قمة “سيكا”.. القوة الآسيوية الإقتصادية آتية

في محاولة للدفع نحو عالم متعدد الأقطاب وإيجاد حلول للأزمات الاقتصادية والأمنية، عقدت منظمة "سيكا" مؤخراً مؤتمر "التفاعل وبناء الثقة في آسيا" بالعاصمة الكازاخية آستانة. وتتألف منظمة "سيكا" من 27 دولة كأعضاء دائمين.

اللافت للإنتباه في قمة الأستانة، هو دعوة رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكايف إلى تحويل مؤتمر التفاعل وإجراءت بناء الثقة في آسيا إلى “منصة عمل دائمة” لتنشيط التعاون بين الدول الأعضاء، واعتباره أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن وعصر آسيا، مؤكداً أن “هذا الموضوع أضحى حقيقة وواقعاً ملموساً”.

وقد أصدر المجتمعون في بيانهم الختامي قراراً ببدء عملية تحول “سيكا” تدريجياً من صفة مجلس لتصبح منظمة دولية كاملة، كما أيدت جميع الدول الأعضاء تجديد رئاسة كازاخستان حتى عام 2024، بعد أن غدت الدولة السوفياتية السابقة منصة رئيسية للتفاوض، حيث استقبلت ممثلين عن دول تواجه أزمات ثنائية: كالهند وباكستان؛ طاجيكستان وقيرغيزستان؛ أذربيجان وأرمينيا.

توقيت مؤتمر “سيكا”

الباحث في العلاقات الدولية والنظام الاقتصادي الدولي الدكتور محمد سيف الدين اعتبر أن جزءاً أساسياً من أهمية مؤتمر “سيكا” يكمن في التوقيت، “لكن هناك أيضاً نواحي أخرى تزيد من هذه الأهمية، منها السياق العالمي، الدول المشاركة، القادة المشاركون، ثم النتائج الصادرة عن اللقاءات. فإذا جمعنا هذه النواحي معاً، تتكون أهمية المؤتمر بصورة عامة، والذي اتخذ خطوات كبرى هذه المرة للتحول إلى منظمة دولية كاملة الأوصاف”.

وأشار سيف الدين في حديث الى موقع “180post” إلى أنه “في الأصل، يعتبر “سيكا” لقاءً دورياً لتعزيز الثقة بين الدول الآسيوية، الآن ومع زيادة التوتر في العلاقات الدولية، وارتفاع حدة الاستقطاب الاقتصادي، ومع موجة التضخم العالمي وأزمة مصادر وأسعار الطاقة، ومع معاناة الاقتصادات لاستعادة قوتها في مرحلة ما بعد كورونا، يأتي مؤتمر “سيكا”، وفيه يحضر قادة روسيا وقطر وايران مثلاً، وهي أكبر ثلاث دول في العالم من حيث انتاج الغاز الطبيعي، يحضر أيضاً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبلاده ستكون عقدة توزيع الغاز في السنوات المقبلة، وقادة دول آسيا الوسطى، والمنطقة مهمة جداً في الصراع الأميركي-الصيني-الروسي، وهذا يفسر حضور الصين بقوة في هذه القمة”.

وأشار إلى أن “هذه الدول تتعاون في أكثر من إطار، معظمها اقتصادي، لكن ثمة أطر سياسية وأمنية. منها قضية مكافحة الإرهاب في وسط آسيا، التبادل الاقتصادي وتنويع الشراكات، التسهيلات المالية المرتبطة بالعملات المحلية، وكلها موضوعات تحضر في اللقاءات الجماعية بين القادة، ولكنها أيضاً تحضر بشكل أكثر تفصيلاً في اللقاءات الجانبية”.

بدوره، اعتبر رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث (كونفوشيوس) الاستاذ وارف قميحة في حديث الى “180post”، بان “انعقاد مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا “سيكا” يأتي في ظل توترات وصراعات متجددة يشهدها العالم ومنطقة أوراسيا خصوصاً والأزمة غير المسبوقة بين موسكو والغرب، كما أنه الأول من حيث الأهمية في فترة ما بعد الوباء. كما يتمتع بأهمية استثنائية نظراً لطبيعة وعدد الدول الأعضاء وسعي روسيا والصين لإقامة نظام متعدد الأقطاب والخروج في آن على سياسة الإلتحاق التي مارستها الولايات المتحدة الاميركية، منذ أكثر من ثلاثة عقود حتى يومنا هذا”.

سيف الدين: “الاقتصاد الآسيوي يتميز في هذه الناحية بأن المزيد من التكتلات يعني المزيد من التفاعل، وليس المزيد من المشكلات. القوة الآسيوية قادمة بسرعة، وفيها قوى عالمية صاعدة، وأخرى اقليمية هائلة التطور”

دور كازاخستان

وعن الدور الذي تلعبه كازاخستان في اطار التعاون الآسيوي، رأى سيف الدين أن “كازاخستان تعتبر إحدى الدول الطموحة في وسط آسيا، ولديها مشكلاتها وهواجسها في منطقة تتصارع عليها القوى الكبرى، لكنها تحاول منذ فترة إدارة سياسة خارجية متوازنة. الآن تحاول كازاخستان تعزيز قوتها الداخلية من ناحيتي النظام السياسي والنمو الاقتصادي، كما أن القمة فرصة أيضاً لتفعيل السياسة الخارجية التي تحاول فيها استانة لعب دور إقليمي”.

واشار سيف الدين إلى أن “القيادة الكازاخستانية تحاول أن تكون مركز النشاط التعاوني الآسيوي الآن، لأنها تعلم أن القوة تنتقل إلى الشرق، وأن الدول الأخرى بحاجة إلى منصة تفاعل متوازنة، خصوصاً في هذه المرحلة الانتقالية التي تشهد استقطاباً عالياً وصراعاً على الدول”.

الى ذلك، اوضح قميحة بأنه بفضل موقعها الجغرافي المميز وسط آسيا، تُعَدّ كازاخستان القطعة الأكثر أهمية على رقعة الصراع الجيوسياسي المشتعل بين روسيا والصين والغرب، وبالأخصّ الولايات المتحدة الأميركية. فليس من باب المصادفة أن يختار الرئيس الصيني شي جين بينغ عاصمة كازاخستان، الدولة الأقوى في آسيا الوسطى اقتصادياً، ليطلق منها عام 2013 مبادرة الحزام والطريق – طريق الحرير (التي تركز على خمسة مجالات هي: التنسيق في ما بين السياسات الإنمائية وإنشاء بنى أساسية ومرافق وشبكات، وتعزيز الاستثمار والعلاقات التجارية، وتحسين التعاون المالي وتكثيف التبادل الاجتماعي والثقافي). وكان لافتاً للإنتباه كلام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في القمة أن تركيا تشجع ممرات النقل متعددة الوسائط وتدعم إحياء طريق الحرير بين آسيا وأوروبا .

إقرأ على موقع 180  ألمانيا.. وعودة "العدو التاريخي"!

ورأى قميحة أن دروس أزمة كازاخستان في كانون الثاني/يناير 2022 أصبحت المحرك والحافز للقيادة الكازاخستانية للإنخراط في في شتى المعاهدات والاتفاقيات التي تضمن الاستقرار السياسي والعسكري والأمني لها.

القوة الآسيوية

وعن تحول قمة “سيكا” إلى قوة إقتصادية شبيهة بدول “البريكس” (BRICS)، اعتبر سيف الدين أن أبرز الدول التي شاركت في قمة “سيكا” هي من دول “البريكس”، و”نحن نتحدث هنا عن روسيا والصين أكبر قوتين في بريكس مثلاً، ونتحدث عن ايران التي قدمت طلب انضمام إليها. الهند ايضاً قوة آسيوية وعالمية كبيرة جداً، وهي من ضمن البريكس. المسألة ليست بخلق اطار آسيوي منافس لبريكس. الأطر الإقتصادية الآسيوية موجودة، معاهدة شنغهاي تضم الكثير من دول آسيا، الاقتصاد الآسيوي يتميز في هذه الناحية بأن المزيد من التكتلات يعني المزيد من التفاعل، وليس المزيد من المشكلات. القوة الآسيوية قادمة بسرعة، وفيها قوى عالمية صاعدة، وأخرى اقليمية هائلة التطور”.

وفي السياق، رأى قميحة أن روسيا والصين الشعبية هما أبرز دولتين في مجموعة دول “البريكس”، وهما أيضاً من أبرز المشاركين في قمة مؤتمر التفاعل وإجراءات الثقة في آسيا “CICA”، ويقول إن منظمة دول البريكس “تسعى لخلق نظام عالمي جديد ثنائيّ القطبيّة، كما تسعى لتعزيز التّعاون الاقتصاديّ والسّياسيّ والثّقافيّ لتحقيق مصالح الدّول المشتركة، من خلال تشكيل نظام اقتصاديّ متعدّد الأقطاب، يكون مؤثّراً في رسم السّياسة العالميّة الجديدة، وله القدرة على الصّمود في وجه ما يعتري العالم من أحداث اقتصاديّة بينما مؤتمر التفاعل وإجراءات الثقة في آسيا هو منتدى حكومي دولي لتعزيز التعاون من أجل تعزيز السلام والأمن والاستقرار في آسيا، ويقوم المؤتمر على أساس الاعتراف بوجود صلة وثيقة بين السلام والأمن والاستقرار في آسيا وبقية العالم، حيث تستند فكرته الأساسية على أولوية عدم تجزئة الأمن، والتفاعل المتبادل المنافع بين الدول الصغرى والكبرى على حد سواء”.

لمحة عن قمة “سيكا”

مؤتمر “التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا” (سيكا) هو منتدى دولي لتعزيز التعاون الهادف إلى ضمان السلام والأمن والاستقرار في القارة الآسيوية. ويقوم على فهم العلاقة المباشرة بين السلام والأمن والاستقرار في آسيا والعالم.

وتعقد قمم مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا مرة كل 4 سنوات، أما اجتماعات وزراء خارجية الدول المشاركة فتعقد كل سنتين، وتقع الأمانة العامة في عاصمة كازاخستان.

جاءت فكرة تنظيم مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا (سيكا) بمبادرة طرحها للمرة الأولى الرئيس الأول لكازاخستان نور سلطان نزارباييف في 5 تشرين الاول/أكتوبر عام 1992 خلال الدورة الـ47 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وبدأت “سيكا” نشاطها رسميا في آذار/مارس عام 1993.

وتضم المنظمة 27 دولة كأعضاء دائمين: أفغانستان، أذربيجان، البحرين، بنغلاديش، كمبوديا، الصين، مصر، الهند، إيران، العراق، الأردن، إسرائيل، كازاخستان، كوريا الجنوبية، قيرغيزستان، منغوليا، باكستان، فلسطين، قطر، روسيا، طاجيكستان، تايلاند، تركيا، الإمارات، أوزبكستان، فيتنام، وسريلانكا.

وهناك 13 دولة أو منظمة عضوة بصفة مراقب (دولة سيادية أو منظمة دولية) وهي: بيلاروسيا، إندونيسيا، اليابان، لاوس، ماليزيا، الفيليبين، أوكرانيا، الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والمنظمة الدولية للهجرة، وجامعة الدول العربية، والجمعية البرلمانية للدول الناطقة باللغة التركية.

Print Friendly, PDF & Email
أيمن شحادة

صحافي لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  تَوسُّع المعارك خارج الخرطوم.. المحنة السودانية تتمدد