إبادة جماعية في غزة.. أين القانون الدولي؟

ما شهدته غزة على مدار الأحد عشر يوماً الماضية، ولا تزال، يندرج في خانة الإبادة الجماعية، بدليل مجزرة المستشفى المعمداني التي ذهب ضحيتها مئات الشهداء، بينهم موظفون دوليون ينتمون إلى مؤسسات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والأمم المتحدة.

تتعرض غزة للإبادة الجماعية على مرأى ومسمع عالم، بعضه يقف متفرجاً والآخر عاجزاً عن وضع حد لآلة القتل الإسرائيلية، التي لم تحترم يوماً القوانين الدولية والمواثيق الأخلاقية وحقوق الإنسان. الحرب لها قواعد نصّت عليها إتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاتها، والتي شكّلت مضمون القانون الدولي الإنساني، وذلك بهدف الحد من همجية الحرب وحماية المدنيين ومن توقفوا عن المشاركة فيها؛ من جرحى وأسرى وغيرهم.

يرتكز القانون الدولي الإنساني على مبادئ عدة، لم تحترمها إسرائيل. أهمها:

أولاً؛ مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين ومبدأ حظر مهاجمة الأشخاص المدنيين وكل الذين لا يشاركون في القتال. وهذا ينطبق على أولئك الجرحى والمصابين والمرضى الذين كانوا يتلقون العلاج في مستشفى المعداني ومعهم المدنيين الذين لجأوا إلى هذا المستشفى للإحتماء به بوصفه مكاناً آمناً. فإسرائيل تركز عمليات قصفها على المناطق السكنية، وتتعمد تدمير أحياء سكنية بكاملها، ولا تستثني المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس. فهي لا تميز بين مواقع عسكرية ومدنية ولا تضع أي اعتبار لما ينص عليه القانون الدولي في هذا الخصوص.

ثانياً؛ مبدأ حماية الضحايا وحظر التسبب بالمعاناة، وهذا أيضاً غير ملحوظ عند المسؤولين الإسرائيليين. فقد قرّر وزير الأمن يوآف غالانت، يوم الإثنين 10 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فرض “حصار شامل” على غزة، قائلًا: “لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود للقطاع”. كذلك قطعت إسرائيل شبكة الانترنت عن القطاع، ومنعت وصول المساعدات الطبية والغذائية. وتعرضت قافلة المساعدات المصرية لقصف من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي على معبر رفح، ما أجبرها على أن تعود أدراجها.

وقد أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بصفتها الراعية للقانون الدولي الإنساني، سلسلة بيانات حول الأزمة الناشئة في غزة، أشارت فيها إلى التجاوزات التي ترتكبها إسرائيل لقواعد قانون الحرب ومبادىء القانون الدولي الإنساني. وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد ونبّهت إلى خطورة الأوضاع في القطاع حتى قبل الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مستشفة المعمداني (مساء الثلاثاء).

وفي ما يلي بعض الحقائق التي وثقتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن واقع قطاع غزة:

– هناك مستشفى واحد فقط لكل 129000 شخص.

– الكهرباء تنقطع 20 ساعة يومياً.

– البطالة تتخطى نسبة الـ 47%.

– أكثر من 70% من السكان بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية العاجلة.

– الحياة داخل القطاع عبارة عن كابوس، لاسيما مع استمرار إغلاق كل المنافذ.[1]

تعتبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر الجهة الوصيّة على القانون الدولي الإنساني. ساهمت تاريخياً في وضع اتفاقيات لحماية المدنيين في وقت الحرب، تبلورت من خلال مقررات مؤتمر جنيف بتاريخ 21 نيسان/أبريل 1949 الذي شارك فيه 64 بلداً حيث تم إعتماد الاتفاقيات التالية [2]:

  1. اتفاقية جنيف الأولى لحماية جرحى ومرضى القوات المسلحة في الميدان.
  2. اتفاقية جنيف الثانية لحماية جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار.
  3. اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بأسرى الحرب.
  4. اتفاقية جنيف الرابعة لحماية السكان المدنيين في وقت الحرب.

وحدّد البروتوكولان الإضافيان، في العامين 1977 و2005، مجموعة مبادئ وقواعد في موادهما[3] ، يجب على البشر مراعاتها في زمن الحرب، حتى تجاه العدو، واثناء النزاعات المسلحة، أهمها: التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين، وبين المنشآت المدنية والأهداف العسكرية، وتوجيه العمليات ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وإتخاذ كافة الاحتياطات لتقليل الخسائر والأضرار بين المدنيين.

بالإضافة طبعاً إلى حظر استهداف المدنيين بالتجويع، أو حرمانهم من الماء والكهرباء والوقود وكافة الاحتياجات الأساسية التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة.

كما تنص اتفاقية جنيف الرابعة على وجوب تأمين الممرات الآمنة لوصول جميع الأدوية والمواد الغذائية والطبية إلى المدنيين حتى لو كانوا ينتمون إلى الطرف الآخر (الخصم) …

إسرائيل ترفض التقيد بكل ما تنص عليه اتفاقية جنيف. فقد قطعت الماه والكهرباء والوقود عن جميع المناطق في قطاع غزة. وتتعامل مع السكان المدنيين على أنهم أهداف مشروعة، وتعرض حياتهم للخطر: إن لم يكن بالقصف فبالجوع والعطش وقطع الدواء وحرمان الجرحى والمرضى من الرعاية الصحية .

ثالثاً؛ مفهوم الممرات الإنسانية لجهة إمكانية وصول المساعدات الإنسانية إلى منطقة فيها حرب عن طريق المنظمات الإنسانية كالصليب الأحمر الدولي. فاتفاقيات جنيف للعام 1949 تُلزم الدول في زمن الحروب ببعض الواجبات؛ فالمادة 23 من الاتفاقية الرابعة تطرح مبدأ “حرية مرور المساعدات المتضمنة الأدوية والمواد الصحية والأغذية والثياب، للسكان المدنيين”[4].

لا شك أن إسرائيل لا يحق لها منع الممرات الإنسانية ولا تملك سيادة على غزة ليكون قرار فتح الممرات الإنسانية يتطلب موافقتها كما حصل مع دول أخرى شهدت أزمات على أرضها وضمن إقليمها. أما في حالة قطاع غزة فالمسألة تتعلق بعدوان يقوم به الطرف الإسرائيلي على قطاع غزة الذي هو جزء من الدولة الفلسطينية ويتعرض لحصار مشدد منذ 15 عاماً.

إقرأ على موقع 180  سأحدثكم عن مذبحة صبرا وشاتيلا

ماذا عن الوضع القانوني لقطاع غزة؟

بعد إتفاق أوسلو عام 1993 شكَل قطاع غزة جزءاً من الأراضي الفلسطينية الخاضعة لادارة الحكم الذاتي المناط بالسلطة الوطنية الفلسطينية التي نشأت عام 1994 عقب اتفاق غزة-أريحا. وفي العام 2005، أي بعد الإنتفاضة الثانية، إنسحبت القوات الإسرائيلية من غزة من جانب واحد وبذلك توسعت صلاحيات السلطة الفلسطينية لتشمل القطاع بكامله، مع احتفاظ القوات الإسرائيلية بالسيطرة على نقاط العبور والمجال الجوي والمياه قبالة ساحل قطاع غزة. وفي 2007 فرضت القوات الإسرائيلية حصاراً على القطاع يستمر إلى يومنا هذا.

إكتسبت فلسطين الشخصية الدولية من خلال الاعتراف بها كدولة، بصفة عضو مراقب، بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة[5] رقم 67 /19 تاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012‏.

بذلك يصبح الاعتداء على السلطة الفلسطينية في إطار تمثيلها الشعب الفلسطيني خرقاً للقانون الدولي. هو إعتداء من دولة على دولة أخرى، وفي إطار تحديد الحدود الجغرافية للسلطة الفلسطينية، فالحد الأدنى المتفق عليه هو الذي أقرته الاتفاقيات الدولية ابتداء من أوسلو، أي الضفة الغربية وقطاع غزة.

أن قطاع غزة لم يكن يوماً جزءاً من إسرائيل التي لم تعتبره يوماً منطقة تابعة لها (رغم أنها احتلت القطاع منذ 1967 وحتى 2005)، “فمصطلح الاحتلال يعني سيطرة دولة ما عسكرياً على منطقة ما هي ليست جزءاً من أراضيها”، كما يقول البروفسور جورج نولته، أستاذ القانون الدولي في جامعة ميونيخ [6]. ويضيف “سيظل قطاع غزة محتلاً حتى بعد انسحاب الوحدات العسكرية الإسرائيلية. لكن سيختلف تقييم الوضع كثيراً في حال منح سكان قطاع غزة منفذاً حراً عبر الحدود مع مصر”.

خرق قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني

شكّلت مواقف الدول ذات النفوذ مخالفة للقاعدة 144 من قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني في مجال كفالة إحترام الجميع للقانون الدولي الإنساني والتي نصت على أنه “يجب ألا تشجع الدول انتهاكات القانون الدولي الإنساني من قبل أطراف النزاع المسلح. ويجب أن تمارس نفوذها، إلى الحد الممكن، لوقف انتهاكات القانون الدولي الإنساني”[6]. فمن باب المسؤولية الدولية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين والحد من التوتر في مجال العلاقات الدولية كيف يمكن أن نفسر مواقف العديد من الدول الكبرى في تخليها عن دور الوسيط النزيه الذي لطالما كان سبباً في الحد من التوترات الدولية ومنع تفاقم العديد من الأزمات الدولية.

القانون الدولي الإنساني حقيقة موجودة كما أن تاريخ إسرائيل في خرق القوانين الدولية حقيقة جلية تثبتها دماء الأبرياء ومآسي العوائل الثكلى والدمار الشامل الذي تسببت به الآلة العسكرية الإسرائيلية. كما أن الحقيقة الثابتة والمؤسفة تتمثل في عجز المجتمع الدولي عن الزام إسرائيل تطبيق القوانين الدولية وعدم محاسبتها. 

[1] الموقع الرسمي للجنة الدولية للصليب الأحمر على منصة X، https://twitter.com/ICRC_ar/status/994913828264726534?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E994913828264726534%7Ctwgr%5E9a79671e0974944055489264facda3a867cd597b%7Ctwcon%5Es1_&ref_url=https%3A%2F%2Fwww.icrc.org%2Far%2Fisrael-palestine-conflict

[2] الدكتور فيليب شبوري، مدير القانون الدولي- اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الموقع الرسمي للجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، تصريح 12 آب/أغسطس 2009.

[3] اللجنة الدولية للصليب الاحمر، ملخص إتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية لها، ط2، 2012.

[4] د عادل خليفة، مقال بعنوان ” ماذا عن الممرات الإنسانية؟”، جريدة الاخبار، 27 تموز/يوليو 2012.

[5] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ، رقم 19/67 https://www.palquest.org/ar/historictext/15381/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D8%B1%D9%82%D9%85-6719

[6] قواعد بيانات القانون الدولي الانساني، القاعدة 140، https://ihl-databases.icrc.org/ar/customary-ihl/v1/rule144

Print Friendly, PDF & Email
زياد فواز ضاهر

كاتب لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  العلاقة السعودية الإيرانية.. أبعد من فتح السفارات!