“هآرتس”: إسرائيل تهرب من الضفة.. والضفة تلاحقها!

Avatar18003/12/2022
يستخلص المحلل العسكري في "هآرتس" عاموس هرئيل من التطورات الميدانية على أرض فلسطين المحتلة، وما يرافقها من تطورات إقليمية أن إسرائيل (في عهد بنيامين نتنياهو) ذاهبة باتجاه واحد هو الإنفجار. 

“(…) في المقابلة الأولى التي أجراها بنيامين نتنياهو مع الإعلام الأميركي، اختار بث رسالة تهدئة. إذ ادّعى خلال مشاركته في بودكاست الصحافية الأميركية المحافظة باري ويس: “لسنا (الليكود) مَن سينضم إلى الأحزاب الصغيرة، هم سينضمون إلينا”. وكدليل على ذلك، ذكر رفضه منح الشركاء في الائتلاف وزارة الدفاع، قائلاً “هذا خط أحمر”. مضيفاً ” هذه الوزارة ليست فقط للدفاع ومواجهة الصواريخ، بل أيضاً لاتخاذ قرارات وسياسات يمكنها أن تؤدي إلى المواجهة”.

وبهذه الأقوال، يرمز رئيس الحكومة المستقبلي إلى نيته الحفاظ على الاستمرارية مع حكوماته السابقة. فدائماً كان هناك فرق ما بين اللهجة العدوانية القتالية لنتنياهو، وبين خوفه من عمليات عسكرية يمكنها أن تتطور إلى حرب كبيرة. ففي العمليات العسكرية الثلاث التي شنها على غزة، امتنع، بوعيٍ، من احتلالها من جديد وإسقاط حُكم “حماس”؛ في لبنان التزم بعدم التورط، على عكس مَن سبقه، إيهود أولمرت. والجميع يعلم ماذا حدث مع إيران.

وعلى الرغم من ذلك كله، فإن الظروف الآن مختلفة. التحالف مع بن غفير وسموتريتش بحد ذاته، وجاهزيته لمنحهما تأثيراً نظرياً في الكابينيت، أمور تشير إلى أن حكومة نتنياهو المقبلة ستكون مختلفة جداً. وبعد أن تم حلّ قضية وزارة الدفاع، إذ سيتم تنصيب يوآف غالانت من “الليكود” في هذه الوزارة، تتخوف الإدارة الأميركية بصورة خاصة من نية الحكومة المقبلة شرعنة بؤر استيطانية في الضفة الغربية. رسائل القلق الأميركية في هذا المجال وصلت إلى وزير الدفاع المنتهية ولايته، بني غانتس، وإلى مسؤولين في الوزارة طوال الأسابيع الماضية.

قبل تنصيب الحكومة الجديدة، يبدو أن ولاية نتنياهو الجديدة يمكنها أن تحمل عدة أزمات محتملة، دراماتيكية: قضائية (تدور حول خطط تغيير النظام القضائي بشكل جارف)؛ مؤسساتية (الصراع على توجّه الجيش)؛ ومن الممكن أن تكون أزمات أمنية أيضاً (استمرار التوتر في الضفة الغربية ـ وصولاً إلى الحديث عن إنتفاضة ثالثة ـ). وذلك قبل الحديث عن المجتمع العربي في إسرائيل. هذا ما ستكون عليه وظيفة بن غفير، وبصورة خاصة إذا حصل على ما يريد بـ”الدخول” إلى المسجد الأقصى وهو في منصب وزير.

المختص في الشؤون الفلسطينية ألون أفيتار، قال لـ”هآرتس” أن الرأي العام داخل الضفة منشغل بصورة كبيرة بإمكانية أن يدخل بن غفير إلى الحرم القدسي. مفتي القدس عكرمة صبري صرّح بأن الشعب الفلسطيني لن يسمح لبن غفير، أو أيٍّ من المقربين منه بـ”تدنيس المسجد الأقصى”. ويشير أفيتار إلى محاولة فلسطينية لـ”تحويل المساجد إلى قواعد محمية”، إذا حدث هذا السيناريو. ويذكّر بما حدث سابقاً: “زيارة” شارون إلى الحرم القدسي، عشية الانتفاضة الثانية؛ ومسرحيات بن غفير نفسه في القدس، قبل بدء عملية “حارس الأسوار” في أيار/مايو من العام الماضي.

الرد المتأخر

يأملون في الجيش بأن تهدأ العاصفة الجماهيرية التي بدأت مع ما حدث في الخليل، خلال الأيام المقبلة. طوال الأسبوع الماضي، تبنّى رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي طريقة تستحق التقدير: دافع عن حرية عمل الجيش و”قيَمه”، ورفض محاولات التدخل بالسياسة الخارجية. بن غفير، الذي بدأ بلهجة عدوانية وقتالية، انسحب تكتيكياً بسبب ردة فعل الإعلام، بعد الهجوم على قائد كتيبة “غفعاتي” في وسائل التواصل الاجتماعي. لكن من المهم الانتباه إلى صيغة رده على كوخافي. قال بن غفير لهيئة البث “كان”: نحن نحب ونحتضن قائد هيئة الأركان، لكن نوصيه بألا يتدخل هو بالسياسة (…).

في شباط/فبراير 2020، بعد تولّي نفتالي بينت وزارة الدفاع بقليل، حدثت حادثة على حدود غزة. حينها، طالب بينت الجيش بجمع جثث “المخرّبين”، على أمل أن يتم استعمالها كورقة ضغط في المفاوضات مع “حماس” بشأن استعادة جثث الجنود المحتجزة في قطاع غزة. تم تصوير جرافة عسكرية تابعة للجيش وهي تحاول سحب جثة فلسطيني على مدار 20 دقيقة وتدوسها، المرة تلو الأُخرى. المنظر كان مؤلماً – والقوات أطلقت النار على شبان فلسطينيين يحاولون سحب الجثة إليهم. خلال التحقيق العسكري في الحادث، وعندما حاول الضباط إدارة حوار حول السلوك الأخلاقي، أوقفهم قائد هيئة الأركان بحجة أن هذا ليس موضوع التحقيق.

كوخافي، كمن سبقه في المنصب، فضّل الانشغال بالقضايا العليا، كالثورة التكنولوجية في الجيش وبناء القوة للحرب المقبلة. هذه قضايا حيوية. ولكن الهدوء النسبي الذي ساد الضفة الغربية فترة طويلة، خلق شعوراً داخل الجيش بأنه يمكن منحها أولوية منخفضة حالياً. التوقعات من قيادة المنطقة الوسطى، لأجيال، كانت القدرة على منح هيئة الأركان الهدوء اللازم في الساحة الفلسطينية، بهدف السماح لها بالتحضير لما هو أهم.

كما تم تقليل حجم القوات والعمليات الجارية في الضفة. ووضع العمليات اليومية تحت مسؤولية “حرس الحدود”، وتقليل عدد جنود البر من الوحدات القتالية. أغلبية القوات الخاصة أيضاً عادت إلى العمل في مجالاتها خارج الضفة. وبينما كان خلال الانتفاضة الثانية منصب قائد المنطقة في الضفة أحد أهم الرتب للانطلاق إلى الأعلى، في الأعوام الماضية لم يتم إرسال المتفوقين إلى هناك.

هذه الاتجاهات تنفجر الآن في وجه هيئة الأركان، بعد أعوام من الغليان البطيء. يبدو أنه كلما هربت من الضفة، الضفة ستلحق بك. الأمور تحولت بشكل حاد، بدءاً من آذار/مارس الماضي، مع انفجار موجة “الإرهاب” الحالية (التي امتدت الآن إلى انتفاضة صغيرة مستمرة). الآن، على الجيش نشر قواته مرة أُخرى، من دون معلومات مسبقة، قوات نظامية كبيرة في الضفة وخط التماس. وخلال العام، انضمت إليها كتائب احتياط كثيرة، سيكبر عددها خلال العام المقبل.

حالياً، يبدو أن الجنود أيضاً تغيروا. الانزياح الأيديولوجي إلى اليمين في الجمهور الإسرائيلي والجيش تمت ترجمته إلى تطرُّف في المواقف من “أخلاق” القتال، كما تبين خلال فضيحة إليؤور أزريا في سنة 2016. ولذلك، تضاف الفجوة البنيوية في الرؤية وفي التواصل ما بين الجنرالات، جيل الـ50 عاماً، وقيادات الكتيبة، جيل الـ40 عاماً، والجنود، جيل الـ18-19 عاماً. في نظر الكثيرين من الجنود، القيادة العليا مشغولة بالحديث عن “الأخلاق”، لكنها معزولة عن الميدان وأزماته اليومية. هذه الرؤية صحيحة أيضاً في كل ما يخص المجتمع. لو تم تقسيم استطلاعات الرأي بشأن الثقة بالجيش إلى أسئلة ثانوية، كالثقة بجنود الجيش النظامي مقابل الثقة بالجنود الذين وقّعوا على ثبوتية في الجيش، من المتوقع أن تكون النتائج مختلفة جوهرياً، كما يعكس موضوع انتقادات رواتب التقاعد.

إقرأ على موقع 180  11 عاماً على تفجير «كنيسة القديسين».. لا للصمت

التغييرات في الجو السياسي العام في أعقاب فوز اليمين في الانتخابات، تُرجمت فوراً على الأرض. الحدث في الخليل يعكس صورة أولية للمسارات المتوقعة مستقبلاً. صمت نتنياهو طوال الأيام الخمسة من الهجوم على قائد هيئة الأركان، وبعدها على قائد الكتيبة في الكنيست ووسائل التواصل الاجتماعي، ليس صدفة. تحليل واحد يشير إلى أنه أسير شريكه بن غفير، وتركيزه منصبٌّ على جهوده في التخلص من المحاكمة، والتي تبدأ من المفاوضات الائتلافية. ولكن في رأيي، هناك أيضاً إشارة إلى قادة الأجهزة الأمنية، كي يسيروا إلى جانبه ولا يحاولوا إدارة سياسة مستقلة في الضفة (نتنياهو أصدر في نهاية المطاف بياناً ضبابياً مؤخراً، طالب فيه بإبعاد السياسة عن الجيش).

إصبع في العين

يبدو أنه وفي كل الاحتمالات، تم إغلاق الطريق أمام احتمال الوصول إلى اتفاق نووي جديد ما بين إيران والقوى العظمى في الأشهر القريبة. إن لم يغلق الإيرانيون الباب على أنفسهم، عبر قرارهم الاستمرار في تخصيب اليورانيوم في خرق للاتفاق الحالي، فسيقومون بذلك بطرق أُخرى. القمع العنيف للاحتجاجات على الحجاب داخلياً، وتصدير المسيّرات الواسع إلى روسيا – الجانب الهجومي في الحرب على أوكرانيا، تم تفسيرها في الغرب على أنها إصبع مقصود في العين.

هذه الظروف تدفع أيضاً بإسرائيل للاستعداد بشكل مختلف، لواقع استراتيجي مختلف من دون اتفاق نووي. قبل عام، وجّه نفتالي بينت أوامره إلى الجيش بتسريع التحضيرات من جديد لضرب المواقع النووية في إيران، بعد أن أُهملت خلال ولاية نتنياهو. وإلى جانب هذا، بحثت إسرائيل عن خطوات تضع أمام إيران تهديداً عسكرياً واضحاً ومحسوساً أكثر، ومن المفضل أن يكون بتدخل أميركي. تم بحث هذه الإمكانية خلال زيارة كوخافي إلى البنتاغون الأسبوع الماضي، وأيضاً في الحوار الاستراتيجي الذي عُقد ما بين أجهزة الأمن للدولتين. وما ساعد الولايات المتحدة على ترجمة هذا إلى خطوات عملية، كان تحويل العلاقة مع إسرائيل إلى قيادة المركز “سنتكوم” في الجيش الأميركي العام الماضي. قائد “سنتكوم” الجنرال ميكل أريك كوريلا، زار إسرائيل أربع مرات منذ وجوده في المنصب قبل نصف عام.

يوم الأربعاء الماضي، أعلن الناطق الرسمي باسم الجيش خبر تدريب مشترك قامت به إسرائيل والولايات المتحدة. وفي اللقاءات مع الصحافيين، قيل إنه تم التدرب على مهاجمة المواقع النووية في إيران. الواقع أقل دراماتيكية من ذلك. عشرات الطائرات الإسرائيلية تدربت فعلاً على الصورة – طيران معقد موجه نحو الغرب، في مسافة تساوي البعد عن إيران، بهدف قصف أهداف عديدة. المساعدة الأميركية كانت قليلة نسبياً: طائرة تزويد بالوقود واحدة، انضمت إلى الطائرات الإسرائيلية، بهدف تزويدها بالوقود.

لا يمكن استنتاج أيّ شيء فيما يتعلق بجاهزية الولايات المتحدة لضربة مشتركة للمواقع النووية، كما حلم نتنياهو سابقاً. لكن موافقة إدارة بايدن على تهديد مشترك تشير، كما يبدو، إلى أن واشنطن أيضاً ترى حاجة إلى زيادة حدة الخط العلني الموجّه إلى النظام الإيراني. سيحاولون في إسرائيل استغلال هذا في تدريبات مشتركة أكبر في المستقبل، وفي نهج قتالي أكثر عدائية حيال طهران.

على الرغم من أن إيران أعلنت الشهر الماضي بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% في الموقع المحمي فوردو، المقام تحت الأرض (بالإضافة إلى نتانز)، فالجيش لا يزال يرى أن التقدم في المشروع النووي لا يزال حذراً. التحالف الاستراتيجي الإيراني مع موسكو هو ما يمكن أن يضعها في خطر، ويرفع من حدة التوتر بينها وبين دول الاتحاد الأوروبي. إيران كانت تريد إزالة حِمل العقوبات عنها، لكن خطواتها مع موسكو تقود إلى نتيجة عكسية. إذا قررت إحدى الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي، بريطانيا، فرنسا، أو ألمانيا، فإن الخروقات الإيرانية في مجال تخصيب اليورانيوم تدفع إلى الخروج من الاتفاق، لذا، ستتم إعادة العقوبات كاملة، كما كانت قبل الاتفاق بصورة تلقائية.

تزويد إيران روسيا بالسلاح تدفع بهذا الاتجاه. إسرائيل تريد زيادة الضغط على طهران من خلال إعادة بناء التهديد العسكري الصادق. إحدى المشاكل الممكنة من جانبها هي تأثير التوتر الذي سيكون أمام إدارة بايدن بشأن ما سيحدث في الضفة في التنسيق في القضية الإيرانية. اثنان من المسؤولين الكبار في وزارة الخارجية الأميركية سابقاً، دان كارتسر وآرون ديفيد ميلر، كتبا هذا الأسبوع مقالاً في صحيفة “واشنطن بوست” أن “نتنياهو أنعش أحزاباً متطرفة، عنصرية، وهوموفوبيا، والآن هو عالق معهم. أجندات الائتلاف ستنعكس على حالة الاستيطان الموسع ومصادرة الأراضي في الضفة”.

بحسب رأيهما، “طبيعة الائتلاف الاستثنائية يجب أن تدفع بالبيت الأبيض إلى إرسال رسالة واضحة إلى إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية. يجب أن يقال للإسرائيليين إن الولايات المتحدة لن تقدم سلاحاً هجومياً أو أي مساعدة أخرى للعمليات العدوانية في القدس والضفة. وعليها أن تحذّر بصورة خاصة من محاولات تغيير مكانة الضفة والأقصى”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  ما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.. ثلاثة سيناريوهات!