لبنان بين فرضيّتين ساذجتين فلسطينياً.. ماذا عن الخيار الثالث؟

ولّى زمن الرضوخ أمام أطراف تُعطي نفسها الحقّ بتوزيع شهادات الوطنية واتهامات العمالة منذ خروج الجيش السّوري من لبنان. إنّ المجتمع اللبناني اليوم، بغالبية مناطقه وقطاعاته وقواه، منحازٌ إلى القضية الفلسطينية، ومنحازٌإلى حقّ الشعب الفلسطيني بإقامة دولته على أرضه وعاصمتها القدس، منحازٌ إلى حقّ فلسطينيي اللجوء بالعودة إلى وطنهم والعيش فيه بكرامة وأمان

في السياق نفسه، يُجمِع المجتمع اللبناني على موقف واحد يعتبر النظام الصهيوني نظاماً مجرماً، ويعتبر الكيان الذي أسّسه هذا النظام على أرض فلسطين كياناً غاصباً معادياً، ويعتبر المشروع الصهيوني مشروعاً سيئاً وظالماً. غير أنّ هذا لا يعني أن المجتمع اللبناني يُجمع على ترجمة موحّدة لهذا الموقف من الكيان الصهيوني على أرض الواقع. فهذه المسألة ما زالت تُقسّم المجتمع اللبناني بشكل عميق وحاد، وأحياناً بشكل عنيف، منذ العام 1948 حتى اليوم.

إنّ مقاربة المسألة الصهيونية يحكمها لبنانياً نزاع تاريخي بين فرضيتين لا تخلوان من السذاجة. وإذا كانت الفرضية ساذجة، فإن المقاربة المبنية عليها ستكون خاطئة حتماً.

المقاربة الأولى: النأي بالنفس

المقاربة الأولى تفترض أنّ النظام الصهيوني لا طموحات توسّعية لديه، وبأنّنا قادرون على جلب ضمانات من الغرب بتحييد لبنان عن وحشية الكيان الصهيوني إذا تبنّينا سياسة الحياد والنأي بالنفس عن القضية الفلسطينية وعن كفاح الشعب الفلسطيني لاسترجاع أرضه. هنا سأختصر هذا الطرح بالجملة التالية: “إذا كنا لا نرى الخطر فإنّ الخطر لن يرانا”، أو “إذا نحن طمرنا رأسنا في الرمل فسوف نكون بأمان”. هذا طرحٌ ساذجٌ بالفعل. لماذا؟ لأن النظام الصهيوني هو نظام توسعيّ بطبيعته. إنّ التوسّع لا يعني بالضرورة احتلال المزيد من الأراضي المجاورة، فهذا مستبعد ببساطة لأنّه ليس هنالك من الصهاينة ما يكفي لتأسيس مستعمرات ومستوطنات جديدة، كما أنّ الكيان الصهيوني لا يمكنه تقديم تضحيات بشرية إضافية في احتلال عسكري جديد في المنطقة الواقعة بين الفرات والنيل. غير أنّ النظام الصهيوني سوف لن يرتاح قبل أن يضمن منطقة عازلة، “buffer zone”، كافية لكي تضمن أن لا تشكّل المناطق المحيطة بالكيان الصهيوني أي خطر عليه، وعدم حصول اعتداءات مباشرة على الحدود. أي منطقة عازلة قادرة على إنهاء القلق الذي يعيشه المستوطنون الصهاينة حول وجودهم ضمن الكيان الذي يُسمّى دولة إسرائيل. هذا القلق هو قلق مزمن ومتوارث ومستمرّ على الرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها النظام الصهيوني لبثّ الإطمئنان في نفوس جمهوره من خلال الدعاية والتربية والتعليم والتعبئة الأيديولوجية. بإمكانك أن تتخيل هذه المنطقة العازلة كمزيج بين النماذج التالية.

أولاً، نموذج “المجال الحيوي” أو “lebensraum” وهو من الأساسيات التي بنى عليها أدولف هتلر نظريته التوسّعية التي استخفّ بها الحلفاء يومها وكلّفتهم غالياً.

ثانياً، نموذج تنظيم الوجود العسكري المصري في صحراء سيناء وفق اتفاقية كامب ديفيد وهو وجود عسكري متدرّج ومحدود جداً بالشكل الذي يضمن أمن الكيان الصهيوني ويكفل له استمرار عنصر المباغتة.

ثالثاً، نموذجٌ متخيّلٌ لمنطقة اقتتال بين شعوب وقبائل طائفية وفاشلة اقتصادياً، دائمة الانشغال في أزماتها وحروبها وصراعاتها، بالشكل الذي يجعلها غير قادرة على منافسة الكيان الصهيوني إقتصادياً في أي من المجالات، لا بل بالعكس، يجعلها مورداً للكيان الصهيوني يُزوّده بالمواد الأولية الضرورية له للاستمرار والازدهار. فإذن تدمير لبنان إقتصادياً وإجتماعياً وسياسياً هو مشروع فعلي للنظام الصهيوني، تعاونه في ذلك طبقة حاكمة فاقدة للرؤية السياسية ولا تستند إلى أي منظومة قيم.

المصالح، وليس المبادئ، هي التي تحكم المشهد السياسي بالكامل، لا سيّما المشهد الإقليمي والدولي. إنّ الذي سيُقرّر في النهاية هو ميزان القوى، فميزان القوى هو الذي يعطي الأفضلية في التفاوض لطرف على حساب الآخر، وهو الذي يُحدّد من سوف يقبض المقابل السياسي ومن سوف يُقدّم التنازلات والتضحيات، وإنّ أي تغاضٍ عن هذا الواقع هو من السذاجة بمكان

المقاربة الثانية: عدوّ عدوّي هو صديقي

المقاربة الثانية تفترض أنّ المحور الذي يواجه العدو الصهيوني اليوم بالحديد والنار، وعلى رأسه إيران، إنّما يفعل ذلك إيماناً بالقضية الفلسطينية، وبأنّه ليس لديها أي طموحات توسّعية وبأنّها لا تريد مقابلاً سياسياً سواء على المستوى الإقليمي والدولي، أو على المستوى الداخلي في لبنان. هذه الفرضية هي من السذاجة بمكان بحيث أنّها تعتبر أن الخلاف مع محور المقاومة بقيادة إيران، هو تباين سياسي أو عقائدي فحسب، وليس تناقضاً عميقاً.. ووجودياً. بالتالي يصبح، عند مؤيّدي هذه المقاربة، شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” شعاراً مقبولاً، ويصبح منطق “الكحل أفضل من العمى” منطقاً سليماً، وتصبح مقولة “عدوّ عدوّي هو صديقي” مقولة صحيحة وليست مغالطة منطقية.

إنّ المشروع التوسّعي للأمبراطورية الفارسية ليس وهماً ولا هو بتهويل. إنّ مقولة: “داخل إيران نحن شيعة، أما خارجها فنحن فُرس” هي مقولة فعلية نجد ترجمتها على أرض الواقع. أنا هنا لا أتحدّث عن التضحيات التي يقدّمها وسوف يقدّمها المجتمع اللبناني لتأمين التغطية السياسية والكلفة الإقتصادية والإجتماعية للعمل العسكري لحزب الله في مواجهة الكيان الصهيوني انطلاقاً من الجنوب اللبناني، ولا أتحدّث عمّا إذا كان المجتمع اللبناني قادراً اليوم على أن يدفع وحده كلفة المواجهة مع الكيان الصهيوني المدعوم من الدول الكبرى، إنّما أتحدّث بالتحديد عن المقابل السياسي الذي سيطلبه محور المقاومة بقيادة إيران مقابل اضطلاعه بمهمّة المواجهة العسكرية مع الكيان الصهيوني انطلاقاً من لبنان. والسؤال هنا: هل المجتمع اللبناني قادر على تحمّل هذا المقابل السياسي، داخلياً وإقليمياً ودولياً؟

إنّ المصالح، وليس المبادئ، هي التي تحكم المشهد السياسي بالكامل، لا سيّما المشهد الإقليمي والدولي. إنّ الذي سيُقرّر في النهاية هو ميزان القوى، فميزان القوى هو الذي يعطي الأفضلية في التفاوض لطرف على حساب الآخر، وهو الذي يُحدّد من سوف يقبض المقابل السياسي ومن سوف يُقدّم التنازلات والتضحيات، وإنّ أي تغاضٍ عن هذا الواقع هو من السذاجة بمكان.

معارضون في حيرة وتشتّت وضياع

لقد انجرفت معظم مكونات المجتمع اللبناني في ذلك النزاع التاريخي بين المقاربتين، أي مقاربة “النأي بالنفس عن مواجهة النظام الصهيوني” مقابل مقاربة “عدوُّ عدوّي هو صديقي”. هذا النزاع إنّما تتحكّم فيه بالكامل أجنحة الطبقة الحاكمة والسلطة الطائفية التي تعاقبت أو تشاركت في حُكم لبنان، ولكلّ من المقاربتين جذورها التاريخية والأيديولوجية والسياسية والدينية، مهما بلغت سذاجتها. إنّي لا أبالغ حين أقول أنّ باقي المقاربات أو الخيارات المطروحة اليوم إنّما هي تدرجات، أو nuances، ضمن هاتين المقاربتين. هذا النزاع بين المقاربتين يحكم أيضاً المساحة السياسية المناهضة للطبقة الحاكمة والسلطة الطائفية، فيصيبها بالحيرة والتشتّت والضياع، ومن ثم الانجراف إلى هنا أو هناك بشكل جزئي أو كلّي، فيغيب الوضوح ويغيب الحسم وتغيب الرؤية ويغيب الطرح السياسي المطلوب.

إنّ جميع الشعارات التي رفعتها القوى السياسية الجديدة وقوى المجتمع المدني والمعارضة والتغيير، تتهافت أمام عمق التناقض بين المقاربتين اللّتين تتناولان موضوع الصراع مع النظام الصهيوني والكيان الذي يسمّى دولة إسرائيل: من شعار “كلّن يعني كلّن” الذي رُفِع في العام 2019 لمواجهة محاولات تحييد حزب الله عن رموز النظام الطائفي التي كنّا ندعو لمحاسبتها، وصولاً إلى مقولة “المنظومة الحاكمة” التي وضعناها كمحاولة للترجمة الحرفية لكلمة (regime).

إنّ القضية الفلسطينية وعلاقتها بلبنان قد أثبتت بشكل قاطع لا يقبل الشكّ أنّها مسألة لا يمكن تحييدها أو القفز عنها في أي عمل سياسي جدّي في لبنان. فلا حلّ سياسيّاً في لبنان لا يتضمّن مقاربة واضحة تحسم هذا الموضوع. إنّ المقاربتين السائدتين لا يمكن أن تقدّما حلاً سياسياً. إذ لن تنتصر في لبنان إحدى المقاربتين على الأخرى، كما لا يمكن حلّ أيّ عقدة وأي مشكلة بنفس الأدوات والطرق التي أدّت إليها. فلا بدّ من الطرح الثالث.

الطرح الثالث

بإمكانكم أنّ تتوقّعوا، لا بل أن تلمسوا، أنّ من يتبنى طرح النأي بالنفس سوف يكون أقرب إلى حلّ الدولتين الذي تدفع به الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي بشكل عام. وهو حلّ لا يمكن أن يكون حلّاً نهائياً ومستداماً لبعده عن الواقعية ولفقدانه الكامل للعدالة والإنصاف للشعب الفلسطيني بأكمله في أراضي الـ 1948 وفي الشتات وفي الضفة الغربية وقطاع غزّة. كما أنّه حلّ ينطلق أيضاً من نفس الفرضية التي تسيء تقدير النوايا العدوانية للنظام الصهيوني، وهي نوايا مغروسة في عقيدة النظام الصهيوني وفي فلسفته التوسّعية. كما بإمكانكم أن تتوقّعوا أنّ من يتبنى الطرح الثاني الذي يقول إنّ كلّ عدوّ لعدوّي هو بالضرورة صديقي سوف يكون أقرب إلى حلّ إلحاق الهزيمة العسكرية الكاملة للكيان الصهيوني، وهو طريق الحلّ الذي تنتهجه حركة حماس والذي ينتهجه حزب الله. وهذا الطريق هو أيضاً بعيد عن الواقعية في ظلّ ميزان القوى الحالي، لا سيما أنّ الدول الغربية الداعمة للنظام الصهيوني سوف لن ترتدع عن استخدام أقسى الخيارات المتاحة في حال تشكّلت خطورة فعلية على وجود الكيان الصهيوني الذي يُسمّى دولة إسرائيل، وأحد هذه الخيارات هو الخيار النووي. هذا فضلاً عن غياب النية الفعلية لدى دول المنطقة في انتهاج هذا الطرح الذي يبدو خياراً متطرفاً ضمن المناخ الجيوسياسي السائد حالياً.

إقرأ على موقع 180  الأمزجة الدفينة مسيحياً وإسلامياً.. وشهية السلطة

ماذا عن الطرح الثالث؟

إنّ الطرح الثالث هو الطرح الذي يُقرّ بأنّه إذا لم ينهزم النظام الصهيوني فإنّ ذلك سوف يكون ضربة قاضية لمبدأ العدالة في هذا العالم، والذي يُقرّ بأنّنا في لبنان لا يمكننا أن ننأى بأنفسنا عن القضية الفلسطينية أو أن نتغاضى عن وجود النظام الصهيوني على حدود بلدنا. وهو الطرح الذي يُدرك تمام الإدراك أنّ كلّ ما يحدث في فلسطين سوف يكون له تداعيات سياسية وإقتصادية وإجتماعية مباشرة وكبيرة على لبنان. وأنّ هذه التداعيات تبدأ من النوايا التوسّعية التي يملكها النظام الصهيوني، وتمرّ بأطماعه للسيطرة على موارد المنطقة بأكملها وآخرها غاز البحر المتوسّط قُبالة شواطئ لبنان وفلسطين وأيضاً شواطئ غزّة، ولا تنتهي عند التداعيات الإجتماعية مثل اللجوء وغيرها. ولكن، في الوقت ذاته، فإن هذا الطرح يُدرك تمام الإدراك أنّ طريق مواجهة النّظام الصهيوني لا تُحدّدها ولا تشقّها إيران وفقاً لأطماعها وأهوائها الجيوسياسية. وإذا كانت إيران تقود محوراً جيوسياسياً يدعو لمحاربة إسرائيل، فإنّ هذا لا يعني أن ينخرط لبنان في هذا المحور، ولا أن يصبح النظام الإيراني حليفاً للبنان أو مُقرّراً في سياسته أو وصياً عليه.

والطرح الثالث هو الذي يُدرك تمام الإدراك أنّ نهاية المشروع الصهيوني هو غاية يمكن تحقيقها ويجب العمل في سبيل الوصول إليها. غير أنّ هذه النهاية هي نهاية سياسية وليست هزيمة عسكرية ساحقة، كما تُروّج بعض القوى، ومنها المحور الذي تقوده إيران. ماذا يعني هذا الأمر وما هي ملامح هذه النهاية السياسية؟

هذا يعني أن يفقد المجتمع الإسرائيلي إيمانه بالمشروع الصهيوني بشكل كامل، وأن يتفكّك هذا المشروع، وأن يسقط نظام الفصل العنصري والاضطهاد والدولة الطائفية اليهودية، أي أن يسقط النظام الصهيوني كنظام سياسي وإقتصادي وإجتماعي. وهذا يعني تجريم الصهيونية واجتثاثها كما جرى تجريم النازيّة واجتثاثها. ويعني عودة الشعب الفلسطيني من بلدان اللجوء إلى أرض فلسطين. وهذا يعني أن يكون هناك عقد اجتماعي جديد يؤسس جمهورية ديموقراطية تعدّدية على أرض فلسطين يعيش فيها الجميع بسلام وأمان. كما أنّ الطرح الثالث هو الطرح الذي يدفع باتجاه التخلي النهائي عن نهج فرض الخيارات الخارجية على الشعب الفلسطيني، وسلوك نهج الالتزام بالذي يريده المجتمع الفلسطيني بأكمله في غزّة والضفّة وأراضي الـ 1948 وبلدان اللجوء والمهجر، انطلاقاً من مبدأ حقّ الشعوب في تقرير المصير.

أخيراً، إنّ الطرح الثالث هو الذي يُدرك أنّ غالبية المجتمع اللبناني تعرف ماذا تريد في موضوع القضية الفلسطينية. فالغالبية تريد تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، وتريد أن يتمكّن هذا الشعب من العودة إلى أرضه والعيش فيها بكرامة. ولكنّ غالبية المجتمع اللبناني، في الوقت نفسه، لا تريد أن يدخل لبنان في حرب بمواجهة العدو الصهيوني، على الأقل ليس من دون قرار وتحالف جامع يشمل جميع دول الجامعة العربية. فالغالبية لا تريد أن يدفع لبنان أثمان هذه الحرب بمفرده، كما كان الحال دائماً. سوى أنّ القرار بالحرب ليس بيد لبنان. فلا النظام الصهيوني سيتردّد بالعدوان على لبنان كانتقام جماعي من ضربات المقاومة الفلسطينية، ولا قرار الحرب والسّلم هو بيد الدولة اللبنانية التي فقدت سيادتها على القرار العسكري والأمني منذ زمن بعيد. ولذلك، فإنّ الطرح الثالث هو الطرح الذي يدفع باتجاه تضامن المجتمع اللبناني في حال وقع عدوان على لبنان. فعندها نقف معاً يداً بيد وجنباً إلى جنب.. أمّا المساءلة والمحاسبة السياسية فتكون بعد أن ينتهي العدوان. عندها فقط يكون هناك إمكانية للدفع باتجاه مسار تفاوضي بين الحكومة اللبنانية وحزب الله، هادف إلى حصر القرار في السياسة الخارجية وفي موضوع الحرب والسّلم بيد المؤسسات الرسمية التابعة للجمهورية اللبنانية.

دور لبنان

إنّ لبنان بلدٌ معنيٌّ بشكل مباشر بالقضية الفلسطينية وبالصراع مع النظام الصهيوني. فلا يمكن أن يكون دور الدولة اللبنانية هامشياً أو متلقياً كما هو الحال اليوم، بل ينبغي أن يكون دوراً قياديّاً مُبادراً لا يكتفي بالتعامل مع التداعيات. كان بإمكان لبنان أن يدفع باتجاه تأسيس تحالف أممي يؤمّن الدعم السياسي والإعلامي والمالي للشعب الفلسطيني وخياراته السياسية وكفاحه من الداخل، وذلك في إطار توجّه جامع يشمل كل دول جامعة الدول العربية. وكان بإمكان لبنان أن يعمل في المنابر الدولية وفي الجامعة العربية لتحفيز استخدام كافة أساليب الضغط الدبلوماسي والإعلامي في سبيل مواجهة دعاية النظام الصهيوني وجماعات الضغط الداعمة له، وأن يُساهم بشكل فاعل في العمل والضغط من على جميع المنابر الدولية في سبيل الوقف الفوري لإطلاق النار، وفتح معابر الإغاثة إلى قطاع غزّة، والوقف الفوري لتمدّد المستوطنات، وفرض عقوبات على النظام الصهيوني، ومحاكمة بنيامين نتنياهو وقيادات النظام الصهيوني أمام المحكمة الدولية لجرائم الحرب. أما ما الذي يمنع لبنان من القيام بهذا الدور؟ فالجواب هو: سلطة سياسية عاجزة وفاشلة، بدّدت أموال مجتمعها وثروات بلدها وموارده، وبدّدت القروض والمنح الدولية، ففقدت احترام المجتمع اللبناني والمجتمع الدولي على حدّ سواء.

العدالة للشعب الفلسطيني تقتضي سقوط النظام الصهيوني، نظام الاحتلال والفصل العنصري، وإقامة جمهورية واحدة بنظام ديموقراطي على أرض فلسطين، تعيش فيها جميع مكوّناتها بسلام وأمان، في كنف دولة قادرة على إدارة التنوع المجتمعي والثقافي، وقادرة على تحقيق المساواة الكاملة

السلام الدائم.. والعدالة الكاملة

أخيراً، إنّ التعاطف مع القضية الفلسطينية يتزايد على مستوى العالم، ولقد أسهم في ذلك تعاظم دور الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك على حساب الإعلام التقليدي الغربي الذي تهيمن عليه سرديّة الدعاية الصهيونية تاريخياً. فهذه الدعاية تجعل كلّ من يعادي المشروع الصهيوني معادياً للسامية حُكماً، وكلّ من يواجه الإحتلال الإسرائيلي ببندقية إرهابياً، وكلّ من ينحاز للقضية الفلسطينية ويقف بوجه إجرام النظام الصهيوني منحازاً إلى محور الشرّ والدول المارقة. يجب أن لا نوفّر أي جهد في سبيل انتزاع اعتراف العالم بأنّ الفلسطينيين هم أيضاً بشر، يريدون العيش بأمان وكرامة وسلام في أرضهم التاريخية، وبأن العرب أيضاً ساميون، وبالتالي فإنّ معاداة السامية لا تعني حصراً معاداة اليهود، بل تشمل كذلك معاداة العرب التي تتزايد مؤخراً في الدول الغربية، وبأن معاداة المشروع الصهيوني لا تساوي ولا بأي شكل من الأشكال معاداة السامية. والأهم، ينبغي عمل كلّ ما يُساهم في تحويل النظام الصهيوني إلى عبء سياسي وأخلاقي على الدول الغربية الكبرى.

لن يكون هناك سلام دائم في المنطقة إذا لم تتحقّق العدالة الكاملة للشعب الفلسطيني بأكمله. أي الشعب الفلسطيني في أراضي الـ 1948 وفي الضفّة الغربية وقطاع غزّة وفي بلدان اللجوء والمهجر. والعدالة للشعب الفلسطيني تقتضي سقوط النظام الصهيوني، نظام الاحتلال والفصل العنصري، وإقامة جمهورية واحدة بنظام ديموقراطي على أرض فلسطين، تعيش فيها جميع مكوّناتها بسلام وأمان، في كنف دولة قادرة على إدارة التنوع المجتمعي والثقافي، وقادرة على تحقيق المساواة الكاملة.

(*) راجع الجزء الأول من هذه المقالة: الواقع الفلسطيني الصعب.. والخيارات الأصعب 

Print Friendly, PDF & Email
ماهر أبو شقرا

ناشط ومُنظِّم سياسي، لبنان

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
online free course
إقرأ على موقع 180  دراسة أميركية: الإرهاب الداخلي لن يهز الأمبراطورية