إن قراءة مختصرة للأهداف التي حدّدها نتنياهو تُبين أن إسرائيل لم تُحقّق أهدافها الاستراتيجية حتى الآن؛ نعم، هي حقّقت بعض الأهداف التكتيكية، لكن هذا لا يحتسب في مسار الجيوش، من هنا يُمكن البناء على أن حرب الستة أشهر فشلت إلى الآن، لذا يعمل نتنياهو على إطالة أمدها قدر الإمكان لتحقيق إنجازات يُرضي من خلالها الداخل الإسرائيلي ويحفظُ بها مستقبله السياسي.
ومنذ بدء هذه الحرب، سعى نتنياهو وما يزال إلى جرِّ المنطقة إلى حرب إقليمية واسعة ومفتوحة، وما يقوم به جيشه من استفزازات باستهداف مناطق لبنانية في العمق بعيداً عن رقعة الاشتباك المفترضة في جنوب لبنان، ومن إغتيالات بحق كوادر المقاومة، وكذلك ما يقوم به من استهداف لكوادر إيرانية في سوريا، يُظهر ذلك، وثمة رهان مكشوف أن إيران أو حزب الله إذا دخلا في حرب مفتوحة، فإن ذلك سيُورّط واشنطن بالحرب أيضاً ويطوي صفحة المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، ومع ذلك، فإننا نرى أن المنطقة، ومع أنها تقف على حافة الهاوية، لكنها إلى الآن تقف دون خيار الحرب المفتوحة.
الهجوم الإجرامي الذي قام به العدو الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، وارتقاء الجنرال محمد رضا زاهدي، والعميد محمد هادي حاجي رحيمي وخمسة ضباط آخرين، يأتي في سياق الاستهدافات التي يقوم بها العدو الإسرائيلي للوجود الإيراني في سوريا والتي بدأت مع انطلاق الحرب الإرهابية عليها في العام 2011، لكن هذه المرة يُحاول الجيش الإسرائيلي القول إنّ هذا الاستهداف يأتي رداً على العملية التي نفذتها المقاومة العراقية بطائرة مُسيّرة على إيلات.
بالمقابل، تأتي الضربات التي يقوم بها محور المقاومة في سياق حرب معقدة وجهتها الأساس دعم القضية الفلسطينية ومساندتها، لذا تُبذل فيها التضحيات، لكن نتائج هذه الحرب ومآلاتها ليست خالية الوفاض، فإسرائيل تتلقى ضربات مُوجعة ويُستنزف جيشها، ما يجعلنا أمام احتمال توسع رقعة الاستهدافات، لأن الكيان يرى نفسه اليوم أمام حرب وجودية.
نعم لا شك أن الاستهداف الحالي يختلف عن سابقاته لا بل هو الأخطر منذ “طوفان الأقصى”، لأن الجريمة الإسرائيلية الحالية باغتيال القادة الإيرانيين حصلت من خلال قصف مباشر لمبنى القنصلية الإيرانية، الذي يُعدُّ، وفق القانون الدبلوماسي وبحسب اتفافية فيينا للعلاقات الدبلوماسية وكذلك القنصلية، مُلكاً للدولة الموفدة بعد موافقة الدولة المضيفة، لذا تُعدُّ القنصلية الإيرانية أرضاً إيرانية في دمشق وبالتالي استهداف مبنى القنصلية الإيرانية هو استهداف مباشر ومتعمد للدولة الإيرانية، من هنا نحن أمام تصعيدٍ خطيرٍ من شأنه أن يُوسّع رقعة المواجهة بين الأطراف، وأن يُستتبع برد إيراني عليه، لأن خطورة الاستهداف تكمن في المكان المستهدف إلى جانب الشخصيات الإيرانية المستهدفة، وهو ما لن يبقى من دون رد، بعدما تجاوز الجيش الإسرائيلي “الخطوط الحمر”، بالنسبة إلى إيران.
الرد الإيراني سيأتي دون أدنى شك، وأتوقع هذه المرة أن يكون أكثر قوةً وإيلاماً للعدو، وسيكون التعامل بالمثل، لأن طبيعة الاستهداف تخطت كل القواعد، حيث حاول الإسرائيلي أن يقول صراحةً لقادة محور المقاومة إنه لا يوجد أي مكان آمن لهم، وإنه لا مشكلة لديه باستهداف أراضٍ تابعة لإيران مباشرة، كما أنه مستعدٌ لكل الخيارات ومن بينها الذهاب إلى حرب مفتوحة
وبطبيعة الحال، انطلق الحديث بقوة سواء لدء أصدقاء إيران أو خصومها أو أعدائها عن الرد الإيراني، وكذلك بدأت وسائل إعلام العدو تعمل على إحباط جمهور محور المقاومة من طبيعة الاستهداف الذي سيكون، والذي أراه آتٍ من دون أن نصل إلى الحرب المفتوحة، لكن بكل الأحوال يجب أن نُشير إلى مجموعة نقاط مهمة تبنى عليها طبيعة الردود في هذه الحروب:
1- إن معايير الانتصار في حروب الشعوب ضد الاستعمار لا تُحدّدها الكلفة البشرية، فنحن نخوض حرب إرادات لا تماثل في نسبتها.
2- المقاومة تستعد وتعمل وتُضحي وتصمد وتُراكم النقاط وهذا هو تاريخ التحرر؛ في هكذا حروب، الصبر والصمود هو سلاح أساسي لأننا في حرب إرادات.
3- الاغتيالات سياسة جبانة يستخدمها العدو، لكن نحن في حرب مفتوحة لا قواعد واضحة ومُحدّدة فيها.
4- هذه الحرب هي حرب داعمة ومساندة للقضية الفلسطينية، وهي حرب لا تماثلية وبحاجة إلى تضحيات بحجم الحدث العظيم.
5- دماء الشهداء الإيرانيين تأتي في ظل احياء “يوم القدس العالمي”، لتؤكد إيران وقوفها إلى جانب القدس بشكل حقيقي.
6- محور المقاومة يواجه اليوم أعتى جيوش العالم من ناحية التسلح والدعم والتكنولوجيا والعقل الإجرامي، ولا يواجه الجيش الإسرائيلي فقط، إنما هو في مواجهة مع القوات الأميركية أيضاً.
وفق ما تقدم، فإن الرد الإيراني سيأتي دون أدنى شك، والمتوقع هذه المرة أن يكون أكثر قوةً وإيلاماً للعدو، وسيكون التعامل بالمثل، لأن طبيعة الاستهداف تخطت كل القواعد، حيث حاول الإسرائيلي أن يقول صراحةً لقادة محور المقاومة إنه لا يوجد أي مكان آمن لهم، وإنه لا مشكلة لديه باستهداف أراضٍ تابعة لإيران مباشرة، كما أنه مستعدٌ لكل الخيارات ومن بينها الذهاب إلى حرب مفتوحة مع إيران مباشرة، حيث يُراهن كما ذكرنا على توريط الولايات المتحدة الأميركية في مثل هذه الحرب.
وعليه، فإن الرد على هذه الجريمة سيكون بحجمها وربما تماثلياً:
- باستهداف ضباط إسرائيليين عسكريين أو أمنيين.
- باستهداف مراكز حيوية إسرائيلية أو قنصليات إسرائيلية.
- باستهداف مراكز عسكرية أو أمنية إسرائيلية حساسة في المنطقة أو في الكيان.
- بتسخين كل الجبهات، للقول للإسرائيلي إنّه مهما فعل فإن هذه الجبهات لن تتوقف لأنها لو لم تكن تؤلمه لما استهدف قادتها.
- بسيناريو استهداف القواعد الأميركية على قاعدة تحميل الأميركي مسؤولية عدم القدرة على ضبط العدو الإسرائيلي.
ومع ذلك، علينا أن ننظر بموضوعية إلى أن الرد من المفترض أن لا يُوصلنا إلى حرب كبرى ربما لم يحن وقتها، خاصة أن واشنطن سارعت للتبرؤ مما حصل، وفي المقابل، ثمة من يُراكم نقاطاً وإنجازات لن يهدمها بخوض حرب كبرى يواجه فيها كل العالم الذي سوف يستنفر لدعم كيان العدو، بل إن أفضل ما يكون هو اعتماد لعبة عض الأصابع والاستنزاف الكامل للعدو، وهذا لا يثبط العزيمة بل يزيدها في حرب الإرادات.