سلة تفاهمات لبنانية قريبة.. أم جمود فانهيار؟

في تاريخ الانتخابات الرئاسية اللبنانية تبلور مع الوقت ما صار بمثابة عرف، نتج عن حالات عديدة من الأزمات الرئاسية. عرف يتنكر لحصوله الكثيرون خاصة المستفيدين من حالات معينة، قوامه أن الرئيس ينتخب سياسيا في الخارج ثم يتم انتخابه قانونيا وفق ما نص عليه الدستور في الداخل (في المجلس النيابي).

يختصر البعض ذلك بالقول إن تفاهم الخارج بتوازناته القائمة في اللحظة المعنية ينتخب رئيس لبنان: أطراف الخارج المؤثرة التي تتغير كما تتغير أوزانها وطبيعة أدوارها وكذلك تفاهماتها التي قد تكون مرحلية أو أبعد من ذلك. تتغير هذه الأطراف الفاعلة ولكن لا تتغير طبيعة اللعبة وقواعدها. جاذبية الجغرافيا السياسية للبنان في «لعبة الأمم» وهشاشة وضعف الدولة في لبنان التي تقيدها وتصادر دورها سلطة قائمة على فدرالية أمر واقع من الطائفيات السياسية، وكذلك الانقسامات السياسية والعقائدية والهوياتية الحادة، حيث مفهوم الوطنية له تعريفات مختلفة ومتناقضة في الكثير من الحالات بسبب ما أشرنا إليه من انقسامات حادة، كلها عناصر جاذبة للتدخل أيا كان الغطاء أو الشكل الذي يأخذه ذلك التدخل.

***

في فترة يمكن وصفها باستراحة المحارب أو إجازة الصيف إلى أن يعود المبعوث الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان يستمر الحوار بأشكال مختلفة بالطبع بين كافة الأطراف اللبنانية حول مبدأ الحوار أو النقاش المطلوب ومكان انعقاد الحوار أو جمع هذه الأطراف وموضوع النقاش/ الحوار. فهل يكون حول انتخاب رئيس يتم التوافق حوله والضمانات المطلوبة توفيرها للأطراف المعنية كجزء من سلة الحل وطبيعة الحكومة المنوي تشكيلها وشخصية وهوية رئيسها؟ كل ذلك يأتي ضمن مفهوم الصفقة الشاملة وبذلك تتم التضحية بالضروري الذي هو الإصلاح الشامل لمصلحة الأمر العاجل والضاغط وهو الانتهاء من الفراغ الرئاسي وترحيل الأزمة التي ستزداد خطرا في ارتداداتها على لبنان. أم سيكون النقاش أو الحوار، حول حزمة حل تشمل أيضا وبشكل خاص برنامجاً إصلاحياً، وليس عناوين إصلاحية. برنامج، يلتزم بتنفيذ بنود المتحاورين، يتناول المالي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والإداري ولو بشكل تدرجي وعلى أساس خريطة طريق وإطار زمني واضح للتنفيذ بقيادة ورعاية الرئيس الجديد. من أهم الأمور التي يجب إقرارها في مسار الإصلاح التنموي الهادف إقرار ما جاء في وثيقة الطائف وأُقر في الدستور وهو اللامركزية الإدارية؛ السبيل الوحيد للإنماء المتوازن للمناطق في كافة المجالات. والجدير بالذكر أن الحديث عن اللامركزية الإدارية يستدعي حكما توفير المال لتحقيقها. فالحديث عن لا مركزية إدارية دون أي مصادر تمويل كالحديث عن موسيقى دون آلات عزف. اللامركزية الإدارية تعزز الديموقراطية المجتمعية وتساهم بالتالي في الاستقرار المجتمعي بمختلف أبعاده.

***

صار المطلوب الخروج السريع من حالة الشلل القاتل والمدمر: فراغ سياسي وانهيار اقتصادي وتفكك مجتمعي. فهل نشهد الشهر المقبل، مع عودة المبعوث الرئاسي الفرنسي، إطلاق مسار الخروج من النفق عبر سلة من التفاهمات تأتي نتيجة حوار أيا كانت صيغة وشكل هذا الحوار: حوار للاتفاق على مضامين وليس عناوين إنقاذية

على صعيد آخر، يعيش لبنان اليوم، الذي كان دائما أسيرا أو متأثرا بشكل كبير بالأوضاع الإقليمية وخاصة تلك المحيطة به مباشرة، ولو بدرجات مختلفة في فترات مختلفة، في ظل تحديات تنعكس عليه بأشكال وسبل متعددة. ثلاثة عناوين يمكن الإشارة إليها في هذا السياق والتي تحمل انعكاسات مباشرة أو غير مباشرة على لبنان.

أولاً؛ تباطؤ عملية تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية التى انطلقت من اتفاق بكين، من مظاهر هذا التباطؤ إرجاء إرسال سفير للمملكة العربية السعودية لإيران والخلاف السعودي الكويتي مع إيران حول حقل الدرة للغاز الطبيعي الذي يعتبر البلدان أنه يعود لهما كلياً، حسب القانون الدولي فيما تعتبر إيران أن لها حقوقا في هذا الحقل.

ثانياً؛ التطورات الحاصلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وسياسة التهويد والعنف التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. السياسة التي زادت من حدة التوتر في الصراع القائم الأمر الذي يمكن أن يحمل تداعيات مباشرة على لبنان. ونشهد يوميا المزيد من التوتر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. وفي السياق ذاته رفع عنوان وحدة الساحات (اللبنانية الفلسطينية السورية) مع ما يحمله من سيناريوهات تصعيدية ممكنة في المستقبل القريب والأبعد قد تحمل تداعيات مباشرة على لبنان.

ثالثاً؛ ازدياد حدة المواجهة الغربية الإيرانية مع تباطؤ أو عدم حصول تقدم في الملف النووي الإيراني في الحوار الدائر والمتعثر حاليا حول هذا الملف. ونشهد في هذا الإطار تصعيدا إسرائيليا ضد إيران وحلفائها في سوريا قد تطال شظاياه لبنان مستقبلا.
في ظل هذه الأوضاع، صار المطلوب الخروج السريع من حالة الشلل القاتل والمدمر: فراغ سياسي وانهيار اقتصادي وتفكك مجتمعي. فهل نشهد الشهر المقبل، مع عودة المبعوث الرئاسي الفرنسي، إطلاق مسار الخروج من النفق عبر سلة من التفاهمات تأتي نتيجة حوار أيا كانت صيغة وشكل هذا الحوار: حوار للاتفاق على مضامين وليس عناوين إنقاذية تبدأ بالاتفاق على برنامج إصلاحي شامل وتدرجي والالتزام بجدول زمني وانتخاب رئيس ليقود سفينة الإنقاذ المطلوب مع «حكومة مهمة» حتى يستطيع لبنان أن يواجه الأعاصير القائمة والقادمة في الداخل وفي المحيط القريب، بنجاح وفعالية حماية وحفاظا على الأمن الوطني للبنان.
برغم العوائق التي أشرنا إليها، فإن مجموعة الدول الخمس المعنية بالملف اللبناني قادرة عبر حوار بعض أطرافها مع إيران، وبرغم ما أشرنا إليه من توترات قائمة، على التوصل إلى تفاهم في هذا المجال يدفع للخروج من حالة الجمود القاتل والمعجل للانهيار الكلي للبنان، الأمر الذي ليس لمصلحة الإقليم أيضا.

إقرأ على موقع 180  إسرائيل "تبرىء" حزب الله من "كاتيوشا المخيمات".. ولكن!

Print Friendly, PDF & Email
ناصيف حتي

وزير خارجية لبنان الأسبق

Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  حفظ أوراق الاقتراع.. واجب دستوري