من “إرجون” و”حيروت” إلى “الليكود”.. هذا هو معنى الإرهاب

بالرغم من أن مفهوم الإرهاب والأعمال الإرهابية ليس جديدا على المجتمع الدولى، فقد عرفه منذ قرون إلا أنه لا يوجد تعريف متفق عليه عالميا للإرهاب، «فالإرهابى» فى نظر البعض هو «مناضل» من أجل الحرية فى نظر الآخرين، وكم من أشخاص وزعماء وصموا بالإرهاب وهم يقاومون العنصرية والاحتلال والاستعمار ثم تولوا رئاسة دولهم بعد تحقيق النصر.

الأمثلة كثيرة من نيلسون مانديلا الذى قضى 28 عاما فى السجن إلى زعماء الحركة المسماة «بالجيش الجمهورى الأيرلندى IRA» الذين قاموا بأعمال تخريبية فى لندن نجم عنها مقتل الكثير من السكان المدنيين، ثم جلست معهم الحكومة البريطانية فى مفاوضات أدت إلى اتفاقية سلام سميت «باتفاق الجمعة الطيبة».
ولماذا نذهب بعيدا، ففى فلسطين كان أول من أدخل الإرهاب هى الجماعات الصهيونية المسلحة وأشهرها جماعة «إرجون» التى كان يترأسها مناحم بيجين والتى قامت بتفجير فندق الملك داود بالقدس فى 22 يوليو/تموز 1946 ونجم عن الانفجار مقتل 90 بريطانيا من المدنيين والعسكريين، كما ارتكبت مذبحة دير ياسين لإرهاب الفلسطينيين المدنيين ودفعهم للنزوح خارج فلسطين والتى نجم عنها مقتل ما لا يقل عن 107 من سكان القرية بما فى ذلك النساء والأطفال، وهذه المنظمة هى من الحركات القليلة التى دمغتها الأمم المتحدة بالإرهاب كما صنفتها كذلك كل من الولايات المتحدة وبريطانيا.
وقد وصف ألبرت إينشتاين هذه المنظمة، أى «إرجون»، والحزب الذى أنشاته فيما بعد «حزب حيروت»، بأنهما منظمات نازية وفاشية وإرهابية وشوفينية، وقد تم دمج المنظمة الإرهابية هذه فى قوات الجيش النظامى الإسرائيلى بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948.
والجدير بالذكر أن “حزب حيروت” هذا ــ الذى هو أصلا منظمة “إرجون” الإرهابية ــ غيّر اسمه فيما بعد ليصبح حزب الليكود الذى يحكم إسرائيل منذ أكثر من عشرين عاما والذى يترأسه الآن نتنياهو.. هذه المنظمة الإرهابية جعلت شعارها خريطة لكامل أراضى فلسطين والأردن وعليها يد ممسكة ببندقية ومكتوب تحتها «هكذا فقط».. أى البندقية هى السبيل الوحيد لتحقيق الهدف.
هذا الحزب الحاكم فى إسرائيل الآن الذى هو فى الأصل منظمة لا يختلف على دمغها بالإرهاب اثنان بما فى ذلك أكبر حلفاء إسرائيل وبما فى ذلك الأمم المتحدة، أصبح زعماؤه يستقبلون فى مختلف دول العالم بالترحاب.
وهنا لا بد من التنويه أن أهداف حزب الليكود ما زالت هى أهداف المنظمة الإرهابية «إرجون» ولكن مع تغليفها بشىء من الغموض، فبدلا من شعار «أرض إسرائيل على ضفتى نهر الأردن» الذى كانت تعتمده «الأرجون»، أصبح شعار حزب الليكود الآن «إسرائيل على حدود أراضيها التاريخية».

***

أنا لا أدرى فى الواقع لماذا لم نطلب حتى الآن لجنة دولية من الصليب الأحمر وغيره لزيارة المستشفيات والتحقق من ادعاء إسرائيل باستخدام حماس لها وادعائها بوجود أنفاق تحتها.. مثل هذا التحقيق الذى طالب به مدير مستشفى الشفاء سيضع حدا لهذه الادعاءات التى تبرر بها حكومة إسرائيل الإرهابية والولايات المتحدة قصف المستشفيات

نعود إلى تعريف الإرهاب الذى لم يتم التوصل إلى توافق عالمى عليه وإن كانت هناك بعض القرارات الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة التى تدرج بعض الأعمال التى يمكن تصنيفها كإرهابية مثل «ارتكاب عمل إجرامى ضد المدنيين بغرض ترويعهم أو اختطاف رهائن للضغط للاستجابة لبعض المطالب… إلخ» (قرار 1566 لسنة 2004).
أما التعريف الشامل المتفق عليه عالميا فلم يتم التوصل إليه حتى الآن، حيث تصر العديد من الدول والمنظمات الإقليمية على استثناء أعمال العنف المصاحبة للنضال من أجل الحرية والاستقلال من التصنيف الإرهابى.
فلدينا مثلا «الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب» التى دخلت حيز التنفيذ فى أبريل/نيسان 1998 والتى تنص على عدم تصنيف أعمال مقاومة الاحتلال والنضال من أجل التحرر وتقرير المصير كأعمال إرهابية، وهناك نصوص مشابهة أيضا فى اتفاقية الاتحاد الأفريقى (ديسمبر/كانون الأول 2003) واتفاقية منظمة التعاون الإسلامى (نوفمبر/تشرين الثاني 2002).
أما باقى المنظمات الإقليمية فى العالم سواء الأوروبية أو الأمريكية أو الآسيوية فهى أيضا لم تصل إلى تعريف للإرهاب واكتفت بتوصيف بعض العناصر الإجرامية التى تدخل فى نطاق الإرهاب.

***

لكن هناك شبه إجماع عالمى على أن الاعتداء على المدنيين وترويعهم هو عمل إرهابى بغض النظر عن دوافع هذا الاعتداء ومشروعيته، والسؤال الآن ــ فى رأيى ــ هل المستوطن الإسرائيلى المسلح الذى استولى على الأرض وطرد منها سكانها وبنى عليها بيتا له ولأسرته، هل يعد مثل هذا مدنيا لا يجوز الاعتداء عليه؟.
لا يختلف اثنان عن أن إقامة المستوطنات فى الأراضى المحتلة هى مخالفة جسيمة للقانون الدولى الإنسانى خاصة اتفاقية جنيف الرابعة، كما أنها جريمة من جرائم الحرب وفقا للنظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، ومخالفة جسيمة لاتفاقات حقوق الإنسان لأنها تنطوى على إهدار للحق فى الحرية والحق فى الأمن والحق فى المساواة وسائر حقوق الإنسان المدرجة فى الاتفاقيات التعاقدية الموقعة من جانب إسرائيل.
ولكن الخلاف يدول حول تعريف المستوطن وهل هو مدنى أم مقاتل، والرأى السائد أنه ــ وفقا للقانون الدولى ــ فإن المستوطن إذا حمل السلاح وساهم فى الأعمال العدائية فإنه يفقد وضعه كمدنى، وبعد أن قامت الحكومة العنصرية المتطرفة الحاكمة فى إسرائيل الآن بتوزيع السلاح على المستوطنين وقيامهم بأعمال إجرامية ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم فقد أصبحوا أهدافا شرعية للمقاومة.

إقرأ على موقع 180  جان عبيد.. الحكيم والحَكَم

***

نعود إلى السؤال الرئيسى الذى نطرحه فى هذا المقال ــ من هو الإرهابى إذن؟ ــ إذا كان المجتمع الدولى لم يتفق على تعريف حتى الآن واكتفى بتوصيف بعض الأعمال بأنها إرهابية، فلا جدال أن قتل 11500 مدنى هو عمل إرهابى، واستهداف المستشفيات هو إرهاب.. واستهداف المدارس هو إرهاب واستهداف أماكن لجوء المدنيين مثل مدارس الأونروا هو إرهاب.. واستهداف الصحفيين هو إرهاب.. وحصار المدنيين ومنع وصول ما يكفيهم من الطعام والماء والدواء والوقود إليهم هو إرهاب بل هو وارد فى تعريف العدوان الذى أقرته الأمم المتحدة.
وفيما يختص بالمستشفيات.. أنا لا أدرى فى الواقع لماذا لم نطلب حتى الآن لجنة دولية من الصليب الأحمر وغيره لزيارة المستشفيات والتحقق من ادعاء إسرائيل باستخدام حماس لها وادعائها بوجود أنفاق تحتها.. مثل هذا التحقيق الذى طالب به مدير مستشفى الشفاء سيضع حدا لهذه الادعاءات التى تبرر بها حكومة إسرائيل الإرهابية والولايات المتحدة قصف المستشفيات.
كما أدعو إلى تكليف الصليب الأحمر الدولى أيضا بالتحقق من أرقام ضحايا العدوان الإسرائيلى الذى تشكك فيه أيضا حكومة العدوان بحجة أن وزارة الصحة فى غزة تحت سيطرة حماس.. يجب سحب البساط الإعلامى المضلل من تحت أقدام المعتدين.
لقد هاجمت إسرائيل كل أجهزة الأمم المتحدة بداية من الأمين العام إلى منظمة الصحة العالمية واليونيسيف والأونروا، واتهمتها بالعداء لإسرائيل، لذلك فاختيار الصليب الأحمر الدولى لهذه المهمة المقترحة هو الأنسب.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
سيد قاسم المصري

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  حرب نتنياهو على لبنان.. حتمية