حسب المعلومات المتوافرة، فإن شركتي “توتال” الفرنسية و”ايني” الايطالية، عقدتا، في أوروبا، سلسلة إجتماعات ثنائية مكثفة، وهما، مع “نوفاتيك” الروسية التي إنسحبت مؤخراً، يشكلون الكونسورتيوم الذي وقع مع الحكومة اللبنانية أول اتفاق لاسكشاف وإستخراج الغاز في البلوكين 4 و9. تناول البحث، بحضور ممثلي الحكومة الفرنسية، وأحياناً الحكومة الإسرائيلية، مدى جهوزية الشركتين للتعامل مع توزيع الحصص الغازية الناتجة عن اتفاق الترسيم المتوقع بين لبنان وإسرائيل، علماً أن الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين لم يكن بعيداً عن هذه الإجتماعات مباشرة، أو من خلال فريق عمله. وحده لبنان كان غائباً أو مُغيباً عن هذه الإجتماعات.
اذا اخذنا بالاعتبار ان المكامن الغازية المتوقعة، وهي من الناحية الجيولوجية على شكل بالونات بابعاد مختلفة، فمن الأرجح حسب المسوحات والمعطيات المتداولة ان تخترق الخط بين النقطة B1 والنقطة 23 لجهة الجنوب ويصبح بعضها متداخلا بين المنطقتين اللبنانية والاسرائيلية في الترسيم المتفق عليه. ولا تتوافر خرائط معلنة لمكامن الغاز كي يبني لبنان عليها ولكن يُخشى بعد الكشف عنها غداة إتفاق الترسيم أن يُوضع لبنان في موقف محرج. هذا الأمر، إن حصل، قد يفرض على لبنان ان يكون امام خيار المشاركة مع العدو الاسرائيلي من خلال شركة “توتال” مبدئياً، في استثمار المكمن المتداخل، اي استخراج الغاز وبيعه ودفع نسب ارباح للبنان وإسرائيل و”توتال”، علماً أن صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية ألمحت إلى إمكان مشاركة القطريين.
وللتذكير فإن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري كان قد رفض اقتراحا بإنشاء شركة للإستثمار المشترك نقله اليه هوكشتاين عام 2013 وعلى اثرها غاب هوكشتاين عن شاشة الوساطة وحل ديفيد ساترفيلد مكانه الى ان أعيد تكليفه بالملف مجددا خلفا لديفيد شينكر.
لم نعرف بعد ما اذا كان الاتفاق يتضمن توزيع المكامن بشكل عادل بحيث يكون المكمن المخصص للبنان مستقلاً من دون اي شراكة مع العدو.
في هذه الحالة من المتوقع ان يتضمن الاتفاق خطاً على سطح الماء يظهر حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة وتوزيعا عادلا للمكامن الغازية المحتملة في البلوكين 8 و9 وربما في البلوك رقم 10 أيضاً.
من الممكن ان تتقدم شركات اوروبية او تركية لبناء انبوب اثناء فترة التحضير لاستخراج الغاز ويتم بيع الغاز مباشرة من خلال الانبوب، لكن اي شركة اوروبية او تركية تستثمر في بناء انبوب ستحاول ان تنقل الغاز الاسرائيلي ايضا في هذا الانبوب وهذا يُحرج لبنان ويشكل تطبيعا اقتصاديا مع العدو الاسرائيلي.
ماذا سيجري بعد الاتفاق؟
حتماً، فإن إسرائيل تتعامل مع الموقف إستنادا إلى خبرتها وإمكاناتها أولاً وإلى تواطؤ الأميركيين معها ثانياً، إلى أن وصلت الآن إلى مرحلة درس خيار بناء محطات تسييل غاز (lNG) اما تكون عائمة في حقل كاريش او على البر في ايلات .
يبدو ان اسرائيل وتحت ضغط الطلب الاوروبي تتجه الى بناء محطة تسييل عائمة وان شركة (QED) ستقوم بانشاء هذه المحطة وهي شركة مقرها في لندن Quality Energy Development Gas Consulting على أن تتولى التنفيذ شركات صينية وكورية وسنغافورية تعاقدت معها إسرائيل منذ نحو سنة، إلا أن التنفيذ تأجل بسبب توتر الوضع في شرق المتوسط واعتبار لبنان حقل كاريش منطقة متنازعاً عليها، فضلاً عن الواقع الذي فرضه إنخراط حزب الله في الصراع باطلاق سلسلة مسيرات فوق الحقل كرسالة تهديد بوقف اي نشاط في الحقل المذكور قبل الاتفاق مع الحكومة اللبنانية.
أدركت اسرائيل التهديدات واوقفت العمل في كاريش وفي بناء محطة التسييل ايضاً، وتشير المعلومات إلى أن العمل ببناء هذه المحطة العائمة سيبدأ قريبا بعد إبرام الاتفاق مباشرة وان التحضيرات الادارية انجزت. ويستغرق بناء مثل هذه المحطة بين 18 و24 شهراً ومن شأنها ان توفر بيع الغاز المسيل فورا بواسطة ناقلات غاز تنقله الى اوروبا مباشرة، وبالتالي تستغني اسرائيل عن تسييل الغاز في العريش في مصر وتعتمد المحطة العائمة.
في خيار اخر، هناك اتجاه اسرائيلي لبناء محطة تسييل في ايلات يتم نقل الغاز اليها من انبوب عسقلان ـ ايلات العامل حالياً (مع انبوب عسقلان ـ العريش). من شأن محطة ايلات ان تبيع الغاز المسيل الى اسواق افريقيا وشرق اسيا.
اذا سلمنا ان لبنان بدأ باستخراج الغاز وقدمت الشركات تقديرا للكمية المتوقع انتاجها، هل يمتلك لبنان رؤية لما بعد الغاز المستخرج؟
من الطبيعي ان يتوجه الغاز الى معملي الزهراني ودير عمار المؤهلين للتعامل مع وقود الغاز وتوليد الكهرباء بسعات كافية للاستهلاك اللبناني، لكن يبقى الغاز المنزلي وهو مسال ويتم استيراده من الخارج.
اما اذا كانت الكميات كبيرة وقابلة للتصدير، فإن لبنان امام مشكلة عدم وجود انبوب في البحر المتوسط ينقل الغاز الى اوروبا ومشكلة اخرى هي عدم وجود محطة تسييل غاز في لبنان.
ما هي الحلول الممكنة لبنانياً؟
من الممكن ان تتقدم شركات اوروبية او تركية لبناء انبوب اثناء فترة التحضير لاستخراج الغاز ويتم بيع الغاز مباشرة من خلال الانبوب، لكن اي شركة اوروبية او تركية تستثمر في بناء انبوب ستحاول ان تنقل الغاز الاسرائيلي ايضا في هذا الانبوب وهذا يُحرج لبنان ويشكل تطبيعا اقتصاديا مع العدو الاسرائيلي.
الخيار الاخر ان يتقدم مستثمر ليس بالضرورة ان يكون تركيا او اوروبيا بل صينيا او روسيا او كوريا لبناء محطة تسييل على الساحل اللبناني وربطها بانبوب من حقول الغاز اللبنانية وتسييل الغاز وبيعه في الاسواق العالمية اضافة الى تامين حاجة السوق اللبنانية منه.
هل لبنان مستعد لمثل هذه الاحتمالات بدءا من الخلاف المحتمل حول المكامن الى بناء محطة تسيل الغاز؟ ثم ماذا نفهم من ابلاغ وزير الطاقة شركة “نوفاتيك” الروسية التي انسحبت من الكونسورتيوم الثلاثي (بسبب العقوبات الدولية المفروضة على روسيا) ان الحكومة اللبنانية سوف تحل مكانها مع ما يتطلب ذلك من دفع مبلغ 150 مليون دولار؟ هل يكون ذلك مقدمة لإنشاء شركة نفط وطنية تحل محل “نوفاتيك” وتضطلع باعمال نقل الغاز وتسييله، أم أن إستعادة الحصة مقدمة لبيعها لشركة ثالثة أو لإحدى الشركتين الفرنسية (توتال) أو الإيطالية (إيني)؟