إيران تُعيد صياغة أمنها.. القومي!

على عكس ما يعتقد كثيرون، ثمة حيوية تُميّز المشهد السياسي الإيراني، بدليل الحركية الداخلية من جهة والتفاعل مع معطيات الخارج من جهة ثانية. سأتطرق في مقالتي هذه إلى ثلاثة أحداث ما زال الشارع الإيراني يضج بها حتى يومنا هذا.

 أول هذه الأحداث يتمثل بالاستقالة التي تقدم بها أمين مجلس الأمن القومي الإيراني الجنرال علي شمخاني وتعيين العميد علي أكبر أحمديان محله؛ ومآلات هذه الخطوة وتأثيراتها علی مستقبل الملفات الساخنة التي تهم إيران.

ثاني هذه الأحداث؛ إزاحة الستار عن “صاروخ خيبر” البالستي الذي يبلغ مداه ألفي كيلومتر، في خطوة فسرّها المراقبون بأنها تُشكّل رداً واضحاً علی تصريحات إسرائيلية توعدت إيران وأصدقائها بــ”عمل مفاجیء”، وكأنهم أرادوا قرع طبول الحرب؛ فجاءت الرسالة الإيرانية واضحة لا لُبسَ فيها.. وصولاً إلى القول “نحن لها” من خلال الكشف عن صاروخ يستطيع اختراق الدفاعات الاسرائيلية بما فيها “القبة الحديدية”.

ثالث الأحداث؛ الزيارة التي بدأها سلطان عُمان هيثم بن طارق إلى طهران. وهذه الزيارة ليست كغيرها من الزيارات، أقله ربطاً بالدور الذي تلعبه سلطنة عمان في مجالات متعددة مع إيران. كلنا يتذكر الزيارة التاريخية التي قام بها سلطان عُمان الراحل قابوس بن سعيد إلى طهران عام 2012 والتي حمل فيها رسالة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المرشد الإيراني الأعلی الإمام علي الخامنئي، والتي أسّست في ما بعد للإتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه عام 2015 والذي هدف ـ كما نصت رسالة أوباما ـ إلی إنهاء القطيعة بين طهران وواشنطن وفتح صفحة جديدة بين البلدين، لكن انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الإتفاق المذكور في العام 2018 أجهض هذه الفرصة وجعل العلاقات الثنائية تسلك منحى مختلفاً.

لم ترشح معلومات وافرة عن زيارة السلطان هيثم بن طارق الحالية لطهران، لكنها لن تكون بعيدة عن مجريات الأخذ والرد بشأن الاتفاق النووي ومآلاته المستقبلية.

وبرغم أهمية هذه الأحداث الثلاثة وأبعادها الداخلية والإقليمية والدولية؛ إلا أنني أعتقد أن تعيين الأمين العام الجديد لمجلس الأمن القومي الإيراني يحظى بأهمية بالغة لسبب بسيط كون هذا المجلس يُعتبرُ أحد أهم مصادر القرار الإيراني، وتعود إليه صلاحيات ومهام عديدة لها أثرها وتأثيرها في رسم قرارات إيران الداخلية والخارجية؛ وفي نهاية المطاف، فإن هذا المجلس الذي يرأسه رئيس الجمهورية ويتمثل فيه المرشد الأعلى بمندوبين إثنين، هو المسؤول عن إتخاذ القرارات في القضايا الإستراتيجية الإيرانية (كالأمن والسياسة والإقتصاد والاجتماع إلخ..).

تتحدث المصادر الإيرانية عن رغبة أحمديان في إجراء تغييرات جوهرية في بنية مجلس الأمن القومي من خلال إعادة صياغة مؤسساته حتى تستطيع مواكبة المرحلة الإنتقالية الجديدة، دولياً وإقليمياً، خصوصاً في مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانية والحديث عن بوادر نشوء نظام عالمي جديد

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أمين عام المجلس السابق علي شمخاني لم يبرز إسمه أو دوره، ما عدا في قضية ترتيب العلاقة مع السعودية وصولاً إلى توقيع اتفاق بكين الأخير، وذلك لأنه كان واقعاً تحت تأثير قوة حضور الرئيس حسن روحاني الذي كان أمينا عاماً لهذا المجلس على مدى 16 عاماً، وتحديداً طوال عهدي الرئيسين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي (1989- 2005)، إضافة إلی الكاريزما التي جعلت شخصية الدبلوماسي الإيراني المخضرم محمد جواد ظريف تفعل فعلها في المشهد الإيراني، داخلياً وخارجياً، وهذا الأمر جعل صلاحيات شمخاني مُقيّدة إلى حد ما، بسبب نفوذ وتأثير من كانوا حوله في المجلس، فضلاً عن اقدام روحاني على سحب ملف الاتفاق النووي من مجلس الأمن القومي ووضعه بيد وزارة الخارجية ووزيرها محمد جواد ظريف.

أما ما يُنقل عن العميد علي أكبر أحمديان الأمين العام الجديد لمجلس الأمن القومي الإيراني، فإنه يشي بأن الرجل قد يسير في اتجاه آخر وقد يجد أمامه مهمات جديدة؛ فهو طبيب أسنان قبل أن يكون شخصية أمنية. ترك كلية طب الأسنان للتفرغ للحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988)، ومن ثم عاد ليكمل تحصيله الأكاديمي ويعود مجدداً إلى مؤسسة الحرس الثوري التي تقلّد فيها مناصب مهمة كقائد سلاح البحرية ورئيس أركان الحرب؛ والأهم من كل ذلك شغله منصب رئيس المركز الاستراتيجي للتخطيط التابع للحرس الثوري لمدة 16 عاماً حيث يعود الفضل إليه في تقسيم العمل بين البحرية التابعة للحرس والأخری التابعة للجيش الإيراني، فأنيطت ببحرية الحرس مهمة حماية المياه الخليجية من الشمال حتی مضيق هرمز، في حين تعهدت بحرية الجيش بالإشراف علی المياه الإيرانية والدولية خارج مضيق هرمز جنوباً وبحر عُمان وشمال المحيط الهندي والمحيط الأطلسي. هذا التقسيم في العمل تم استناداً إلی خصوصية عمل هاتين المؤسستين في مواجهة المخاطر والتهديدات المحتملة.

وتتحدث المصادر الإيرانية عن رغبة أحمديان في إجراء تغييرات جوهرية في بنية مجلس الأمن القومي من خلال إعادة صياغة مؤسساته حتى تستطيع مواكبة المرحلة الإنتقالية الجديدة، دولياً وإقليمياً، خصوصاً في مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانية والحديث عن بوادر نشوء نظام عالمي جديد.

إقرأ على موقع 180  هل يجر نتنياهو المنطقة إلى حرب إقليمية إنقاذاً لمستقبله؟

وتجدر الإشارة إلی أن أحمديان يواجه عدة ملفات ساخنة موجودة علی طاولة المجلس من زمن سلفه علي شمخاني. فالملف النووي لم يحسم بعد. وحتی عودة الروح إليه أو دفنه بعد أن ظل مسجیً في غرفة العناية المركزة طويلاً، يستوجب قراراً سياسياً وادارة سديدة.

أما ملف العلاقات الإقليمية ولا سيما مع دول مجلس التعاون الخليجي وبالأخص السعودية، فإنه يحتاج إلی متابعة من أجل تعزيز هذه العلاقة التي بدأها شمخاني لكنها تحتاج إلی المزيد من العمل الهادف إلى تعزيز الأمن والإستقرار في المنطقة، وهو هدف يصب في المصلحة الإيرانية كما في المصلحة الاقليمية. إضافة إلی ذلك، هناك مخاطر محتملة تتمثل في المواجهة مع إسرائيل وتداعياتها الكثيرة.. وملفات أفغانستان وأذربيجان من دون أن ننسی مخاطر العقوبات الإقتصادية التي تُسبّب الكثير من المشاكل والمتاعب للحكومة الإيرانية وللمواطنين الإيرانيين علی حد سواء.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  فلسطين: صفقةٌ وتصفيقٌ وصفاقة!