بايدن أسير الإنكار.. و”الحلفاء” يتحوطون لـ”ترامب الثاني”!   

منذ مناظرته المتعثرة في مواجهة الرئيس السابق مرشح الجمهوريين دونالد ترامب، في 27 حزيران/يونيو الماضي، يكافح الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل بقائه السياسي في ظل تصاعد موجة الديموقراطيين والمتبرعين المطالبين بانسحابه من السباق الرئاسي قبل فوات الأوان.

المؤتمر الصحافي الذي عقده بايدن ليل الخميس الماضي، في ختام قمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، في الذكرى الـ75 لتأسيس الحلف، لم يكن جيداً إلى مستوى إسكات المطالبين بتنحيته، ولم يكن سيئاً إلى حد اعتبار أن الأمر قد انتهى بالنسبة لمسيرته السياسية.

هذا أول مؤتمر صحافي يعقده بايدن منذ تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، ويُجيب فيه على أسئلة الصحافيين. عشرة أسئلة مُعدة سلفاً، وسؤال واحد وجّهه مراسل تلفزيوني للرئيس حول ما يتوقعه من رد فعل ترامب، بعدما خلط بايدن بين اسم نائبته كامالا هاريس واسم الرئيس السابق.

يعيش بايدن حالة إنكار فيُدير ظهره لاستطلاعات الرأي ويعتبرها “غير موثوقة”، ويستشهد بإخفاق الاستطلاعات التي توقعت فوز اليمين المتطرف في فرنسا، ليتبين بعد الانتخابات الأخيرة حلول هذا اليمين ثالثاً خلف “الجبهة الشعبية الجديدة” والمعسكر الرئاسي (الماكروني) الوسطي. وفي المقابلة مع جورج ستيفانوبولوس على شبكة “إي بي سي”، لم يأخذ بايدن باستطلاع يفيد بأن نسبة القبول به هي الأدنى لرئيس أميركي يسعى إلى ولاية ثانية وهي 36 في المئة فقط.

ولا يزال بايدن يُردّد بأنه الشخص الوحيد القادر في الحزب الديموقراطي، على هزيمة ترامب، في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وفي قوله هذا تقليل من شأن هاريس بالدرجة الأولى ومن شأن الوجوه الديموقراطية الواردة على لائحة المرشحين المحتملين للحلول محله في حال قرر الانسحاب، وفي مقدمهم حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم وحاكمة ميتشيغن غريتشن ويتمر.

وفي استعارة لأسلوب ترامب، يتجاهل بايدن كل ما يجري حوله منذ مناظرة أتلانتا، ويُهوّن من أمرها، معتبراً أنّها “ليلة سيئة”، ويتجاهل ما أحدثته من ردات فعل داخل الحزب الديموقراطي، بحيث تُهدّد بإغراق الحملة الديموقرطية بالنسبة للرئاسة ومجلسي الكونغرس. ولم يتوقف عند إعلان الممثل جورج كلوني عن وقف تبرعاته مطالباً في مقال كتبه في صحيفة “النيويورك تايمز” بانسحاب بايدن والإتيان بمرشح ديموقراطي جديد. كلوني قال إنه تشاور مع الرئيس السابق باراك أوباما قبل كتابة المقال.. وهوليوود مصدر أساسي لتمويل المرشحين الديموقراطيين.

ستبقى قلوب الديموقراطيين تخفق من الآن وحتى تشرين الثاني/نوفمبر كلما أطل رئيس الولايات المتحدة ليتحدث أمام الجمهور. أما زوجته جيل بايدن وابنه هانتر وشقيقته فاليري أوينز، فيقفون إلى جانبه بصلابة ويحضّونه على عدم التنازل عن ترشيحه ومتابعة الطريق إلى النهاية. لكن أية نهاية ينتظرون؟

وماذا مثلاً عن رئيسة مجلس النواب الأميركية السابقة نانسي بيلوسي، التي وإن كانت لم تعلن موقفاً صريحاً يطالب بايدن بالانسحاب، لكنها قالت إن الرئيس مطالبٌ باتخاذ قرار الآن؟ وماذا عن عدم تأييد زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب حكيم جيفرز ترشيح بايدن عقب اجتماع معه الخميس الماضي؟ وماذا عن بدء خروج أصوات من الدائرة الضيقة المحيطة ببايدن بدأت تُشكّك بقدراته الجسدية والذهنية؟ وماذا عن تحول صحف أميركية عُرِفت بتأييدها الجارف لبايدن مثل “النيويورك تايمز” التي تطالبه في افتتاحياتها بضرورة التنحي عن السباق؟ وماذا عن المناظرة الرئاسية الثانية مع ترامب في 10 أيلول/سبتمبر المقبل؟

وماذا عن استطلاع للرأي أجرته “الواشنطن بوست” و”أي بي سي” و”إيبسوس” أظهر أن 56 في المئة من الديموقراطيين يريدون انسحاب بايدن في مقابل 42 في المئة قالوا إنه يجب أن يمضي في ترشيحه؟ وماذا عن 2 من 3 بالغين ديموقراطيين يقولون إن الرئيس بايدن يجب أن ينسحب، بينما 7 من 10 بالغين من المستقلين يطالبون بايدن بالانسحاب؟

وإذا كان بايدن قد حقّق تقدماً طفيفاً في ثلاث من الولايات المتأرجحة (بنسلفانيا وويسكونسن وميتشيغن)، قبل المناظرة الرئاسية الأولى، إلا أنه بعد أسبوعين من المناظرة، أفاد استطلاع لمعهد “فايف ثيرتي إيت” بانقلاب المعادلة لمصلحة ترامب، علماً أن بايدن لا يُمكنه الفوز بالرئاسة من دون الحصول على هذه الولايات الثلاث.

صحة بايدن لم تعد حدثاً يعني الحزب الديموقراطي وحده أو الولايات المتحدة وحدها، كما أظهرت القمة الأطلسية. شبح ترامب خيّم على القادة أكثر من حضور بايدن الذي في اعتقاد قادة دول حليفة لأميركا، أنه حتى لو فاز بايدن في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، هل يستطيع إكمال ولاية من أربعة أعوام (2025ـ2029)؟

ويتملك الذعر القادة الأوروبيون لأن الزمن هو زمن حروب من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، إلى تحالفات غير معلنة آخذة بالتشكل بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران. حتى أنّ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، رأى أن كل الإغراءات الأميركية والأوروبية غير كافية لإبعاد ثاني عملاق آسيوي عن موسكو، فاختار زيارة فلاديمير بوتين في وقت احتفال “الناتو” بمرور 75 عاماً على تأسيسه في مواجهة الاتحاد السوفياتي.

ويعترف قادة في “الناتو” بأن الحلف يواجه اختباراً غير متوقع: هل يتمكن الحلف من الحفاظ على الزخم الذي بناه في دعم أوكرانيا بعدما بات لاعبه الأكثر أهمية بهذه الهشاشة؟ كما أنهم يعلمون أيضاً أن بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ يراقبان عن كثب ما يحصل في أميركا، وهذا ما يجعل حلف “الناتو” مُتحوطاً في رهاناته في حالة فوز ترامب برئاسة ثانية. ولذا، عمل الحلف على ضمان إمدادات طويلة الأجل من الأسلحة والمساعدات العسكرية لأوكرانيا، حتى لو انسحبت الولايات المتحدة منه، في عهد ترامب.

إقرأ على موقع 180  السعودية والإمارات.. ولعبة التوازن الخطيرة دولياً

وهذا ما حصل فعلاً، عبر إعلان بايدن عن تحالف بقيادة الولايات المتحدة يضم ألمانيا وبولندا وهولندا ورومانيا، لتزويد أوكرانيا بصواريخ تكتيكية للدفاع الجوي، فضلاً عن تقديم موعد تسليم العشرات من مقاتلات “إف-16” الأميركية إلى كييف، مع إقرار مساعدات أطلسية بقيمة 40 مليار دولار، والإعلان أن أوكرانيا باتت “على مسار لا رجعة عنه” للإنضمام إلى الحلف الغربي.

ويصب في الاتجاه نفسه، القرار الأميركي بنشر صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا، والانتهاء من تجهيز قاعدة أميركية للدفاع الجوي في بولندا مهمتها اعتراض الصواريخ الباليستية.

الرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية رئيس الوزراء السويدي سابقاً كارل بيلت، قال مؤخراً إن الدول الأوروبية “سوف تحتاج إلى مضاعفة موازناتها مرة أخرى من أجل ردع التهديدات بشكل موثوق في مواجهة النظام الروسي اليائس بشكل متزايد”.

والشرق الأوسط في قلب التداعيات التي يُمكن أن تطرأ على وضعية بايدن. ولن يكون في موقع يؤهله الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتوقيع على وقف للنار في غزة وإنجاز صفقة لتبادل الأسرى. وفي قرار أميركي لاسترضاء نتنياهو قبل وصول الأخير إلى واشنطن لمخاطبة الكونغرس في 24 تموز/يوليو الجاري، قرّر البيت الأبيض الإفراج عن شحنة قنابل زنة 500 رطل كانت موضع جدل أميركي-إسرائيلي بعد قرار نتنياهو اجتياح رفح في 7 أيار/مايو الماضي. ومن غير المستبعد الإفراج عن قنابل زنة 2000 رطل قبل الخطاب حتى لا يُتهم بايدن بأنه حجب السلاح عن إسرائيل في زمن الحرب.. إلا إذا فرضت مجزرة المواصي في خان يونس (بالقنابل الأميركية) معطيات جديدة، يُمكن أن ترتد سلباً على سمعة إسرائيل الدولية!

في مقابل كل هذا الضغط على بايدن، ستبقى قلوب الديموقراطيين تخفق من الآن وحتى تشرين الثاني/نوفمبر كلما أطل رئيس الولايات المتحدة ليتحدث أمام الجمهور، في حين أن مساعديه المقربين يحاولون ابقائه بعيداً عن المقابلات التلفزيونية غير المعدة سلفاً أو المؤتمرات الصحافية. أما زوجته جيل بايدن وابنه هانتر وشقيقته فاليري أوينز، فيقفون إلى جانبه بصلابة ويحضّونه على عدم التنازل عن ترشيحه ومتابعة الطريق إلى النهاية.

لكن أية نهاية ينتظرون؟

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  وما أدراكَ ما الحرب.. جُرحنا المفتوح