الجولاني من السويداء إلى ديرالزور.. إستثمار الأزمات تغطية لأزمته!

سنح المشهد السوري بأحداثه المتشعبة التي تفاعلت بقوة في الآونة الأخيرة وخصوصاً الاقتتال في دير الزور واحتجاجات السويداء، لأبي محمد الجولاني زعيم "هيئة تحرير الشام" والذي يُفضّل لقب "قائد المحرَّر" بفرصتين ذهبيتين سارع إلى اقتناصهما والإستثمار فيهما.

وفي الوقت الذي بدا فيه أن الجولاني يرغب من خلال التدخل في أحداث محافظتين سوريتين بعيدتين عن منطقة نفوذه في إدلب، في إظهار نفسه بصورة اللاعب الممسك بخيوط اللعبة والقادر على التأثير في تفاعلات المشهد، لم يكن خافياً وجود غايات أخرى قد يكون أهمها التغطية على الأزمة الأمنية التي تمر بها “الهيئة” على وقع اكتشاف خلايا تتعامل مع جهات خارجية أسفرت في آخر تطوراتها عن تجميد صلاحيات الرجل الثاني فيها أبو ماريا القحطاني الذي ما يزال مصيره مجهولاً بانتظار القرار الأخير للجولاني في قضيته.

وشكّل اندلاع شرارة الاشتباكات في أرياف دير الزور بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وأحد مكوناتها العربية ممثلاً بـ”مجلس دير الزور العسكري” بعد اعتقال قادته وعلى رأسهم أحمد خبيل (أبو خولة) في “استراحة الوزير” في غرب الحسكة، هدية غير متوقعة بالنسبة للجولاني الذي كان في خضم صراع بين جناحين داخليين في تنظيمه: الأول، “جناح إدلب” بقيادة المغيرة بنش وأبي أحمد حدود، والثاني، “جناح الشرقية” الذي كان يقوده أبو ماريا القحطاني قبل توقيفه، برفقة زميله أبو أحمد زكور.

فقد كان الجولاني مضطراً أمام الأدلة والاعترافات التي حفل بها التحقيق في قضية التعامل مع جهات خارجية لإتخاذ قرار صعب تمثل في تجميد صلاحيات القحطاني “بسبب سوء إدارته لتواصلاته الخارجية”، وفق بيان صادر عن الهيئة تضمن محاولة للتخفيف من حدة التهمة الموجهة إليه. وقد اعتبرت الخطوة بمثابة انجاز حقّقه “جناح إدلب” في مواجهة “جناح الشرقية”، الأمر الذي يُهدّد بانهيار التوازنات في داخل “هيئة تحرير الشام”.

يُشكّك العديد من المراقبين في قدرة الجولاني على التأثير في الأحداث التي تشهدها محافظة السويداء، مشيرين إلى أن لقاءه مع وجهاء الدروز في جبل السماق “ليست سوى محاولة إعلامية موجهة إلى داخل إدلب وإلى بعض الجهات الخارجية لعلها تؤدي إلى تلميع صورته”

وفيما كان الجولاني مشغولاً في حسم قضية أبو ماريا القحطاني بأقل الأضرار الممكنة، تجدّد الاقتتال بين “قسد” و”مجلس دير الزور العسكري”، الأمر الذي أتاح له تحقيق أمرين إثنين:

الأمر الأول، مغازلة “جناح الشرقية” الذي ينتمي غالبية عناصره وكوادره إلى المحافظات الشرقية، أي دير الزور والحسكة والرقة، من خلال إرسال تعزيزات إلى خطوط التماس مع “قسد” في ريف حلب تحت شعار مناصرة قوات العشائر في دير الزور، وهو ما كان يتوخى من خلاله تخفيف وقع القرار الصادر بحق القحطاني واحتواء تداعياته الداخلية.

الأمر الثاني هو تجديد مساعيه لتقوية نفوذه في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون عبر إرسال مقاتلين وكوادر أمنية من “الهيئة” تحت غطاء العشائر العربية ضارباً بذلك عصفورين بحجر واحد.

وتموضعت التعزيزات التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” في أرياف مدينتي الباب وجرابلس شرقي حلب، ضمن مقار “فرقة الحمزة” و”أحرار الشام – القطاع الشرقي” و”فرقة السلطان سليمان شاه”. كما وصلت تعزيزات أخرى للهيئة إلى ريف مدينة جرابلس، شملت قادة ينحدرون من محافظة حماه، ومدينة منبج، تركزت في المقار العسكرية التابعة لـ”أحرار الشام – القطاع الشرقي”.

وغاية الجولاني من ذلك “هي محاولة استغلال الأحداث الأخيرة بزج قواته في منطقة شمالي حلب، مستغلاً انشغال الجميع بنصرة المنطقة الشرقية”، وفق ما كتب علاء فحّام القيادي في “الجيش الوطني السوري” على صفحته في منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، مضيفاً أن “الجولاني وقواته مشغولة بأمر آخر حتى وإن تحرك لتحرير عدة نقاط محتلة فهذا لإيهام العقول”.

وتابع علاء فحّام في منشوره: “أرتال الجولاني تسابق الزمن للبغي على بعض الفصائل والكتل، لتبدأ مسلسل التغلب في الريف الشمالي ضد الفصائل الثورية، والاستفراد بالمخالفين لتبقى الهيئة وحيدة كما فعلت بإدلب، وهذا ما يجب أن تستعد لمواجهته الفصائل الثورية”، وفق قوله.

وعلى الرغم من أن مواقع المعارضة السورية أشارت لاحقاً إلى فشل الهجوم الذي خطّط له الجولاني على منبج بالتنسيق مع حلفائه في المنطقة، غير أن المعطيات الميدانية وخاصة المتعلقة بسرعة التحرك وانخفاض عدد التعزيزات تشير إلى أن الغاية من الهجوم لم تكن تحقيق انتصار عسكري ضد “قسد” بقدر ما كانت محاولة لامتصاص غضب “جناح الشرقية” والذي قد يكون الجولاني نجح في إبعاد ناره عنه.

من جهة أخرى، ووسط استمرار الإحتجاجات في محافظة السويداء ودخولها أسبوعها الرابع على التوالي، أراد الجولاني إلى جانب الرسالة العسكرية التي أرسلها عبر تدخله في صراع دير الزور، توجيه رسالة سياسية مفادها أنه يقوم بدور حامي الأقليات في المنطقة من خلال دعمه للاحتجاجات في السويداء ومسارعته إلى لقاء وفد من وجهاء قرى جبل السماق الذي ينتمي سكانه إلى طائفة الموحدين الدروز التي تشكل الغالبية المطلقة في محافظة السويداء.

إقرأ على موقع 180  تغيير الديموغرافيا.. وتحريف التاريخ

وقال الجولاني في حديثه إلى الوجهاء: “نريد أن نوصل رسالة من خلالكم الى السويداء ونبارك لهم الانتفاضة المباركة التي وقفت إلى جانب المظلوم ضد الظالم، نحن نؤكد أننا معهم ونؤيدهم في كل مطالبهم، ونساندهم بكل ما نستطيع من قوة، وكل جهد يمكن أن يوصلهم إلى العزة والكرامة التي ينشدونها”.

وأضاف: “الهدف من اللقاء أن أستمع لمطالبكم، وهي مناسبة للحديث عن وضع النظام الذي فقد أي وسيلة من وسائل استمراره، وفقد كل مقومات شرعيته، وبات غير قادر على تسيير أمور البلاد، والمهم القول إن كل مكونات الشعب السوري وصلت إلى قناعة أن النظام لن يستمر”، وختم: “نعم تأخر حراك السويداء، لكن نعرف بأن الرغبة بالثورة على النظام كانت موجودة عندهم في وقت مبكر”.

ويُشكّك العديد من المراقبين في قدرة الجولاني على التأثير في الأحداث التي تشهدها محافظة السويداء، مشيرين إلى أن لقاءه مع وجهاء الدروز في جبل السماق “ليست سوى محاولة إعلامية موجهة إلى داخل إدلب وإلى بعض الجهات الخارجية لعلها تؤدي إلى تلميع صورته، كما حاول سابقاً، لكنها أخفقت جميعها في تحقيق مبتغاه”. ويؤكد هؤلاء المراقبين أن تدخل الجولاني في حراك السويداء وإظهار دعمه له بهذا الشكل “من شأنه أن يتسبب بنتائج سلبية لا سيما لجهة ربط الحراك بالمجموعات الإرهابية”.

Print Friendly, PDF & Email
عبدالله سليمان علي

كاتب وصحافي سوري، وباحث في شؤون الجماعات الإسلامية

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  من بشارة الأسمر إلى أحزاب السلطة.. حوِّل!