“ولد الوزير رون ديرمر لعائلة يهودية في الولايات المتحدة الأميركية، وقد تلقّى تعليمه في الجامعات الأميركية والبريطانية المرموقة. ينحدر ديرمر من عائلة يهودية هاجرت من بولندا إلى الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الثانية، وقد عُرف عن عائلته قربها من الحزب الجمهوري، وصلتها الوثيقة بشقيق الرئيس الأميركي السابق جورج بوش حاكم ولاية فلوريدا عن الحزب الجمهوري، كذلك شغل والده وشقيقه منصب رئيس بلدية مدينة ميامي بيتش عن الحزب الديمقراطي قبل الانزياح نحو الجمهوريين لاحقًا. وفي ظل هذه العائلة ترعرع ديرمر الذي تقلّد مع الوقت مناصب رفيعة في جمعيات ومؤسسات يهودية- أرثوذكسية في الولايات المتحدة.
هاجر ديرمر إلى إسرائيل في العام 1997، ولعب في الدوري الإسرائيلي لكرة القدم. بدأ اسمه يظهر في العام 2001، حينما بدأ بكتابة عمود بشكل دوري في صحيفة “جيروزاليم بوست”، وذلك بعد أن سمعت الصحيفة عن إمكانياته وإشرافه على كتابة الخطابات لعضو الكنيست نتان شيرانسكي الذي عمل مستشاراً له منذ العام 1995. وقد صدر له في العام 2004 كتاب بعنوان “ميزة الديمقراطية” (صدر الكتاب باللغة الإنكليزية ومن ثم ترجم إلى العبرية)، وقد انتشر الكتاب حول العالم بشكل كبير نتيجة تبنّي الرئيس الأميركي السابق جورج بوش له وللأفكار الواردة فيه، بل ودعا الجميع لقراءته، مما عزّز من مكانة ديرمر كيهودي جمهوري في الولايات المتحدة. ظلّ ديرمر مستشاراً لشيرانسكي (عن حزب “يسرائيل بعلياه”) حتى رحيل حكومة إيهود باراك في العام 2000. خلال هذه الفترة، تعرّف ديرمر على بنيامين نتنياهو وأصبح أحد الذين يكتبون خطاباته، وأصبح مستشاراً استراتيجياً له في العام 2003 حينما كان يشغل منصب وزير المالية في حكومة أريئيل شارون، وبعد العام (2004) عيّنه نتنياهو مُلحقاً اقتصادياً لإسرائيل في واشنطن حتى العام 2008، واضطر لأجل ذلك للتنازل عن جنسيته الأميركية والاحتفاظ بالجنسية الإسرائيلية.
نتنياهو يرى في ديرمر (نتنياهو المقبل) وهو يؤمن بأفكاره خصوصًا تلك التي أوردها ديرمر في كتابه، وتحديدًا في ما يتعلّق بـ “الخطر الإيراني”، الاستيطان اليهودي، وضرورة “تعديل المناهج الفلسطينية” وغيرها من الأفكار التي يُركّز عليها نتنياهو منذ سنوات طويلة
في العام 2009، ومع عودة نتنياهو لسدّة الحكم، اختاره الأخير ليكون أحد كبار مستشاريه حيث كان أحد أهم مستشاري حملته الانتخابية، وأوكلت إليه رئاسة قسم الإعلام في مكتب نتنياهو، وكان مسؤولاً عن “صياغة الخطابات والرسائل” الإعلامية لرئيس الوزراء وخاصة في المجالين السياسي والأمني، وكذلك مسؤولاً عن قسم “الهسباراه” في مكتب رئيس الحكومة، وقد سلطت صحيفة “هآرتس” آنذاك الضوء على هذا التعيين في مقال عنوانه “مستشار لنتنياهو من تيار المحافظين الجدد: صديق لعائلة بوش”.
في العام 2013، تم تعيين ديرمر سفيراً لإسرائيل في الولايات المتحدة وظلّ في هذا المنصب حتى العام 2021، وخلال هذه المدّة عمل ديرمر المعروف بأنه الشخص المقرّب جداً من نتنياهو على إقناع الشركات الكبرى والدول كذلك بوقف التعامل مع إيران وسحب الاستثمارات أو أي شكل للعلاقة الاقتصادية مع إيران.
ومع وصول الإدارة الجمهورية الأخيرة للبيت الأبيض برئاسة دونالد ترامب، عمل ديرمر من خلال شبكة علاقاته المتشعّبة، وتحديداً في أوساط الجمهوريين الذين يربطه بهم تاريخ يمتد لشقيقه ووالده على الدفع قدماً بمشروع تطبيع علاقات إسرائيل مع بعض الدول العربية، بما في ذلك دول الخليج، بالتعاون مع طاقم البيت الأبيض، إلى الدرجة التي وصفه البعض بأنه مهندس هذا المشروع الفعلي. خلال هذه الفترة، نقل موقع “واللا” العبري أن نتنياهو قال لأحد المقرّبين منه أنه يرى في رون ديرمر ويوسي كوهين الشخصين المناسبين لقيادة إسرائيل وليس شخصية من حزب الليكود. خلال هذه الفترة، برز دور ديرمر أيضاً في وسائل الإعلام بعد أن استطاع عقد صفقة بين إسرائيل وشركة “فايزر” للأدوية، بموجب هذه الصفقة، وفّرت الشركة ملايين اللقاحات للإسرائيليين ضد وباء كورونا، وقد عبّر حينها رئيس شركة “فايزر” عن شكره لديرمر الذي استطاع أن يصنع هذا الإنجاز. يتضح الدور الكبير لديرمر في علاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة من كونه شغل هذا المنصب سنوات طويلة خلافاً لما هو معمول به في السلك الدبلوماسي لإسرائيل، ويظهر من تصريحات الجاسوس الإسرائيلي جونثان بولارد أن ديرمر كان من بين أولئك الذين ساعدوا في الإفراج عنه من السجون الأميركية.
على الرغم من كون ديرمر شخصية لا تعني الكثير بالنسبة لليهود في إسرائيل، إلّا أنها تمثل قصة نجاح بالنسبة ليهود أميركا وتحديدًا في فلوريدا الذين يشكّلون داعماً أساسياً له، وهو الأمر الذي انعكس في تدرّجه اللافت للانتباه في المناصب الحكومية الهامة
وقبل أن يتسلّم منصب وزير الشؤون الاستراتيجية في العام 2022، حصل ديرمر على منصب باحث كبير في المعهد اليهودي للأمن القومي في أميركا (JINSA). ومع تسلّمه منصب وزير الشؤون الاستراتيجية في العام 2022، لم يتم توضيح كافة صلاحيات الوزارة التي أُعيد افتتاحها بعد أن تم إغلاقها في السابق، لكن المصادر تُشير إلى أن المهام الموكلة لديرمر تمثّلت في مكافحة المشروع النووي الإيراني، تعزيز اتفاقيات التطبيع- “اتفاقيات أبراهام”، وتوسيع مشروع تطبيع علاقات إسرائيل مع الدولة العربية وتقوية وتعزيز العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومع تشكيل حكومة “طوارئ قومية” ودخول أعضاء “المعسكر الرسمي” إلى الائتلاف الحكومي، تم تشكيل “كابينيت الحرب” في إسرائيل الذي أوكلت إليه مهام اتخاذ القرارات العسكرية والسياسية المتعلقة بإدارة الحرب، وقد عيّن نتنياهو حينها ديرمر كعضو مراقب في المجلس الذي ضم 5 شخصيات فقط: نتنياهو، يوآف غالانت، بيني غانتس، آيزنكوت وديرمر. يُستدّل من هذا التعيين وأمور أخرى كثيرة حجم الثقة التي يوكلها إليه نتنياهو، الذي قام بإرساله إلى الولايات المتحدة في أكثر من مرة (منها برفقة غالانت) وتحديداً فترات التوتر في العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية قبيل الهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح، وكذلك خلال الحديث عن تعليق بعض شحنات الدعم العسكري لإسرائيل، حيث يعمل ديرمر كضابط لإيقاع العلاقة بين نتنياهو والإدارة الأميركية وشخوصها الذين هم على علاقة قوية بديرمر.
إن الثقة التي يمنحها نتنياهو إلى ديرمر إلى حد اعتباره واحداً من شخصيتين يُمكن إسناد مهمة قيادة إسرائيل إليهما، تُظهر حجم نفوذ ديرمر في اتخاذ القرارات، وتحديداً خلال حرب الإبادة على قطاع غزة، ومشاركته في الكابينيت الحربي قبل تفكيكه وخروج بيني غانتس وغادي آيزنكوت الذي عبّر عن هذا النفوذ بالقول “لقد كان نتنياهو يُدير كابينيت الحرب بدكتاتورية، وهو لا يستمع إلّا للوزير ديرمر”.
يُمكن القول، إن نتنياهو يرى في ديرمر (نتنياهو المقبل) وهو يؤمن بأفكاره خصوصًا تلك التي أوردها ديرمر في كتابه، وتحديدًا في ما يتعلّق بـ “الخطر الإيراني”، الاستيطان اليهودي، وضرورة “تعديل المناهج الفلسطينية” وغيرها من الأفكار التي يُركّز عليها نتنياهو منذ سنوات طويلة. وعلى الرغم من كون ديرمر شخصية لا تعني الكثير بالنسبة لليهود في إسرائيل، إلّا أنها تمثل قصة نجاح بالنسبة ليهود أميركا وتحديدًا في فلوريدا الذين يشكّلون داعماً أساسياً له، وهو الأمر الذي انعكس في تدرّجه اللافت للانتباه في المناصب الحكومية الهامة والثقة العالية التي يمنحها له نتنياهو”.
(*) المصدر: موقع “مدار“