف العقوبات على روسيا والبدء بالتعاون التدريجي معها لضمان استمراريّة إمدادات الغاز والنفط. وإلاّ فإن الإقتصاد الأوروبي سينتهي بركود إقتصادي خطير ومن دون أي نمو إقتصادي في السنوات المقبلة.

  • الرئيس الروسي يراهن على شرخ أوروبي ـ أميركي؟ 

-المواطن الأوروبي ومهما كانت عواطفه مع الأوكرانيين، فإنّه ينظر إلى مصلحته أولاً، فهو لا يريد أن يستمر في دفع فاتورة للطاقة لا يستطيع تحملها في حين أن حكومته ترسل المليارات من الدولارات لمساعدة فولوديمير زيلنسكي، بينما كان بإمكان الحكومات الأوروبية أن تستخدم هذه المليارات في تخفيف وطأة أسعار الطاقة على مواطنيها.

في ما يتعلّق بالإتفاق النوويّ، أعتقد أنّه لن يرى النور الآن وربما حتى في السنوات القادمة

  • من هي الدولة الأوروبية التي ستقود إبتعاد الإتحاد الأوروبي عن الضغوط الأميركية؟ 

-الدولة الوحيدة القادرة على ذلك هي ألمانيا الإتحادية التي هي أكبر إقتصاد أوروبي والتي تعتمد بنسبة 65% على الطاقة الروسية غازاً أو نفطاً أو فحماً. مصالح ألمانيا مع روسيا مصالح ضخمة. هناك 6033 شركة ألمانية تعمل داخل روسيا وتطعم الإقتصاد الروسي بالتكنولوجيا الغربية والألمانية خاصة.

  • هل حكومة المستشار شولتز قادرة على لعب هذا الدور؟ 

-حكومة شولتز ضعيفة وإدارته الشخصية ضعيفة لدرجة لا أستطيع القول أنّه سيتمكّن الآن أو في المستقبل في الإبتعاد عن الفلك الأميركي. ما تحتاجه ألمانيا هو زعيم يشبه أنجيلا ميركل.

  • هل لعبت حاجة اوروبا للغاز دوراً في الضغط على أمريكا وإيران للتوصّل الى إتفاق نووي جديد؟ 

-إيران لن تكون قادرة على تلبية إحتياجات الإتحاد الأوروبي من الغاز خلال عشر سنوات او خمس عشرة سنة قادمة. السبب هو نقص الإستثمارات ومن ثم الوقت الذي تحتاجه إيران الى بنى تحتية لنقل الغاز عبر تركيا الى أوروبا إضافة الى الحاجة الى إنشاء محطات لتحويل الغاز الى غاز سائل (LNG) لشحنه الى الإتحاد الأوروبي.

أما في ما يتعلّق بالإتفاق النوويّ، أعتقد أنّه لن يرى النور الآن وربما حتى في السنوات القادمة.

  • ما هي الأسباب التي تجعلك حاسماً؟ 

-إيران لن تقبل أيّة إتفاقية نوويّة جديدة إلاّ إذا كانت وفق شروطها. هذا يعني رفع العقوبات الأميركية عن إيران؛ عدم وضع قيود جديدة على البرنامج النووي الإيراني وبرنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية ومطالبة إيران برفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب.

هذه المطالب لن تقبل بها الولايات المتحدة تحت ضغط من إسرائيل. وبالتالي لن نرى إتفاقية نوويّة جديدة لا الآن ولا حتى في المستقبل.

  • هل ستتجه إيران أكثر نحو توطيد علاقاتها مع روسيا والصين؟ 

-إيران لها مكانتها الخاصة في ما يعرف بـ”مبادرة الحزام والطريق” الصيني المعروف بطريق الحرير. ثمّ إنّ إيران وقّعت قبل عدّة أشهر إتفاقية استراتيجية مع الصين مدتها 25 سنة تغطي تطوير مصادر الطاقة الإيرانية غازاً ونفطاً والتعاون الإستراتيجي والعسكري مع الصين. ثمّ إنّ إيران لها مصالح ضخمة مع روسيا في مجال مستقبل صادرات الغاز الروسية والدعم العسكري الروسي لإيران. روسيا تزوّد إيران بالوقود النووي لمحطتها النوويّة لإنتاج الكهرباء حالياً.

(*) د. ممدوح سلامة (إبن بلدة مرجعيون اللبنانية) من بين أبرز خبراء النفط في العالم ولديه العديد من المؤلفات في هذا الحقل باللغة الإنكليزية. يعيش في لندن حيث يحاضر في معهد كلية ESCP الاوروبية المتقدّمة في إقتصاد النفط. كما هو عضو في هيئة إقتصاد الطاقة الأميركية والبريطانية والكندية. قدّم أكثر من 96 بحثاً في مؤتمرات دوليّة للطاقة. 

Print Friendly, PDF & Email
مهى سمارة

كاتبة وصحافية لبنانية

Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  ما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.. ثلاثة سيناريوهات!